رغد في القرآن المكرم
رغد لغة:
أصلان أحدهما أطيب العيش والآخر خلافه.
فعيش رغيد أي طيب وواسع. وأرغد القوم أخصبوا. والرغيدة هي الزبدة. والرغيدة هي
الحليب يغلى ثم يُذر عليه الدقيق. وأرغد الرجل ماشيته أي تركها وسومها. وارغا
اللبن أي اختلط بعضه ببعض. والمرغدة الروضة.
والمرغاد الذي تغير حاله وصار ضعيفاً. والمرغاد الشاك في رأيه لا
يدري كيف يصدره. والمرغاد الغضبان الذي لا يجيبك من شدة الغيظ ([1])
رأي المفسرين:
ذهب المفسرون إلى ثلاثة أقوال في معنى
الرغد، فابن عباس وابن مسعود يريان أنه العيش الهنيء، ويرى أبو عبيدة أن الرغد هو
العيش الواسع، ويرى مجاهد أن الرغد هو الذي بلا حساب ([2])
فإذا كان يقصد مجاهد أنه العيش الذي بلا
محاسبة، فهذا مؤكد يقيناً وأمر معروف فالله يعطي ولا يمن. وإن كان يقصد مجاهد أنه
بلا حساب إي بلا نهاية ينتهي بها فهذا باطل، فكل نعيم لزوال حتماً. أما قول ابن
عباس وابن مسعود أنه الرغد هو العيش الهنيء، فهذا باطل أيضاً فقد يكون الأكل متوفراً،
ولكن الصحة متردية، فلا هناء بدون صحة.
أما رأي أبا عبيدة بأنه العيش الواسع،
فإن كان يقصد الطعام الكثير، فهذا ممكن، ولكن لفظة كثير موجودة في القرآن الكريم،
فلا نرى صحتها.
الرغد في القرآن
{ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا
مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا }
[البقرة: 35].
{ ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا } [البقرة: 58].
{ قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ} [النحل: 112].
ورد هذا الجذر ثلاث مرات، وهو نعت للأكل
والشرب، وقد تبين لنا عدم صحة ما ذهب إليه القدماء من معاني، مثل سعة العيش أو
هناءته، أو أنه بلا حساب.
فهل يقصد بالرغد توفر الطعام مع توفر
الأمن؟
لا يبدو الأمر كذلك لأن الآية الثالثة
ذكرت الأمن والطمأنينة، مع توفر الرزق رغداً.
فهل يعني رغداً الكثرة أي كثيراً؟
لا نرى ذلك فجذر الكثير موجود في القرآن
واستبداله قد يسبب تشويشاً.
فهل يعني برغد أنه طري طازج؟
هذا هو المعقول، فالأطعمة في ذلك الزمن
لا تتوفر طازجة طرية، بل يسرع إليها الفساد والضمور، وكان العثور على طعام طازج
أمر صعب إلا في وقت ضيق جداً، لكن بعض المناطق توفر لها طعام طازج طوال السنة كما
تقول الآيات لأنها قالت: حيث شئتم. والتي تعني في أي وقت تريدون أكل الطعام، ويعود
السبب لتوفر كل الفواكه الشتوية والصيفية في تلك القرى، كذلك توفر الماء العذب
النقي طوال السنة.
وهناك آية قد تشير إلى معنى الطازج وهي
آية
{فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ } [الكهف: 19].
ولكن الزكاة هنا لا تعني طعام طازج، بل
تعني طعام لا حرمة فيه، فهو طعام حلال وهو طعام لم يأت عن غصب أو ظلم.
الخلاصة:
تبين لنا في مقال سابق أن الرزق هو
نصيبنا من الطعام والشراب، وقد وصفته النصوص هنا بأنه رغدٌ، أي طازج لم يفقد لذته ونضارته،
وهذا أمر عزيز في الأزمنة القديمة، فلا يوجد طرق لحفظ الطعام كما نرى اليوم، فهي
أطعمة رغدة أي طازجة.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك