التغيير في القرآن المكرم
غير
في المعاجم:
أصلان أحدهما يدل على صلاح وإصلاح ومنفعة
والآخر يدل على اختلاف بين شيئين. والغيرة هي الميرة. وغارهم الله بالغيث أي أصلح
شأنهم ونفعهم. وغار الرجل على أهله أي دخلته الحمية. وهذا الشيء غير ذاك، أي هو
خلافه. والغيار هو البدال. وغايره أي عارضه بالبيع. وتغير الشيء عن حاله أي تحول ([1])
التغيير
في القرآن:
ورد جذر غير "154"مرة في
القرآ، لكن لا يقصد به التحول والاستبدال إلا في أربع آيات فقط وبقية الآيات فجاءت
كاسم (غير) وهو الذي يشبه "ليس" أو "إلا" وهذه سنستبعدها من
بحثنا هنا، لأن المقصد هو البحث عن التغيير في القرآن وما اختلافه عن
"جعل" و "استبدل"
سنجد
أن التغيير لم يرد إلا معاباً مذموذاً، فكل تغيير في القرآن يكون للأسوأ وليس
للأحسن، على عكس استبدل فقد وجدناه يعني للأحسن.
تغيير
خلق الله:
{وَلَءَامُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ
خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119].
لا يمكن للشيطان أن يأمر البشر باستبدال
خلق الله، بل يأمرهم التحول إلى الأسوأ، ولهذا استخدم إبليس اللفظة الصحيحة وهي
التغيير، وليس الاستبدال. كما أنه لا يوجد أحسن من خلق الله (لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ)([2]) فالله لن يبدل ما خلقه، لأنه لا يوجد أحسن مما كان، لكن البشر هم من
يغيرون للأسوأ بوحي من الشيطان.
تغيير النعمة:
{لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا
عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الأنفال: 53].
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ
حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}
[الرعد: 11].
وردت هاتين الآيتين ذماً للأقوام الذين
كفروا مثل آل فرعون وغيرهم، كما في سورة الأنفال، أما في سورة الرعد فتتحدث عن
الكفار في زمن الرسول وأنه قد يغير الله حالهم إذا استمروا في الكفر والظلم، فلهذا
تؤكد الآيتان أن التغيير هو سلبي ويأتي تقبيحاً لمن تغير عليه الحال.
أما قول العامة: "الله لا يغير علينا"
فهو صحيح ومتسق مع القرآن، لأن التغيير يكون للأسوأ، ولو أرادوا أصح الدعاء لكان
المفروض أن يقولوا: "الله يبدل علينا" كما شرحنا في معنى بدل.
تغير
الطعام:
{لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ}
[محمد: 15].
الطعام دائماً ومطلقاً لا يتغير طعمه إلا
للأسوأ، ولو كان يتغير للأحسن لاستخدم بدّل، فيقول لبن لم يتبدل طعمه، لهذا فالطعام
يتغير طعمه ولا يتبدل.
الخلاصة:
في القرآن التغيير يكون للأسوأ وعكسه
الاستبدال، وإذا عرفنا هذا التعاكس بين الجذرين فهمنا عشرات النصوص الفهم الصحيح،
بل ربما تأثرنا بذلك في لغتنا العامية والفصحى، فنصبح نتكلم بجزالة وقوة القرآن
الذي يضع الشيء في موضعه، وبهذا نستغني عن الجمل الطويلة التي تشرح في غير حاجة،
فقد صارت كل كلمة لها معناها، وتحولت لغتنا إلى بركة عظيمة.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك