أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

سبب في القرآن المكرم

 


سبب في القرآن المكرم

سبب في المعاجم:

حسب اطلاعنا المحدود، فإننا لم نجد المعاجم تذكر هذا الجذر بتفصيل، واكتفت بالإشارات، فإليك ما يقوله المعجم الاشتقاقي:

السبب هو الطويل من الحبال، يمتد حتى يهوي في البئر، ولا يسمى الحبل سبباً حتى ينحدر به ويُصعد به. والسبسب شجر يتخذ منه السهام. والسبيب هو شعر الذنب والعُرف والناصية عند الفرس. والسبسب هي الأرض المستوية البعيدة، أو الأرض القفر البعيدة. وسبسب بوله أي أرسله. وتسبسب الماء أي جرى وسال ([1])

سبب في القرآن:

ورد هذا الجذر عشر مرات فقط وسوف نستبعد آية السب لأننا لا نرى السب مشتق من جذر سبب. وحسب ما اعتدنا عليه وما درسناه، يزعمون أن السبب هو العلة أو الأداة التي توصلك لغرضك وغايتك، فشرب الماء سبب في الارتواء، وأكل عجل حنيذ يسبب إلى ذهاب الجوع، لكن هذا فيما يظهر لنا بعيد أو توسع في المعنى، وسنجد بعد فرض الاحتمالات والاعتماد على المعاجم، أن السبب هو بكل بساطة حبل رأسي وليس أفقي!

نعم حبل رأسي يوصلك إلى هدفك المرتفع، هذا ما ظهر في معظم الآيات وهي تتعلق بالارتقاء في السماء، لكن لا نجد استثناء إلا في قصة ذي القرنين، حيث ذُكر الجذر أربع مرات دون أن يقصد الارتقاء في السماء، وبهذا نرجح أن السبب هو الأداة التي توصلك إلى هدفك الصعب جداً، ومن أكثرها صعوبة هو الصعود إلى السماء.  

الارتقاء في الأسباب:

{ أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَٰوَٰتِ والْأَرْضِ ومَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَٰبِ }  [ص: 10].

نعلم أن الرقي في القرآن هو الارتفاع في السماء، لهذا قال في الآية فليترقوا في الأسباب، أي الأسباب حبال رأسيه يرتقي من خلالها الشخص إلى السماء. وهي تشبه المعارج، ولكن المعارج ممرات الملائكة وفيها التفاف، بينما السبب فهو حبل رأسي أو ممر رأسي ويمكن أن يستخدمه البشر، وأطلق عليه سبب لأنه يوصلك إلى غاية صعبة جداً وهو الارتقاء في السماء.

بناء الصرح:

{ وَ قَالَ فِرْعَوْنُ يَٰهَٰمَٰنُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَٰبَ }  [غافر: 36].

يريد فرعون بناء صرح ضخم يوصله إلى أسباب السماء أي ممراتها (حبالها) التي توصله إلى غايته، فيطلع على إله موسى الذي بالأعلى كما يزعم موسى، فقال:

{ أَسْبَٰبَ السَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَٰذِبًا}  [غافر: 37].

فالوصول إلى السماء يحتاج إلى أدوات عظيمة لهذا سماها سبباً وليس حبلاً.

تمديد السبب:

{ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا والْءَاخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ }  [الحج: 15].

بما أن السبب هو الحبل الرأسي والصعب، فلهذا هو من يمتد إلى السماء لأن السماء فوق رؤوسنا، فالآية تقول من يظن أي يجزم قطعاً، أن الله لن ينصره فعليه أن يمدد السبب أي الحبل إلى السماء، ثم ليقطع ذلك السبب أي الحبل الرأسي، ثم لينظر في النتيجة هل كيده يزيل غيظه من المؤمنين.

تقطع الأسباب:

{ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ورَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ }  [البقرة: 166].

كلنا نعلم أن الكفار يوم القيامة عندما تحاصرهم النيران والجبال، فإنهم يريدون الصعود باستخدام الأسباب أي الحبال الرأسية لكي يرتفعوا في الجبال فينجون من إحاطة النار بهم، كما فعل المؤمنون من قبلهم الذين صعدوا إلى جبال الأعراف كما شرحنا؛ فلما حاولوا الارتفاع باستخدام تلك الحبال الرأسية (الأسباب) تقطعت بهم، أي أثناء استخدامها، ونرجح أنها حبال رأسية من جذور الشجر وأغصانها الممتدة.

وقد يكون هذا التفسير يخص السبب بالحبال والأغصان، وقد يكون السبب هنا أي أداة توصل إلى غاية صعبة وهو الهروب من النيران، ولكن نرجح أنها صعود للأعلى، لأن النيران تذهب إلى قيعان الأرض حيث تسكن هناك، فكان لزاماً أن يكون السبب كالحبل المتين لكي يصعدوا للنجاة من النيران السفلية.

أسباب ذو القرنين:

{ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ ءَاتَيْنَٰهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا }  [الكهف: 84].

{ فَأَتْبَعَ سَبَبًا }  [الكهف: 85].

{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا }  [الكهف: 89].

{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا }  [الكهف: 92].

ورد مع قصة ذو القرنين السبب أربع مرات كما بالأعلى، وتبين أن الله أعطاه من كل شيء سبباً، ونرجح أنه يعني سبب يوصله لكل شيء يحتاجه، فكل الأسباب تحت سلطته وقدرته، التي توصله إلى غايته.

  ويبدو أنه كان في رحلة فتوحات كبيرة، فوصل في البداية إلى قومٍ فيهم الظالم والمسالم فعاقب الظالم ثم استمر حتى وصل إلى قومٍ الشمس لديهم لا تغيب كما يبدو وهؤلاء لما يتعامل معهم بعذاب، ثم انطلق حتى وصل إلى قومٍ لا يفقهون الكلام، وكان بجوارهم يأجوج ومأجوج.

في كل مرحلة من المراحل (اتبع سبباً)، فلولا تلك الأسباب لما بلغ في رحلته إلى يأجوج ومأجوج، وهذا يشي أن الأسباب هي الأدوات والوسائل الصعبة والنادرة، والتي أعطاها المولى له، وهذا يؤكد أن ذا القرنين عالم أو ما يسمى بالمدني العلماني، الذي يتبع الأسباب المادية فلا يتواكل، فكل شيء لديه له سبب يوصل إليه، فهو علماني يتخذ القوانين والعلم مبدأ لسلوكه، ويحترم قوانين وسنن الله في الأرض، وهو مؤمن يؤمن بالله، واليوم الآخر والعقاب والحساب.

لهذا عندما طلب منه البشر أن يخلصهم من يأجوج ومأجوج لم يتدروش ويدعو، بل طلب الحديد وعين القطر، فمزجهما حتى صارت مادة صلبة منعت خروج يأجوج إلى يوم القيامة.

الخلاصة:

معظم الآيات تتحدث عن دور السبب في الصعود إلى السماء، كذلك نصفها ورد في قصة ذو القرنين، فنرجح أن السبب هو الأداة الصعبة والنادرة والتي توصلنا إلى أهداف شبه مستحيلة، على عكس الحبل الذي يبدو أنه أداة توصل للأهداف، ولكن العادية والمعقولة، ولهذا يبدو أن السبب هو الحبل المتين الذي يوصل إلى الغايات البعيدة والصعبة.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) المعجم الاشتقاقي المؤصل (2/ 940)

ali
ali
تعليقات