أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

قنت في القرآن المكرم


 

قنت في القرآن المكرم

قنت في المعاجم:

أصل يدل على طاعة وخير في دين. والقنوت طول القيام في الصلاة. وقيل هو السكوت في الصلاة والإقبال عليها. وقنتت المرأة لبعلها أي أقرّت. والاقتنات هو الانقياد. ومن أقاربه "قنع" وهو الرضى والتسليم ([1])

قانت عند أهل التفسير:

يرون القانت هو المطيع والمنقاد والمتذلل، وحتى الكافر هو قانت أيضاً وذلك بسجود ظله وهو كاره، كما يزعمون، ويرى البعض أن المقصود يوم القيامة حيث يقنت المؤمن والكافر. ويرى بعضهم أن المقصد بالقنوت هو الإقرار بالعبادة فالمؤمن والكافر يقران بالعبادة. ويرى بعضهم أن القنوت هو الطاعة وبينما آخرون يرون القنوت هو القيام، وهناك من يرى أن القنوت هو الكف عن الكلام والإمساك عنه ([2])

 قنت في القرآن:

لو فتشنا في الآيات المبجلات، سنجد أن هذا الجذر ورد 13 مرة فقط، ونلاحظ من خلال الآيات أن القنوت حالة نفسية وليس عمل أو فعل، فأنت قد تتصدق، وهو فعل، ولكن قد تتصدق نفاقاً أو تتصدق تسليما ورضى، فهناك فرق كبير بين النفاق والتسليم، ولهذا نحن نستبعد كلياً أن القنوت فعل، مثل تأدية الطقوس في المساء، فهو ليس كذلك.

وبعد استبعادنا لكل المعاني الممكنة للجذر قنت نرجح بقوة أن القنوت من القن، وهو العبودية الخالصة التي لا تشوبها شائبة، فالعبودية عامة ومنهم المدبر والمكاتب وأم الولد فهؤلاء عبيد أقل عبودية من القنّ، فالقنية هي التملك الثابت والكامل والخالص.

لاحظ أن القنّ هو الذي ولد في العبودية، فأبواه كانا عبدين، فولد على هذه الحال، ولهذا هو أكثر خضوعاً وطاعة من العبد الأسير والمباع، ذلك أنه اعتاد على العبودية ولا يرى أسياده إلا كآباء أو حتى أرباب له، خاصة لو كانوا محسنين إليه. ولهذا استخدم القرآن هذا الجذر ليؤكد على العبودية المطلقة لله كما سوف نرى.

القنوت ليس إجباري:

{وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [البقرة : 116]

قد توحي هذه الآية أن القنوت إجباري وهذا غير صحيح، الآية تقول إن من تزعمون أنهم ولد لله، هم عبيد له كلّ له قانتون، أي هم في خضوع واستسلام له فهم عباده سواء ملائكة في السماء أو بشر في الأرض، بل هم من أشد الكائنات خضوعاً وعبودية فهم أقنان له.

القنوت لله ولغيره لشرك:

{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم : 26]

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل : 120]

والقنوت يكون لله  ويكون لغيره، فالطيب المؤمن يقنت لله، بينما الضال يقنت لغيره ولعله الشيطان. وعندما يقنت الإنسان لغير الله فقط أشرك، وهذا لأن البشر عبيد لله قد خلقهم لذلك،ﵟوَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِﵞ([3])   فإن عبد غيره فقد وقع في الشرك.

القيام للصلاة قنوتاً:

{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة : 238]

أي عندما تقومون للصلاة، فيجب أن يكون حالكم هو القنوت، فبغض النظر عن معنى صلاة، فيجب أن يكون القائم بها قانت لله، أي عبد خالص كامل لله ينفذ الصلاة بالطريقة  التي أمره الله بها.

الصبر والصدق والقنوت:

{الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران : 17]

شرحنا معنى الصبر سابقاً وقلنا هو انتظار تغير الحال، والصدق معروف كذلك، فإن صار الإنسان قانتاً لربه أي عبد خالص العبودية ومستغفر لربه، فإن ذلك كله سيجعله من أهل الجنة كما تقول الآية السابقة لهذه الآية.

القوامة ثمنها القنوت:

{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء : 34]

القوامة هي الاعتناء والرعاية والحماية للشيء، وهنا على الزوج أن يعتني وينفق ويقوم بعمله على كامل الوجه لكي تستقر الأسرة، ومقابلها يجب على الزوجة أن تقنت، أي تتحول إلى أمة لزوجها خالصة كاملة، وفق الحلال ودون الحرام، وبهذا تستمر الحياة الزوجية.

قنوت نساء النبي:

{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [الأحزاب : 31]

والقنوت للرسول هو قنوت لله لأنه جاء بأوامر الله، هذا القنوت سيؤدي أن يطعن الرسول فيما يقوله لهن، كما تقول الآيات التاليات لهذه الآية

ﵟوَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ ﵞ [الأحزاب: 33] 

لاحظ أنه لم يطلب القرآن من المؤمنين القنوت للرسول، بل طلب من المؤمنين طاعة الرسول، أما القنوت فهو لنساء النبي فقط، أي يتحولون إلى إماء له، وهذا يؤكد أن القنوت هو القبول بالعبودية الكاملة لله وللرسول بالنسبة لزوجاته فقط.

المسلم المؤمن القانت:

{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب : 35]

المسلم والمؤمن والقانت هو حالات نفسية داخلية، فالمسلم المستسلم لربه، والمؤمن هو المؤمن به، والقانت هو المقر أنه العبد الكامل العبودية لله، كل هذه الحالات النفسية تتمظهر في أفعال هي: الصبر والخشوع والتصدق والصيام والحفظ وذكر الله.

القنوت في الليل:

{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر : 9]

العبودية لا تكون في النهار فقط، بل في الليل حيث الإنسان يتخفى عن الأنظار، حينها يدرك المؤمن أنه عبد كامل العبودية لربه فلا يصح له العصيان في جنح الظلام حيث لا يراه الناس.

القانت لا تُطلق:

{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التحريم : 5]

هناك نساء عصين الرسول وخالفن أمره، فحذرهن المولى أنه سيستبدلهن بأخريات قانتات، أي إماء للرسول، لا يعصينه أبداً.

مريم من القانتات:

{ يَٰمَرۡيَمُ ٱقۡنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِي وَٱرۡكَعِي مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ }  [آل عمران: 43].

{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم : 12]

أوحى المولى لمريم أن تكون قانتة له، ثم تبين أنها صارت كذلك فعلاً، فصارت أمة لله تطيعه طاعة تامة، ولا تخالف أمره، وهو الاصطفاء أي جعلها في صف هو القانتين له جل جلاله.

الخلاصة:

تبين لنا أن القنوت هو العبودية المطلقة الخالصة، فهي أم العبودية، فلا يوجد أدنى عصيان أو رفض، والمولى لم يجبر البشرية على القنوت، بل أمرهم بما هو أقل منه وهو العبودية، لكنه أمر المخلصين من البشر بالقنوت، وهذا ما نجده في إبراهيم ومريم وبقية المخلصين، وهؤلاء قلما تجد لهم ذنباً، كما أمر الزوجة أن تكون قانتة لزوجها أي أمة عنده، إذا كان يقوم بواجباته الزوجية والتي هي القوامة أي الانفاق والرعاية للبيت. كذلك لم يأمر المولى المؤمنين الأوائل بالقنوت للرسول، بل بطاعته فهم أحرار ومكرمون، يطيعون الرسول فيما يأمر دون مرحلة القنية.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1])   «معجم مقاييس اللغة» (5/ 31): المعجم الاشتقاقي المؤصل (4/ 1849)

([2]) «تفسير الطبري» (2/ 461):«تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة» (1/ 298):

([3]) [الذاريات: 56]

ali
ali
تعليقات