القذف
في القرآن الكريم
القذف لغة:
القذف هو الرمي والطرح،
وبلدة قذوف أي طروح لبعدها، ومنزل قذف أي بعيد، وناقة مقذوفة باللحم أي كأنها رميت
به، ورجل مقذف أي كثير اللحم، والقذاف سرعة السير، والقذيفة الشيء يرمى به، والقذف
ما أشرف من رؤوس الجبال، والحذف يكون بالعصا أما القذف فيكون بالحجارة، والمقذاف
هو مجداف السفينة، والقذاف هو المنجنيق ([1])
القذف في القرآن الكريم:
من خلال النصوص الكريمة
يتبين أن القذف يكون لشيء عزيز علينا، على عكس النبذ تماماً فالنبذ يكون حذفاً
لشيء لا نريده، أما القذف فيكون لشيء نريده ونحبه، فأم موسى قذفت ولدها في التابوت
وهي تحبه أشد الحب {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ} [طه: 39]، والزينة التي كان
يحملها بنو إسرائيل عزيزة عليهم ولكن مع هذا قذفوها بغواية من السامري { قَالُوا مَا
أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَ لَٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ
الْقَوْمِ فَقَذَفْنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ } [طه: 87]. بينما نجده لم يقذف أثر الرسول بل
نبذه لأنه كان يؤذيه ويضره { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ
فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ
سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } [طه: 96]. لاحظ
أيضاً عزيزي القارئ، أنهم هم قذفوا تلك الحلي بينما السامري قام بإلقائها لأنها
عزيزة لديهم ومهمة، بينما هي ليست مهمة له لأنها ليست ملكه.
والحق عزيز عند الله فالله
يقذفه على الباطل لكي يزهقه {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَٰطِلِ} [الأنبياء: 18].كذلك الرعب يقذفه الله على بعض
يهود المدينة، والرعب هو الملائكة التي تنزل للسكينة على قلوب المؤمنين وتنزل
لإرعاب الكفار، والملائكة كريمة عند الله فلهذا قذف الرعب على الكفار بواسطة
الملائكة. {وقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وتَأْسِرُونَ
فَرِيقًا} [الأحزاب: 26].
وكفار قريش يوم القيامة
يقذفون بالغيب، على عكس ما نراه في قصة الكهف حيث كانوا يرجمون بالغيب أي يرمون
بعشوائية ولا علم لهم بما يقولون عن عددهم أو سنين مكوثهم. أما هنا فهم يقذفون
بالغيب، أي يطرحون شيئاً عزيز عليهم لكن بالغيب ومن مكان بعيد، فلا يصل إلى
مبتغاهم، وقد شرحنا هذه الآية سابقاً {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ
بَعِيدٍ} [سبأ: 53].
وقد استخدم الجذر قذف عندما
تحدث عن الشياطين التي تحاول استراق السمع، فتقذف بالحجارة من كل جانب، لأن تلك
الحجارة كريمة وليست مبغوضة عند الله وعند الملائكة التي ترميها على الكفار {لَّا يَسَّمَّعُونَ
إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَ يُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ } [الصافات: 8].
على أننا نلاحظ شيئاً آخر
في مفردة القذف وهو السرعة الشديدة، فيبدو أن أم موسى قذفته في التابوت بسرعة
شديدة خشية وصول جنود فرعون إلي موسى، كذلك يقذف الله الحق على الباطل بسرعة كبيرة
ليزهقه، كذلك وقذف في قلوب الكفار الرعب، أي قذف الرعب بسرعة ودون تأخير.
خلاصة الكلام أن القذف هو السرعة الشديدة للمقذوف، فقد يكون رميا أو رجماً أو حذفاً، فلا يهم سبب الرمي ولكن المهم هو توضيح سرعته الشديدة. فالملائكة تقذف بالحجارة على الشياطين بسرعة هائلة لتلحقها، وأم موسى قذفته في التابوت وقذفت التابوت في اليم بسرعة شديدة.
([1])مقاييس اللغة (5/ 68): الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1414):المعجم الاشتقاقي المؤصل (4/ 1752):
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك