تفسير قوله تعالى: ألزمناه طائره في عنقه

 



تفسير قوله تعالى ألزمناه طائره في عنقه

{ وَ كُلَّ إِنسَٰنٍ أَلْزَمْنَٰهُ طَٰئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ كِتَٰبًا يَلْقَىٰهُ مَنشُورًا }  [الإسراء: 13].

استشكل على أهل التراث هذا النص الكريم، فحاولوا تفسير النص بكل الطرق حتى أن بعضهم بلغ به الأمر أن اختلق قراءة جديدة للنص الكريم وزعموا أنها قراءة أبي بن كعب (وكل إنسان ألزمناه طآئره في عنقه يقرؤه يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) ([1]) وهذا النص مفترى من قبل المنافقين واليهود، الذين سربوا مثل هذه الأكاذيب على المسلمين البسطاء.

وهناك من كان يرى أن الطائر هو عمله الذي سجل منذ الأزل فهو يلازمه في عنقه فلا يستطيع مخالفته ([2]) وهو رأي الحسن البصري أيضاً ([3]) وهذا يعني أن الإنسان مسير لا مخير مجبور على أفعاله وفي هذا اتهام لله جل جلاله بالظلم، عن غير قصد منهم.

        وذهب بعضهم مذهباً غريباً، فقال إن الطائر هو قلادة في عنق الإنسان تكتب فيها نسخة من عمله ([4]) وبعضهم قال: إن الذي في العنق هو صحيفتك، تُجعل في عنقك في قبرك ثم تخرج معك كتاباً منشوراً ([5]) وهذا القول يخالفه القرآن لأن استلام الكتاب لن يكون في أول القيامة، بل في آخرها بعد المحشر.

 وينقل الرازي أقوال حول النص منها:

ففي تفسير لفظ الطائر، قولان: أن الطائر كان له تقدير عند العرب ويتفاءلون به ويتشاءمون على حسب مروره فإن مر عن يمينك ففالك الخير، وإن مر على يسارك ففالك الشر، لهذا لكثرة استخدامهم لهذا المصطلح صار العمل خيره وشره يعبر عنه بالطير، فتفسير النص حسب الرازي أن كل إنسان ألزمناه عمله في عنقه، وإني لأتعجب لماذا لم يستخدم النص مفردة (عمله) مباشرة دون الحاجة لهذا الاجهاد على الناس في فهم النص. ([6])

أما القول الثاني الذي ينقله الرازي، فهو أن الطائر هو الحظ أي أن الطائر هو ما طار له من خير أو شر، أي أن الله كتب حال الإنسان منذ الأزل من عقل وعلم ورزق وسعادة أو شقاوة، فلا يمكن للإنسان أن يخرج عن هذا المكتوب، فهذا القدر يطير إلى صاحبه ولا ينفك عنه ولهذا استخدم طائره؛ فالإنسان مسير مجبر، ولن يخرج عما هو مكتوب، ثم ذكر حديثاً منسوباً إلى النبي " جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ".([7]) 

على أن أحد السلف حاول الاقتراب من المعنى ويسمى يزيد، فزعم أن الطائر يخرج هذا الكتاب يوم القيامة ([8]) ولكن لم يشرح لنا من هو هذا الطائر وكينونته، وما وظيفته.

 التفسير الصحيح للآية الكريمة:

        شرحنا في القاموس أن الطير تأتي بمعنيين إما أن تكون تلك الكائنات الحية التي من حولنا كالدجاج والعصافير والصقور وغيرها، أو هي الملائكة لأنها تطير وهو يشكل معظم نصوص الطير، وفي هذه الآية الطائر هنا هو الملك الموكل بك وهو ملك واحد، مسؤول عن تسجيل أعمالك ومسؤول عن حمايتك حتى آخر لحظة من حياتك.

وموقع هذا الملاك في العنق مناسب، لكي يسمع كلامك فيسجله {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]. وقد لا يكون الملك موكل بنفسك بعد موتها {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ}  [الزمر: 42]. فالله جل جلاله، هو من يتولى نفسك عند موتها وعند نومها.  

ولو عدنا إلى النص نجد أن هذا الملك الطائر ملزوم بك فلا يتركك مدة عمرك كلها ولو كانت ثمانين سنة أو أكثر، وهذا الأمر هين عندهم فهم مخلدون لا يموتون، كما سوف نشرح في كتابنا عن الكائنات الثلاث.

ثم بعد ذلك بعد أن تقوم من الموت ستجد الملك قد اتقن في تسجيل أعمالك، وستجد كتابك منشوراً بعد طيه، فهذا هو عمل طائرك الذي عند عنقك قد سجل أعمالك واتقن عمله لهذا قال القرآن في الآية التالية لتلك الآية ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الإسراء: 14] 

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1])موسوعة التفسير المأثور (13/ 76):

([2])موسوعة التفسير المأثور (13/ 79):

([3])موسوعة التفسير المأثور (13/ 80):

([4])موسوعة التفسير المأثور (13/ 81):

([5])موسوعة التفسير المأثور (13/ 82):

([6])تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (20/ 308)

([7])تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (20/ 309)

([8])موسوعة التفسير المأثور (13/ 77):



تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -