أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

شرح آية خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض


 

شرح آية خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض

(فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَٰوَٰتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَٰوَٰتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) سورة هود الآية 106-108

اطلعت على بعض التفاسير التراثية ولن أضيع وقت القارئ، لأنها بعيدة وفقيرة.

خالد:

لا يعني السرمدية، بل يعني المكوث المطول جداً وهي مثل مكث ولبث، فخلد أطول منهما في الفترة، وهي أيضاً سكون وعدم حركة، فلا يوجد شيء يخرجك من الجنة أو النار، فأنت فيها خالد أي لابد ماكث لابث.

أبداً:

لا يعني السرمدية، بل يعني الوقت الطويل جداً جداً، ورغم أن الآية لم تذكر لفظة أبداً، التي تتكرر في عشرات الآيات، إلا أنه هنا حدد مدة الأبد هذه وهي دوام السماوات والأرض.

دامت:

بقاء الشيء كما هو سواء أكان مادة أو عملاً، فهو استمرار دون انقطاع.

السماوات والأرض:

ما علاقة السماوات والأرض بالجنة إذا كانت الجنة في مكان آخر؟

شرحنا في كتابنا أن الجنة على هذه الأرض بعد أن تتشكل ويتغير حالها، فستظل الجنة التي في الأرض كما هي حتى تزول السماء والأرض، وشرحنا معنى السماء وقلنا هي الغلاف الجوي للأرض. مع التنويه أن بعضهم زعم أن للجنة سماء وأرض وهي المقصودة هنا.

ونسي هؤلاء أن البشر سيموتون على هذه الأرض ويخرجون من قبورهم على هذه الأرض، والمحشر هنا، بعد أن يتغير شكل الأرض، فتجهز إلى قسمين قسم الجنة وقسم النار.

فإذا كانت الجنة والنار على هذه الأرض، فهو يؤكد فناءهما، لأن الأرض والسماء سوف تفنى كما تقول النظريات العلمية، بعد ألوف ملايين السنين ([1])  فسوف يظل أهل الجنة في الجنة حتى تفنى وسوف يظل أهل النار في النار حتى تفنى.

أما قوله إلا ما شاء ربك، فهم يزعمون أن ما لغير العاقل، فكيف يستثني المولى غير العاقل ولا يوجد في النار إلا البشر والجن؟

هناك احتمالان:

 إما أن النص يعتبر أهل النار غير عقلاء وقد وصفهم ذات مرة بأنهم بهائم (أنعام) فلهذا استخدم الاسم الموصول ما بدلاً من "من" الموصولة. أو أن ما تأتي للعاقل وغير العاقل، فلا صحة لزعمهم أن ما لغير العاقل، خاصة وأنه استخدم ما الموصولة مع أهل الجنة أيضاً الذين هم عقلاء وأسوياء وليسوا أنعاماً.

وعلى العموم فالآية تؤكد أن هناك من سيخرج من النار وليس ما يعتقده بعض الحرورية وغيرهم من الفرق المتشددة على غير عقل، والتي تزعم أن من يدخل النار لا يخرج منها.

فالآية تؤكد أمرين أن هناك من سيخرج من النار، قبل الفناء، وأن النار ستفنى يوم ما فسيخرج منها كل البشر، أو ربما يقضى عليهم كلهم فالمهم هو أنه لا يوجد أحد من البشر بعد المكوث ملايين السنين.

فعال لما يريد:

{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}  [البقرة: 185].

{وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَٰلَمِينَ }  [آل عمران: 108].

{ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ}  [النساء: 26].

{ مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا }  [النساء: 147].

{ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَٰسِقُونَ }  [المائدة: 49].

{ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلَا أَوْلَٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ }  [التوبة: 55].

بعد أن ذكر المولى أهل النار وذكر أنه سيستثني بعضهم فيخرجهم منها، قال أنه فعال لما يريد، وكل إرادات الله خيرة طيبة حسنة يستحسنها العقل، إلا في حالات قليلة تكون إرادة الله لحظية ومؤقتة حيث يرد على المجرمين، فيريد لهم الشر لكي يؤدبهم. وحتى هذا الشر هو خير لهم لأن عذاب النار سيطهرهم من خبثهم.

فالمولى هنا يقول إنه فعال لما يريد، أي أنه لا يريد تعذيب البشر، وليس هذا من ضمن مخططه جل جلاله، وقد أوردنا الآيات بالأعلى التي تؤكد ذلك. فنقول إن الله يقصد أنه سيخرج كل أهل النار من النار، أو لعله يقصد فقد من يستثنيهم ويخرجهم، فلن يجعلهم يمكثون مدد طويلة جداً، بل سيخرجهم قبل موعدهم لزوال الفساد عن قلوبهم.

ماذا عن أهل الجنة؟

وفي الجنة نفس القصة، سيلبث أهل الجنة فيها ما دام الغلاف الجوي موجود والأرض ثابتة لم تتدمر، فإن تدمرت وهذا ما سوف يحدث سيخرجون منها أو يقضى عليهم.

أما قوله إلا ما شاء الله مع أهل الجنة، فهذا يعني أن هناك من سيخرج منها قبل انتهاء عمر الأرض، وطبعا لن يقض عليهم أو يميتهم، بل نرجح أحد أمرين:

إما أنهم سينتقلون إلى كواكب أخرى، وأنه من المرجح أنهم سيقضون معظم وقتهم في الجنة للتعلم والصناعة والتطور المستمر، وأنهم سيكونون قادرين على صنع مركبات تنقلهم إلى كواكب أخرى.

أو أنهم سيتحولون إلى ملائكة، وقد ورد ذلك في القرآن، فقد بين القرآن أن الله رفع بعض الأشخاص كإدريس وعيسى وهناك إلياس أيضاً، ولا يكون الرفع قبل التحول إلى الملائكية، نظراً لاستحالة العيش في السماء بالجسم البشري، بل يجب أن يتحول إلى جسد ، والجسد هو وعاء الملائكة، كما شرحنا في مفردة جسم وجسد.

أما قوله عطاء غير مجذوذ

فطالما هم في الجنة، فلا يوجد شيء ينقطع عنهم، فلا وجود لفصول سنة ولا مواسم جفاف ولا سنين عجاف، بل يستمر العطاء حتى موعد خروجهم من الجنة الأرضية لاستعمار الكواكب، أو يقضي المولى عليهم بالكلية وهذا مستعبد.

{أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا}  [الرعد: 35].

{ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ }  [الواقعة: 33].

فالأكل دائم وكذلك الظل فلا يوجد موسم للخريف أو أن الخريف لا يؤثر في شجرهم فتبقى دائماً مخضرة.

وقد كان من المفروض أن تزول الأرض والسماء لحظة الزلازل الهائلة التي ستحدث عند الساعة، ولكن الله أمسكها عن الزوال

{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ وَالسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّٰتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }  [الزمر: 67].

{ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }  [فاطر: 41].

الخلاصة:

أن موقع الجنة بلا أدنى شك كما تقول عشرات الآيات هو على هذه الأرض، وأن السماء التي هي غلاف الأرض الجوي يمسكها المولى مع الأرض، وأنه لولا الله لزالتا بسبب عوامل فلكية وجيولوجية.

وسيظل البشر في النار طالما بقيت الأرض، إلا من أراد الله أن يخرجه منها أو يميته، ونرجح أنهم سيخرجون منها إلى الجنة.

وكذلك سيبقى الآخرون في الجنة، طالما بقيت الأرض، فإن قاربت على الزوال خرجوا منها. أو قد يموتون معها، ولكن الأرض ستظل ثابتة ملايين السنين. وأيضاً هناك من سيخرج من الجنة قبل فنائها، ونرجح أنهم الصفوة من البشر.

ونرجح أنهم سيبقون فيها إلى ما شاء الله ثم يستطيعون صنع مركبات قادرة على السفر إلى كواكب أخرى، وقد يكون علينا مهمات أخرى نقضيها في تلك العوالم، فنحن سرمديون بأمر الله الذي سرمدنا، ولن يموت أهل النار كما نرجح، بل سيعاقبون حتى تزول النار بعد ملايين السنين.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني

 

 

 



([1]) تقول ناسا أن عمر الأرض المتبقي هو مليار سنة أنظر هنا 


ali
ali
تعليقات