أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

ما معنى استفزز، يستفزوك، يستفزهم؟

 


 

ما معنى استفزز، يستفزوك، يستفزهم؟

الفزز لغة:

فز الجرح أي ندي وسال، واستفزه الخوف أي استخفه، وأفززته إذا أزعجته وأفزعته، واستفزه أي أخرجه من داره وأزعجه إزعاجاً، وقعد مستفزاً أي غير مطمئن، ورجل فز أي خفيف، والفز ولد البقر لكثرة حركته، والفز أيضاً الرجل الخفيف. ومن كلام صفية: "لا يغضبه شيء ولا يستفزه". وفزفز أي طرد إنساناً أو غيره، وعكسها زفزف أي مشى مشية حسنة، وتفاززنا أي تبارزنا، واستفزه أي ختله حتى ألقاه في مهلكة، واستفزه أي قتله، الفزة هي الوثبة مع انزعاج. ([1])

الفزز في القرآن الكريم:

لم يرد جذر الفزز إلا ثلاث مرات، أحدها في ذكر طرق الشيطان في العبث بعبيده من البشر، فقد بين الله أساليب الشيطان في إغواء أتباعه:

{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَٰلِ وَ الْأَوْلَٰدِ وَ عِدْهُمْ وَ مَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا} [الإسراء: 64].

فالشيطان يستخدم التخويف، لكي يزيد من التحكم في هذا الإنسان، فهو يقول له انتبه لا تخسر أموالك بالصدقات فتفقر، ولا تدخل المعارك فتقتل، ولا تساعد الناس فتفشل، وانشغل بنفسك ونمي مالك وربي عيالك، فلا تشارك في التضحيات، فتقعد في فقر وحسرة {إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]. وفي نص آخر { الشَّيْطَٰنُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَ اللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَ فَضْلًا وَ اللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ }  [البقرة: 268].

 

أما قوله تعالى:

{وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَٰفَكَ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 76].

فقد أراد الكفار في مكة، التخطيط لتخويف الرسول دائماً، في كل مكان ينتقل إليه في دولتهم (الأرض) وقد شرحنا أن معنى الأرض هو الدولة وحدودها، فالكفار يريدون أن يستفزوا الرسول عليه السلام بحيث يصبح مرعوباً دائماً، حتى يقرر الخروج من دولتهم، لكنهم تراجعوا عن خطتهم تلك لما فيها من قذارة لا تليق بقوم لهم قيم رفيعة مثل قريش، فلن يقبل كثير من عشائرها بهذا العمل الجبان.

أما لو فعلوها واستفزوا الرسول واضطروه إلى الهجرة بسبب التخويف، فقد توعدهم الله أنهم سيخرجون كما خرج هو ولن يعودوا إلى مكة مطلقاً، وهذا ما حدث لهم فعلاً فقد خرج الرسول بسبب المضايقة وليس بسبب الاستفزاز، ولم يلبثوا خلافه، وتم قتلهم في يوم بدر.

 

أما فرعون فقد استفز بني إسرائيل {فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَٰهُ ومَن مَّعَهُ جَمِيعًا} [الإسراء: 103].

والنصوص ذكرت هذا الاستفزاز، فقد أراد أن يعيد عادة قديمة كان يفعلها ببني إسرائيل، ولا نعلم سبب توقفه عنها لفترة، ربما الخوف من قدرات موسى وما يفعله بهم من مصائب (آيات مفصلات) لكن عاود التهديد من جديد وكان يخطط لكي يستفزهم من الأرض أي من دولته لكي يستطيع الاستفراد بهم بجنوده وإبادتهم.

 

﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ ‌وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (١٢٧) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 127-129] 

وقد حصر تهديده بمن آمن بالنبي موسى ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ [غافر: 25]

 وكان مجرد مكيدة لكي يجعلهم يهربون من مصر (استفزهم) فيبيدهم خارجها بواسطة جنوده الذين جمعهم من كل مدائنه، ففرعون له عيون ومن المؤكد أنه علم بنية موسى في الخروج، فموسى وقومه ليسوا أناساً عاديين بل هم من يهدد ملكه كما يقول كهنتهم، فأغمض عيونه وسمح لهم بالهرب ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ ‌فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ﴾ [الشعراء: 52-56] 

لأن في مصر من يعارض الإبادة ومن يعارض قتل الأطفال واستحياء النساء ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (٢٦) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (٢٧) وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ [غافر: 26-28] 

وهذا المؤمن من آل فرعون يمثل صوتاً في ذلك المجتمع، قد أسِف لما آلت إليه أمور الدولة، وفرعون من خلال النصوص في القرآن لم يكن يملك سلطة مطلقة، وكانت مصر شيعاً وأحزاب متفرقة. وقوي صوت المعارضة مع حضور موسى وظهور آيات العذاب في مصر.

وبهذا يتبين لنا أن الاستفزاز هو إثارة مشاعر الخوف بالتهديد والوعيد وتشويه الرؤية للواقع والقلق على المستقبل والخوف من نقص المال والأولاد. وهو أسلوب الشيطان في ترويض أتباعه، وكاد كفار قريش استخدامه مع الرسول لكي يخرج، واستخدمه فرعون مع بني إسرائيل لكي يخرجوا حتى يستطيع إبادتهم.

هذا والله أعلم جل جلاله

علي موسى الزهراني



([1])الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (3/ 890): النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 443): تاج العروس من جواهر القاموس (15/ 270): المعجم الاشتقاقي المؤصل (3/ 1667):

ali
ali
تعليقات