أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

طلع في القرآن المكرم


طلع في القرآن المكرم

طلع في المعاجم:

أصل صحيح يدل على ظهور وبروز، يقال طلعت الشمس. والطلْع هو نور النخلة ما دام في الكافور. وطلع الزرع أي بدأ يطلع وظهر نباته. والمطلع هو موضع الطلوع. وطلع علينا فلان أي هجم. والطِلاع ما طلعت عليه الشمس من الأرض. ونفسَ طُلعة أي تتطلع للشيء. واستطلعت رأي فلان أي نظرت ما الذي يبرز إليك منه. وطلعة الإنسان أي رؤيته لأنها تطلع. ورمى فلان فأطلع وأشخص أي مرة سهمه برأس الغرض. وأين مطلع هذا الأمر؟ أي مأتاه. وفلان طلاّع أنجد وطلاع الثنايا أي كان يعلو الأمور فيقهرها بمعرفته وتجاربه وجودة رأيه([1])

طلع في القرآن:

طلوع كما سوف نرى في الآيات المبجلات، هو ظهور جزء من الشيء، وليس كله، فسوف ظهور جزء من الثمار ويسمى الطلع، كذلك ظهور جزء من الشمس في الصباح، أو ظهور جزء من الفجر. وإذا ظهر جزء من الشيء فقد عُلم جزء منه، فما ظهر لنا قد عرفناه وعلمناه، لهذا ارتبط الطلوع بالمعرفة الجزئية. وإليك الآيات:

طلع النبات:

{ وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ}  [الأنعام: 99].

{ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ }  [الشعراء: 148].

{ وَالنَّخْلَ بَاسِقَٰتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ }  [ق: 10].

{ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَٰطِينِ }  [الصافات: 65].

لم يذكر الطلع إلا مع النخل وشجرة الزقوم، والطلع هو الجزء الذي يطلع للناظر، فمرة يقول من طلعها قنوان دانية، ومرة يقول هضيم ومرة يقول نضيد، ولن نطيل في شرح هذه المعاني هنا، ولكن نؤكد أن الطلع هنا هو ثمار النخل في مراحلها الأولى عندما يطلع جزء منها أو عندما يرى الناظر جزء منها.

اطلاع على الغيب:

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ}  [آل عمران: 179].

الغيب هو كل ما غاب عن البشر، واستخدم يطلعكم أي يعلمكم على جزء من الغيب، فالمولى لم يخبر البشر عن كل الغيب، وإنما أخبرهم عن بعض الغيب بواسطة الرسل من البشر، فهم يطلعون على الغيب أي يعرفون بعضه، واستخدم الجذر يطلع، لأن الغيب مدسوس ومخبأ لا يظهر إلا جزء منه، فلهذا هو يطلع لنا.

الاطلاع على الخيانة:

{وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ}  [المائدة: 13].

خيانات المنافقين كثيرة، وتأتي للرسول بعض هذه الأخبار وليس كلها، فلهذا هو يطلع وليس يعلم بالكامل. أما القليل منهم فلعل المقصد هو أن القليل منهم لا يخون. وهذا يؤكد أن الخيانة في زمن الرسول كانت كبيرة جداً، وهذا طبيعي فالنبي كان لديه مشروع سياسي ضخم وهو توحيد الجزيرة وتخليص بلاد الشام والعراق ومصر من نير الفرس والروم. والخيانة كما سوف نشرح هي تسريب المعلومات والتي فيها ضرر على من يثق بنا.

الشمس تطلع:

{ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَٰوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ}  [الكهف: 17].

{فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}  [طه: 130].

{ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ }  [ق: 39].

 يجب بداية ألا نخلط بين الطلوع والإشراق، فالشمس في القرآن لا تشرق، بل الأرض هي التي تشرق، والأرض بالنسبة للبشر شرق وغرب، فإذا ظهرت الشمس من تلك الناحية قالوا هو المشرق ويقصدون الأرض التي تطلع فيها الشمس بداية قبل مكانهم الذي هم فيه، فإن ذهبت عنهم وأفلت قالوا هذا هو الغرب ويقصدون الأرض التي يتبقى فيه، قليل من الضوء قبل نهايته الكاملة.

