الدفع
في القرآن الكريم أعظم من القتال
الدفع لغة:
أصل واحد يدل تنحية الشيء يقال دفعت
الشيء أدفعه دفعاً. والمُدفع هو الفقير لأن الناس تدفعه عند السؤال. والدّفّاع هو
السيل العظيم وهو أيضاً الجماعة الكثيرة من الناس. والمُدفع هو البعير الكريم،
لأنه كلما جاءوا به لكي يحملوه الأحمال ابعدوه إكراماً له وأتوا بغيره. والدافعة
هي التلعة من مسايل الماء ([1])
الدفع في القرآن الكريم:
الدفع
هو الذي يسبق الحرب ويمنع وقوعها، ويمكن تشبيهه بالحرب الباردة التي تمنع الحرب الفعلية،
كذلك السلاح النووي الذي يمكن أن يعتبر دفعاً، لأنه يمنع القوى العظمى من الاقتتال.
وهذا
الدفع والتخويف يحمي الأقليات فلا تضطهد ولا تشرد. وقد تحاول القوى العظمى شراء
ولاء الجماعات الصغيرة والمختلفة لكي تستطيع الانتصار على القوة العظمى الأخرى،
فهذا الدفع بين القوى العظمى هو الذي حرر الجماعات الصغرى من الدمار والقضاء
عليها. وقد يكون الدفع بين القوى داخل المدينة الواحدة وقد يكون داخل القرية، فكل
قوة لها نظيرتها من القوى والصراع بينهم يعطي الأمان والسلامة للقوى المستضعفة.
والقرآن الكريم يبين أن الدفع يمنع
الفساد {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ
وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة : 251]. وقد شرحنا سابقاً أن الفساد هو الخلل في النظام
السياسي، مما يجعل حياة الناس مستحيلة فيهاجرون وتدمر طرق تجارتهم.
وقد
صرح القرآن أن هذا الدفع يمنع سقوط المعابد؛ فإن السياسي الحكيم، يتردد من القيام
بحرب دينية ضد الأقليات، لما فيه من ضرر عليه ويضعف دولته الذي قد يؤدي لانتصار القوى
المنافسة. وقد بين لنا التاريخ أنه في تلك الفترة قام الرومان الكاثوليك باضطهاد الأقليات
المسيحية الأخرى كالأريوسية والنسطورية وغيرها، مما جعل الرسول عليه السلام يهدد
الرومان بالغزو إن لم يتوقفوا عن ذلك الاضطهاد والذي أدى في الأخير إلى اكتساح
المسلمين تلك المناطق وطرد الظالمين.
{وَلَوْلَا
دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ
وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} [الحج : 40]
ويبين
القرآن أن الله أمر بالدفع أي تخويف المعتدين من الاعتداء فالرسول طلب من
المنافقين الحضور للمعارك فقط، مجرد حضور لكي يخاف الأعداء فيهربوا وذلك هو الدفع.
{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا
وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا
لَاتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران : 167]
والمولى
جل جلاله هو من يدافع عن الذين آمنوا والمستضعفين أي يجعل القوى المتناظرة في خوف
وقلق، فلا تتجرأ على الاعتداء على الضعفاء خشية من تدخل القوى الكبرى. {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج : 38] فكل
خوان كفور، سيجد من يكرهه ويعاديه ولا يأمنه فيصبح منبوذاً من القوى الأخرى، وذلك
هو دفع الله.
ومن
أخلاقيات القرآن العظيمة، أنه يأمر المؤمنين بدفع الناس المسيئة وهذه المرة ليس
بالسلاح، فليس كل مرة ينفع السلاح، بل بعضهم يحتاج إلى الرفق واللين وهذا هو الدفع
ويمكن أن نسميه الدفع الدبلوماسي، الذي يحول العدو الخالص إلى صديق مخلص.
{ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}
[المؤمنون : 96]
{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا
السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا
الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت : 34]
وفي
الختام فإن القرآن الكريم يدعو إلى سياسة الدفع أكثر من سياسة القتال، لما في ذلك
من فرصة إلى حقن الدماء، وكسب الآخرين دون اقتتال.
هذا
والله جل جلاله أعلم
علي
موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك