أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

ثقف في القرآن الكريم وعلاقته بالقتال والعداوة

 


ثقف في القرآن الكريم وعلاقته بالقتال والعداوة

ثقف لغة

ثقف أصل واحد وهو إقامة درء الشيء. يقال ثقفت القناة أي أقمت عوجها. وثقفت به أي ظفرت به. وثقف الرجل أي صار حاذقاً خفيفاً، والثقاف ما تسوى به الرماح، وثقفته أي صادفته، وخل ثقيف أي حامض جداً. ويرى صاحب الاشتقاق أن الثقف هو تمكن حد الاتقان ([1]).

 

ثقف عند أهل الرواية:

يرى ابن عباس أن ثقفتموهم تعني وجدتموهم، بينما يرى مقاتل بن سليمان أنه يعني حيث أدركتموهم في الحل والحرم. ويرى الأوزاعي آية (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) قد نسخت آية (فإما من وإما فداء) ([2]).

 

الثقف في القرآن الكريم:

ورد جذر ثقف في القرآن ست مرات، وكلها تتعلق بالعدو، حين اللقاء به. والنصوص كما هو ظاهر واضح، تتحدث عن الجماعات البشرية التي تكون في لحظة حرب مع الرسول وجماعته، أما لو كانت في سلام مع الرسول، فلا يصح قتالهم مطلقاً.

فالثقف من خلال النصوص هو لقاء بين جماعتين  في عرض الطريق، دون تقصد منهما، في حالة حرب وعداء، وقد استخدم الجذر ثقف دون غيره، لأن ذلك اللقاء يكون الأعداء في حذر وتربص، وترقب وتحيل ومكر. وهذه الاستباحة للدماء مشروطة بشرط العداوة والقتال فإن انتهت الحرب سقط هذا الحق ﴿فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَلَا عُدۡوَٰنَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [البقرة: 193] فالتشريع يبيح للمسلمين هدر دماء الأعداء فلا حرمة لهم لما فيهم من غدر وخيانة، إلا لو وقعوا في الأسر واستسلموا فلهم حكم آخر.

ولنتدبر الآيات بتفصيل:

{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [البقرة : 191]

الرسول في حالة حرب مع قريش وأحلافها، يعرضون المؤمنين للفتنة، والفتنة أشد من القتال، فيجبرونهم على التحول عن الإسلام، ويمنعونهم من الدخول فيه، ومن الحرية الدينية، فوجب قتالهم، وصار مباحاً للمسلمين، حتى لو ثقفهم المسلمون في عرض الطريق، حتى يدرك هؤلاء قوة المسلمين وقدرتهم فيكفوا عن الفتنة والحرب.

 

{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران : 112]

اليهود في الغالب فيهم الذل والمهانة في أي لقاء خارج تجمعاتهم، وهذا ما نقرأه عبر تاريخهم الذليل، إلا في حالات معينة من التاريخ عندما يتراجعون عن طغيانهم، ويلتزمون بشريعتهم الأولى، فإن أحسنوا وإلا فمصيرهم الذل والتشريد. ونلاحظ أن النص استخدم ثقفوا، لأنهم دائماً في عداء مع الآخرين، لشعورهم بالتفوق وزعمهم بالاستحقاق على الآخرين.

 

{سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء : 91]

في هذا النص الظاهر، أنه إذا لم يكف الأعداء ويجنحوا للسلم، فإن لكم الحق في قتل هؤلاء الأعداء عندما تثقفونهم أي تلاقونهم في عرض الطريق، فلا حصانة لهم ولا قيمة.

 

{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأنفال : 57]

وفي هذا النص الكريم، يأمر المولى الرسول وأتباعه بأنه في حالة الحرب مع جماعة وحين لقاء هؤلاء القوم في عرض الطريق فيجب البطش بهم، لأن في ذلك ردع وتخويف وتشريد لمن يقف خلفهم ويؤيدهم. ولهذا أمرهم الله في النص التالي بأن يعدو القوة والخيل لهذا التخويف ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ‌ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ﴾ [الأنفال: 60] فالغرض كله هو تخويف الأعداء لتتطهر الطرق من هؤلاء القطاع المجرمين.

 

 

{مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [الأحزاب : 61]

وفي هذا النص يتحدث المولى عن المنافقين والمرجفين في المدينة، أنهم من جهة ملعونين ومن جهة سيشردون ويقتلون فإن كانوا في زمنك يا محمد في مأمن، فلن تستمر الحال بعد موتك فتلك سنة الله في المنافقين، فلن يحميهم المولى من الناس، وسيكونون لقمة سائغة لهم. وهذا ما حدث في التاريخ.

 

{إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة : 2]

هذا النص الكريم يتحدث عن قبائل المدينة المذبذبة، ولديها علاقات رحم مع قبائل أخرى بالمدينة، تكن العداء للرسول وأصحابه، فتستفزهم حتى خرجوا مجبرين لقتالهم، فيحذر المولى من الوقوف مع هؤلاء ولو بالسر والخفاء؛ لأن هؤلاء الأعداء لا يقبلون تحولكم إلى الإسلام ويريدون لو تكفرون معهم أي تصبحون ممن يعادي الحق والدين الجديد.

 

والخلاصة إن هذا التشريع مكن للمسلمين، فعملت تجارتهم بشكل جيد، كما سمحت للمستضعفين أن يدخلوا في الدين الجديد، حتى لو كانوا بعيدين عن يثرب، لأن هناك قوة كبيرة تحميهم لديها خيول سريعة الحركة، تضرب بيد من حديد على قطاع الطرق وعلى المتجبرين على الضعفاء.



([1]) «الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية» 4/ 1334 «مقاييس اللغة» 1/ 382  المعجم الاشتقاقي المؤصل (1/ 245)

([2]) «موسوعة التفسير المأثور» 3/ 441

ali
ali
تعليقات