أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

المنهج

المنهج الصحيح لدراسة القرآن وألفاظه

بعد طول الممارسة وجدنا أن هناك منهجية معقولة ومنطقية، يمكن الاعتماد عليها في سبر كلمات القرآن واكتشاف دلالتها الصحيحة، نعم القرآن المكرم واضح في خطوطه العريضة، ولكن لمن أراد مزيداً من الوضوح وانقشاع الضباب عن النصوص، فيجب عليه أن يبحث عن وسيلة لكي يستطيع الرؤية الدقيقة، فكانت هذه المنهجية التي وجدناها والله أعلم. 

وإليك المنهجية التي نتبعها: 

تجميع آيات الجذر الواحد: 

- نجمع كل النصوص التي ورد فيها الجذر المعين، وهي تشبه التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، ولكنه ليس مثله فهو يدرس الجذر وليس الموضوع، لأن الموضوع يشمل الجذر المعين ويضاف له الجذور القريبة منه ويضاف له شروحاته الأخرى في القرآن. 

- نسلم أن الجذر ليس له إلا معن واحداً فقط، أي نرفض الترادف والذي يفترض أن يسمى التطابق، وإن قبلنا التشابه والتقارب في الجذور، مثل خرج وهاجر وسافر وانقلب على سبيل المثال.  

- نضع كل الاحتمالات المعقولة في معنى ذلك الجذر. 

- نرجح أحد الفرضيات ثم نعرضه على كل النصوص التي وردت في هذا الجذر

- فإن قبلت كل النصوص ذلك المعنى المفترض تأكدنا من صحة الافتراض. 

- فإذا وجدنا استحالة أو صعوبة قبول كل النصوص لذلك المعنى لهذا الجذر استبعدنا هذا المعنى. 

- حينها ننتقل إلى الفرض التالي، ونقوم بنفس ما قمنا به في الجذر السابق. 

- فإن قبلت كل الآيات الواردة فيها ذلك الجذر المعنى الجديد، دون خلل أو تعارض قبلناه وتأكدنا من صحة فرضنا. 

على سبيل المثال: معنى الجذر "طرد" فقد نفرض أن معناه أخرجه من الدولة، فنبحث عن ذلك فلا نجده ينطبق على كل النصوص، خاصة وأن الإخراج من الدولة قد ورد في القرآن، ونحن نقول باستحالة انطباق معاني الجذور "الترادف" وأنه لا بد من وجود بعض الفروق.

 لهذا نستبعد معنى الإخراج من الدولة، فنقول قد يعني طريقة الإخراج، فلا نجد لذلك أي دليل، ثم نستقر بعد البحث الطويل أن المعنى هو الإبعاد إلى مسافة قريبة، فالطرد هو أن تبعد أحدهم من جوارك من أمام منزلك أو لو كنت في السوق أو في ندوة أو في الشارع، أي تبعدهم عن محيطك القريب فقط، والغرض هو عدم التواصل معهم، وليس تهجيرهم. 

تجميع الجذور المتقاربة:

كثير من الجذور متقاربة في المعاني، لكن ليست متطابقة أو ما يسمى بالترادف، فإذا نظرنا إلى جذرين من الجذور وجدنا تقارباً شديداً في المعنى يكاد أن يكون مترادفاً، وذلك لتساهل القدماء مع الألفاظ وعدم جديتهم التامة في البحث، سنجد أن الجذرين يتفقان على شيء ويختلفان على شيء آخر، فلكل جذر منطقته وإن اشترك مع الآخر في جزئية معينة. 

خذ على سبيل المثال جذر فعل وجذر عمل، والذي حير القدماء ولم أجد عند المعاصرين شيء مقنع، فقد تبين لي بعد طول تمحيص أن "فعل" هو أداء لأول مرة، بينما "عمل" هو الأداء المتكرر، حتى لو كان لمرتين، فلو تكرر الفعل صار يطلق عليه لفظة عمل بدلاً من فعل. 

وسبب هذا الفهم الصحيح لمعنى فعل وعمل، هو إقامة المقارنة بينهما والنظر الجيد لكلا نصوص الجذرين، ولو أن أحد الجذرين لم يذكر في القرآن، فلعله سيصعب علينا معرفة المعنى الدقيق للجذر الوارد في النصوص، أو قد يتغير المعنى بالكلية فقد يصبح معنى "فعل" مثلاً تعني الأداء المتكرر أو الوحيد. 

هذه الطريقة تبين لنا أن اللفظة المعينة (الجذر) قد خصص في القرآن لمقصد معين، أو جزئية معنية، فألفاظ الحركة : "جرى، ركض، سبح، وغيرها" لاحظنا أن الجري هو من الجرّ، فالشمس لا تتحرك بنفسها، بل هناك من يجرها على عكس الركض الذي هو حركة ذاتية كما تختلف طريقة الحركة والسرعة، فكل لفظة مخصصة لشيء معين. 

الجذور المتناقضة: 

كما أن الجذور قد تتشابه وتتقارب في المعاني، فإن بعضها يكون نقيضاً لآخر، وهذا واضح، وورد كثيراً في القرآن، فإن عجزنا عن فهم أحد الجذور بحثنا عن نقيضه، فإن ظهر معناه عرفنا معنى الجذر الأول بكل يسر. 

مثل جذر الخير الذي نقيضه الشر، ومثل جذر الحسن الذي نقيضه السوء، فإذا صعب علينا فهم معنى لفظة الخير، فإن لفظة الشر ستكون مفتاحاً في فهم معنى الخير، في غالب الأمر. 

ماذا لو ورد الجذر لمرة واحدة؟ 

عند ورود الجذر لمرة واحدة فقط، فإننا نتبع المنهجية التالية:

- نبحث عن جذور عربية قريبة من الجذر الغامض، ففي الغالب لاحظناً أن هناك تشابهاً وتقارباً بين الجذور العربية، فبعضها يكون في المحسوسات ويكون قريبها في المعنويات أو هناك تقارب بينهم في المعاني. 

- وقد نبحث عن المقلوب اللفظي إن وجد، مثل كلمة "جلد" و "جدل" فوجدنا أنهما يعنيان إلى الحماية والدفع ضد الأعداء، فالجلد يدفع الجراثيم عن الجسم ويقي من المخاطر، والجدل يدفع بحجج الخصم وأفكاره وعقائده لحماية النفس والعقل من خطر أفكار الآخر. 

النظر في غرض السورة أو الآية: 

- فإذا عجزنا عن إيجاد نقيض أو معاكس أو لفظ متقارب للجذر، بحثنا في غرض السورة بشكل عام وفتشنا في كل نصوصها، فقد نجد شرحاً للفظة في السابق أو اللاحق. خذ على سبيل المثال لفظة الخنس فهي لفظة غامضة، ولكن شرحها يأتي لاحقاً فهي جوار كنس، أي تجري وتكنس ما أمامها، ورجحنا بشكل جازم أنها اللابات البركانية يوم القيامة تسوق من أمامها وتطرده نحو المحشر، لوجود أدلة أخرى فأنظر الشرح هناك. 

كذلك أنظر للفظة "حوباً" التي لم ترد إلا مرة واحدة، ولكنها وردت في نص كريم يتكلم عن سرقة أموال الأيتام والورثة، وقد زعموا أنه يعني الظلم، ولكن نرجح أنه ظلم خاص، ويعني الغش والخداع بالتحديد، وهو نوع من أنواع الظلم، فلا يقصد الظلم بشكل عام كما تصوروا. 

وأفضل مثال نضربه هو ما وقع فيه المفكر محمد شحرور من خطأ، عندما اعتقد أن النساء يعني المتأخر وليس جمع امرأة، لأنه عجز عن فهم معنى كلمة الناس فوصل إلى هذه النتيجة فلو أنه رحمه الله قد نظر إلى الآية التالية مباشرة، لوجد الإجابة وهي أن النساء فعلاً هم الإناث  ﵟقُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ ﵞ [آل عمران: 15] 

 النظر في الآيات المتشابهة: 

هناك آيات متشابهة ومتقاربة، ونحسبها بمعنى واحد، ولكن الحقيقة أنها تختلف في مقاصدها، فعند النظر في تلك الآيات نستطيع أن ندرك أن كل آية تتكلم عن جزئية معنية لخدمة موضوع السورة الرئيسي. 

التعامل مع المعاجم: 

نتعامل معها بكل بساطة، فلا ننفيها ولا نبجلها، فهي محاولات مشكورة بذلها القدماء في لملمة الكلمة العربية، وفهم معانيها، فإن وجدنا شيئاً مقنعاً معقولاً قبلناه وإلا فتركناه. وقد نجد في المعاجم الأصول القديمة للكلمة، وقد نجد فيها مفتاحاً لفهم اللفظة القرآنية، وقد نجد فيها المعنى الحسي المادي للكلمة ويكون أيضاً باباً لفهم الكلمة القرآنية.

على أنه يجب الحذر من خطأ وقع فيه القدماء عليهم -سحائب الرحمة- وهي أنهم تأثروا بالمذاهب والعقائد، أو تأثروا بالتعليم المدرسي، فصار تفسير الفقهاء أو أهل العقائد للفظة القرآنية هي المحك والمرجع، فصارت معاجمهم مشبعة بهذه الطريقة في فهم اللفظة القرآنية، فليس كل لفظة قد سُجلت عن العرب، بل تأخر القوم في تسجيل الألفاظ، فلم يجدوا إلا تأويلات الفقهاء وتفسيرات أهل العقائد، كمرجع لفهم اللفظة القرآنية. 

إن أفضل المعاجم الذي نراه مناسباً هو المعجم التاريخي الذي يدرس اللفظة منذ نشأتها إلى تطورها، فقد نجد في أصل اللفظة القديمة، تفسيراً وشرحاً للفظة القرآنية المستحدثة. على أن القرآن المبجل قد استحدث ألفاظ جديدة ومعانٍ أجد لألفاظ قديمة، ولكنه لم يتركها بدون شرح، مثل لفظة الصمد ولفظة القارعة وغيرها من الألفاظ. 

نظرية سياق النصوص لا تصح:

لأنهم لا يبذلون الجهد الكافي، فإن القوم ينظرون للنص الكريم، فإن وجدوا لفظة قد يعرفونها أو لا يعرفونها، فإنهم ينظرون لكامل النص ويزعمون بشيء اسمه سياق النص، ومن خلال هذا السياق يرون أن اللفظة المنظورة تعني كذا وكذا! 

لماذا؟ لأن سياق النص يرجح ذلك. 

وبهذا صارت اللفظة تعني كذا في هذه الجملة وتعني كذا في جملة أخرى، مما أدى إلى فوضى كبيرة وعشوائية وضبابية، ولو أنهم درسوا اللفظة والجذر وجمعوا كل النصوص التي تشمل هذا الجذر لكان أقرب لمعرفة معناه من طريقة " سياق النص" 

بل إن معرفة الجذر ومعناه على حقيقته يؤدي إلى فهم صحيح للنص كله، ويصحح ما أعوج من أفهامنا مما ورثناه من أهل التراث، فإن التمسك بمعنى الجذر الصحيح، قد يؤدي إلى ضرب الأفهام القديمة لكامل الآية، فيؤدي إلى تصحيح بقية الجذور ومعرفة معانيها الصحيحة كلها، وبهذا تظهر حقيقة الآية وخلوها من الغرابة أو التناقض. 

لنضرب مثلاً، تفسيرهم للجذر "أحصى" فقد قالوا إن له أربعة معانٍ، فهو يعني الحفظ والضبط في آية {لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها}، ويعني الكتابة في آية {وكل شيءٍ أحصيناه في إمامٍ مبينٍ} ويعني الحصر والإحاطة في آية { وأحصى كُلَّ شيءٍ عددًا } ويعني الطاقة والقدرة في آية {وإنْ تعدوا نعمةَ ﷲ لا تُحصوها}. 

وكل هذا باطل وبعيد عن الحقيقة، فالإحصاء كما شرحنا هو جمع الأرقام أو جمع الأشياء غير المادية، فعند اطلاعنا على كتاب أعمالنا، سوف يظهر كم مرة سرق السارق وكم مرة شرب الخمر المتعاطي وغيرهما من الحسنات والذنوب. بينما نجد "الجمع" يكون للماديات مثل جمع المال أو جمع الجنود وغيرهما. 

نظرية الترابط والتكامل: 

في القرآن خاصية عجيبة ولا أدري هل قال أحد بها من قبل وهي الترابط والتكامل – إن صحت التسمية - فنقول إن ألفاظ القرآن هي مثل البناء الكبير المكون من لبنات، ونرجح أنه بناء كالكرة، فكل جذر ولفظة وضع في موضعه الصحيح، كما أن كل لبنة وضعت في مكانها الصحيح في ذلك البناء، واللبنة في هذا البناء لا تطابق أختها، بل قد تشابهها قليلاً مثل ألفاظ: رمى، قذف، رجم. فهي لبنات متشابهة فكلها حذف للشيء، ولكن لكل لبنة خصوصيتها، كذلك ألفاظ: فرض، قسم، فصل. فهي كذلك أيضاً. 

هذه النظرية تجعلنا في شبه استغناء عن المعاجم، إذا عرفنا المعنى المشترك لهذه الألفاظ، فمثلا جذور فرض وقسم وفصل، كلها تشير إلى القسمة، فإذا عرفنا هذا المعنى المشترك المأخوذ من المعاجم وقد يكون مما هو معروف في لغة العامة، فإننا بقليل من الجهد والتأمل ندرك ما خصوصية كل لفظة، وما يشير إليه دون بقية الألفاظ المشتركة معه في المعنى. 

القرآن بركة: 

من نعوت القرآن أنه بركة، وقد شرحنا هذا الجذر وقلنا هو الاختزال والضغط، فالبركة كما فهمنا من القرآن وليس المعاجم، هو ضغط الخيرات في حيز ضيق، وتكون مخفية عن الناظر، فإذا قيل إن الأرض الفلانية مباركة، فهذا يعني أنها مترسة بالخيرات المخفية، مثل الربع الخالي المترس بالخيرات المخفية التي ظهرت اليوم لنا. 

فرغم أن القرآن يتكون من "77432" كلمة، و "326159" حرف، فإن عجائبه لا تنتهي، وما نستخرجه من علم يتجاوز مئات المجلدات، لأنه مبارك أي مضغوطة فيه المعاني بطريقة تجعله يكتفي بهذا المقدار من الكلمات والحروف، ويؤدي رسالته التي خُصص لها. 

ونعتقد أن نظرية الترابط والتكامل تفسر هذا الأمر، فإن كل لفظة مشتركة مثل فرض وقسم وفصل ووصف أو صف، تغني عن الشرح المطول، لأن كل لفظة من هذا الصنف تشير إلى شيء خاص بها، ففرض كما شرحنا تشير إلى قسمة بنظام دقيق، بينما قسم فهو يعني القسمة العامة، أما وصف أو صف، فهو يعني القسمة حسب النوع. 

وهذا يؤكد عدم الترادف، فلو كانت الألفاظ مترادفة، بمعنى متطابقة، لزالت البركة عن القرآن وصار مثل أي كتاب آخر، لكنه كلٌ متكامل ومترابط فكل لفظة هي مثل اللبنة التي تخدم عدة أغراض في البناء، لهذا كانت لكل لفظة خصوصية في المعنى، كما أن هذه الطريقة جعلتنا في غير حاجة للشروحات والكلمات المطولة فيكفي وضع كلمة معينة لنعرف المقصد الدقيق دون الحاجة إلى شرح. 

خذ على سبيل المثال جذر " أحصى" الذي ذكرناه بالأعلى في عشوائية تفسيرهم للآيات، فقالوا يعني مرة الحفظ ومرة الكتابة ومرة الإحاطة ومرة القدرة. لكن سنجد أن أحصى في هذا الموضع يعني فقط جمع الأرقام وكل ما هو غير حسي، لكن سنلاحظ أنه عندما استخدم أحصى في تلك الآيات فهو يشير بالضرورة إلى الحفظ، فلا يمكن إحصاء الأرقام دون حفظ البينات، ولا يمكن الحفظ دون الكتابة والتسجيل، ولا يمكن الكتابة دون الإحاطة بكافة المعلومات، ولا يمكن الإحاطة دون أن يكون هناك قدرة لدى المحصي. وهذا هو البركة في تلك الكلمة التي ترابطت بشكل عجيب وغريب لتنفجر منها المعاني، إذا أخرجنا بركتها وظهر لنا ما فيها من خيرات. 

هذا ما وجدناه من خلال دراستنا للقرآن وقد نضيف وقد نحذف في هذه المنهجية إذا تبين لنا ما هو الصحيح مع طول المراس. 

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني 


تعليقات