تفسير قوله تعالى وأشرقت الأرض بنور ربها
.
{
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَٰبُ وَجِايءَ
بِالنَّبِيِّنَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا
يُظْلَمُونَ } [الزمر: 69].
عندما
تتفجر الأرض وتنشق السماء يحل الظلام الدامس، إلا من أضواء قليلة تصدرها النيران
من حولهم، أو البروق التي تتكاثر مع وجود البراكين واللابات والأدخنة، فالشمس لم
تعد قادرة على اختراق تلك الحجب الكثيفة من الدخان الهائل الصادر من البراكين.
حينها
يأتي نور الله جل جلاله فيمزق ذلك الظلام في لحظة الحشر والحساب
وذلك
النور يشرق من المشرق، فكأنه شمس أخرى أقوى من تلك الشمس، أو قد يكون العرش ذاته،
الذي تحمله الملائكة هو مصدر الضوء { وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ
عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَٰنِيَةٌ } [الحاقة: 17].
على
أننا يجب أن نفرق بين الضوء والنور، فلم يوصف ضوء الشمس بالنور، بل قال عنه ضياء
وسراج، وقال عن ضوء القمر نور، فلعل ذلك الضوء يكون خافتاً مريحاً للنظر، وليس كضياء
الشمس، فقد يكون ذلك النور مصدره الشمس، ولكنه خافت لشدة الدخان والغبار السماوي،
وقد يكون مصدر آخر للضوء كالعرش أو غيره لكنه يشرق مثل الشمس ثم في الختام سيغرب.
{
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} [نوح: 16].
{
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} [يونس: 5].
وعندما
يصف ذلك الشعاع بالنور الذي سيكون يوم القيامة، فهو يؤكد أنه سيكون ضوء خافت مريح،
ولكنه في نفس الوقت سيهدي المشاة إلى المحشر، فدائما ارتبط النور في القرآن
بالهداية، فيصف القرآن بالنور وكذلك التوراة، فكما هدى القرآن بنوره البشر في
الدنياً، فقد صار النور حسياً يوم القيامة ليهدي كل البشر إلى المحشر.
ونور
الله مثل ناقة الله { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَٰهَا
} [الشمس: 13] ومثل روح الله {وَلَا
تَايْءَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ} [يوسف:
87]. فهو ينسب إليه للملكية وللتشريف.
ثم
بعد الحساب يحل من الجديد الظلام فتذهب الملائكة بمعية العرش، ويغرب نور الله بعد
ذلك الشروق، فيتخبط الناس في الظلام من جديد إلا المؤمنين.
{ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَٰتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } [الحديد: 12].
{يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ
ءَامَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَٰنِهِمْ
يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا }
[التحريم: 8].
﴿يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ
وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا
نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ
نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ
وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ ١٣ يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ
قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ
وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم
بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ ١٤﴾ [الحديد: 13-14]
فهذا
النور يسعى أي يسير وله هدف محدد، فالسعي هو السير نحو هدف محدد وواضح، فهذا النور
يريد أن يدل المؤمنين على طريق الجنة وأبوابها، حتى لا
يضيعوا ويضلوا، ناهيك عن دوره في الإضاءة.
فاجعلنا
يا الله من أهل النور يوم الظلمات
هذا
والله أعلم
علي
موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك