أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

بدل في القرآن المكرم

 


بدل في القرآن المكرم

بدل في المعاجم:

هو قيام الشيء مقام الشيء الذاهب. وبدلت الشيء أي غيرته. وأبدلته أي أتيت له ببدل. والبأدلة هي لحمة بين الإبط والثندوة. والبدّال الذي ليس له مال إلا بقدر ما يشتري به شيئاً بديل ([1])

التبديل في القرآن:

في القرآن ورد الجذر بدل 44 مرة، وهو يعني إزاحة شيء واستبداله بآخر أحسن منه، فلا يعقل إن الإنسان العاقل يفرط في الأحسن مقابل الأسوأ أو الأقل، ولهذا سنجده على النقيض من "غير" التي تعني التبديل إلى الأسوأ.

استبدال المن بالثوم:

{قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}  [البقرة: 61].

لهذا تعجب موسى كيف أنهم يعملون العكس ويستبدلون الأقل بالأحسن، لاحظ أن موسى استخدم لفظة بدل، لأنه يوافق أفكارهم، فهم يرون الثوم أحسن من المن والسلوى. 

تبديل قول الله:

{ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ}  [البقرة: 59].

{وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَٰنِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ }  [البقرة: 108].

واليهود بدلوا قول الله بقول شيوخهم وأحبارهم، وقد استخدم جذر بدل ليؤكد أنه كان في تصورهم أن هذا التبديل لصالحهم. كذلك بدلوا الكفر بالإيمان لاعتقادهم أن ذلك أحسن لهم.

تبديل الخبيث بالطيب:

{ وَءَاتُوا الْيَتَٰمَىٰ أَمْوَٰلَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَٰلَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَٰلِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا }  [النساء: 2].

أخذ الخبيث بالطيب هو تبديل لصالح وكيل الورثة الأيتام، فلهذا استخدم لفظة بدل ولم يستخدم جذر "غير" لأن ذلك التبديل في صالح المبدل.

تبديل الزوجة:

{ وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ}  [النساء: 20].

وتبديل الزوجات هو في صالح الزوج المبدل كما يتصور، لأن الجديدة تعجبه أكثر، لاحظ أن هذه الآية موجة إلى أهل الكتاب، الذين يكتفون بزوجة واحدة، حسب تشريعهم، لهذا يحرص على التطليق لكي يستبدل زوجته القديمة بالجديدة.

تبديل الجلد:

{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا}  [النساء: 56].

وتبديل الجلد الجديد بالقديم هو تبديل لصالح صاحب الجلد

تبديل السيئة بالحسنة:

{ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ}  [الأعراف: 95].

وتبديل السيئة بالحسنة هو تأكيد على أن التبديل دائما لصالح المبدل أو المبدل له، وقد يبدل الله السيئات أي العقوبات بالحسنات أي النعم والخيرات

تبديل الأقوام:

{وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ}  [التوبة: 39].

{وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَٰلَكُم }  [محمد: 38].

ولأن التبديل يأتي بالأحسن، فإن المولى إذا أراد استبدال قومٍ يأتي بمن هم أحسن منهم، المستفيد هنا هو المولى جل جلاله فهو المُبدل.

تبديل القرآن:

{ائْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ}  [يونس: 15].

وقد اشترط الكفار أن يأتي بقرآن بدلاً منه، فهم يرون أن هناك قرآن خير من هذا القرآن، الذي كان يأمرهم بالصدقات والأعمال والتكاليف، لهذا رفضوه.

تبديل الأرض والسماء:

{ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَٰوَٰتُ}  [إبراهيم: 48].

وحتى الأرض سوف تتحول إلى أرض فيها الجنات ولهذا استخدم لفظة تبديل، فهي أرض جديدة خير من هذه الأرض، كذلك السماوات أي الغلاف الجوي سيبدل. وقد أكدنا في كتابنا أن الجنة والنار ستكون في هذه الأرض بعد تبدلها.

تبدل التشريعات:

{وَإِذَا بَدَّلْنَا ءَايَةً مَّكَانَ ءَايَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ}  [النحل: 101].

{ مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}  [البقرة: 106].

جاء القرآن بتشريعات جديدة، غير ما كان عند أهل الكتاب، وهي أحسن من القديمة لتغير ظروف الناس وتطور فكرهم، فزعم أهل الكتاب أن الرسول مفتر يأتي بالبدع، لكن بين القرآن أنه تبديل أي يأتي بالأحسن

أشياء لا تبدل مطلقاً:

{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}  [الروم: 30].

{فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}  [فاطر: 43].

{ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ }  [ق: 29].

{لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِ }  [الأنعام: 115].

وهناك أشياء لا يمكن أن تتبدل، لأنه لا يوجد شيء أحسن منها، كالفطرة والسنة، أو أقوال الله جل جلاله وكلماته.

تبديل الغلام:

{ فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَوٰةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا }  [الكهف: 81].

والخضر قتل الغلام، حتى يأتي البديل، وشرح المعنى البدل بأنه سيجلب غلام خير من المقتول

التبديل بالشيطان:

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ اسْجُدُوا لِءَادَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّٰلِمِينَ بَدَلًا }  [الكهف: 50].

والكفار يرون أن الشيطان هو وليهم من دون الله، ويرون ذلك استبدالاً جيداً، لأن الشيطان يبيح لهم المحرمات مثل السرقة والظلم والطغيان.

تبديل الخوف:

{وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}  [النور: 55].

والأمن عند كل البشر والكائنات أحسن من الخوف، لهذا استخدم لفظة بدل، لأنه سيأتي بالأحسن.

تبديل الجنتين:

{ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَٰهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ }  [سبأ: 16].

لا نعرف كيف كانت جنتين الأوليتين، ولكن تم استبدالهما بجنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل، وهذا عجيب، فقد كان يفترض أن يروا هذا الأمر تغييراً للأسوأ وليس استبدالاً للأحسن، ولكن نرجح أن التبديل تجاه المولى جل جلاله، وليس تجاههم، فهو بالنسبة لهم تغيير للأسوأ، فهو الذي بدل وليس هم، وما بدله لصالحه وليس لصالحهم فلهذا استخدم لفظة بدلنا. ونرجح أنهم انتقلوا بعد السيل إلى مكان آخر فيه هاتين الجنتين الأقل من السابقة، والله يعتبر الأمر له ولصالحه، لأن هذا الذي حدث لهم هو عبرة وعظة لمن بعدهم ﵟفَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَ وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚﵞ ([2])

تبديل الدين الفرعوني:

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ }  [غافر: 26].

فرعون يتكلم نيابة عن موسى، فيقول إن موسى جاء ليبدل دينكم أي دولتكم وهذا التبديل ليس في صالحكم، بل في صالح موسى، فهو يريد الملك عليكم، لهذا استخدم لفظة تبديل لأن المبدل وهو موسى سيبدل ديناً لصالحه هو، أحسن من دين الفراعنة الظالم.

الخلاصة:

 إن التبديل عملية تجارية، والتجار لا يستبدلون الأشياء السيئة بالحسنة، فهذا لا يعمله الجاهل، فكيف بالخبراء، وهذا ما دفع القرآن إلى استخدام هذا الجذر، حتى يفهم القارئ مقصود الجملة كاملة بلا شرح وكلمات كثيرة، وهذا من البركة التي شرحناها عن القرآن.

ويستلزم وجود شيئين لكي تتم عملية المبادلة، فلا مبادلة بدون وجود شيئين، وفي كل القرآن جاءت المبادلة للتخلص من الشيء مقابل شيء أحسن منه، حتى الكفار والجهلاء يحسبون أنهم يستبدلون، أي يدفعون الأسوأ للحصول على الأحسن، مثل جهلاء اليهود الذين أرادوا استبدال المن والسلوى بالبصل والثوم، لأنهم حسبوا أنه أحسن لهم.  

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «معجم مقاييس اللغة» (1/ 210): «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (1/ 90):

 

([2]) [سبأ: 19]

ali
ali
تعليقات