أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

خصف في القرآن المكرم



خصف في القرآن المكرم

لا نستطيع فهم قصة آدم دون أن نفهم المفردات التي وردت فيها، ومن ذلك خصف وسوءة وطفق وهنا سوف ندرس معنى خصف، نسأل الله العلم والنور، وأن يكون عملنا هذا خالصاً لرضاه علينا.

خصف في المعاجم:

الخصف لغة هو اجتماع الشيء إلى الشيء. وهو عقد أوراق الشجر بعضه البعض؛ كي يصبح متماسكاً، مثل صناعة الجلة (مثل الكيس ) التي يوضع فيها التمر، وفي الغالب يكون ورق الخصف من سعف النخيل، لأنه يكون على شكل حبال عندما يقطع طولياً. وهناك معنى آخر للخصف وهو الإسراع في المشي أو العدو، وقد رأى بعض أصحاب المعاجم أنه تصحيف وأن الصواب هو حصف وليس خصف. ولاحظ عزيزي أن الخصف نقيض الفصخ، والفصخ عند العامة هو خلع الملابس أو غيرها، فكأن الخصف ستر والفصخ إظهار.

وقد يكون الخصف هو صناعة الأغطية، فمن ذلك حديث نبوي أمر فيه الصحابة أن يعيدوا صلاتهم ووضوئهم بعد أن ضحكوا أثناء صلاتهم، على رجلٍ ضعيف البصر، سقط في بئر عليها خصفة. كذلك الخصفة هي الجلة التي تصنع من الخوص، وغرضها جمع التمر. ([1])

خصف في القرآن:

{ فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٖۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمَا عَدُوّٞ مُّبِينٞ }  [الأعراف: 22].

{ فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰٓ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ }  [طه: 121].

لم يرد هذا الجذر إلا مرتين كما بالأعلى، وفي قصة آدم فقط، فلو سلمنا أن الشجرة هي شجرة فعلاً -وهذا نجزم به- وأنهما أكلا من ثمارها أو أوراقها، فإننا نقترب كثيراً من فهم معنى خصف، وقد شرحنا معنى طفق، وقلنا هو ابن عم قطف، وأن القطف حركة اليد من الأعلى للأسفل لقطف الثمار مع تكرار الحركة، بينما طفق هي حركة اليد من الأعلى للأسفل لكن ليس لقطف الثمار، مثل حركة سليمان على عنق خيله، في تكرار الحركة، كذلك حركة آدم هنا في نزع أوراق الشجر، وإلصاقها بجسمهما.

وشرحنا سبب نزع الملابس واستبدالها بورق الجنة، وقلنا لأن تلك الشجرة التي أكل منها آدم كانت مسمومة وتسبب حكة شديدة جعلتهما ينزعان ملابسهما من أجل الهرش. فلما تبين لهما أنهم أصبحا عاريين تماماً، طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة.

وهنا يتبين لنا معنى الخصف، لقد حرصا على تغطية الجسم بهذا الورق خاصة منطقة السوءة وهي الإبط والسبيلين، كما شرحنا في مقال سابق، فاستخدم النص كلمة خصف، ليدلل على ذلك الحرص، ولكن ليؤكد أنه مع ذلك لم يكن الورق كافياً لتغطية كامل الجسم، فالخصف دائماً يخلق فتحات وثغرات، لقد بذلا وسعهما، فوضعا الأوراق بجوار بعضهم قدر المستطاع، وكأنه مثل الخصفة التي يوضع فيها التمر، ولكن بها ثغرات وفتحات.

لقد نزعا ملابسهما بسبب الحكة الشديدة نتيجة أكل الشجرة، بينما ورق الجنة كان لا يؤذيهما، بل ربما خفف الحكة  ([2])

الخلاصة:

إن الخصف الذي قام به آدم وحواء، كان غرضه تغطية كامل السوءات، فهما لم يضعا الورق على جسمهما هكذا بدون عناية، بل حاولا قدر المستطاع خصف ذلك الورق، أي ربطه بعضه ببعض، من أجل أن يغطي السوءة كما يخصف العامل الخوص، لكي يصنع منه الخصفة التي يوضع فيها التمر. فرغم أنهما يعانيان من الحكة الشديدة، فقد حرصا على تغطية السوءة لشدة الحياء ولأن منظرهما قبيح.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) غريب الحديث للقاسم بن سلام (1/ 113) مقاييس اللغة (2/ 186) تهذيب اللغة (7/ 68) الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 376) مجمل اللغة لابن فارس (ص: 291) غريب الحديث للقاسم بن سلام (1/ 113)

([2]) هناك من يفسر قوله تعالى }وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ } [طه: 120، 121]  بأن آدم وحواء من شدة الخجل والخوف والحياء من الله اندسا تحت أوراق الشجر، لكن هذا التفسير بعيد، إن الشيطان كان يعلم أثر ذلك الورق على الجسم البشري، أو جسم الكائنات الحية المكونة من الطين، فكانت خطته واضحة وهي أن تظهر سوءاتهما. لكي يشاهدها بعضهما في حالة عري مقززة.

ali
ali
تعليقات