العيون والأعين والعين في القرآن المكرم
العيون
والأعين والعين في المعاجم:
أصل واحد يدل على عضو به يبصر وينظر. وتجمع
على أعين وعيون وأعيان. وعنت الرجل أي
أصبته عينك. ورأيت الشيء عياناً أي معاينة. وعبد عين أي يخدم طالما العيون تراه.
والعين هو الذي يتجسس الخبر. وعين جارية سميت بذلك تشبها العين الناظرة لصفائها
ومائها ([1])
العيون
والأعين والعين في القرآن:
كل ما جاء في القرآن من جذر العين هو
يقصد به عين الإنسان الجارحة، إلا القليل من الآيات التي تحدثت عن عيون الجنة
لكن ما هو الفرق بين أعين وعيون؟
العين
الجارية:
المياه التي تجري في الأرض يطلق عليها
القرآن عين، وقالوا لأنها صافية مثل العين، ولكن أرجح لأن كلاهما يخرجان الماء،
ولتشابه طريقة الخروج والتدفق. أو لأن من ينظر إليها من ارتفاعٍ يراها بقعة دائرية
كما العين البشرية. وهذه الرؤية ممكنة حتى عند القدماء من خلال جبل مرتفع.
{فَٱنۢبَجَسَتۡ
مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ} [الأعراف: 160].
{تَغۡرُبُ
فِي عَيۡنٍ حَمِئَةٖ وَوَجَدَ} [الكهف: 86].
{
تُسۡقَىٰ مِنۡ عَيۡنٍ ءَانِيَةٖ } [الغاشية: 5].
{
فِيهَا عَيۡنٞ جَارِيَةٞ } [الغاشية: 12].
وحتى لو تكلم النص عن مثنى وليس مفرد
فإنه يستخدم نفس التركيب الذي يستخدمه في العين الجارحة
{
فِيهِمَا عَيۡنَانِ تَجۡرِيَانِ } [الرحمن: 50].
{
فِيهِمَا عَيۡنَانِ نَضَّاخَتَانِ } [الرحمن: 66].
لكن اذا تكلم عن الجمع فإنه لا يقول أعين، بل يقول عيون
{
إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ
} [الذاريات: 15].
{
وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا } [القمر: 12].
{
إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي ظِلَٰلٖ وَعُيُونٖ } [المرسلات: 41].
العين
الجارحة:
كثير من الآيات كانت تقصد بالعين هي
العين الجارحة مثل:
{يَرَوۡنَهُم
مِّثۡلَيۡهِمۡ رَأۡيَ ٱلۡعَيۡنِۚ} [آل
عمران: 13].
{
وَٱلۡعَيۡنَ بِٱلۡعَيۡنِ وَٱلۡأَنفَ بِٱلۡأَنفِ} [المائدة: 45].
وحتى في صيغة المثنى كانت تشير إلى العين
الجارحة وقد تشير إلى العين الجارية كما رأينا
{
لَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ} [الحجر: 88].
{
وَلَا تَعۡدُ عَيۡنَاكَ } [الكهف: 28].
{
أَلَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ عَيۡنَيۡنِ } [البلد: 8].
أعين:
{
تَرَىٰٓ أَعۡيُنَهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ } [المائدة: 83].
تؤكد هذه الآية وعشرات غيرها أن جمع
العين الجارحة هي أعين، فهي التي تفيض من الدمع، وهي التي ترى المناظر أمامها { وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ }([2]) ولا يمكن أن تكون شهيدا
إلا بعينيك {فَأۡتُواْ بِهِۦ عَلَىٰٓ أَعۡيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡهَدُونَ }([3]) والعين هي التي تدور من شدة
الخيفة {يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ تَدُورُ أَعۡيُنُهُمۡ }([4])
والعين هي التي تطمس { وَلَوۡ نَشَآءُ
لَطَمَسۡنَا عَلَىٰٓ أَعۡيُنِهِمۡ}([5]).
أعين
الله:
{
تَجۡرِي بِأَعۡيُنِنَا } [القمر: 14].
{
وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا} [هود: 37].
{
وَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعۡيُنِنَاۖ
} [الطور: 48].
تؤكد هذه الآيات المبجلات أن الله جل
جلاله، يستخدم جنده وهم غالباً من الملائكة، ليعتنوا بالرسل، ويحفظونهم من السوء، فأعين
الله هي أعين الملائكة فنسبها إليه، لأنهم يمثلونه في الأرض وينفذون أوامره، فهي
أعين حقيقية وليست مجازية وهي أعين الملائكة الكرام.
آيات
مبهمة:
هناك بعض الآيات التي قد يجد الشخص في
فهمها مثل:
عين
اليقين:
{
ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيۡنَ ٱلۡيَقِينِ } [التكاثر: 7].
وقد شرحنا اليقين وهو العلم المستمد من
الحواس وخاصة النظر، فأنظر المقال في الموقع، فالناس سوف يرون القيامة عين اليقين،
فلا تأكيد ولا دليل بعد الرؤية المباشرة.
عين
الله:
{وَأَلۡقَيۡتُ
عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ
} [طه: 39].
شرحنا أعين الله وقلنا هي أعين الملائكة
التي تراقب وتحفظ، وهنا عين الله هو الملك الذي وكل بموسى، فقد ألقاه الله على
موسى فصارت له محبة عند الجميع، وتمت صناعة موسى بمراقبة هذا الملك.
خائنة
الأعين:
{ يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ
ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ }
[غافر: 19].
للمفسرين أربعة أقوال في خائنة الأعين: فيزعمون
أنه الرجل ينظر للمارة من النساء دون أن يلاحظه رفقاءه، وقيل، بل نظر العين إلى ما
نهى عنه، وقيل الغمز بالعين، وقيل النظرة بعد النظرة، أي أن الشخص يشبع نظره في
النساء ([6]) ولا
يهمنا في هذا الأمر، هنا، إلا التأكيد على العين الخائنة هي تلك العين الجارحة.
حور
عين:
{ كَذَٰلِكَ وَزَوَّجۡنَٰهُم بِحُورٍ عِينٖ } [الدخان: 54].
الحور العين هن نساء الدنيا كما شرحنا
سابقاً، وكما قال بعض العلماء، وقد نعتن بالعين، لكبر أعينهن، وهو قمة الجمال.
والجمال من اللذائذ التي يحبها الإنسان فينظر للجمال ويحبه ولهذا قال القرآن {مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ}([7])
الخلاصة:
هذا الجذر الوحيد حسب علمنا المحدود الذي
جاء ويقصد شيئين ماديين معاً، وهو العين الجارحة والعين الجارية، نعم كانت معظم
الجذور تقصد معنيين؛ معنى حسي (مادي) ومعنى معنوي، لكن هذا الجذر الذي قصد معنيين
حسيان هما العين الجارحة والجارية.
وهذا ليس له علاقة بالترادف، بل هو
نقيضه، فالترادف يقصد به أن عدة جذور تقصد معنى واحد، بينما هنا نجد الجذر الواحد
له معنيان حسيان. وقد لاحظنا أن كثير من الألفاظ تبدأ بمعنى حسي مادي، ثم يشتق
منها المقصد المعنوي، وهذا منطقي ومعقول فلا يوجد معانٍ مجردة معنوية إلا وكان
أصلها مادي.
لهذا يجب النظر للجملة أو ما يسمونه
بسياق النص الذي نرفضه تماماً في فهم الألفاظ إلا هنا وفي هذه الحالة فقط، لأن
للعين معنيان حسيان ظاهران.
بقي أن نقول أن أعين
هي جمع العين الجارحة البشرية، بينما عيون فهي
جمع العين الجارية. وأن عين الله وأعينه هم الملائكة التي وكلها الله على البشر،
وأن عين اليقين، هي العين البشرية التي سوف ترى القيامة فتوقن حينها، وأن اليقين
لا يأتي إلا من الحواس. وأن العين الخائنة هي نفسها العين الجارحة.
هذا والله وأعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك