أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

تفسير قوله تعالى وظنوا أنهم قد كُذبوا

 

 


تفسير قوله تعالى وظنوا أنهم قد كُذبوا

{ حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْءَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }  [يوسف: 110].

رأي أهل الرواية:

استشكل الأمر على أهل الراوية والتفسير، هذا النص المبجل، فنسبوا آراءهم لكبار الصحابة، فأمنا عائشة -عندهم- تصر على قراءة كُذبُوا بالتشديد أي كُّذبُوا أي أن الذي ظن هم الكفار وليس الرسل على اعتبار أن معنى ظن تعني رجح وخمن ([1]) لكن ابن مسعود يصر على قراءة الكلمة بدون شدة أي كما هي مسجلة في المصاحف ([2]) ويرى ابن عباس كما نسب إليه ([3]) أن الرسل كانوا بشراً، يصيبهم الضعف والقنوط، واستدل بآية أخرى تؤكد المعنى {حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ}([4])  ويتفق معه سعيد بن جبير أيضاً ([5])

وقالت عائشة رداً عليهم: "معاذ الله لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها"([6]) ونسبت الظن إلى أتباع الرسل وليس الرسل، لما تأخر عليهم النصر. ومن شدة حيرتهم زعموا أن أحدهم تمنى أن لم يقرأ هذه السورة ([7]).

التفسير الصحيح:

نزلت هذه الآية في سورة يوسف، وسورة يوسف كما نعلم فيها انتصار عظيم للنبي يوسف بطريقة عجيبة وغريبة وبدون أي معجزة، سوى إعطاء يوسف إمكانيات وقدرات جعلت الناس تريده ملكاً عليها.

وهذا نفس الحال مع محمد، فمحمد بلا أي معجزات طالب بها الكفار، وقد رفض القرآن مطلقاً تنفيذ طلبهم، وكما نصر الله يوسف بلا معجزات وقوة خارجية تتدخل، كذلك سينصر الله محمد عليكم يأيها الكفار بلا تدخل إعجازي ظاهر.

{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم}  [يوسف: 109].

أما اليأس من إيمان الكفار قد أكدته آية قبل هذه في نفس السورة

{ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }  [يوسف: 103].

والناس لا يعني كل البشر، بل النخبة، ودائماً من يعارض هم علية القوم ممن لهم مصالح ستزول مع هذا الإيمان، فالمولى يريد أن يخبر الرسول أن علية القوم لا رجاء فيهم، ولكن بقي العامة وهم من يجب أن يصبر عليهم الرسل لعل بعضهم يتحول، كما أن الآية تؤكد أن هناك من علية القوم من سيؤمن فليس كل الناس أي النخبة كفار، بل أكثرهم.

لقد وجهت السورة بعد ذلك، علية القوم والعامة إلى النظر في آثار الأمم البائدة

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}  [يوسف: 109].

نأتي إلى محل الحيرة والخلاف:

يجب أن نعرف أمرين قبل نشرع بالتفسير، وهو معرفة معنى الكلمات بدقة، ثم معرفة لمن وجه له النص ولمن تشير الضمائر هناك، حنيها سيسهل فهم النص بسهولة.

ظن: شرحنا في المعجم معنى ظن وتبين لنا أن معناه جزم وليس تصور أو خمن أو اعتقد، بل هو جزم جزماً، وهو يشبه اليقين، لكن اليقين يكون بالحس وخاصة النظر، فكأن ظن هو اليقين، ولكن بالعقل والتدبر والتبصر.

استيئس:  من اليأس

المعنى الصحيح للنص:

الذي أصيب باليأس هم الرسل، بل لعل استيئس أقوى من يأس، فلم يعد هناك مجال لحسن الظن بقومهم، مثلما قال نوح { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَاءِي إِلَّا فِرَارًا }([8])  أو كما قال الرسول لاحقاً {إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْءَانَ مَهْجُورًا}([9]) فالرسول محمد لم يصب باليأس من قومه عندما نزلت سورة يوسف، ولكن أصيب باليأس لاحقاً كما في سورة الفرقان وغيرها.

ويبدو أن اليأس الذي يصيب النبي المرسل هو وحي من عند الله، فإذا شعر الرسول باليأس من قومه، فذلك وحي من الله دون أن يشعر الرسول بذلك {وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ ءَامَنَ}([10]) وقد يكون الأمر خاصاً بنوح فقط لأنه أكثر نبي استمر في دعوة قومه.

أما الظن فهو ظن الرسل أيضاً، وليس غيرهم، وقلنا ظن أي جزم وتيقن بالعقل والبصيرة وليس البصر، فهم جزموا أن الكفار كذبوهم، فلم يكن تصوراً أو احتمالاً، بل توكيداً يقينياً الذي يسميه القرآن الظن، ومها كانت كلمة كذبوا بشدة أو بدون شدة، فإن المُكذّب هنا هو الرسل والذين كذبوهم هم الكفار.

الخلاصة :

الآية تحذر الكفار من أمرين معاً، من إصابة الرسل باليأس من أقوامهم، وبالوصول إلى مرحلة الظن أي اليقين العقلي أن أقوامهم يكذبونهم، فإن وصلت الرسل إلى هذه الحالة، جاء أمر الله بعذابهم، وذلك لأن الرسول إذا دب قلبه اليأس، لم يعد قادراً على الدعوة للدين وهو يوقن أنه لن يستجاب له، كما أن في ذلك مضيعة للجهد والوقت وفيه استمرار لعذاب المستضعفين، فأعلموا أن العذاب قد اقترب لو حدث اليأس والجزم.

فعليكم بالحوار والجدل مع الرسل للبحث عن الحقيقة، فهذا أمر مقبول ومطلوب، ولكن إياكم والصد والرفض وتعجيز الرسل بحيث يصابون باليأس منكم حينها ترقبوا العذاب.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «موسوعة التفسير المأثور» (11/ 807):

([2]) «موسوعة التفسير المأثور» (11/ 807):

([3]) «موسوعة التفسير المأثور» (11/ 810):

([4]) [البقرة: 214].

([5]) «موسوعة التفسير المأثور» (11/ 811):

([6]) «موسوعة التفسير المأثور» (11/ 809):

([7]) «موسوعة التفسير المأثور» (11/ 811):

([8]) [نوح: 6].

([9])  [الفرقان: 30]

([10])   [هود: 36].

ali
ali
تعليقات