القمر يطلع أيضاً:

تقول الروايات أن أهل المدينة عندما عاد الرسول من غزوة تبوك استقبلوه بالأناشيد ومنها:

طَلَعَ البَدرُ عَلَيْنا * مِن ثَنِيّاتِ الوَداع

فالقمر "البدر" كما الشمس يطلع، واستخدام أهل المدينة جذر طلع مناسب، لأنه لم يظهر لهم من جيش الرسول إلا بعضه أي جزء منه، من خلال قمة جبال ثنيات الوداع، فلهذا هو طلع عليهم فعلاً وشبهوه بالبدر لما في قلوبهم من حب له.

مطلع الشيء:

{ سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ }  [القدر: 5].

{حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا}  [الكهف: 90].

لم يرد المطلع إلا في هذين النصين المبجلين، وكتب اللغة تقول أن مطلع قد تعني مكان الطلوع أو تعني وقت الطلوع. وفي آية مطلع الفجر يبدو أنها تتحدث عن وقت طلوع الفجر، أما في آية مطلع الشمس، فيرون أن المقصد هو مكان طلوعها، ونرجح أن ذلك خطأ، بل هو وقت طلوعها، فمكان طلوع الشمس ليس مكان واحد، بل هو لا نهاية له لأن الأرض كروية وكلما سار الإنسان تجاه الشرق وجد الشمس تطلع من مكان جديد.

أما الوقت الطلوع كما في وقت طلوع الفجر، فهو وقت طلوع الشمس بالنسبة له، أي أن ذا القرنين سار متجهاً إما نحو الشرق أو الشمال أو الجنوب، أو ربما الغرب، وكان سيره في الليل، فلما بلغ سيره مطلع الشمس أي وقت طلوعها، ظهر له سكان تلك المنطقة. فمطلع كما نرجح بقوة هو وقت ظهور الشمس بالنسبة للإنسان الذي يعيش في منطقة معينة. ولو كان مقصد " مطلع الشمس" مكان وليس وقت طلوعها، لقال المشرق أو مشرق الشمس، حيث معلوم أن المشرق هو الجهة التي تشرق منها الشمس، وإنما أراد وقت طلوعها فكان يسير ليلاً حتى بلغ من الوقت مطلع الشمس.

أما كون القوم ليس بينهم وبين الشمس ستر، فنرجح أنها من الدول التي تستمر فيها الشمس ولا تغيب بالأيام، مثل: أرخبيل سفالبارد يستمر 135 يوم، وهناك مدن أخرى يستمر فيها 73 يوماً وأخرى 66 يوماً، وأخرى 62 يوماً.

فقد يكون هذا هو المقصد بعدم الستر، وهذا ربما يؤكد أن مطلع الشمس هو وقت طلوعها، لأن تلك المناطق الليل فيها يستمر طويلاً بالأيام، كذلك النهار وكأن نصف السنة مشمس ونصفه الآخر ليل طويل، لهذا لما بلغ مطلع الشمس أي وقت طلوعها في تلك الأمكنة، تبين له أن هناك سكان في تلك المنطقة.

اطلع إلى وعلى:

{ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَٰسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا }  [الكهف: 18].

{ أَسْبَٰبَ السَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَٰذِبًا وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ }  [غافر: 37].

قلنا إن "طلع" تعني ظهر جزءاَ من الشيء، فإذا كان حرف الطاء مشدداً مثل اطّلع، فهذا يعني أن الناظر هو الذي بذل الجهد لكي يستطيع الرؤية، بينما المنظور لم يتحرك، فالشمس تطلع لأنها هي التي تتحرك بينما أما أصحاب الكهف فلا يتحركون.

ونلاحظ أيضاً أنه في قصة أصحاب الكهف قال اطّلع على. وهذا يعني أن الناظر هو الذي بالأعلى فالرسول سيكون في أعلى الكهف أو لأنه واقف وهم رقود. كذلك اطّلاع فرعون فقد استخدم اطّلع إلى، وهذا يعني أنه يريد النظر إلى الأعلى ولهذا طلب من هامان بناء الصرح، لأنه يريد بلوغ أسباب السماوات.

الاطلاع على الغيب:

{ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا }  [مريم: 78].

{وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ}  [آل عمران: 179].

لا تفرق المعاجم بين أطلع الغيب وبين أطلع على الغيب، وتراهما شيئاً واحداً، وترى أن أطلع على الغيب هي الأفصح، لكن دعنا عزيزي القارئ نحلل النصين:

في النص الثاني يبين الله أنه لم يسمح لأحدٍ أن يطلع على الغيب، أي الغيب الذي بواسطة قدرات معجزة، وهو الوحي الذي يستمد معلوماته من اللوح المحفوظ، فكل غيب في اللوح المحفوظ لا يستطيع أحدٌ معرفته إلا ما جاء عن طريق الأنبياء فقط، فمفاتيح الغيب عنده وحده.

والاطلاع على الغيب يعني ببساطة معرفة جزء يسير منه وليس احتواء كامل المعلومات،  واستخدام اطلع على الغيب، يدل على أن الإنسان لو أعطي القدرة سيكون أعلى اللوح المحفوظ ينظر فيه أو يطلع على ما فيه ويأخذ ما يقدر منه من علم دون كل العلم، ولهذا نرجح أن اللوح المحفوظ يشبه الكتاب الذي ننظر إليه وأعيننا مصوبة نحو الأسفل، لهذا نطلع على وليس نطلع إلي.

أما الآية الأولى وهي "اطلع الغيب" فهي لا تقصد اللوح المحفوظ، بل تقصد المستقبل، والمستقبل غائب عنّا أيضاً، أي أن هذا الكافر الذي يزعم أنه سيدخل الجنة، هل اطلع الغيب أن نظر إلى الجنة فوجد نفسه يرفل فيها، ولم يقل النص يطلع على أو يطلع إلى، لأن الجنة ليست بالأعلى أو الأسفل، بل هي في محاذاة هذا الكافر، وقد شرحنا أن الجنة والنار في هذه الدنيا، وهذا يشبه آية المؤمن صاحب الجنة الذي يطلع صاحبه الذي بالنار، فهو مواز له كما سوف نرى في الآية التالية.

مطالعة أهل النار:

{ قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ }  [الصافات: 54].

{ فَاطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ }  [الصافات: 55].

يتعجب أحد المؤمنين أنه نجا بأعجوبة من دخول النار، ذلك أنه كان يصغي لصاحبه الذي كان يحثه على الكفر، لكنه لم يستمع إليه، هكذا كان يحدث زملاءه في الجنة، ثم طلب منهم الاطلاع لحال ذلك الصديق الكافر، فاطلع صاحبه فوجده في سواء الجحيم، أي الأرض المستوية من النار في جزئية منها هي الجحيم.

والجحيم بارزة وليست كجهنم والسموم

{ وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ }  [النازعات: 36].

فهي على امتداد نظر الذي في الجنة، لهذا اطلع صاحبه ولم يقل النص اطلع على صاحبه ولو قال ذلك كان يعني أن صاحبه في قيعان جحيم، ولو قال اطلع إلى صاحبه لكان أعلى منه أي في قمة جبلية نارية.

تطّلع النار:

{ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْءِدَةِ }  [الهمزة: 7].

هي الحطمة التي ينبذ فيها الكافر، فيصبح أسفل منها، وهي بالأعلى لهذا هي تطّلع على فؤاده، فتعرف مقدار ما يستحقه من عذاب، وهي لا ترى فؤاده كله، بل ما برز منه لها.

الخلاصة:

الاطلاع هو رؤية جزء من الشيء، والشمس تطلع أي يظهر جزء منها بداية، فيراها الناظر، والإنسان يطالع الشيء أي يرى جزء منه. والشمس لا تشرق، بل تطلع فقط، الأرض التي تشرق كما يقول القرآن وسوف نشرح ذلك في لفظة شرق. وطلوع الشمس هو ما نسميه بالخطأ "شروق الشمس" هذه هي العبارة التي يستخدمها القرآن.

أما لو كان الناظر هو من يبذل الجهد لكي يرى، فإن القرآن يستخدم لفظة "اطّلع" مثل محاولة فرعون الاطلاع إلى السماء لرؤية الإله، أو اطلاع النار على أفئدة الكفار.

كما أن مكان الناظر يؤثر في العبارة، فإن كان الناظر أسفل المنظور قال النص "اطلع إلى" وإن كان الناظر بالأعلى فإنه يستخدم عبارة" اطلع على" مثل اطلاع الرسول على أصحاب الكهف النيام، أو اطلاع النار على من في الدرك الأسفل.

أما المطلع فهو ليس مكان الطلوع، بل وقت الطلوع ويقابله المغرب، أي وقت غروب الشمس، ونسميه بالخطأ الشروق.

والاطلاع القرآني ببساطة هو رؤية بعض الشيء وابصاره والنظر إليه، أما الإحاطة الكاملة فيستخدم لفظة " علم" كما سوف نرى في بحثنا لهذا اللفظ.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني

 

 



([1]) «مقاييس اللغة» (3/ 419) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (3/ 1346)


ali
ali
تعليقات