أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

ما الطير في القرآن الكريم


 

ما الطير في القرآن الكريم؟

الطير لغة:

هو خفة الشيء في الهواء، والطير جمع طائر وقد يقصد المفرد. والطير اسم لجماعة ما يطير. والطيرة يقصد بها التشاؤم من الشيء، وهناك معنى آخر للطيرة وهو الغضب، وفي حديث منسوب إلى الرسول الكريم «خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، كلما سمع هيعة طار إليها» ويقولون طير الله لا طيرك، ويقصدون به فعل الله لا فعلك الذي فيه الشر. ولا تقل طير الله، ولكن قل طائر الله.  والطائر عند العرب هو الحظ، وتطير من الشيء اشتقوه من الطائر الغراب وكل طير يتشاءم منه، والطائر كما يقول الفراء هو العمل، وطائر الإنسان عمله، وقد استندوا في ذلك بنصوص القرآن.

ويقولون: " كأن على رؤوسهم الطير" ويقصدون أنهم سكنوا بشدة، وزعموا أن الغراب يقف على رأس البعير يلتقط منه الحشرات، فلا يحرك البعير رأسه لكيلا يطير الغراب. وبئر مطارة، إذا كانت واسعة الفم، وحديث: "إياك وطيرات الشباب" أي إياك وزلاتهم وتهورهم. ويقولون: " استطار الفجر" ويقصدون انتشر في الأفق بضوءه" ([1])


الطير والطائر في القرآن الكريم:

قبل أن نبدأ في فهم نصوص الطير في القرآن الكريم، نحب أن نتحدث عن رواية تجلي لنا المعنى عن هذه المفردة بشكل واضح، فقد جاءت بعض الروايات تفسِّرُ سبب سجود المشركين مع النبي عليه السلام، وسببَ استجابتهم لأمر الله تعالى، حاصلُها أن الشيطان ألقى على الرسول أثناء قراءته للقرآن، جمل شركية، فيها الثناء على آلهتهم، وإثبات الشفاعة لها عند الله، وهذه الكلمات هي: " تلك الغرانيق العُلى، وإن شفاعتهن لَتُرتَجَى " وأن المشركين لما سمعوا ذلك فرحوا واطمأنوا وسجدوا مع النبي عليه السلام.

والغرانيق: جمع غرنوق، وهو طير أبيض طويل العنق. قال ابن الأنباري: " الغرانيق: الذكور من الطير، واحدها غِرْنَوْق وغِرْنَيْق، سمي به لبياضه، وقيل هو الكُرْكيّ، وكانوا يزعمون أن الأصنام الملائكة تقرّبهم من الله عز وجل، وتشفع لهم إليه، فشبهت بالطيور التي تعلو وترتفع في السماء " ([2]).

ورغم أن الرواية موضوعة حتماً فالرسول لن يثني على الأصنام، لكن مختلقها يحتفظ بذكريات عن تلك الأصنام وأنها طيور. وتفسير أهل اللغة غير صحيح، فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام التي هي صورة رمزية للملائكة اللاتي هن بنات الله، واللاتي يطرن في جو السماء، ومن هذه الرواية يتضح أنهم كانوا يظنون أن الغرانيق هي ملائكة لأنها تطير في جو السماء؛ فتطلب الشفاعة عند الله لمن يعبدها.

ولهذا سنجد لاحقاً أن معظم النصوص التي تورد لفظة الطير وطائر تقصد الملائكة باستثناء بعض النصوص القليلة كما سوف نرى، لكن بداية يجب أن ندرك أن الذين يطيرون هم الملائكة والطيور الحيوانية.


نصوص الطيور الحيوانية:

إذا كان الطير هو كل ما يطير، فإن هذا يعني أنه يشمل كل الكائنات التي نراها والتي لا نراها، وهي الملائكة فهي من الطير؛ لأنها تطير وسوف نأتي بالآيات التي تؤكد أن أكثر النصوص التي تتحدث عن الطير في القرآن تشير إلى هذا الصنف المخفي عن أعيننا، إلا إذا اعتبرنا أن الطير هو كل ما له جناح، فحينها لا نستطيع أن نقول إن الجن من الطير، لأنها تصعد بطريقتها بدون أجنحة بسبب طبيعتها النارية فهم ينفذون ولا يطيرون { يَٰمَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَٰوَٰتِ وَ الْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَٰنٍ }  [الرحمن: 33]. وهذا الراجح.

وقد وردت بعض من النصوص الكريمة تتحدث عن الطير تلك الدابة التي تعيش معنا مثل الحمام والدجاج، وهذه النصوص هي: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام : 38] وهي التي ستتوفر لحومها في الجنة {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة : 21] وهي التي قام إبراهيم بتربيتها لكي يطبق نموذجا ليوم القيامة حيث تقبل كل الكائنات نحو المحشر {قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة : 260] وهو الطير الذي أحياه عيسى كآية {أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} [آل عمران : 49] وهو الطير الجارح الذي يأكل جيفة المصلوبين {فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} [يوسف : 41] وهو الطير الذي يتخطف الساقط {فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} [الحج : 31] هذا مجمل ما أحصيته من النصوص التي تتحدث عن الطيور من عالم الحيوان، أما بقية النصوص فأزعم أنها تتحدث عن الطيور الملائكة التي تقوم بكثير من الأعمال كالعذاب أو نقل الرسائل أو حفظ الإنسان وتسجيل أعماله، وغيرها.


طيور السماء الملائكة:

ذكرنا في قاموس القرآن أن (ألم تر، ألم تروا، ألم يروا، أولم) هي في الغالب تتحدث عن معجزات لا يعرفها البشر، سواء تاريخية أو علمية أو معاصرة لزمن الرسول الكريم. ولهذا جاءت نصوص تقول: "أولم يروا إلى الطير فوقهم" ولا يقصد بها تلك الطيور الحيوانية، بل يقصد بها الطيور الملائكية التي لا يمكن رؤيتها لكل الناس، فلو كان يقصد الطير العادية لما استخدم المفردة أولم أو غيرها.

أنظر لهذا النص الكريم مثلاً:

﴿أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ﴾ [الملك: 17-20]

النص الكريم يتحدث عن عقاب قد يحل بقريش وهو الحاصب وهو حجارة السماء، ثم يتحدث عن الطير المسؤولة عن هذا العمل وهم الملائكة، وهؤلاء الملائكة في أتم الاستعداد لهذا العمل فهم يقبضن أي يقبضون تلك الحجارة (السجيل) بأيديهم استعداداً لرمي الكفار، فهم ملائكة لا يرتضون الظلم والفساد، وهم ملائكة غلاظ كملائكة النار، لكن الله يمسكهن أي يمنعهم عن هذا العمل، تريثاً وإمهالاً للكفار لعلهم يرجعون أو أنه يوقت لهم التوقيت المناسب. ونلاحظ أنه استخدم فعل "فوقهم" ليؤكد على الفوقية أي التمكن والتسلط والقدرة الملائكية على البشر، ففوق هنا من الفوقية والقدرة.

ونلاحظ في النص السابق أنه ذكر مفردات الحرب، فتلك الطيور صافات، وهو استعداد للحرب فهو صف حربي، ولو نظرنا للطيور العادية فلا نجد طيور مصطفة، بل طيور متناثرة تطير بعشوائية، ولو اصطفت الطيور لسقطت، ذلك أن الصف يستلزم الثبات والتوقف وهذا يؤدي إلى السقوط.

ثم ذكر مفردة يقبض، وقد تبين لنا عند دراسة مفردة القبض أنه يقصد اليد فهي الوحيدة التي تقبض والطيور العادية ليس لديها أيادٍ، وهذا يعني أن الطيور جيش مصطف ومستعد بأسلحته للانقضاض على المجرمين، لكن الله يمسكهن أي يمنعهن للتريث أو لإعطاء الفرصة.

أما النص التالي:

{ أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الْأَنْعَٰمِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَٰثًا وَمَتَٰعًا إِلَىٰ حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَٰلًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَٰنًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) }  [النحل: 79 - 81].

فنلاحظ أن الطير هنا مسخرات لأوامر الله العقابية، لكن الله أيضاً هنا يمسكها، فهي على استعداد لتنفيذ العقاب، ولكن الله يجعلها تنتظر. ونلاحظ أن ذلك الطير كآية من آيات الله ذكر أنها آية للمؤمنين فقط لأنها غير مرئية ولا يصدقها إلا المؤمنين. ويبدو أن تلك الملائكة ليست ببعيدة فهي في جو السماء أي في داخل السماء ([3]) فليست في سماء بعيدة عن سمائكم.


الاصطفاف هو عمل الملائكة وحدهم:

إذا بحثنا في جذر "صفف" سنجده لم يذكر إلا في الملائكة أو في الحرب. فقال: { وَالصَّٰفَّٰتِ صَفًّا }  [الصافات:  1]. وقال: { وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ }  [الصافات:  165]. وقال أيضاً: {وَالْمَلَٰئِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ}  [النبأ:  38]. وقال أيضا: { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا }  [الفجر:  22]. فمن المنطقي أن تكون بقية النصوص التي تتحدث عن الطيور المصطفة، يقصد بها الملائكة. وغني عن التعريف فإن المقصد بالاصطفاف هنا هو اصطفاف للمعركة وحتى يوم القيامة ستكون معركة الملائكة مع الكفار فتمنعهم من الهرب وتسوقهم إلى مصيرهم.

والكفار يعتقدون بوجود الملائكة في السماء، ويؤمنون بقدرتها، لكنهم لا يؤمنون أنهم في صف الرسول ضد قريش، بل يظنون أنهم هم الأحباب لأنهم يعبدونهم فيطلبون منهم القربى إلى الله، بينما الرسول فقد خوفوه من تلك الملائكة كما يقول القرآن الكريم كما في قوله تعالى:

﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ‌وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (٣٧) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [الزمر: 36-38] 

وقد تحدوا الرسول عليه السلام أن يثبت أن ملائكة السماء في صفه فهم يظنونهم في صفهم { لَّوْمَا تَأْتِينَا بِالْمَلَٰئِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّٰدِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَٰئِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُّنظَرِينَ (8) }  [الحجر: 7 - 8] فلا يعقل أن تقف الملائكة في صف محمدٍ وهو يقلل من شأنها ويجعلها مخلوقة بعد أن كانت خالقة وكانت من بنات الله، تعالى الله عما يقولون.

أما النص التالي، فيؤكد أن الملائكة مسخرة لأمور أخرى، فهنا يتحدث عن الملائكة الطيور تعمل عملاً آخر غير العقاب، فهي تصلي وتسبح وهي تقوم بأعمال في الأرض بأمر من الله لها، فتسوق السحاب إلى حيث يأمر الله، فتسقط الأمطار حيث أراد.

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٤٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ﴾ [النور: 41-43]

فالملائكة تتدخل في عمل السحاب فتنزله على بلد دون بلد بأمر الله، وهذا ليس دائماً، ولكن عندما يأمرها الله بذلك، كعقاب على بعض الأقوام أو كرحمة. ولاحظ عزيزي القارئ أن بداية النص يؤكد للكفار أن كل الكائنات تسبح لله وتعبده فحتى كائنات السماء وهي الطيور الملائكة تسبح لله فهي ليست آلهة كما يظن الكافر، ولهذا قال في نص آخر { وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ }  [الزخرف: 84].


ومن وظائف هذه الطيور إنزال السكينة على قلوب المؤمنين:

﴿وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (٣) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الفتح: 3-4] وقال جل جلاله: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: 18]


ومن وظائف الملائكة:

﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (٢) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (٣) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ﴾ [الذاريات: 1-4]

﴿وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (١) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (٢) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (٣) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (٤) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (٥) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا ﴾ [المرسلات: 1-6]

﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (١) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (٢) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (٣) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (٤) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (٥) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾ [النازعات: 1-7] وهي وظائف سنشرحها لاحقاً بإذن الله.

وهي وظائف تتطلب الطيران والسرعة في التنقل فهي توزع الأمطار وتطارد الأشرار، وهذا يؤكد أن طيور السماء هي تلك الملائكة وأنها في حاجة للأجنحة لكي تسرع في عملها فهي رسل{جَاعِلِ الْمَلَٰئِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ}  [فاطر: 1].

وقد كثرت الملائكة (الطيور) في السماء عند بعثة النبي، فلم يعد يستطيع أحد من الجن استراق السمع {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَٰهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَٰعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْءَانَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9) }  [الجن: 8 - 9]. وقال:{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّٰهَا لِلنَّٰظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَٰهَا مِن كُلِّ شَيْطَٰنٍ رَّجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ (18) }  [الحجر: 16 - 18].

ومن وظائف الملائكة الطيور منع خروج الجن والأنس من أقطار الأرض والسماء:﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ ﴾ [الرحمن: 33-35]

وكان جبريل عليه السلام من هذه الطيور العظيمة، التي نزلت من السماء، وقد رأه الرسول مرتين مرة لكي ينفخ فيه فيصبح قلبه قادراً على استقبال الوحي وفهمه، ومرة ثانية أطلعه على آيات كونية كبرى.

{ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9) فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (11) أَفَتُمَٰرُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ (12) وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ ءَايَٰتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ (18) }  [النجم: 2 - 18].


الطير الأبابيل:

والطير الأبابيل من المستحيل أن تكون طيراً عادية، فمهما حملت من أحجار فلن تكون كبيرة ولن تكون مهلكة وفق قوانين الطبيعة التي نعرفها عن الطيور وقدرتها، لكن هذه الطيور هي من طيور العذاب الملائكية فهي من الملائكة التي من وظيفتها إيقاع العقاب على الناس، أما لماذا قال فيهم أبابيل، فالمعاجم تقول إن أبابيل جمع إبل، وهذا يعني أن تلك الطيور في حجم الأبل، وقد فصلنا الأمر في تفسير سورة الفيل.

وتقول الروايات أن لوها أخضر، وتصف أشكالها بأنها تشبه الوطاويط، ولها خراطيم كخراطيم الطير، رؤوس كرؤوس الكلاب ([4]) وهذه الأوصاف تدل على بشاعة منظرها، وغرضها هو الإخافة، وهذا التشكل هو موهبة عند الملائكة فهي تتشكل على أي شكل، حتى على شكل البشر. وربما بقي في المخيال الشعبي صورة التنين الأخضر الذي ينفث النار، وله مخالب كما وصفته الروايات العربية؛ فكأن ذلك التنين هو صورة ذلك الملك الذي جاء ليعذب الأقوام، ولعله لم يبق في المخيال العربي ذكر مفصل عنه، لأن الذين نزل عليهم العذاب هلكوا جميعاً فلم يبق من ينقل الأخبار، إلا مرويات تتناقلها الأجيال فيها تشويش.


التطير من الطير:

وقد شرحنا في مقال آخر أن التطير لم يأتي من الطيور العادية بل من الطيور السماوية التي هي الملائكة، فنسي الناس مع الزمن أصل هذه الكلمة وظنوا أنها من التطير من طيور الأرض من الغربان وأضرابها، والحقيقة أن التطير هو ببساطة الإصابة بالمصائب، وهي بفعل الملائكة الذين يفعلون ذلك بأمر الله، وفي بعض الأحيان هي لا تتدخل في مصلحة الإنسان فتترك المصائب تسير في مجراها فيتعرض الإنسان لها، فيلاحظ الإنسان أن هناك مصائب متتالية فيعرف أن الملائكة وراء ذلك، فلهذا هو متطير أي أصيب من طير السماء، أو أهمل من طائره الذي يحميه، ثم لما مضت القرون على الناس نسوا أصل الكلمة وظنوها متعلقة بطير الأرض.

وقد وجدنا من معاني الطيرة في المعاجم الغضب، وهذا يتفق مع غضب الملائكة على بعض أهل الأرض، حيث تحل بالأفراد أو الجماعات المصائب لا يعرفون فاعلها إلا أن يكون كائناً مخفياً طائراً غضب من سلوكهم.


الطير تسجل الأعمال:

ورد نص في القرآن الكريم يتحدث عن طائر لكل إنسان { وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلْزَمْنَٰهُ طَٰئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ كِتَٰبًا يَلْقَىٰهُ مَنشُورًا }  [الإسراء:  13] وقد شرق وغرب المفسرون في شرح هذا النص دون فهم حقيقي له، وهذا الطائر هو الملك المسؤول عنك يسجل أعمالك كلها، ما تفعله وما تقوله، كما أن هذا الملاك يجلس عند منطقة العنق، لأن العنق هو آخر مكان تخرج منه النفس وتذهب إلى المستودع وهي المكان الذي تسكن فيه النفس بعد موتها{فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ}  [الأنعام:  98] كما أن العنق هو المكان المناسب لسماع صوت المتكلم وما يقول { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }  [ق: 18].

ثم يتولى هذا الطائر أو غيره يوم القيامة إخراج الكتاب الذي كتبه عن ذلك الإنسان. أما قولهم: كأن على رأسهم الطير. والذي زعموا أن الطيور تقف على رأس البهائم فلا تحرك ساكناً لكي تخلصها من الحشرات؛ فأستبعد ذلك وأظن أن الطير هو الملائك الذي يخرج من العنق بعد موت الإنسان إلى جهة الرأس، وحينها يسكن الجسم سكوناً دائماً. فلو خرج الملك من العنق اتجه إلى الرأس وحينها يسكن الجسم بلا حراك. أو لعلهم يقصدون الطيور الملائكة التي تأتي للعذاب؛ فحين رؤيتها فوق رؤوسهم يصابون بالهلع وتشخص أبصارهم فلا يتحركون، أو قد يعني من يصلبون فتأتي الطير تسقط على رؤوسهم وتأكل جثتهم، ولا يتحركون، وهل تتحرك الجثث؟ لهذا استبعد هذا المعنى. 


طيور تدمر وطيور تستغفر:

{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا }  [مريم:  88].

{ لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْءًا إِدًّا }  [مريم:  89].

{ تَكَادُ السَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا }  [مريم:  90].

{ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا }  [مريم:  91].

{ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا }  [مريم:  92].

{ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا ءَاتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا }  [مريم:  93].

ويتفطرن تعني عودة السماء إلى طبيعتها الأولى وهي الدخانية، وذلك لو أمر الله بالعقاب على جماعة منهم فإن السماء تتفطر حينها أي تتمزق حينها وتعود لحالتها الأولى، وهي حالة الدخان {ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت:  11].

ولكن هناك ملائكة يستغفرون للبشر. ويعرفون أن الله يغفر ويرحم؛ لكن هذا لا يعني أن كل الملائكة تستغفر، بل بعض الملائكة هم ملائكة عذاب فتكاد السماء تتدمر وتعود إلى أصلها الأول بواسطة ملائكة العذاب لولا تدخل الله، ومنعه ذلك، فإن تلك المنطقة التي قُرر عليها العذاب، تتفطر فيها السماء من فوقها وتنزل الملائكة بعقاب شديد يقضي عليها. ولو أذن الله لها فإنها تدمر السماء وتسقط الجبال وتشق الأرض. 

وقد نفهم سبب غضب الملائكة الشديد على هذه العبادة فهو اتهام لهم صريح بأنهم يستعبدون الناس ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف: 6] { تَكَادُ السَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَٰئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }  [الشورى:  5] ناهيك عن طبيعة الملائكة التي لا تعمل الخطأ ولا تقبله.


الملائكة في خدمة داود وسليمان:

وقد شرحنا في مقال سابق أن سليمان كانت الطيور الملائكة في خدمته هو وداود، وخاصة سليمان، فقد سخرهم المولى لخدمة سليمان، ومنهم الملاك الهدهد وقد سمي بذلك لسرعته.

{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ }  [سبأ: 10].

{ وَوَرِثَ سُلَيْمَٰنُ دَاوُدَ وَقَالَ يَٰأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ }  [النمل: 16].

{ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَٰنَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ }  [النمل: 17].

{ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ }  [النمل: 20].

{ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ }  [ص: 19].

وختاماً نقول: إنه لن نفلح في فهم القرآن إلا بفهم مفرداته بكل جلاء ووضوح، ومن هذا المصطلح مفردة طير، والتي يقصد بها الملائكة، فحينها ستنجلي معاني كثير من الآيات الكريمات. ونفهم القرآن الكريم وكأننا كنّا في ذلك الزمن القديم.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



([1])الزاهر في معاني كلمات الناس (2/ 325) الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 728) ) مقاييس اللغة (3/ 435) المعجم الاشتقاقي المؤصل (3/ 1319) «معجم التوحيد» (3/ 26): الغريبين في القرآن والحديث (4/ 1194): تاج العروس من جواهر القاموس (12/ 450):

([2])لسان العرب (10/286)

([3])تاج العروس من جواهر القاموس (37/ 381): المعجم الاشتقاقي المؤصل (1/ 263):

([4])معجم متن اللغة (1/ 138) تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (24/ 607) تفسير القرطبي (20/ 196) لسان العرب - ط المعارف (1/ 11)

ali
ali
تعليقات