أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

خفض في القرآن المكرم


 

خفض في القرآن المكرم

الخفض في المعاجم:

الخفض هو الدعة والسكون واللين والانكسار والعيش الطيب. وعيش خافض أي عيشة راضية. وخفض العيش أي سعته ورغده. والخفض هو السير اللين. وبيني وبينك ليلة خافضة أي هينة السير. والخفض هو غض الصوت ولينه وسهولته. وخفض بالمكان أي أقام. وهم خافضون أي وادعين على الماء مقيمين. والخافضة هي التعلة المطمئنة من الأرض. وخفض الجارية كختن الغلام. والخافض هو الخاتن. وفي الحديث "إذا خفضت فأشمي" أي لا تسحتي. وخافض الطير أي وقور وساكن. وخافض الجناح مثل خافض الطير. وأرض خافضة السقيا أي سهلة السقي. وخفض القول يا فلان، أي لينه. وخفض عليك الأمر أي هونه ([1])  

خفض في القرآن:

ورد جذر الخفض في القرآن أربع مرات فقط، وأحد الآيات جاء نقيض الرفع، وقد شرحنا الرفع سابقاً وقلنا هو رفع حسي مادي ورفع معنوي. وهنا في هذا الجذر لا نجد إلا المقصد المعنوي إلا في آية خافضة رافعة ففيها احتمالان.

كما نلاحظ أن الخفض سلبي مثل الرفع، أي أن المرفوع والمخفوض لا يقال فيمن له قدرة وإرادة، فالجناح يرفع ويخفض بلا إرادة منه، كذلك بقية الأمور المسلوبة الإرادة.

واخفض جناح:

في ثلاث آيات وردت هذه الصيغة، مرتان للمؤمنين ومرة للأبوين:

{وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِينَ}  [الحجر: 88].

{وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ}  [الشعراء: 215].

{وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ}  [الإسراء: 24].

ولكي نفهم المقصد، يجب أن نعلم ما الجناح وما الذل؟

والجناح كما هو معروف هما طرفا الطائر الذي يطير بهما، أما الذل فهو الخضوع للأقوى. فالأبوان يذل لهما الولد، رغم أنه يفوقهما قوة وقدرة، لكن من مكارم الأخلاق أن يرد الجميل ويذل لها أي يخضع لهما وكأنهما هم الأعلى منه.

وأما مع الرسول فلم يأمره الرسول أن يخفض جناح الذل، بل أن يخفض جناحه فقط، أي لا يتكبر عليهم، بل ما نسميه بالتواضع. وقد كانت سيرته كذلك وأكدتها المرويات وأكدها القرآن قبل ذلك. ولا يعقل أن يخفض الرسول جناح الذل وهو القائد لهم، فهذا لا يليق بالقائد، ولا يقبله التابعون له، وإنما الرسول يكون ذلك القائد المحبوب الذي يحتفظ بهيبته.

خافضة رافعة:

{ خَافِضَةٞ رَّافِعَةٌ }  [الواقعة: 3].

يرى أهل التفسير أن خافضة يقصد بها أنها ترفع المؤمنين وتضع الكفار وذهبوا إلى أن الخفض والرفع في المكانة والتقدير، وذهب بعضهم إلى أن الخفض والرفع في التضاريس، فالمؤمنون في أعالي الجنة والكفار في أسافل النار. وذهب بعضهم إلى أن خافضة رافعة يعني صوتها، فلها صوت مرتفع يصل إلى البعيد وصوت منخفض يصل إلى القريب فالجميع يسمع الصيحة في نفس الوقت ([2])

وليس لدينا جزم في هذا الأمر، فقد يكون الانخفاض معنوي ويقصد به خفض مكانة الكفار المتكبرين، ورفع مكانة المؤمنين، وهذا تؤكده آيات كثيرة. وقد يكون المقصد حسي فهي ترفع جهة من الأرض وتخفض جهة أخرى، عندما تحدث كوارث الأرض. وعلى العموم فإن يوم القيامة سوف يحدث فيه الأمران معاً، فسوف يخسف بأمكنة وترتفع أمكنة جديدة، فهي خافضة ورافعة جغرافياً، وهي كذلك خافضة لمكانة الكفار فهم في ذل وهوان، ورافعة من شأن المؤمنين فهم في عز وكرامة.

الخلاصة:

أن الانخفاض عكس الارتفاع، ويكونان لحركة الشيء الرأسية، فهو ليس كالصعود الذي فيه ميلان كذلك الهبوط. كما أن الرفع لمن يكون غير قادر على المقاومة والرفض، فهو رفع قهري وكذلك انخفاض قهري. والانخفاض قد يقصد به المعنى الحسي، وقد يقصد به المعنوي، فسقوط كرامة الإنسان هو انخفاض لتقديره واحترامه.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «تاج العروس من جواهر القاموس» (18/ 318): المعجم الاشتقاقي المؤصل (1/ 586)

([2]) «التفسير الوسيط - مجمع البحوث» (9/ 1235): «موسوعة التفسير المأثور» (21/ 188):

ali
ali
تعليقات