الفري والافتراء في القرآن المكرم

 



الفري والافتراء في القرآن المكرم

الفري لغة:

الفري هو قطع الشيء للإفساد. وفلان يفري الفري أي يأتي بالعجب. وكنت تفرين به الفريا أي كنت تكثرين فيه القول وتعظمينه. وفرى فلان كذباً أي خلقه. وتفرت الأرض بالعيون أي انبجست. والفَرَى هو الجبان لأنه قطع عن الاقدام. والفري مثل الفري أي العجب والفرى هو البهت والدهش. والفروة سميت بذلك لأنها تغطي. والفروة كل نبات مجتمع إذا يبس ([1])

 

الفري في القرآن

سنجد من خلال الآيات أن الافتراء هو الاختراع والابتكار وكل جديد، وهو يتعلق بالأفكار فقط، وحتى فرية مريم لم تكن بإنجابها لعيسى، بل بزعمها أن عيسى جاء بلا أبٍ. وحتى سحر موسى لم يكن عصاه كما سيتبين لنا.

 ويتحدى القرآن الكفار الذين يزعمون أن الرسول اخترع القرآن، بإنه لو كان من اختراعه وهو بشر مثلهم فليتخرعوا مثله عشر سورٍ أو أقل. وقد زعموا سابقاً بقدرتهم على افتراء مثل القرآن أي ابتكار مثله، لكن طالبهم بسور جديدة مبتكرة تكون مطابقة للقرآن في الإعجاز.

{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىٰهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَٰتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ }  [هود: 13].

{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىٰهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ }  [يونس: 38].

{وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا}  [الأنفال: 31].

ودائماً يُذكر الافتراء في معرض النقد والتوبيخ للمفتري، لأنه يختلق ويبتكر الأكاذيب على الآخرين. ومعظم النصوص تشير إلى افتراء المشركين على الله، أي اختلاق كلام وقوانين وأحكام ونسبتها إلى الله كذباً. وسنكتفي ببعض النصوص في الافتراء على الله:

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ }  [الأنعام: 93].

{ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ }  [المائدة: 103].

{ وَقَالُوا هَٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَّا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَن نَّشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَٰمٌ لَّا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ }  [الأنعام: 138].

فإذا كان الافتراء ضد شخص بريء باتهامه بعمل مشين (الزنا) فهو افتراء، وبهتان. وقد شرحنا معنى بهت هو الفعل الذي يصيب الآخر بالصدمة والدهشة فيعجز عن الكلام من هول الصدمة، وبينا أن البهتان هو رمي المرأة الطاهرة بالفحش.

{ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ }  [الممتحنة: 12].

وقد يكون الافتراء إفكاً، والإفك وهو قلب الأشياء وعكسها. وفي النص التالي وما سبقه، يتحدث عن اعتراض الكفار على الرسول الذي بين حقيقة الملائكة، فبعد أن كانوا يعتقدون أن الملائكة بنات الله وأنهم يخلقون ويرزقون إلخ... بين لهم الرسول أنهم عكس ذلك، لهذا وصفوا كلامه بالإفك أي قلب الحقيقة وعكسها وهو في نظرهم أيضاً افتراء من عند نفسه أي ابتكره واخترعه وليس من عند الله.

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ فَقَدْ جَاءُو ظُلْمًا وَزُورًا }  [الفرقان: 4].

أما فرية مريم، فهو زعمها أن هذا المولود بلا أب، فهو هدية السماء، فقد قالت بقول لم يسبقها أحد إليه، فهو ابتكار واختراع اندهشوا منه. وقد قالت لهم ذلك بالإشارة فلم تكلمهم، ولم يتقبلوا ما أشارت إليه، وعوضاً عن تصديقها، اتهموها بشرفها عندما ذكروها بعفاف أسرتها وسمعتهم الطيبة التي لطخته بفعلها. 

ويمكن تشبيه ردهم عليها بمثل أن تقول لأناس كلام غريب عليهم، فيردون عليك بالعامية (ويش تخربط أنت) أي ما هذا الكلام الفري العجيب الذي لم يقل أحدٌ به من قبل، كيف تزعمين أنك أنجبت بلا ذكر.

{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْءًا فَرِيًّا }  [مريم: 27].

{ يَٰأُخْتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا }  [مريم: 28].

أما سحر موسى كما يزعم الكفار

{ فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِءَايَٰتِنَا بَيِّنَٰتٍ قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي ءَابَائِنَا الْأَوَّلِينَ }  [القصص: 36].

فلا يقصد به عصاه ويداه، بل يقصد المفاهيم والأفكار التي جاء بها موسى، لهذا قالوا ما سمعنا ولم يقولوا ما شاهدنا، فهم يقولون إن موسى كما سحر أعيننا فقد سحر عقولنا، ولهذا اتهموا هارون بنفس التهمة وهي السحر(لساحران)، رغم أنه لا يملك عصا. وآل فرعون وجدوها فرصة باتهام موسى بسحر الكلام، كما سحرهم بالعصا فهو مكر منهم خبيث، للتشويش على العامة. ولهذا رد عليهم موسى بأن ما جاء به هدى وليس سحر.

{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَٰقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّٰلِمُونَ }  [القصص: 37].

الخلاصة:

أن الفري هو الابتكار والخلق في الكلام وعالم الأفكار، وأنه دائماً يذكر في القرآن بصورة سلبية مرفوضة، فإذا نُسب إلى آخر فهو كذب عليه، أي تخترع على شخصه عمل أو صفة قبيحة، فإذا كان يقلب المسلمات والحقائق فهو إفك مُفترى، أي اختراع يقلب الحقائق رأساً على عقب، فإن كان بهتان مفترى، فهو اختراع مدهش يصيب المتهمة بالزنا بالصمم من شدة وقوة التهمة.

  هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «مقاييس اللغة» (4/ 496) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (3/ 1648)


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -