هل قذفت، أم موسى ابنها، أم ألقته في اليم؟

 





هل قذفت، أم موسى ابنها، أم ألقته في اليم؟

من خلال النصين الكريمين التاليين:

1-

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ ‌فَأَلْقِيهِ ‌فِي ‌الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ﴾ [القصص: 7-8]

2-

﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طه: 38-39]

نتساءل هل قامت، أم موسى بقذف ابنها، أم قامت بإلقاء ابنها في اليم والتابوت؟

فنجد أن الله جل جلاله، قد أوحى لأم موسى مرتين، فمرة يأمرها أن تكون دائماً على استعداد، فلو أحست بأن هناك حملة لقتل الأطفال، وقد اقترب منها الجنود، ففي هذه الحالة لديها وقت جيد لكي ترضعه ثم تلقي به، والإلقاء هو وضع الشيء بكل لين وسهولة وقد شرحنا ذلك في مفردة الوفاة واللقاء، ففي هذا النص يضع لها الخطة وكيف تنفذها وفي النص التالي يغير الله الخطة لسبب ما.

أما في الآية الثانية فإنه يتحدث عما حدث فعلاً؛ فلم يأمرها بإرضاع ولا بإلقاء، بل أمرها مباشرة بقذف الرضيع في التابوت ثم قذف التابوت في اليم، لقد تغيرت الأحداث فتغيرت الخطة، ربما لأن الجنود صاروا يداهمون بخفية، أو لأن الأم كانت في حالة نوم هي وابنتهاـ، فلم تنتبها لقدوم الجنود، فمن الواضح أنهما كانتا في منطقة مرتفعة يسهل عليهما مراقبة الجنود، فتشير الآية إلى أن اليم ينحدر حتى يصل إلى الساحل الذي هو مقر بيت فرعون. 

تنبهت الأم في آخر لحظة، فأوحى لها الله أن تقذفه في التابوت، ثم تقذفه في اليم، فلا وقت لديها، والقذف كما شرحنا في القاموس هو رمي الشيء بسرعة على عكس الإلقاء وهو وضع الشيء في الأرض بكل هدوء. لقد نجحت خطتها في إنقاذ وليدها، فقد دخل الجنود فلم يجدوا أي طفل، ولم يخلد في ذهنهم أنها ستقذف ابنها في اليم، لأنه في الغالب لن تفعلها وهي الأم الحنون.

ونلاحظ أنه في النص الأول قال وأوحينا بينما استخدم في النص الثاني إذ أوحينا؛ فنجد أن وأوحينا تعني التريث والهدوء وعدم العجلة، بينما في الثانية إذ أوحينا، فنجد العجلة في الوحي لأن الأمر جلل، فكانت الأولى للتنظير في حالة المداهمة، وكان هناك وقت لإرضاع الرضيع ووضعه بهدوء في التابوت، وأما الثانية فكانت وحياً متعجلاً، نظراً للظروف الطارئة، أي أن ذلك الوحي الثاني الذي حدث كان في نفس لحظة المداهمة بينما الوحي الأول فكان قبل هجوم الجند بأيام.

وإرضاع الطفل كان ضرورة لكيلا يشعر بالجوع فترة طويلة، فأمرها الله في الخطة الأولى أن ترضعه، بكل هدوء طالما هناك وقت يستغرقه الجنود لصعود الجبل، بينما حدثت المفاجأة، فجاءها وحي ثان يأمرها بقذف الطفل سريعاً، ثم سير المولى الأحداث بقدرته جل جلاله، فجعل في موسى الطفل محبة طاغية، ثم جعل البنت تتبعه ثم أنطقها الله لكي ترشدهم إلى سيدة ترضعه، بعد أن حرم عليه المراضع؛ فكانت النتيجة أن موسى رد إلى أمه في نفس اليوم تقريباً، فلله القدرة والعزة والملكوت واللطيف العجيب والتدبير والصنعة سبحانه.

هذا والله جل جلاله أعلم

علي موسى الزهراني


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -