أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

أخطاء في قصة العجل يصححها القرآن

 



أخطاء في قصة العجل يصححها القرآن

كثير من القصص القرآني كان غرضه هو تصحيح الانحرافات التي وقعت فيها التوراة، ولأن تلك الانحرافات تمس العقيدة، ففيها خطر أن يضل البشر بسبب تلك الأوهام، كما فيها مساس بشخصيات عامة لها مكانتها والناس يقلدونهم، فكان من الضروري تصحيح تلك الأخطاء عنهم لما في ذلك دفاع عنهم ولما في ذلك حماية لأتباعهم من الضلال.

ومن تلك القصص، قصة عبادة العجل بعد خروج اليهود من ديارهم وإليك ما قالته التوراة.

القصة عند أهل الكتاب:([1])

-     تزعم القصة أن موسى غضب ورمى بالألواح المبجلة وحطمها عندما شاهد بني إسرائيل يعبدون العجل، ثم إن المولى بعد ذلك كتبها له من جديد ([2])

-     تزعم القصة أن هارون هو من صنع العجل، وأنه فعل ذلك ليوقف الشر الذي بهم

-     تزعم القصة أن موسى حرق العجل، ثم طحنه، ثم ذراه على الماء ثم سقاه بني إسرائيل.

-     يزعم أهل التراث أن الذهب هو ملك للفراعنة استعاره اليهود([3])  بينما التوراة تشير إلى أنه ملك لبني إسرائيل: "مَنْ لَهُ ذَهَبٌ فَلْيَنْزِعْهُ وَيُعْطِنِي".

تصحيحات القرآن المعظم:

موسى لم يرم الألواح فتحطمت، بل هو وضعها بهدوء ثم عاد من جديد وحملها بعد أن حل مشكلة العجل. { وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ }  [الأعراف: 154].

فالألواح لم تحطم، بل وضعها بهدوء وقد شرحنا في المعجم معنى ألقى، ثم يبين المولى أنه تم نسخها عدة مرات فهي منسوخة.

أما الزعم أن موسى أجبر اليهود على شرب ماء العجل بعد نسفه فلم يذكره القرآن ولا يمكن لموسى أن يفعله، لأنه سيقتل اليهود

 { لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا }  [طه: 97].

وقد رجحنا في مقال سابق أن ذلك العجل بالإضافة إلى الذهب والفضة، كان مصنوعاً من مادة مشعة ضارة بجسم الإنسان، لهذا تحول إلى جسد ولهذا تضرر منه السامري، فأنظر إلى مفردة جسد في المعجم القرآني.

أما الزعم أن هارون من صنع العجل، فقد أبطله القرآن وأكد وجود شخصية هو السامري وهو من فعل ذلك

{ قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ }  [طه: 87].

 وقد كان لهذه الإشاعة سببها، فقد شاهد الناس كيف يجر موسى بلحية أخيه، ورغم أن السبب هو اعتقاد موسى أن هارون أهمل ولم يضبط الأمور إلا أن تناقل الأخبار أوصلها إلى الزعم أن هارون هو من صنع العجل، وهذا حال كثير من الأخبار التي تتناقل عبر الألسنة.

{ قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَٰءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي }  [طه: 94].

   أما الذهب، فقد بينت التوراة أنه ملك لبني إسرائيل، كذلك القرآن كما سوف نوضح، وأنه من غير المعقول أن يستعير اليهود الذهب من ألد أعداءهم وهم آل فرعون كما تقول مروياتهم، وحتى الروايات التي تقول إنهم استعاروها من القبط، فهذا غير معقول أيضاً، لأن القرآن يبين أن فرعون جعلهم شيعاً وأن موسى قتل أحدهم.

القرآن يقول:

{ قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ }  [طه: 87].

ولا ندري هل القوم في الآية يقصد به بني إسرائيل، أم يقصد به آل فرعون، فمن الوارد أن تلك الزينة كانت لآل فرعون أخذت منهم بعدما غرقوا، فاليهود هنا يريدون التهرب من المسؤولية ورميها على عاتق السامري.

لكن هناك آية أخرى تقول:

{ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ}  [الأعراف: 148].

وحتى هذه الآية لا تؤكد الأمر، فقد تكون تلك الحلي من الغنائم التي توزعها اليهود فيما بينهم، فأصبحت ملكاً لهم بعد غرق آل فرعون وجنوده، والذين كانوا يحملون زينتهم في مكان كنوع من الوجاهة والعظمة كما يحمل العربي عمامته وعباءته في كل مكان.

ولهذا نرجح أن تلك الحلي هي لآل فرعون أخذها اليهود بعد غرق أصحابها، لأن اليهود يزعمون أنهم أُجبروا على حمل تلك الأوزار من الحلي، ولو كانت لهم وحملوها من مصر لما تعذروا بهذا العذر، ولكنهم زعموا أن السامري وعصابته هم من أجبرهم على حملها، فاليهود فقراء عبيد، وهاربون يريدون أن يتخففوا لكي يسرعوا في الهرب، بل نرجح أنه حتى الطعام كان شحيحاً، وأنه لولا الغنائم التي اشتروا ببعضها الماشية لما استطاعوا الحياة.

وأشار القوم إلى أنهم قذفوها، ويقصدون سرعة التخلص منها، فالقذف هو رمي الشيء بسرعة، فهم يريدون أن يبينوا لموسى أنهم لم يكونوا يرغبون بتلك الحلي، وأن السامري هو من أجبرهم عليها.

والصحيح أن السامري له سلطة عليهم، سلطة دينية وثنية، فقد أصبح السامري وثنياً مثل الفراعنة بسبب قوة الاضطهاد على أجيال بني إسرائيل، وقد أمر العامة بحمل الذهب والفضة معه، فلا يستطيع وحده حملها، وربما حملوها دون أن يشعر بذلك موسى وهارون، أو أن موسى لم يتوقع أن يحولوها إلى عجل يُعبد بل يشتروا بها ما يريدون.

 ونرجح أنهم فرحوا واعتقدوا أنها مُلك لهم، فلما طلبها منهم السامري سلموها له خوفاً منه، أو لأنه وعدهم أن يصنع لهم إلها، فقد كانت تلك رغبتهم وطلبوا من موسى أن يفعل ذلك

{قَالُوا يَٰمُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ }  [الأعراف: 138].

 { وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ}  [الأعراف: 148].

وقد يقول قائل إن موسى ومن معه هربوا بعيداً وأن الحُلي قد غرقت، والصحيح أن الحلي كانت على أجسامهم المنتفخة التي طفت على سطح الماء، ونُبذت على السطح، فقد أنجاه الله ببدنه أي ألقى جسمه الذي تحول إلى بدن منتفخ إلى الأرض المرتفعة بجوار البحر، وهذا حتى يتأكد بنو إسرائيل أنه قُضي عليه، ويتأكد من جاء من المصريين بعد ذلك أنه لا يسوى شروى نقير وأن موسى وربه قد قضيا عليه، ومن المرجح أن بقية الجند قد نجت أبدانهم كما نجى بدن فرعون.

{ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً }  [يونس: 92].

ومن غير المعقول أن يستمر موسى في الهرب وهو متيقن من موت فرعون وجنوده، كما أن القوم في أشد حالات الإعياء، فكانوا بجوار تلك الجثث المترامية وكانت فرصة للسامري وبقية العامة في نهب الزينة التي على أجسام آل فرعون، دون أن يشعر موسى وهارون بذلك.

لاحظ عزيزي القارئ أن اليهود لا يؤمنون بموسى كنبي، فلا ينادونه إلا باسمه ولا يقولون ربنا بل يقولون له ربك، وأنهم كانوا وثنيين وهذا تحت تأثير فرعون وفرض دينه عليهم بالقوة.

ود يسأل سائل كيف يحمل فرعون زينته وهو ذاهب للقتال؟ فهنا يجب أن نبين قيمة تلك الحلي عند القوم وأنها شبه مبجلة وإليك الأدلة:

يوم الزينة:

كان من عادة آل فرعون والطبقة الحاكمة، أن تتزين بالحلي وتعتبره علامة على القوة والنصرة والعز والتمكين، ولأهمية هذا الشيء، جعلوا للزينة يوماً خاص بها، فيخرج كل عظيم فيهم ودنيء بزينته يتفاخر بها على الآخرين.

{ قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى }  [طه: 59].

قارون يتباهى بزينته:

وكان قارون يخرج بزينته يتباهى، فهو من الملأ رغم كونه من أصول إسرائيلية

{ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَوٰةَ الدُّنْيَا يَٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَٰرُونُ}  [القصص: 79].

موسى بلا زينة:

بل إن فرعون عاب على موسى أنه لا يملك تلك الزينة، وأنه لو كان حقاً رسول لأنزلت عليه السماء أسورة من ذهب

{ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ }  [الزخرف: 53].

الزينة مبهرة مضللة:

وقد كانت الزينة مبهرة للجماهير والعامة، الذين يحسبون ذلك الشيء علامة على عظمة الشخص وتمكنه ورضى الآلهة عنه، لهذا تمنى موسى أن تُطمس تلك الأموال حتى تنقشع أوهام الجماهير عن آل فرعون ومن معهم

{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ ءَاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَٰلًا فِي الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَٰلِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ }  [يونس: 88].

الزينة مادة الآلهة:

وهذا أكبر دليل على توقير الذهب والفضة عند الفراعنة واليهود، فقد كان باستطاعة السامري أن يصنع العجل من الطين أو الصخر أو الخشب، لكنه انتظر توفر الذهب حتى يقوم بعمله في غياب موسى

والخلاصة أننا نرجح بقوة، أن مصدر الحلي ليس ذهب مستعار من المصريين، ولا حلي يملكها اليهود منذ رحيلهم، بل هو غنائم حربية وقعت في أيديهم بعد القضاء على فرعون وآله وجنده، الذين حملوا حليهم كما يحمل العربي عمامته وعباءته.

الخلاصة:

يتبين حدوث أخطاء في القصص التوراتي وأن القرآن جاء ليصححها، ومن هذا قصة العجل، فلم يصنع هارون العجل، بل السامري، وحاشاه النبي الكريم أن يفعل ذلك. ولم يحطم موسى الألواح رغم غضبه، بل وضعها بهدوء ثم رجع لأخذها. ولم يكن الذهب مستعاراً من المصريين، ولم يكن ملكاً لليهود، بل كان من غنائم الحرب بعد فناء الفراعنة. ولم يجبر موسى اليهود على شرب الماء الملوث بالعجل المنسوف.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني

 

 



([1]) أنظر سفر الخروج (خر 19:32) وما بعدها

([2])  ثم قال الرب لموسى انحت لك لوحين من حجر مثل الاولين فاكتب انا على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الاولين الذين كسرتهما (خر 1:34)

([3]) «موسوعة التفسير المأثور» (14/ 377):


ali
ali
تعليقات