ماذا يعني وجه الله جل جلاله؟
الوجه لغة:
أصل واحد يدل على المقابلة لشيء،
والوجه مستقبل لكل شيء، وقد يقصد به الذات فتقول وجهي إليك. وواجهت فلاناً أي جعلت
وجهي تلقاء وجهه. والوجهة كل موضع استقبلته، ووجهت الشيء جعلته على جهة. وتوجه
الشيخ أي ولى وأدبر، وفسروا قوله تعالى: "كل شيء هالك إلا وجهه" أي إلا
إياه، وهذا غير صائب. ووجه الرأي أي هو الرأي نفسه مبالغة. ووجه النجم، ما بدا منه
لك. ووجه الدهر أوله، ومثله وجه النهار. أما قولهم هؤلاء وجوه البلد أي أشرافه. والوجه
هو الجاه. ووجه البيت الحد الذي يكون فيه بابه، كذلك وجه الكعبة. ([1])
الوجه في القرآن الكريم
الوجه في القرآن الكريم يقصد به الوجه الذي مثل
وجه البشر
{ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم
بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا }
[النحل: 58].
{ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ
وَهُمْ فِيهَا كَٰلِحُونَ } [المؤمنون:
104].
وهنا المعنى حسي واضح، ولكن في آيات
أخرى، لا يقصد الوجه بذاته، بل يقصد مراكز الإحساس والاتصال بالآخرين، ذلك لأن
الوجه يحتوي على النظر والسمع والكلام، فعندما تريد وجه زوجتك أو ولدك فأنت تريد سمعهم
ونظرهم وكلامهم، ويقول العامة (عطنا وجه) والخلاصة تريد اهتمامهم بك، ولن يأتي هذا الاهتمام إلا بتركيزهم عليك،
ولن يتم هذا التركيز إلا بواسطة هذه الحواس التي هي نقاط الاتصال مع الآخرين.
والقرآن يأمرنا بإقامة وجوهنا للدين {
وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا }
[يونس: 105].
فهل
الدين شيء نشاهده ونقف مقابله نقيم وجوهنا أمامه؟
بالطبع
لا ولكن يقصد به أجعل كل حواسك ناحية الدين، والذي يعني بالطبع أن نصب كل اهتمامنا
بالدين.
وقد
أراد إخوة يوسف وجه أبيهم أي أرادوا اهتمامه بالنظر والسمع والكلام، وذلك بعد
التخلص من يوسف، الذي شغل أباهم عنهم { اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا
يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ } [يوسف:
9].
تسليم
وجوهنا لله
ونحن
بدورنا يجب أن نسلم وجوهنا لله، أي يجب أن نركز ونهتم ونسمع ونرى ونتكلم بما يريده
الله لنفعنا.
{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ
وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفًا
وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَٰهِيمَ خَلِيلًا }
[النساء: 125].
{ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ
وَجْهِيَ لِلَّهِ } [آل عمران: 20].
{ إِنِّي وَجَّهْتُ
وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضَ } [الأنعام: 79].
وهناك
نص يوجهنا إلى إقامة وجوهنا عند كل مسجد
{ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ
كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [الأعراف: 29].
فهذا
النص على شاكلة ما سبقه، فهو يأمر بأنه عند ذهابنا للمصلى، أن نجعل وجهنا بالكامل
لله أي نظرنا وسمعنا وكلامنا له وحده، فلا يصح أن ندعو غيره ولا يصح أن ننشغل عنه
بهموم الدنيا في تلك اللحظة الروحانية، حتى تكون صلاتنا تامة ومضبوطة.
وجه الله
ووجه الله المقصود به سمعه وبصره
وكلامه؛ فعندما نطلب وجه الله، فنحن نريده أن يستمع لنا وينظرنا إلينا، ويكلمنا، أي
يهدينا ويرعانا ويحفظنا ويستجيب لدعائنا.
{ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } [الطور: 48].
{ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي
مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } [طه: 46].
{ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا
} [هود: 37].
والنص الأخير يقول الله لنوح، سوف أراك
بعيني وأنت تعمل على صناعة الفلك، وأكلمك بالوحي كي أصحح لك خطئك لو أخطئت أو أمنعه قبل أن يحدث. لهذا
جاءت نصوص كثيرة تبين أن الناس تريد وجه الله أي تريد استماعه ورؤيته وكلامه أي
هدايته واهتمامه بنا.
{ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ
الْأَعْلَىٰ } [الليل: 20].
{ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ
رَبَّهُم بِالْغَدَوٰةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الأنعام: 52].
{ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ
لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا }
[الإنسان: 9].
{ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ } [الروم: 39].
بقاء وجه الله:
وهذان النصان الكريمان:
{ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ
لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }
[القصص: 88].
{ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ
ذُو الْجَلَٰلِ وَالْإِكْرَامِ } [الرحمن:
27].
يتحدثان عن فناء كل شيء على الأرض، فلا يبقى إلا رعاية الله واهتمامه بالأرض حتى لا تزول وتفنى { وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ وَالسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّٰتٌ بِيَمِينِهِ } [الزمر: 67]. فلا يقصد بوجه الله هنا أي مجرد وجهه جل جلاله معاذ الله أن نظن ذلك، بل هو اهتمامه ورعايته بالإرض، في تلك اللحظة العصيبة جداً فالسماء مطويات بيمينه لحمايتها من التمزق، والأرض في قبضته { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ وَالسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّٰتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [الزمر: 67].
هل لله
وجه مثل وجوهنا؟
تقاتل
المسلمون من أجل هذه الأمور، فبعضهم اعتبر تلك الأشياء مجازية وبعضهم رآها حقيقية،
فاليد -على سبيل المثال- في نظر أهل المجاز تعني القوة والقدرة.
والصواب في ظني أن الله لا ينظر لهذه التصورات وإنما ينظر للقلب، فهل أهل المجاز يقصدون التنزيه وهل يقصد أهل الرواية التعظيم، فإن كان الأمر كذلك فهم على خير بإذن الله، واقتتال القوم على هذا، وتكفيرهم لبعضهم البعض واستحلال دماء بعضهم، يوجب عليهم النار كما ذكر القرآن في عشرات النصوص.
هذا والله جل جلاله أعلم
علي
موسى الزهراني
احسنت بارك الله فيك ولك
وبارك الله فيك شيخ علي