أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

الرد في القرآن المكرم

 



الرد في القرآن المكرم

الرد لغة:  

الردة هو تقاعس الذقن. والقصير المتردد هو المتناهي القصر. وعضو رديد أي أكتنز. الردَد هي الإبل التي تشرب الماء فترتد الألبان في ضروعها. والارتداد هو الرجوع. وردّه عن الأمر أي صرفه عنه برفق. ورد عليه الشيء إذا لم يقبله. وامرأة مردودة أي مطلقة. ودرهم رد أي لا يروج ولا يقبل. ولسانه رد أي محبوس وعدم انطلاقه. وفي وجهه ردة أي ترتد الأبصار عنه لقبحه. وذهب السيوطي إلى أن (ردد إلى) يعني رد مع كرامة بينما (ورد على) تعني رد بإهانة ([1])

الرد في القرآن:

كالعادة لم تكتشف المعاجم الفروقات الدقيقة بين رد ورجع ومضى وعاد، لهذا نجدها لا تفرق بين هذه الجذور. وقد ورد هذا الجذر في القرآن 57 مرة، ولهذا يجب معرفة معناه على الدقة. وعند معرفته سينجلي الغموض عن آيات كثيرة، كانت تفسر على غير حقيقتها.

فالرد هو دفع الشيء إلى نقطة كان بها، بدون إرادة من الشيء، سواء أكانت تلك النقطة مكانية أو معنوية. والضغوط الشديدة يعتبرها القرآن رداً، أي تلك الضغوط التي تدفع الشيء إلى العودة إلى ما كان عليه سابقاً بفعل الضغوط. إليك شروح كثير من الآيات:

الرد إلى أشد العذاب:

{وَيَوْمَ الْقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ}  [البقرة: 85].

{سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ }  [التوبة: 101].

{ يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ }  [النازعات: 10].

{سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ }  [التوبة: 101].

{ ثُمَّ رَدَدْنَٰهُ أَسْفَلَ سَٰفِلِينَ }  [التين: 5].

يردون لأنهم: أولاً مسلوبي الإرادة، وثانياً لأنهم كانوا فيها وهي منطقة جهنم وهي أشد مناطق العذاب، فيطفون بينها وبين منطقة الحميم { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ }([2]) فمنطقة الحميم يرجعون إليها بإرادتهم لأنها أهون من جهنم، ثم يدفعون بالقوة إلى جهنم مرة أخرى وهو الرد هنا، وجهنم هي أسفل سافلين، لأنها قعر النار، وهي الحافرة لأنها حفرة.

الرد عن الدين:

{ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَٰنِكُمْ كُفَّارًا}  [البقرة: 109].

{وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَٰعُوا} [البقرة: 217].

{ إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَٰنِكُمْ كَٰفِرِينَ }  [آل عمران: 100].

{إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَٰبِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَٰسِرِينَ }  [آل عمران: 149].

{يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ}  [المائدة: 54].

{ وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَىٰنَا اللَّهُ }  [الأنعام: 71].

{ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَٰرِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ }  [محمد: 25].

الضغط على الذين آمنوا من أجل التحول من الإيمان إلى الكفر هو رد عقائدي، لأنه تحول عن غير رغبة منهم، فقد كان أحدهم على الكفر، ثم تحول إلى الإيمان ثم ضُغط عليه فرُد إلى الكفر.

رد المطلقة:

{ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ }  [البقرة: 228].

حتى لو كانت المطلقة غير راغبة في العودة إلى عش الزوجية، فللزوج حق بردها بغير إرادة منها إذا كانت حاملاً منه، إذا كان الزوج صادقاً في تغير تعامله معها مقدراً لها.

الوجوه بلا إرادة:

{ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا }  [النساء: 47].

الوجوه من الجمادات فلهذا هي تُرد ولا ترجع من تلقاء نفسها. ومهما يكن الوجه هنا هل يقصد به الوجه الحسي أو المعنوي، فقد كان سابقاً مطموساً، فلو شاء المولى لرد الطمس فيها. ونرجح أن المقصود بالطمس هنا هو الطمس الحسي، للوجه المادي وليس المعنوي.

الأمور والقرارات تُرد:

{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَٰزَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59].

{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ} [النساء: 83].

أمور الدولة والشأن العام والسياسي، بلا إرادة فلهذا يتم رده إلى أهل الاختصاص والصلاحية. ونلاحظ أن القرارات تصدر من جهة الرسول والقيادة، فبدلاً من ردها للرسول لمناقشتها يذيعونها وهي أوامر سرية.  

التحية تُرد:

{ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا }  [النساء: 86].

التحية بلا إرادة يتداولها الناس فيما بينهم فإن ألقيت من شخص، فيجب ردها من الآخر.

الجبناء يردون:

{سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا}  [النساء: 91].

الجماعات القوية تضغط على الجماعات الأضعف منها، فتُجبر على فتنة المؤمنين، فهم بلا إرادة يُردون إلى الفتنة أي إلى قتال المؤمنين بغير رغبة منهم.

الهرب من المعارك رد:

{يَٰقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَٰسِرِينَ }  [المائدة: 21].

يحذر موسى قومه من الارتداد عن أرض المعركة، وسبب ذلك أنهم كانوا يريدون دخول الأرض المقدسة، ولكن لجبنهم سيرتدون، والحقيقة أنهم رفضوا حتى الذهاب إلى الأرض المقدسة.

الرد إلى الله:

{ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَىٰهُمُ}  [الأنعام: 62].

{ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }  [التوبة: 94].

{ هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَىٰهُمُ الْحَقِّ }  [يونس: 30].

{وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا }  [الكهف: 36].

{ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا }  [الكهف: 87].

{وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَٰبُ النَّارِ }  [غافر: 43].

شرحنا في مفردة الرجوع، وأننا نُرجع إلى الله بدفعنا إلى المحشر، لأننا اجتمعنا بذاته العلية في الخلق الأول، لهذا نحن في رجوع. وهنا في هذه النصوص يبين أنه رد أيضاً فهو رجوع وهو رد، لأننا ندفع بقوة النيران والكوارث نحو المحشر، فنحن نتحرك بلا إرادة منّا.

الإيمان رد:

{ أَوْ يَخَافُوا أَن تُرَدَّ أَيْمَٰنٌ بَعْدَ أَيْمَٰنِهِمْ}  [المائدة: 108].

الإيمان أي الحلف بالله في الشهادة، بلا إرادة فقد يتعرض الشاهد للضغط فيرد شهادته. فقد وجه شهادته ناحية معنية ثم بعد الضغط، سحبها وأعادها حيث كانت.

الرد من النار:

{ فَقَالُوا يَٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِءَايَٰتِ رَبِّنَا}  [الأنعام: 27].

{ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَٰذِبُونَ }  [الأنعام: 28].

{أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}  [الأعراف: 53].

سواء أكان المقصد بالرد في الزمن، فيعودون إلى الدنيا، أو كان المقصد بالرد في الجغرافيا، فيعودون إلى جهة المحشر، فإنهم في كلتا الحالتين يُردون لأنهم بلا إرادة، فهم يُحركون وينقلون.

البأس يُرد:

{وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } [الأنعام: 147].

{وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }  [يوسف: 110].

البأس هو قوة البطش في المعارك، والبأس بلا إرادة يحركه المولى حيث يشاء، فلو وجهه المولى ضد قومٍ فلن يُرد بأسه.

المرتاب يُرد:

{وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}  [التوبة: 45].

المرتاب عقله في اضطراب وشك، فالأفكار والشكوك تتنازعه، فترده مرة يميناً ومرة يساراً، فصار عبداً أسيراً لها، تحركه كيف تشاء.

الخير والشر يُرد:

{وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ}  [يونس: 107].

{وَإِنَّهُمْ ءَاتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ }  [هود: 76].

{وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ}  [الرعد: 11].

الخير والشر والسوء كلها أدوات بيد المولى، فهي بلا إرادة، ينزلها على من يشاء ولا يستطيع أحدٌ ردها، عمن أراد الله له ذلك الخير أو الشر.

البضاعة تُرد:

{ هَٰذِهِ بِضَٰعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا }  [يوسف: 65].

البضاعة بلا إرادة فيمكن ردها كما فعل يوسف الذي رد بضاعة إخوته إليهم.  

الإبصار يُرد:

{ فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَىٰهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }  [يوسف: 96].

لم يكن ليعقوب أي حيلة في رد بصره، فقد كان مبصراً، ثم ذهب بصره ثم عاد من غير تدخل من يعقوب.

الأيدي تُرد:

{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَٰهِهِمْ }  [إبراهيم: 9].

الأيدي فاقدة الإرادة، يحركها صاحبها حيث يشاء، وهنا يحكي النص عن ردة فعل الكفار مع الأنبياء، وبغض النظر عن سبب فعلهم هذا، فإن اليد بلا إرادة، وكانت يدهم بداية في أفواههم، ثم بعد ذلك أنزلوها ،ثم بعد ذلك ردوها إلى أفواههم.

الطرف يُرد:

{ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْءِدَتُهُمْ هَوَاءٌ }  [إبراهيم: 43].

يرى ابن عباس أن الطرف هو جفن العين، لأنه فسر الآية بأن أعينهم شاخصة لا تغمض. كذلك أورد الطبري تفسيرات في ذلك ([3]) ولا يهمنا في بحثنا هذا عن معنى الطرف، ولكن يهمنا فقط هو أن نعرف أن الطرف مسلوب الإرادة، لكن الكفار لا يستطيعون التحكم به يوم القيامة لشدة الأهوال بها.

الرزق يُرد:

{ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ }  [النحل: 71].

الرزق بيد صاحبه يستطيع أن يرده، والرزق هو كل ما دخل الجوف من طعام وشراب، كما سوف نرى في شرح هذه المفردة. والرزق يجمعه ملك اليمين أي العبد عند سيده أو الخادمة تصنع الطعام فهو رزق. فالآية تقول إنه لا يرد هذا الزرق الذي جمعه أو صنعه ملك اليمين، فقد كان عند ملك اليمين، ثم انتقل إلى سيده ثم قد يُرد إلى ملك اليمين لو شاء سيده.

أرذل العمر يُرد:

{وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْءًا}  [النحل: 70].

{وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ}  [الحج: 5].

أرذل العمر، لا يقصد به أكبر السن، بل أقل درجات عمارة الجسم، فجسمه لم يعد قادراً على تحمل تبعات المسؤولية، ولا عقله قادر على التذكر والتصرف، فصار عقله مثل عقل الطفل الذي لا يعلم أي شيء، وهذا هو الرد الذي حدث له، فقد كان بعقل طفل لا يتذكر أي شيء كصفحة بيضاء، ورُد إلى نفس الحالة.

الكرّة تُرد:

{ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ}  [الإسراء: 6].

الكرة بلا إرادة، يحركها المولى حيث يشاء، فهي تُرد، وقد بين المولى أن هنا في هذه الآية أن الكرة كانت بيد بني إسرائيل ثم صارت في يد أعداءهم ثم بعد ذلك عادت إليهم من جديد فقد رُدت.

وبسبب فهمنا لهذه المفردات جيداً، يتبين لنا بدون شكٍ، أن الفساد قد حدث مرتين في الماضي، فقد رد الله لهم السلطة من جديد. وهذا لا يمنع أنهم قد ينالون السلطة من جديد عدة مرات، بحبل من الله وحبل من الناس، وهذا ما نراه اليوم ومنذ سبعين عاماً.

ارتداد موسى وغلامه:

{ قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِمَا قَصَصًا }  [الكهف: 64].

تبين الآيات السابقة لهذه الآية أن موسى قد ناله التعب الشديد والجوع والعطش، وأنه لا يقوى على أي حركة، ومع هذا فقد رُد إلى مكان الحوت، بغير رغبة منه، لأنه يريد لقاء الخضر بأي وسيلة كانت، لهذا استخدم القرآن مفردة رد وارتداد، لوصف حالهما.

موسى يُرد:

{وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ}  [القصص: 7].

{ فَرَدَدْنَٰهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ}  [القصص: 13].

لأن موسى رضيع لا يملك أي إرادة، فقد كان عند أمه ثم رده المولى إليها.

رد الرسول:

{ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ }  [القصص: 85].

هذا كلام الكفار يسخرون من الرسول، الذي زعم أنه سيُرد إلى الله، أي كنّا عند الله وسنُرد إليه. وهذا ما أثار استغراب الكفار، لهذا أخبرهم الرسول بما علمه الله وهو أنه جاء بالهدى، وأنهم في ضلال مبين، فقد زعموا أنهم في تكرار للموت والحياة في هذه الدنيا.

رد الكفار:

{ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا }  [الأحزاب: 25].

في معركة الخندق ذهب الكفار لقتال المؤمنين في المدينة، ولكن الله ردهم، بأن أرسل عليهم العواصف والعذاب، فرجعوا إلى بلادهم بغير رغبة منهم، أي ردهم المولى بالقوة.

الخيول تُرد:

{ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ }  [ص: 33].

سليمان يتحكم في خيله فيذهبها ويعيدها، فلهذا قال القرآن أنه أمر بردها، فقد كانت عنده ثم أمر بردها إليه.

علم الساعة يُرد:

{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ}  [فصلت: 47].

المعلومات عن الساعة، لا تملك الإرادة، فهي مجرد معلومات عنها وعن وقتها، وهذه المعلومات كانت عند الله ثم جعلها في خزائنه والتي لا يملك مفاتيحها إلا هو، ثم تُرد إليه وحده، فلا يعلم أحدٌ عن الساعة شيء.

الخلاصة:

أن الرد هو تحريك شيء ما، إلى ما كان عليه سابقاً، لأنه فاقد الإرادة، أو لأنه مجبور ومضغوط عليه، فهو يتحرك بلا حول ولا قوة منه، وقد يكون الرد حسياً مثل رد بضاعة إخوة يوسف، أو قد يكون معنوياً مثل رد علم الساعة، أو رد البصر.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «تاج العروس من جواهر القاموس» (8/ 88)  «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (2/ 780)

([2]) [الرحمن: 44].

([3]) «تفسير الطبري» (17/ 32 ط التربية والتراث) «موسوعة التفسير المأثور» (12/ 288)


ali
ali
تعليقات