التطير
صحيح تماماً
ربط
الناس - ومن بعدهم اللغويون- بين حدوث المصائب والطير، واختلقوا قصة مفادها أن العرب تنظر للطير في الجو فإذا جاء عن اليمين تفاءلوا وإذا جاء من جهة اليسار
تشاءموا، وهذا بعيد جداً لأن الإنسان يمر عليه في اليوم عشرات الطيور التي تسير
مرة يمنة ومرة يسرة، ولو اعتمد الأعرابي على هذا الحال فلن يخرج بنتيجة أو سيظل في
بيته لا يخرج أبداً، خوفاً من الطيور التي هي حتماً ستمر على شماله. كما أنه من
المستحيل أن نقبل القصة فلم ترد أخبار تؤيدها - حسب علمي القليل- سوى روايات لم
تحدد بالضبط مع من حدث ذلك التطير.
ولكي
نفهم التطير على حقيقته يستحسن الرجوع إلى مفردة طير، حيث وضحنا معناها ومشتقاتها
ولهذا نفهم ببساطة أن الطير هم الملائكة وأن التطير له علاقة بهم. فأنظر إلى مفردة الطير في القاموس القرآني.
الأمر
ببساطة هو أن تلك المصائب التي تحل بالبشر، يصنعها الملك الموكل بهذه المهمة، وهو
من الطير، بل هو أعظم الطيور في الكون، فهذا الطير هو الذي يلقي تلك المصائب على
البشر، من جوع وجفاف، وبراكين وأمراض معدية، وانتشار الآفات وغيرها من مصائب يأمر
بها الله لكي يرتدع الناس، ولأن فاعلها هو هذا الطير العظيم، فقالوا بالتطير.
فإن
لم يوقع الملك الطير تلك المصائب على الإنسان؛ فإنه لا يتدخل ويترك الحماية والرعاية لهذا
الإنسان فيتعرض لتلك المصائب بإذن من الله، ويشعر الإنسان بتطير وخوف وقلق من كثرة
المصائب وتتاليها فيحاول أن يتصدق أو يتعبد للصنم أو للرب بكثرة الطقوس.
وفي
النصوص نجد الكفار هم من يزعم أنهم تطيروا، ذلك أنه فعلاً قد أصابتهم المصائب، فزعموا
أن الآلهة السماوية غاضبة عليهم بسبب النبي الذي عاصرهم، فمن ذلك تلك القرية التي
لم يذكر اسمها القرآن والتي أرسل لها ثلاثة رسل فتم تكذيبهم والتشاؤم منهم: ﴿قَالُوا
إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ
وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ
أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾ [يس: 18-19] فبين لهم
هؤلاء الرسل أن التطير الذي أصابهم هو من طائرهم فأن طائركم معكم، أي أنه سبب مصائبكم فهو المسؤول عن تلك المصائب بإذن
من الله، بسبب ما تفعلونه من مظالم.
كذلك
الحال مع موسى عليه السلام، فقد أنزل الله عليهم سبع آيات عقوبات على فرعون وقومه،
فنسبوا ذلك العذاب إلى أنه عقاب حل بفرعون من طيور السماء بسبب وجود موسى ومن معه،
فبين لهم النص أن طائرهم أي تطيرهم من عند الله وليس بسبب موسى { فَإِذَا
جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ وَ إِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ
يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَ مَن مَّعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَٰئِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ
وَ لَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }
[الأعراف: 131].
وهذا
ما قاله قوم ثمود لنبيهم صالح، أن سبب مصائبهم (اطيرنا بك) هو عقاب من الآلهة
السماوية لأن صالح موجود بينهم ومن معه من المؤمنين ويشككون في ألوهية أصنامهم، فبين لهم أن تلك المصائب من
عند الله اختباراً لهم لعلهم يرجعون. ونلاحظ أن صالحاً أخبرهم بداية الكلام أن ما
بهم منهم وعليهم أن يستغفروا لكي يزول العقاب، واستخدم فعل تُرحمون وهو يعني زوال
العقاب والعذاب؛ لكنهم بدلاً من الاعتراف اتهموا صالحاً بجلب تلك المصائب شؤماً ﴿وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا
هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قَالَ يَاقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ
بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ (٤٦) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾ [النمل: 45-47] ونلاحظ أن
صالح قال لهم: بل أنتم قوم تفتنون. أي تتعرضون لاختبار مؤلم بسبب أعمالكم السيئة
فيتميز الخبيث من الطيب فيكم.
والخلاصة
أن التطير كلمة صائبة، لأن تلك المصائب يفعلها الطير المسؤول عن فعلها فينا، فهو
ينفذ عقاب الله فينا، فهذا الملاك الطائر، يعاقبنا لعلنا نرتدع عن غرورنا وظلمنا. ثم
بعد ذلك نسي الناس أصل هذه الكلمة وظنوا أن الغراب وأمثاله هم من يسبب لنا تلك المصائب،
أو يجعلنا نخاف من حلول المصائب فينا بسبب مروره المضحك.
بقي أن نقول إن التشاؤم
من الطيور الحيوانية أو من المنزل أو الدابة أو من الزوجة، هو تشاؤم غبي لأن
النصوص هنا تقول بكل وضوح إن الشؤم سببه أنت أيها الإنسان، فإن الملاك المسؤول قد
عرضك للبلايا بسبب أعمالك، فما تشاهده من سوء هو من صنع يديك، ولا علاقة لمن حولك
بما يحدث لك، وقد تكون أنت السبب في تضررهم بسبب سوء طويتك وخبثك.
والله
جل جلاله أعلم
علي
موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك