تفسير قوله تعالى وأقم الصلاة طرفي
النهار...
{ وَأَقِمِ الصَّلَوٰةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ
وَزُلَفًا مِّنَ الَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّءَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ
لِلذَّٰكِرِينَ } [هود: 114].
تحليل
النص المبجل:
أقم
الصلاة:
الصلاة هنا ليست الطقوس التعبدية، بل هي
ممارسة الدعوة للدين الجديد، فلا تقف يا محمد تنتظر الناس يأتونك، بل قم على
الدعوة طرفي النهار، حيث البشر يذهبون لأعمالهم ويعودون آخر النهار، فستجد الأنفس
لديها الاستعداد على الاستماع والتقبل. كذلك قم بالصلاة أي دعوتهم وإخبارهم بالدين
في بعض الليل (زلفاً من الليل) إذ يسمر أهل قريش وضيوفهم يتجاذبون أطراف الحديث،
حيث النفوس مهيئة للاستماع.
لهذا قال في النص التالي من نفس السورة
{ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ
أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ
إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ
} [هود: 116].
ثم قال بعدها
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ
بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } [هود:
117].
وقد نصت أول السورة على تلك الصلاة
والكلام الذي وجه للكفار فقال الرسول لهم:
{ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي
لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } [هود:
2].
{ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا
إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي
فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
} [هود: 3].
فتأمر الآيتان، أن يعبدوا الله أي يتبعوا
تشريعاته، وأن يستغفروا على ذنوبهم القديمة ويقلعوا عنها، التي فيها ظلم للضعفاء، وفي
هذا هلاك دولتهم.
فالصلاة هي الدعوة إلى الرشد والدين
والإصلاح والخير، فكما أن الله يصلي عليك أي يرشدك وكذلك الملائكة، فأنت يجب أن
ترشد الناس للدين الجديد والقيم والخير.
وقد بينت السورة ردة فعل الكفار على
الرسول، فكانوا يحاولون التخفي عن الرسول، بل قاموا بتغطية وجههم بواسطة ثيابهم والثوب
يختلف عن الملبس كما سوف نشرح وهو يشبه ما نسمه بالمشلح حالياً.
{ أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ
لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا
يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [هود: 5].
لهذا أمرته السورة أن يغير من طريقته في
الدعوة بأن يختار وقتاً لا يستطيع هؤلاء التهرب من الرسول، وذلك وقت الفجر أو
الصبح، وقرب المغرب، وزلفاً من الليل أي وقت سمرهم، وعندما صار يسمر معهم بالليل، أصبحوا
يهجرون مكان السمر أيضاً كما تقول سورة أخرى
{ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَٰمِرًا تَهْجُرُونَ
} [المؤمنون: 67].
إن الحسنات يذهبن السيئات:
ظن أهل التراث أن الحسنات المقصودة هي
الصلاة أو العبادة واخترعوا في ذلك مرويات يندى لها الجبين، وهو أن صحابي وقع على
مسلمة، لكن دون أن يفرغ ما فيه في داخل رحمها، فجاء يطلب التوبة، فأمره عمر وأبو
بكر والرسول بالصلاة المفروضة. وبعض الروايات طلبوا منه أن ينطق الشهادة فقط وكفى
المؤمنين القتال ([1]) وهذا هو أبو الإجرام والإضلال الذي عبث بأخلاق المسلمين.
وظن هؤلاء أن الآيات تتحدث عن الغفران
مثل آيات أخرى
{ قُلْ يَٰعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا
عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
[الزمر: 53].
{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ
التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَٰتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ} [التوبة: 104].
لكن
المقصود هنا بالسيئات وهو المصائب، فإن عمل
الحسنات من بر وصدقات يُذهب عن الإنسان ما به من مصائب وبلاء وضرر. والذي يؤكد ذلك
هو أول السورة
{ وَلَئِنْ أَذَقْنَٰهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّءَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } [هود: 10].
وفي رأينا أن هذا التفسير للنص أقرب
للحقيقة، لأن هذا ما كان يشغل الناس وسيشغلهم إلى قيام الساعة، فكل واحد فيهم يبحث
عن السعادة والراحة، ولهذا بينت السورة والآية، أن الذي يذهب المصائب التي يسميها
سيئات، هو عمل الحسنات للآخرين، فالآية تبشر بزوال المصائب مباشرة عند البر
والتصدق، فالنص يوجه الأغنياء لعمل البر والصدقات كما هو حال عشرات النصوص.
ذلك
ذكرى للذاكرين:
شرحنا سابقاً، أن المولى في حياة سابقة لهذه
الحياة، قد أوصانا عدة أمور، وجاءت الرسل والكتب لتذكرنا بهذه الوصايا، ومن هذه
الوصايا دفع السيئة بالحسنة، أي الإسراع بالتصدق وعمل الخير لكي تزول عنك الشرور
والمصائب.
الخلاصة:
أن السورة تحث كفار قريش وأهل الكتاب
الضالين، إلى عمل الخير والتصدق، فتلك هي الحسنات لأنها مما تستحسنه النفوس، وأن
ذلك هو السبب في زوال المصائب والأضرار، والتي يسميها القرآن السيئات، لأنها تسوء
إلى الإنسان، وأن على الرسول أن يقوم بالصلاة مع هؤلاء لتوعيتهم وتذكيرهم بما
أوصاه الله للبشرية من عمل الخير في الحياة السابقة لهذه الحياة الدنيا.
ولو كانت الصلاة المقصودة هي الطقوس، لما
وجدت أي معارضة من قريش فهي لا تهمهم ولا تمس مصالحهم، بل فيها خير لهم، لأن الطبقة
الدنيا ستزيد من طاعتها لهم، لأن الدين يمنع التمرد، لكن الصلاة هنا تعني الدعوة
لقيم الخير والإصلاح والتصدق، وفي هذا عبث شديد بمصالحهم وترفهم.
هذا
والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك