أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

شرح آية الخبيثات للخبيثين

 




 

شرح آية الخبيثات للخبيثين

ﵟٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞﵞ [النور: 26] 

يرى أهل التفسير عدة آراء:

-      الخبيثون من الرجال للخبيثات من القول

-      الخبيثون من الرجال للخبيثات من الأعمال.

-      الخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء "الطيور على أشكالها تقع" ثم زعموا أن هذا الكلام يقصد به أمنا عائشة وأنها من الطيبات لهذا تزوجت أطيب الطيبين وهو محمد عليه السلام، وأن عائشة مبرأة من هذه التهم ([1])

الجواب الصحيح:

شرحنا سابقاً أن الخبث هو التعطيل والضر، فكل خبيث هو معطل وضار، مثل الشجرة الخبيثة والتي تبين لنا أنها الحشائش التي تنمو في المزارع فتضر المحاصيل أشد الضرر، والطيب هو عكس الخبيث فهو النافع اللين.

ويجب أن نعود إلى أول السورة لعلنا نجد المعنى:

تقرر السورة بداية بتحريم الزواج من الزناة

ﵟٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﵞ [النور: 3] 

كما تمنع قبول شهادة الخبثاء المشاركين في الإفك

ﵟوَلَا تَقۡبَلُواْ لَهُمۡ شَهَٰدَةً أَبَدٗاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَﵞ [النور: 4] 

وكان يجب على المؤمنين التصدي لهذا الإفك

ﵟلَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞﵞ [النور: 12] 

كما يلوم المؤمنين كيف يتناقلون الإشاعات بغير توثيق

ﵟإِذۡ تَلَقَّوۡنَهُۥ بِأَلۡسِنَتِكُمۡ وَتَقُولُونَ بِأَفۡوَاهِكُم مَّا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٞﵞ [النور: 15] 

ثم يحذر المؤمنين إلى العودة في تناقل مثل هذا الكلام، كما يكشف حقيقة بعض من نشر الإشاعة وهو الرغبة في نشر الفاحشة.

ﵟيَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثۡلِهِۦٓ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ 17 وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 18 إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞﵞ [النور: 17-19] 

ثم يحذر الفئة الساذجة من اتباع خطوات الشيطان، فالشيطان وراء ذلك

ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚﵞ [النور: 21] 

فإن نشر هذه الأخبار سيؤدي إلى استمراء الفاحشة، وتقبلها أو التسليم باعتبارها بلوى عامة.

ثم يوجه القرآن أهل المال والجاه، بألا يقطعوا الصدقات عمن شارك في هذا الإفك، وأغلبهم من المساكين والمهاجرين الفقراء، لأنه في الغالب لا تصدر هذه الأقوال إلا من كان فارغاً لا يجد عملاً، والفقر يأكله، فلا يجد مصرفاً لنفسه إلا في هكذا أمور.

ﵟ وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌﵞ [النور: 22] 

لكن هناك فئة ملعونة حتماً، لأنها تريد نشر الفاحشة

ﵟإِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ ﵞ [النور: 23] 

ثم جاء على آيتنا المقصودة:

ﵟٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞﵞ [النور: 26] 

قبل أن نفسر الآية يجب أن نعرف معنى اللام هنا  "الخبيثات للخبيثين" فهل هي لام استحقاق أي أن الخبيث يستحق الخبيثة وهذا يعني أن الخبيثة تستحق الخبيث، أو هي لام التملك فالخبيث يملك الخبيثة، كما تقول كتب العربية.

قبل أن نشرح، يجب أن نعلم حادثة الإفك التي وقعت على أنصارية وليس على أمنا عائشة وكانت حادثة ذات نفع وفائدة فقد ساهمت في ضبط السلوك العام ﵟلَا تَحۡسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ ﵞ([2])  فلهذا كان ما صدر من الطيبين من المساهمة في نشر الإشاعة، ذا نفع للمجتمع، لأنه ساهم في ضبط السلوك، فلم يعد مباحاً للناس الدخول والخروج دون أن يستأذنوا كما وجهتهم السورة بغض البصر، وحفظ اللسان والأذن من السماع، وبقية التوجيهات التي نزلت في السورة.

لهذا كانت مساهمة الطيبين في هذا الإفك ذات نفع وفائدة، لأنه لا يخرج من الطيب إلا النفع والفائدة، ولهذا برأهم الله من قولهم كما تقول الآية وغفر لهم، ودعا الأغنياء إلى عدم قطع الإنفاق عليهم لأن معظمهم فقراء ومهاجرين.

لهذا نرجح وبقوة الاحتمال التالي في تفسير الآية:

الآية السابقة بينت أنه يحرم زواج بالزاني أو الزانية، وهؤلاء كما نعلم خبثاء، أي فعلهم خبيث لأنه معطل وضار بالمجتمع، وهنا بينت أنه، حتى لو كان الخبيث يعطل ويضر في أمور أقل من الزنى، فإنه يفترض ألا يحصل إلا على خبيثة مثله، فالآية الأولى تحرم مطلقاً الزواج من زاني وزانية.

ﵟٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﵞ [النور: 3] 

وقد بينت السورة أن الخبيث والخبيثة يريدان نشر الفاحشة، حتى يسهل عليهما عمل الفحش، لتعود الناس عليها.

فمن شبه المؤكد أن الخبيث والخبيثة في الآية ليسا إلا أشخاص، أي الآية تقول نعم حرم المولى الزواج من الزناة، ولكن هذا تحريم منطقي ومعقول، لأن الطيب والطيبة لا يرتضيان هكذا زواج، فحتى لو لم يحرم الشارع هذا الزواج، فإن فطرتكم السوية لن تقبل بهكذا زواج إلا إن كانت الراضية لديها ميل إلى الزنى.

والتكرار في الآية ليس للتوكيد فقط، ولكن ليبين أن الذكر والأنثى أحرار تماماً، فليس الذكر من يختار شريكته، بل يحق لها أن تختار شريكاً نظيفاً مثلها، بل هي مدفوعة وفق قانون الانسجام إلى اختيار الشريك المناسب، فلا حجة لديها أنها مجبورة.

أما قوله "مبرءون مما يقولون" فهي تؤكد أن ما صدر من الطيبين من خطأ، لم يكن متعمداً، بل عن حسن نية وأن الله قد غفر لهم.

الخلاصة:

السورة تحكي عن ظاهرة رمي المحصنات، وهي البهتان في امرأة أنصارية طاهرة وعفيفة، وكان الرماة مجموعتين، مجموعة خبيثة تريد أن يتعود أهل المدينة على هذه الظاهرة، لكي ينغمسوا فيها بلا عقاب، وفئة طيبة تريد ضبط السلوك فقط، لكن بطريقة غبية، وقد غفر الله لهم.

وقد شارك في الإفك النساء والرجال، لهذا كان هناك خبيثات وخبيثون، كذلك طيبات وطيبين، وقد أمر المولى بعدم الزواج من الزناة. وفي الآية التي نقصدها، يقرر أن طبيعة الإنسان أن يبحث عمن يشاكله، فالطيب يبحث عن طيبة، والخبيثة تبحث عن خبيث، لكي يحدث الانسجام التام، فالتي تبحث عن الزنى تريد زوجاً زانياً، لكي تنوع كما هو ينوع.

نعم قط يشارك الطيب والطيبة في خبث الكلام، لكن مقصدهم هو الخير، وقد يغفر الله لهم شرط ألا يقعوا في الأمر مرة ثانية، لكن الآية تتعجب ممن يبقي على الخبيثة وهو طيب أو الطيبة تبقي على الخبيث وهو خبيث، فوفق قانون الانسجام كان يجب الطلاق أو إجبار الشريك على إصلاح النفس.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «تفسير الطبري» (17/ 232): «التفسير الوسيط - مجمع البحوث» (6/ 1390):

([2]) [النور: 11]

ali
ali
تعليقات