أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

تفسير قوله تعالى: الله عنده علم الساعة وينزل الغيث...

تفسير قوله تعالى: الله عنده علم الساعة وينزل الغيث...


﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ‌الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: 34]

 

تفسير أهل التراث للنص الكريم:

         فسر كثيرون هذا النص الكريم برواية مفادها أن أعرابي سأل الرسول عما في بطن النساء وعن الغيث وعن المكاسب وعن موعد الموت. ومن هؤلاء مجاهد بن جبر، وعكرمة وأبي أمامة؛ فبين الرسول عليه السلام أنها أمور لا يعلمها إلا الله بعدما نزلت الآية ووضحت له الأمر. وقد ذكر عبدالله بن عمر حديثاً يبين أن مفاتيح الغيب عند الرسول كثيرة ولكن خمساً لا يعلمها، ألا وهي ما تم ذكره في السورة الكريمة. ([1])

فهم يقصدون أن هذه الخمسة لا يعلمها إلا الله وحده جل جلاله، بينما هناك حديث آخر لهم يزعمون أن الملك المسؤول عن ذلك الإنسان يأتي وهو مضغة، فينفخ فيه ثم يقرر بأمر الله أمور كثيرة في هذا الإنسان ومنها أجله أي وقت موته، وعمله ومنها مكاسبه، وشقي أم سعيد ([2])  فالملك لا يعلم فقط، بل يقرر ويبرمج -بأمر من الله- ذلك الإنسان لكي تكون حياته كلها على ذلك الشكل؛ فكيف يقولون إن هذه العلوم لا يعلمها إلا الله وحده كما تقول مروياتهم السابقة.

 التفسير الصحيح للنص الكريم:

السورة تتحدث عن قدرات الله جل جلاله في خلق السماوات والأرض وأنه سخر لنا كل ما في الأرض والسماء لخدمتنا، وأنه هو المتفضل علينا، وأن خلق الله يكاد لا ينتهي (كلماته) جل جلاله، فما قدروا الله حق قدره، ثم يتحدث عن آيات الليل والنهار، والسفن كيف يسرها للإنسان. ثم في نهاية السورة يتحدث عن أمور يعلمها الله تماماً.

والحقيقة التي غابت عنهم أن هذا النص الكريم لا يتحدث عن غيبيات، بل عن أوامره جل جلاله، فنزول الغيث ليس علماً، بل هو أمر من الله جل جلاله، فإذا أمر بنزول المطر سير كل القوانين لنزوله في منطقة معينة بمقدار معين جل جلاله وتعالت صفاته، فهذا بالنسبة له ليس علماً أو غيباً بل أمراً، ثم بعد ذلك الناس تتبع تلك المسببات، فتدرك قبل نزول المطر أنه سينزل في تقريبات وليس في جزم وحتمية، فنحن مجرد نعلم أو لنقل نعرف أن المطر سينزل ونعرف مقاديره نسبياً وليس بالمطلق، لكن الله يأمر بذلك أي هو الذي يخلق ويكون وينشأ ويقرر جل جلاله. فمسألة أنه علم هي تحصيل حاصل. والله يأمر بناء على معطيات بشرية، فإن كان القوم صالحين أو يسعون للصلاح، أجزل عليهم الأرزاق، من أمطار ومكاسب، وإن كان الشخص باراً بوالديه محسن مع الناس فإن الله يحسن إليه، فالأمر ليس علماً، بل مشيئة ربانية يأمر، فتنفذ الملائكة.

ومن ذلك علم الساعة ووقت حدوثها، فالله هو الذي يشاء متى يكون وقتها بالضبط، فمسألة علمه بها تحصيل حاصل، فعندما فتقوم القيامة، ويخرج الناس كالفراش المبثوث، ويعيش الناس فترة في الأرض لا يعرفون مصيرهم، يأتي أمر الله للأرض (أوحى لها) أن تزلزل وتضطرب في الموعد المحدد الذي حدده الله، فكل هذه القضايا بالنسبة لله ليست علماً بل أمراً منه جل جلاله القادر المدبر.

وحتى عالم الأجنة فإن الله جل جلاله يقرر، فيصورنا في الأرحام كيف يشاء {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 6]. وبالتأكيد فإن الذي يصورنا في الأرحام كيف يشاء هو يعلم ما في الأرحام بكل تأكيد، ولهذا لا ينفي أن البشر قد تطوروا فصاروا يعرفون ما في الأرحام، بل يحاولون قدر المستطاع المساهمة في جنس الجنين على سبيل المثال، لكن الأمر من أوله وآخره بيد الله؛ فلهذا هو أمر وليس علم ابتداءً، ثم يصير علماً عند البشر وهو معرفة محدودة وليس علماً في منتهى الدقة.

وحتى الموت، فإن الله ينفذ فيه مشيئته جل جلاله، فقد يطيل في عمر الشخص بإذن منه، فيأذن للملائكة أن تساهم في ذلك وتمنع أسباب الموت، وقد ينقص في عمره المفترض إذا أراد الله ذلك وكان هذا الإنسان ممن يعبث في جسمه بالإسراف في الأكل أو شرب المخدرات أو عدم ممارسة الرياضة، وخلافها من قوانين صرنا نعرفها، أو قد يكون متهوراً أو مجرماً يعرض نفسه للمهالك.

يقول المولى في ذلك

﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ‌وَمَا ‌يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [فاطر: 11]

    والمقصود بالكتاب هنا ليس أن أجله قد كُتب منذ الأزل كما يزعمون، بل إن كل شيء يسجل لحظة حدوث الحدث، فإذا طال عمره عن المقرر له فيسجل، وإذا نقص عمره فيسجل، وذلك نلاحظه في الناس فهناك عوائل أفرادها يموتون سريعاً، وهناك عوائل أفرادها يطول عمره، أمر يرثونه يسلك فيه أعراقهم، لأن جيناتهم تسيرهم نحو ذلك، فإذا شذ فرد منهم فقد حدث تدخل سماوي قصر من عمر فلان أو أطال في عمره بما يخالف تصميم جيناته. 

وهناك حديث منسوب إلى الرسول: (من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ‌ينسأ ‌له في أثره، فليصل رحمه)([3])  وهذا الحديث كان يجب على المسلمين دراسته وعمل إحصائيات حوله، ودراسة أحوال الناس والمعمرين منهم، وأقول لو صح هذا القول، وهو في رأيي يبدو صحيحاً من خلال خبرتنا بالناس، أقول لو كان صحيحاً فهو يتكلم عن الأسباب الروحية الغامضة التي تمد في عمر الإنسان، وهو أن هناك مزيد من الحرص على إطالة حياة هذا الإنسان فيمنع عنه الكوارث المقررة أو العلل الجسمية المهلكة.

وقد خص هذا النص الكريم موضوع الساعة بأهمية خاصة، فهو ينسب علمها لله وحده، لكثرة من يسأل عنها الرسول في ذلك الزمن، بل هناك عشرات الآيات تؤكد هذا السؤال؛ لهذا بين الله لهم أن علم الساعة لله وحده دون سائر البشر حتى الملائكة لا تعلم وقتها، ولا تفاصيلها ، إلا الله جل جلاله، وقد بث بعض تفاصيلها في القرآن الكريم .  

إليك هذه النصوص الأخرى المؤكدة أن علم الساعة يختص به الله وحده. 

{ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَٰتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ}  [فصلت: 47].

{وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }  [الزخرف: 85].

﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣) ‌إِلَى ‌رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا﴾ [النازعات: 42-44] 

    وموضوع الساعة يتضح ببساطة في سورة الزلزلة، فالأرض تغلي تريد أن تنفجر وتُزلزل، ولا تعرف كيف تسلك، فيوحي الله لها بأن تسلك ذلك الطريق الذي هو لحظة الساعة، فالله هو من يوحي لها لكي تتنفس ولا تنفجر  وتتلاشى كلياً، وهي لحظة الساعة فلهذا هو وحده لديه علم الساعة لا يعرف وقتها لا بشر ولا ملائكة أو جن. 

 تعالت أسماؤه الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر على المجرمين، الرحيم بالصالحين البر الودود.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني


([1])أنظر هذه الصفحة وما بعدها موسوعة التفسير المأثور (17/ 557):

([2])صحيح مسلم (8/ 44 ط التركية):

([3])صحيح البخاري (5/ 2232 ت

ali
ali
تعليقات