من ملك الموت؟ ومن منكر ونكير؟ وهل عذاب القبر حقيقة؟

 




 من ملك الموت؟ ولماذا يسأل منكر ونكير؟ وهل عذاب القبر حقيقة؟

ملك الموت

{ قُلْ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }  [السجدة: 11].

هو أحد الملائكة الذين وكلهم الله بنا، فلكل إنسان ملك موت خاص به، ولكن هل هو من يميتنا؟

بالطبع لا، فلا علاقة لهذا الملك بالموت، والموت يحدث طبيعياً، وإذا صار الموت فإن الله هو الوحيد الذي يتوفى أنفسنا، أي يتلاقها وهو جل جلاله يتلاقها في حالتين حالة النوم، وحالة الموت، فإذا كان الجسم قد فسد في لحظة النوم فإن الله يمسك النفس { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ}  [الزمر: 42].

فتصير في المستودع العظيم الذي من وراء البرزخ؛ لأن الجسم لم يعد يتحملها؛ فالنفس لها حمايتها وقداستها عند الله فلا يعرف سرها إلا الله. والملائكة والجن مثلنا لهم أنفسهم وهم لا يرون أنفس البشر، ولكن يرون الجسم المادي الذي أمامهم.

وهناك رواية نذكرها للاستئناس يزعمون أن الرسول عليه السلام قال: «إن الله وكل ملك الموت بقبض الأرواح، إلا شهداء البحر، فإنه يتولى قبض أرواحهم» ([1]) وهذا يعني أن الله جل جلاله هو الذي يقبض الأنفس التي يسميها التراث الأرواح وهي ليست أرواح، بل أنفس، فهو جل جلاله الذي يتوفاها أي يتلاقها ويحفظها في المستودع.

أما قوله تعالى:

﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (٢٥) كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (٢٦) وَقِيلَ ‌مَنْ ‌رَاقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ [القيامة: 23-30]

فهو لا يتحدث على صعود النفس وتلقي الملائكة لها، بل يتحدث عن مشهد من مشاهد يوم القيامة، حيث يرقى الناس إلى مرتفعات الأعراف، وتسأل الملائكة من هذا الراقي؟ وهل يستحق الدخول، ذلك أنهم يرقون الجبل صعوداً، إلى جهة الأعراف، هرباً من اللابات وبحثاً عن الطعام. وقد شرحنا ذلك في تفسير آية الأعراف، وحينها يفترق عن صحبته التي كان معها، ثم يتدافع الناس الذين لم يدخلوا الأعراف، هرباً من حمم البراكين، ثم يساقون إلى المحشر.

فما الذي يفعله ملك الموت بالضبط؟

إنه ببساطة يبعثر القبور، ويساهم في خروج الناس من قبورهم فهو ملك الموت الذي لا يميت الناس، بل يستقبل الموتى عند قيامهم من الموت.

{ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ }  [العاديات: 9].

وهذا الملك يبسط يده ليساعد المقبور على الخروج

{وَ لَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّٰلِمُونَ فِي غَمَرَٰتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلَٰئِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَ كُنتُمْ عَنْ ءَايَٰتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ}  [الأنعام: 93].

وملك الموت هذا قد وكل بنا لإخراجنا من القبور، كما وكل بنا ليسوقنا إلى المحشر، فهو يجبر الناس على المضي نحو المحشر وهو ما يسمى بالبعث؛ فالبعث هو انتقال من مكان إلى مكان لأن الله أمر بذلك.{ قَالُوا يَٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ }  [يس: 52] فمن محل إقامة الإنسان والمكان الذي يرقد فيه، يقوم هذا الملك بأمره بالتحرك فهو مبعوث.

ولكي تتأكد عزيزي القارئ فارجع إلى مفردة الوفاة ستجد شرحاً وافياً لهذا الجذر. وستجد أن كل نصوصه تتحدث عن يوم القيامة وتتحدث بالخصوص عن الملائكة التي تلاقي الناس، إلا موافاة واحدة ستكون في الدنيا هي موافاة الله للأنفس بعد موتها، وهو الوحيد جل جلاله وتعالت صفاته الذي يتلقى تلك الأنفس وتحفظ في المستودع الذي يحيطه البرزخ.

ونلاحظ أن اسم هذا الملك هو ملك الموت، وسمي بذلك لأنه ليس كائن واحد، بل مليارات الملائكة المسؤولون عن كل شخص فلكل شخص ملك موت خاص به، ولهذا لا نجد له اسم محدد مثل جبريل وميكال، فجبريل لا ثاني له وكذلك ميكال، أما ملك الموت فمثله مليات الملائكة وهو ليس مِلك الموت بالكسرة كما يقول الناس، بل مَلك الموت أي هو مجرد ملك من الملائكة. وقد سمي بهذا الاسم لأن أول لقاء يلقانا فيه هو عند غمرات الموت، فهو يوقظنا من الموت.

كذلك أزعم أن هذا الملك قد وكل بنا حتى يوصلنا إلى المحشر ونحن في سلامة، فلا نتعرض للموت، نعم قد يتعذب الكفار ويشقون في الطريق، ولكن لا يموتون، لهذا يقومون بأي عمل ينقذ الإنسان مثل انقاذ الغرقى ﴿‌وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (١) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (٢) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ﴾ [النازعات: 1-3]، فهذا الملك يعمل ضد مسببات الموت التي تصيب الإنسان، لهذا هو ملك الموت.

عذاب القبر حقيقة:

أقر بعض اليهود والنصارى بعذاب القبر، ولكن بطريقتهم. ولم يذكر عذاب القبر في التلمود والتوراة، بل ذكر في القبالا، فيقوم ملكٌ بسؤال الميت عن اسمه فإن عرف وإلا قام بقطع أطرافه كلها، ثم يعيد الملائكة له أجزاءه بعد حين ثم يسألونه نفس السؤال فينال نفس العقاب، إلى أن تقوم الساعة.

أما عند النصارى، فلا عذاب في القبر في منطقة الجحيم إلا عذاب الروح من خوف وقلق، فيتذكر الميت كل خطاياه، إلى أن تقوم الساعة. أما في منطقة جهنم فعذاب الروح والجسم في داخل نار أبدية. ([2]) ويتفق معهم الشعراوي في هذا الرأي، فعذاب القبر معنوي وليس حسي.

 عذاب القبر في المرويات وتصحيحها بالقرآن:

يزعمون أن الرسول أشار إلى أن الملائكة تأتي قبر الإنسان وفي يدهم مطارق لقمعه، فتعجب أحد الصحابة، وبين أن عقل الإنسان سيذهب من هؤلاء الملائكة. فرد عليه الرسول بهذه الآية الكريمة: ﴿يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ‌بِٱلۡقَوۡلِ ‌ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَۚ ﴾ [إبراهيم: 27]

أي أنه سوف يثبت المقبور من رعب الملائكة، وهذا عجيب حقاً فالآية تتحدث عن تثبيت في الدنيا وفي الآخرة وليس في القبر. أما القول الثابت فهو الكلمة الطيبة كما يقول النص السابق لهذه الآية، وهي الصراط المستقيم أي الوصايا العشر التي جاء بها كل الأنبياء، ومنها شكر الله وعدم الشرك.

ومن المرويات أن هناك تسعة وتسعون تنيناً يلدغون الكافر في قبره ([3]) فإن صحت هذه الرواية فهي ما ذكرته الآيات القرآنية عن كائن هو الدابة، فالإنسان عندما يخرج من قبره تخرجه الملائكة، لا يذهب بعيداً عن قبره، وقد يجعله مرقداً له، فتأتي الدابة التي تسميها الرواية بالتنين، فتطرده باللسع، وقد شرحنا ذلك في كتابنا دار السلام حيث بينا أن تفسير مفردة تكلم الناس أي تجرحهم. ([4])

إلباس الناس بعد خروجهم من القبر:

ومن المرويات عن الرسول الكريم، أن الملائكة تنزل من السماء بيض الوجوه ومعهم كفن وحنوط. يقفون من الشخص على مسافة، ولكن ملك الموت يقترب من الشخص ثم يأمر الشخص بالخروج ([5]) والراوي ظن – كذلك من جاء بعده- أن المقصود به الميت، ولكن الحقيقة أن ذلك يوم القيامة، إذ تأتي الملائكة إلى الميت ويقوم ملك الموت بإخراج الميت من قبره { وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ } ([6]) ثم يتولى ملكان آخران تنظيف الميت وغسله ثم إلباسه ذلك الكفن، ولعل تسميته بالكفن من الكفاية، أي ما يكفي لستر جسمه، ففي السريانية الكفن هو رداء الرهبان ([7]) فالملائكة تُلبس الخارج من قبره العاري تماماً ذلك الكفن، لكي يستر جسمه، فلا يصح ما يقال أن الناس عراة في ذلك الزمان، فالله قد أكرم البشر وهم في الدنيا، فكيف بالآخرة التي هي دار التكريم والجزاء.

حتى الكافر منهم يكفن ولا نعلم ما كفنه؟ لكن نفس المروية تقول إن الكافر تلبسه الملائكة المسوح، والمسوح من الثياب الغليظة وهو لبس الراهبات ([8]) ثم بعد ذلك يضعون عليه الحنوط وهي الروائح الجميلة، فإن مكوثه في القبر وعدم قدرته على الحركة في تلك اللحظة تجعله يصاب بالروائح الكريهة فتقوم الملائكة بتنظيفه.

فيبدو أن لتلك الروايات صحة، ولكن قدم العهد وبعد الزمن، حرف المعاني فجعلوا الرواية تقصد المقبور وليس الخارج من قبره. ولو فكر القوم قليلاً فما حاجة الميت إلى الكفن وهو مكفن وما حاجته للعطور وهو قد تحلل جسمه وتعفن. فإن قيل إن الكفن هنا روحاني وكذلك العطور روحانية، فنقول كان الواجب أيضاً أن يحصل عليها الإنسان في الدنيا، فكما أن روحه عارية في القبر، فكذلك هي روحه في الدنيا عارية. أليس كذلك يا أولي الألباب.

 منكر ونكير:

هل ملك الموت هو منكر ونكير؟

جاءت روايات كثيرة عن ملكين اسمهما منكر ونكير أو المنكر والنكير، معرفان بأل التعريف ([9])  فهما كما تزعم الروايات يدخلان القبر يقعدان الميت أو يجلسانه ويطرحان عليه الأسئلة العقائدية. فإن أجاب، فقد نجى، وإن تأتأ فليس له إلا الضرب.

والذي نؤمن به جزماً أن منكر ونكير سيكونان بعد خروج الناس من قبورهم، وأن كلامهم للناس هو (أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ) كما بينا بالأعلى. ولا ندري هل منكر ونكير هما ملك الموت، وأن الرواية حدث فيها تشويش فظن الراوي أن الرسول يتحدث عن ملكين، بينما هما ملك واحد لم يسمه القرآن إلا بصفته وهي ملك الموت الذي يوقظ الناس من موتهم.

وقد سماه الرسول منكر أو نكير ([10]) لأن فيه غلظة على الكفار، كما حدث مع إبراهيم عليه السلام الذي قال عن تلك الملائكة الغلاظ الذين جاءوا بعذاب قوم لوط {قَالَ سَلَٰمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ }  [الذاريات: 25]. ذلك أن ملامحهم غليظة ومخيفة يتطاير الشر من أعينهم بسبب المهمة التي سيقومون بها {قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ}  [الحجر: 52] ذلك أن الغلظة لا تتفق وطبيعة البشر السوية وإنها توحي  بعداوة وظلم وبغي ([11]) فلهذا يفيق الظالم من الموت ليجد شخصاً غليظاً فيستنكره لتصرفه العجيب، ولكلامه المخيف. ذلك لأننا بينا أن البشر يفقدون الذاكرة عند الخروج من قبورهم حتى يحين موعد استلام الكتاب الذي يذكرهم بكل أفعالهم.

فلهذا كان ذلك الملك الذي يخرج الكافر من قبره منكر، لما في وجهه من شر وما في سلوكه من غلظة، ويقول القرآن أن هناك ضرب يقوم به الملك {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَٰرَهُمْ}  [الأنفال: 50].

ويتعجب الظالم الذي قام من الموت، مما يقوله الملك له من تهديد ووعيد، فهو قد نسي كل شيء نسي اسمه ورسمه وهويته وماضيه، فيحاول أن يلاطف الملك بطلب السلام والدفاع عن نفسه أنه لم يعمل سوء قط. وكل ذلك عند قبره ﴿ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ‌ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ﴾ [النحل: 28] لاحظ هنا أن الملائكة لم تقل نحن نعلم ما عملتم من سوء، بل بينت أنها تجهل الأمر ولكن ثبت عندها أنهم ظلمة وأشرار بطرح تلك الأسئلة.

الإجلاس والإقعاد:

وتقول الروايات أن هذين الملكين يجلسان الشخص وفي رواية يقعدانه، ولو كان هذا الأمر يحدث في عالم البرزخ، فإنهما في غير حاجة لإجلاسه لأنهما يتعاملان مع نفس وليس جسم، فأما والحديث يقول إنهما يجلسانه فهذا يعني أنه بعد بعثرة القبور، حيث لا يقوى الإنسان على الحركة فيقومان بإجلاسه لأنه في حالة تمدد ورقاد ([12])

لماذا منكر ونكير يسألان الميت؟

ويبقى السؤال لماذا يسأل منكر ونكير، القائم من الموت تلك الأسئلة من ربك وما دينك؟ ببساطة حتى يتبين لهما حقيقة هذا الشخص هل هو من الظالمين أم من الطيبين، فالملائكة لا تعلم الغيب الذي صار في الدنيا، وإنما يعلمه الله وحده، فهي تستخبر الشخص لكي تعرف حقيقته، فتتعامل معه على أساس إيمانه أو كفره.

وهناك آية كريمة قد تؤكد موضوع الأسئلة يوم القيامة فالملائكة تريد جمع محصلة لما في قلب الإنسان وصدره من إيمان وخير فتقول الآية الكريمة ﵟأَفَلَا يَعۡلَمُ إِذَا بُعۡثِرَ مَا فِي ٱلۡقُبُورِ ٩ وَحُصِّلَ مَا فِي ‌ٱلصُّدُورِ [العاديات: 9-10] فالملائكة تتعرف على الشخص من خلال تلك الأسئلة، فتعرف هل هو من الطيبين أم الأشرار.

وبعض المسلمين ضل وصار يغشش الميت بنوع تلك الأسئلة فيظن أن الميت يسمع، وحتى لو سمع سينسى، لأن الأمر لا يستقر إلا بقوة الإيمان واليقين وليس بالمعلومات التي تُفقد وتزول. فتلك الأجوبة لا تستقر في العقل الذي يفقد الذاكرة، بل تستقر في القلب والفؤاد، من قوة الإيمان واليقين. وأنظر أسفل المقال مقطع لهذا التلقين الذي لا فائدة منه.

على أن هناك آيات قرآنية تشير إلى صفات جسمانية لدى الظالم، فقد تكون هي التي يعتمد عليها منكر ونكير في التفريق بين الطيب والظالم، مثل سواد الوجه ﵟ‌وَيَوۡمَ ‌ٱلۡقِيَٰمَةِ ‌تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسۡوَدَّةٌۚ أَلَيۡسَ فِي جَهَنَّمَ مَثۡوٗى لِّلۡمُتَكَبِّرِينَﵞ [الزمر: 60]  أو قبح الشكل ﴿وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ هُم مِّنَ ‌ٱلۡمَقۡبُوحِينَ ﴾ [القصص: 42].

توسيع القبر للشخص:

في الروايات أن القبر يوسع للميت المؤمن (وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ) ويضيق للكافر. وهذا معقول فإن الملائكة التي تتولى العناية بالشخص الذي عاد للحياة يوم القيامة، فيخرجونه من قبره ثم يوسعون قبره له، لأنه سيظل فيه مدة طويلة حتى تحين الساعة وينطلق الناس إلى المحشر، بينما الكافر فيهمل ويترك ويضيق المكان الذي يجلس فيه وينام، حتى تحين لحظة الحشر والحساب. ([13]) ولو كان الكلام عن الميت وعن روحه (نفسه) فما فائدة ضيق القبر أو توسعه وهو في عالم روحاني وليس مادي.

بل المرويات تتحدث عن عالم مادي جديد بعد الخروج من الموت، فالعائد إلى الحياة يظل بجوار قبره وحيداً لا يعرف الناس ولا يعرفونه، فتقوم الملائكة بإصلاح قبره له إن كان من الصالحين وتجعله خضراً ويفرشون له من الجنة ([14])  كما تقول الروايات توسع له قبره، فيستطيع السكن فيه إلى أن يحين النداء إلى المحشر. وإن كان من الظالمين فيحدث العكس وهو تضييق مكانه وعدم الاهتمام به.

وقد تقصد المرويات بضيق القبر، أن الميت عندما يفيق من الموت يجد صعوبة في الخروج من قبره، لتحجر التراب من حوله فلا يستطيع الخروج، فهذا هو ضيق القبر، ولكن الملائكة تأتي لتبعثر القبر وتوسع له لكي يخرج، ولكن بعد معاناة وبعد أن تطلب منه أي يمد يده لكي يسحبوه (باسطوا أيديهم). أما المؤمن فيخرج بسهولة لأن ما حوله هو مجرد تراب يسهل دفعه.

التبشير بالجنة والرضى:

وتؤكد الروايات أن من أفعال تلك الملائكة، التبشير. تروي الأحاديث: (أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ) ويقولون له أيضاً: (أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ) وهذا الكلام يؤكد يقيناً أن الحوار سيكون بعد العودة للحياة فإن هؤلاء الملائكة يقولون (أخرجي إلى) ولو كانوا يكلمون الميت لما قالوا له أخرج، فإين سيخرج وهو في قبره ولم يحن وقت الخروج؟ وإنما هو كلام للميت الذي بُعثر قبره، يأمرونه بالخروج من قبره، بكلام لطيف، كذلك في النص الثاني يبشرونه بما يسره، وهذا لم يرد في القرآن إلا يوم القيامة وفي عشرات الآيات الكريمات. {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَٰئِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }  [فصلت: 30]. ثم هم يقولون له (هذا يومك) وهذا يعني أنه يوم القيامة فلو كان في قبره لما قالوا له هذا يومك، بل قالوا له ستعود للحياة من جديد يوما ما.

 

عذاب الوعيد

وعذاب القبر للعائد إلى الحياة هو يوم الوعيد وليس يوم العذاب { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ }  [ق: 20] فلم تحن بعد لحظة العذاب الذي يأتي بعد الحساب، بل هو عذاب معنوي أي وعيد بالتخويف والتهديد والإرعاب كما تقول المرويات، التي ظن ناقلوها أنها تقع على الميت الذي لا شعور لديه ولا إحساس.

ولهذا سنفهم ظاهرة عجيبة في تلك الفترة وهو أن الطيبين يسارعون نحو المحشر لأن الملائكة بشرتهم بخير وسلام، ولهذا يسميهم القرآن السابقون السابقون. بينما أهل الظلم فلا يريدون التحرك من مكانهم لأن الملائكة توعدتهم بمصير أسود في مكان متقدم، ولولا الدابة التي تؤذيهم ولولا النيران التي تطاردهم لما هربوا نحو المحشر. ([15])

 

ملاحظة مهمة:

قبل أن نختم الحديث عن عذاب القبر، يجب أن ندرك أن الإيمان به تحصيل حاصل، فالقرآن أكد على خطورة عدم الإيمان باليوم الآخر وعودة الناس للحياة، فذلك ما يوجب النار، أما عذاب القبر على فهم أهل الرواية، فلم يرد نص يؤكده، وأن أهل الرواية ليس لديهم إلا المرويات فلا سند في القرآن على كلامهم، ولا دليل على كفر من ينكره، ولكن بعد النظر والتمحيص يتبين لنا أن عذاب القبر وهو عذاب معنوي من قلق وخوف، للأحياء وليس للأموات، وأنه أول يوم من أيام يوم القيامة، وأنه سيستمر لفترة حتى تحين الساعة، وأنه رعب للظالم، ونعيم للمؤمن. وأنه لا يكون للإنسان إلا بعد أن يسترد جسمه من الموت «‌فتعاد ‌روحه ‌في ‌جسده» ([16])  أي يعود للحياة يوم القيامة.

الخلاصة:

نستخلص من خلال الروايات والآيات، أن ما قيل إنه عذاب قبر هو الوقت الذي يخرج فيه الميت من قبره بمساعدة الملائكة، وأنها تكون غليظة مع الظالم، ولينة مع الطيب، وأن عذاب القبر حقيقة واقعة، ولكن صاحب القبر لم يعد ميتاً فقد عاد إلى الحياة من جديد، فيستقر في قبره بعد أن تساعده الملائكة في تزيينه واخضراره، فكأنه روضة من جنة، بينما الكافر فيظل في قبره فيتحول إلى جدثٍ مقفر. وذلك يحدث فيما يسمى بيوم القيامة بعد النفخ مباشرة. حيث يظل الناس عند قبورهم، لا يحيدون عنها حتى تحين الساعة.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني

 



([1]) موسوعة التفسير المأثور (17/ 581):

([2])   أنظر هنا   https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D8%B0%D8%A7%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%B1

([3]) «صحيح الكتب التسعة وزوائده» (ص328)

([4]) { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِءَايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ }  [النمل: 82].

([5]) «مسند أحمد» (30/ 499 ط الرسالة)

([6]) [الانفطار: 4].

([7]) «تكملة المعاجم العربية» (9/ 117)

([8]) «تهذيب اللغة» (7/ 68)

([9]) «الشريعة للآجري» (3/ 1288)

([10]) «الشريعة للآجري» (3/ 1288)

([11])  توحي الروايات عن تلك العلظة المنكرة في منكر ونكير فتقول المرويات أنهما أسودان، صوتهما كالرعد، أعينهما كالبرق الخاطف. أنظر: «إثبات عذاب القبر للبيهقي» (ص81)

([12]) «إثبات عذاب القبر للبيهقي» (ص81) «السنن الكبرى - النسائي - ط الرسالة» (2/ 472)

([13]) أنظر: «صحيح البخاري» (2/ 98 ط السلطانية) «مصنف ابن أبي شيبة» (7/ 228 ت الشثري)

([14]) «شعب الإيمان» (1/ 611 ط الرشد) من جملة المرويات يتبين أن الملائكة تجهز المكان للقائم من الموت، لهذا تسمى يوم القيامة لقيام الناس من الموت، ثم يجلس في مكانه حول قبره إلى أن تحين الساعة، والساعة لحظة زمنية قصيرة مجرد أيام يحدث فيها الزلزال العظيم والدمار الهائل فيهرب الناس إلى المحشر.

([15]) تقول الرواية: "حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ عز وجل مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ "«الشريعة للآجري» (3/ 1288) والعبث ليس إعادة الخلق الحياة بل هو نقل شخص من مكان إلى آخر لمهمة يؤديها، وهذا يؤكد أنه حي في قبره فيجبر على تركه والانتقال إلى المحشر.

([16]) «جامع الأحاديث» (7/ 382 بترقيم الشاملة آليا)


أنظر مقطع التلقين 






 



([1]) موسوعة التفسير المأثور (17/ 581):

([2])   أنظر هنا   https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D8%B0%D8%A7%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%B1

([3]) «صحيح الكتب التسعة وزوائده» (ص328)

([4]) { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِءَايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ }  [النمل: 82].

([5]) «مسند أحمد» (30/ 499 ط الرسالة)

([6]) [الانفطار: 4].

([7]) «تكملة المعاجم العربية» (9/ 117)

([8]) «تهذيب اللغة» (7/ 68)

([9]) «الشريعة للآجري» (3/ 1288)

([10]) «الشريعة للآجري» (3/ 1288)

([11])  توحي الروايات عن تلك العلظة المنكرة في منكر ونكير فتقول المرويات أنهما أسودان، صوتهما كالرعد، أعينهما كالبرق الخاطف. أنظر: «إثبات عذاب القبر للبيهقي» (ص81)

([12]) «إثبات عذاب القبر للبيهقي» (ص81) «السنن الكبرى - النسائي - ط الرسالة» (2/ 472)

([13]) أنظر: «صحيح البخاري» (2/ 98 ط السلطانية) «مصنف ابن أبي شيبة» (7/ 228 ت الشثري)

([14]) «شعب الإيمان» (1/ 611 ط الرشد) من جملة المرويات يتبين أن الملائكة تجهز المكان للقائم من الموت، لهذا تسمى يوم القيامة لقيام الناس من الموت، ثم يجلس في مكانه حول قبره إلى أن تحين الساعة، والساعة لحظة زمنية قصيرة مجرد أيام يحدث فيها الزلزال العظيم والدمار الهائل فيهرب الناس إلى المحشر.

([15]) تقول الرواية: "حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ عز وجل مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ "«الشريعة للآجري» (3/ 1288) والعبث ليس إعادة الخلق الحياة بل هو نقل شخص من مكان إلى آخر لمهمة يؤديها، وهذا يؤكد أنه حي في قبره فيجبر على تركه والانتقال إلى المحشر.

([16]) «جامع الأحاديث» (7/ 382 بترقيم الشاملة آليا)

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -