أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

الكنية واللقب والنبز في القرآن المكرم


 


الكنية واللقب والنبز في القرآن المكرم

بسبب سوء فهم هذه المصطلحات ضل المسلمون عن فهم القرآن الكريم، فأصبحوا يخلطون الأمور ويجعلون هذا مكان ذاك، وصاروا يجدون صعوبة في فهم النص الكريم الذي هو أسهل من السهل لو حددوا بدقة معاني المفردات.

ومن ذلك الكنية واللقب والنبز والاسم، فيجدون صعوبة في التفريق بينها، وإنني أتعجب كيف تشوشوا هكذا رغم بساطة ووضوح المعاني. وسوف نشرح الكنية واللقب والنبز أما الاسم والصفة فسوف نشرحهما في مقال مستقل.

الكنو لغة:

أصل يقصد به التورية عن اسم بغيره. والكناية مقابلة للمصارحة، فهي تورية عن اسم الشخص، أو عن فعل من الأفعال مثل الرفث كناية عن الجنس، أو الغائط كناية عن قضاء الحاجة. والكناية عند أهل اللغة هو أن تتكلم بشيء وأنت تريد به شيء آخر.

والكنية اشتقت من الكنو أيضاً. يقول صاحب التاج:" والكُنْيَةُ على مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ العربيَّةِ هُوَ مَا صُدِّرَ بأَبٍ، أَو أُمَ، أَو ابنٍ أَو بنتٍ على الأصَحّ فِي الأخيرَيْن، وَهُوَ قولُ الرَّضي، وسَبَقَه إِلَيْهِ الفَخْرُ الرّازِي" ونقل عن المصباح: "الكُنْيَةُ اسمٌ يُطْلَقُ على الشَّخْصِ للتَّعْظِيمِ نَحْو أَبي حِفْص وأَبي حَسَنٍ؛ أَو عَلامَة عَلَيْهِ" ([1])

الكنية في القرآن:

وعلى هذا نقول بأن الكنية مثل اللقب والنعت، اسم يطلق على الإنسان، لكن الكنية تتميز بأن بها إضافة (أم، أب، أخ، أخت، ابن، بنت) فنقول أم المعارك، ونقصد بها أصلها أو أعظمها، ونقول أبو الحكم ونقصد به أحكم الحكماء، فالكنية يقصد بها الصفة الأكثر تميزاً في الإنسان سواء كانت قبيحة أو جميلة.

كذلك وردت كنية أخت هارون {يَٰأُخْتَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ} ([2]) ونجزم أنها تعني عفاف مريم حتى كأنها مساوية لشخص رمزه هارون وقد يكون هارون أخو موسى.

ولم نجد كنية أخ في القرآن المكرم، لكننا نجد في التراث أن عبد الله بن سلام يقول عن الرسول عندما ظهرت نبوته وانتقل إلى المدينة، بأنه أخو موسى، ويقصد بذلك أنه مساو له في الرسالة والنبوة وأنه جاء بشرع كشرع موسى وجاء لكي يحكم مثل موسى، فقال لعمته: " هُوَ وَاَللَّهِ ‌أَخُو ‌مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وعلى دينه، بُعث بما بُعث به " ([3])

ونستخدم أب وأخ وابن عندما يكون المكنى ذكراً، فإن كان أنثى نستخدم أم وأخت وبنت، فأطلق على الآيات المحكمات بأم الكتاب، أي أكثره أو معظمه. على عكس الآيات المتشابهات التي هي قليلة في القرآن الكريم. كذلك وصف القرآن مكة، بأم القرى-هذا لو صح أن أم القرى هي مكة- فإذا صح هذا التفسير فهذا يعني أن مكة هي أعظم قرية، وأكثرها تأثيراً، وقد يكون المقصد بأم القرى، أي معظم القرى أي الدول التي في زمن الرسول وهذا ما فعله الرسول عليه السلام {لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا}([4])  فقد أرسل الرسل منذراً وبعث الجيوش فاتحاً لعدة دول.

وهناك جبل بمكة كنيته أبو قبيس، ويقولون عن الأسد أبو الحارث، وعلى النسر أبو الأبد، وعن النمر أبو الأسود أو الأبرد ([5]) وحتى لو لم نعرف سبب الكنية ومعناها، فإن لها معنً قديماً قد نسيه الناس، فمن ذلك الضبع تكنى بأم عامر، ويقال إنه لو ماتت أمهم فإن الذئب يقوم بإرضاع عيالها فهم عامرون لا يموتون ([6])  والبحوث المعاصرة في مجتمع الضباع تبين أنها فعلاً تعيش في جماعات وأنه لو ماتت أمهم تولى رعاية الصغار أنثى آخرى.

وهنا نصل إلى حقيقة عظيمة، وهي أن الكنية قديماً لا تعني أن الشخص خلف ابناً بهذا الاسم، فأبو بكر رضي الله عنه لم يخلف ولداً بهذا الاسم كذلك أبو سفيان وأبو عبيدة الجراح، وأبو القاسم وأبو لهب؛ فكلها كُنى لها معانٍ عند القوم، ولدخول أقوام أعاجم على العرب تولوا التعليم بدلاً من العرب الأقحاح، ظنوا أن الأمر متعلق بأولاد وصارت عادة أن يكنى الشخص بولده الذكر، رغم أنه ليس عادة عربية، وفي هذا ظلم لبقية الأولاد، وهو بلا قيمة؛ فهو تحصيل حاصل، إلا إن كان الولد لا يعترف به أبوه؛ فاضطروا إلى إجبار الأب على القبول بولده بهذه الطريقة.

وفي القرآن المكرم لا نجد أبو إلا في أبي لهب، ونرجح، بل نجزم أنه كنية أطلقت عليه لأنه كان يعذب عبيده ومن يقدر عليهم باللهب، فنبزه المسلمون بهذا النبز وقد علمنا أنه لم ينجب ولداً بهذا الرمز.

ومن أشهر تلك الكنى كنية أبو القاسم التي كنوها للرسول وزعموا أنه أنجب ولدا ومات اسمه القاسم، وسيتبين لنا أن هذه الكنية أطلقت على الرسول عندما انتقل إلى المدينة لأنه يقسم بين الناس أي يحكم بينهم كما ذكر القرآن يقسم بالعدل والقسط، وسوف نشرح في مقال مستقل هذه الكنية بشرح مستفيض.

وسوف نلاحظ نفس الشيء في ابن وبنت، ونجد في القرآن بني إسرائيل وبني آدم، ونرجح أنهم من سار على دربهما وقلدوهما في السلوك، وسوف ندرس هاتين الكنيتين في مقال مستقل.

اللقب والنبز في القرآن المكرم

اللقب لغة:

اللقب عند أهل المعاجم هو النبز، واستشهدوا بالآية الكريمة  {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَٰبِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَٰنِ}  ([7])  وفسروها بألا تدعو الرجل بأحقر أسمائه إليه ([8]) 

الجواب الصحيح:

من الواضح أن المعاجم تجد صعوبة في التفريق بين لقب، واسم، وكنية، ونبز.  والمعاجم تقول إن اللقب هو إلصاق شيء بآخر. ونعتقد أن لقب هو ابن عمٍ للبق، ولبق كما تقول المعاجم هو خلط شيء بآخر لتطييبه ([9]) بينما لقب هو خلط شيء بآخر لتقبيحه، لهذا فإن اللقب هو اسم (نعت) إضافي يلصق بالشخص، فاللقب هو مجرد اسم أي صفة من الصفات تطلق على الإنسان للتقليل من شأنه.

النبز لغة:

والنبز عند أهل المعاجم، هو اللقب، فنبزه أي لقبه. وفسروا قوله تعالى: (تنابزوا بالألقاب) أي لقب بعضهم بعضاً. وقال بعضهم إن النبز مثل اللمز. والنّبِز عندهم هو اللئيم. ورجل نبزة أي من يلقب الناس كثيراً ([10])   ولو كان كلامهم صحيحاً لكان يعني أن نبز هو نفسه لقب ولصار معنى الآية الكريمة (ولا تلقبوا بالألقاب) وهذا بعيد.

الجواب الصحيح:

لم يرد هذا الجذر إلا مرة واحدة في آية واحدة

{ يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَٰبِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَٰنِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّٰلِمُونَ }  [الحجرات: 11].

ونجززم أن نبز يعني رمى الآخرين وهو ابن عم نبل والنبل في اللغة كما يقول ابن فارس هو رمي الشيء ونبذه؛ فنبلته أي رميته بالنبل، والنبيلة هي الجيفة لأنها تُرمى. ([11])

وهناك ابن عم آخر لنبز ونبل وهو نبذ، وقد شرحناه في المعجم القرآني، ومعناه رمي الشيء المكروه، فهو رمي وحذف، والنبل رمي أيضاً، وكذلك النبز رمي، فنبذ هو رمي الأشياء المادية القبيحة والضارة كما شرحنا في المعجم القرآني، بينما نبز هو رمي النعوت القبيحة على الآخرين.

الخلاصة:

وبهذا نصل إلى أن الكنية واللقب هي مجرد أسماء مثل بقية الأسماء، أي نعوت تطلق على الآخرين، فالكنية اسم أو رمز، ولكن ألحق به (أبو أو أخو أو أم أو أخت أو ابن أو بنت) فإن أُضيف للنعت أب أو أم فيقصد به التعظيم والتكثير والمبالغة، وإن أُضيف للنعت أخو أو أخت فيقصد به المقارنة والمساواة، فإن أضيف له ابن أو بنت فيقصد به المتابعة والتشابه وإن كان بدرجة أقل من الأصل الأول. أما اللقب اسم لكنه قبيح. والنبز هو رمي الآخرين بالألقاب، أي رميهم برموز قبيحة.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «مقاييس اللغة» (5/ 139) «تاج العروس من جواهر القاموس» (39/ 420)

([2])[مريم: 28].

([3]) «سيرة ابن هشام ت طه عبد الرؤوف سعد» (2/ 118)

([4]) [الشورى: 7].

([5]) المزهر في علوم اللغة وأنواعها (1/ 397)

([6]) الحيوان (1/ 130)

([7]) [الحجرات: 11].

([8]) «مقاييس اللغة» (5/ 261) «تاج العروس من جواهر القاموس» (4/ 220)

([9]) «مقاييس اللغة» (5/ 231) «تكملة المعاجم العربية» (9/ 202)

([10])  «الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية» (3/ 897) «تاج العروس من جواهر القاموس» (15/ 342)

([11]) «مقاييس اللغة» (5/ 383)


ali
ali
تعليقات