أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

لماذا قال القرآن وكلم الله موسى تكليماً

 

 

لماذا قال القرآن وكلم الله موسى تكليماً

{ وَ رُسُلًا قَدْ قَصَصْنَٰهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَ رُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا }  [النساء: 164].

يزعم أهل النحو في قوله تعالى: { وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا }  [النساء: 164]. أن تكليماً هي مفعول مطلق، وأنها للتوكيد فقط، مثل قولهم: ظهر القمر ظهوراً، وأشرقت الشمس إشراقاً. ولست أدري كيف تقبلها القوم؟ وقد أطلقوا عليه مفعول مطلق لأنه مطلق عن القيود مثل المفاعيل الأخرى التي تقيد بــ: به، فيه، له، معه. ويسمى أيضاً مصدر ويسمى أيضا مفعول فقط. ولديهم أنواع من المفاعيل المطلقة ولا يهمنا هنا إلا هذا النوع الذي ذكرناه لأن الآية السابقة جاءت على نسقه.

فلماذا كرر القرآن التكليم في هذه الآية وهل هو للتوكيد فعلاً؟

حقيقة ليس له أي علاقة بالتوكيد، وإنما له علاقة بالإبهام، فالقرآن يقول إن كلام الله مع موسى كلام حقيقي، ولكن لا تدركونه ولا تعرفونه وهو ليس ككلامكم لبعضكم البعض، وإنما هو أسلوب مجهول بالنسبة لكم.

ومن المرجح أنه كلام عقلي أي يصل إلى العقل بدون الحاجة إلى أصوات وحروف وكلمات وجمل، فهو في غير حاجة إلى جهاز الأذن لسماعه. وهذا الكلام لم يختص به موسى وحده، بل هناك جملة من الرسل كلمهم الله مباشرة بهذه الطريقة المجهولة { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ }  [البقرة: 253].

ولا نعرف لماذا اختص المولى موسى بالكلام المباشر، مع قليل من الرسل؟ لكن المرجح أن الأمر كان في عجل، ففرعون طغى واستفحل جرمه، فيجب حسم الأمر، وموسى قد تربى جيداً وصار لديه قدرة على قيادة قومه بعد أن عاش في المنفى مع غنيماته. وبنو إسرائيل صار لديهم استعداد للرجوع إلى ربهم بعد طغيانهم. وما أجرم فيهم فرعون إلا بسبب فسادهم.

وقد بين المولى أن الكلام المباشر هو طريقة من الطرق التي يستخدمها المولى للتواصل مع الرسول بل حتى مع البشر عموماً { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَائِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }  [الشورى: 51] فيمكن أن يكون وحياً مباشراً، حيث نجد الأفكار في عقولنا وقد نظنها من عندنا وهي من عند الله، وقد يكون من وراء حجاب، ويبدو أن هذه الطريقة هي التي كُلم بها موسى، أو قد يكون وحياً بواسطة الملائكة. وقد ذكر القرآن الكريم كثير من الحوارات التي دارت بين المولى جل جلاله وبين موسى فعلى سبيل المثال:

{ وَ لَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَىٰنِي وَ لَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَىٰنِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }  [الأعراف: 143].

﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى ‌مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [البقرة: 60] 

﴿قَالَ ‌يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 144] 

﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ [طه: 11-12] 

﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (١٥) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (١٦) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ‌يَامُوسَى (١٧) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (١٨) قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى (١٩) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (٢٠) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (٢٣) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٢٤) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (٣٥) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى﴾ [طه: 13-37] 

وقد لا يكون الاتصال بين الله جل جلاله وموسى كلاماً مباشرا،ً فقد يكون وحياً

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى ‌مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ [الأعراف: 117] 

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى ‌مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ﴾ [الأعراف: 160] 

بقي السؤال ما حاجتنا إلى معرفة هذا الأمر؟ خاصة في زمن الرسول

من الواضح أن كفار اليهود كانوا يطالبون الرسول أن يكلمه الله مباشرة وأن يكلمهم مباشرة حتى يتيقنوا بصحة نبوته.

 { وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا ءَايَةٌ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَٰبَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }  [البقرة: 118].

وبعضهم – أي اليهود- شككوا في نبوة الرسول لأنه ليس كموسى كلم الله مباشرة، فبين لهم المولى أن لله حكمته وطرقه في الاتصال مع الرسل، ولو كانوا يعقلون لأدركوا صدق الرسول؛ فلو كان كذاباً لزعم لهم أنه يكلم الله مباشرة، بينما هو أكد لهم غير ذلك.

﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52] 

اللهم لا تقطعنا من صلتك ووحيك لنا، ولا تحرمنا من بيانك وحكمتك وأنر بصائرنا، وأرض عنّا

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني

 

 

ali
ali
تعليقات