أبو
موسى الأشعري وذريته
أبو
موسى الأشعري شخصية محيرة، فهناك من مجده وهناك من ذمه، ذلك لأن له تأثير في
الأحداث الأولى، فانقسم القوم حوله إلى حزبين، وكل حزب يختلق قصص عنه، واستمر
الحال كذلك في أولاده وأحفاده.
فكان
لزاماً أن ننظر بعين الشك والريبة لتلك القصص، ونحاول غربلتها لعلنا نجد الحقيقة،
وهي تكاد أن تكون مستحيلة، لكننا نحاول الاقتراب منها، ونحاول أن نستخلص الفوائد
من تلك الغربلة.
قبيلة
الأشاعرة:
الأشاعرة
قبيلة كهلانية سبأية قحطانية، وكانت تسكن في منطقة إب ولها ذكر في النقوش السبئية،
وينتشرون اليوم في زبيد والمخا ولا نعلم مقدار مساهمة هذه القبيلة في الفتوحات،
فتقول الأخبار أن عدد الحاضرين مع أبي موسى الأشعري حول الخمسين رجلاً، فهل كانوا أفراداً؟
أم كانوا وكلاء عن خمسين أسرة وعشيرة أشعرية؟ لا ندري بالضبط، ولكن لم أجد الكثير
من حروبهم في الفتوحات، ذلك أنهم أسلموا متأخراً، بعد فتح خيبر.
ويبدو أن عك وأشعر قبيلتان من أصل واحد، فنجد ذكرهم دائماً معاً، ولكن عك أشهر في القتال والانتشار، والروايات تقول إن أم أبي موسى من قبيلة عك ([1]) وعك حسب مروياتهم هي قبيلة عدنانية ارتحلت إلى اليمن وجاورت الأشاعرة.
مكانة
أبو موسى الأشعري الاجتماعية:
تزعم الروايات أن أبا شمر بن إبرهة بن الصباح
كان متزوجاً من ابنة أبي موسى الأشعري([2])
وقالوا بأن أباه (إبرهة بن الصباح) ليس إبرهة
بن الصباح الأشرم الحبشي، وأرجح أنه هو لأن أخوه معدي كرب بن إبرهة بن الصباح كان
ملكاً من ملوك اليمن ([3]) وقد تزوج ابنه يريم بن معدي كرب بن إبرهة
الحبشي (أبية)بنت معبد بن العباس بن
عبدالمطلب وهي جارية حبشية لم يكن معترف بها، حتى ألزمهم علي بن أبي طالب
بالاعتراف بصحة نسبها.
والمرجح
أن إبرهة الحبشي ليس حبشياً، بل يمني، ولقب بالحبشي لأنه كان يعيش في الحبشة؛ أو
لأن أمه حبشية فأخذ لونهم، فقد تداخلت البلدان كثيراً في تلك الفترة وعلى مر
العصور ([4])
وقد كان من عادة المؤلفين العرب أن ينسبوا الشخص إلى المدينة أو المنطقة التي عاش
فيها. ثم أنه أبرهة الأشرم الحبشي-صاحب الفيل- كان حريصاً على الثقافة اليمنية
فلقب نفسه بالملك الحميري، بل إن المصادر القديمة تسميه بأبرهة الكندي ([5])
وليس
الحبشي أي من قبيلة كندة المسيطرة على اليمن في تلك الفترة. ولم يغير ولم يطمس
شيئاً من الثقافة اليمنية، وكتب بالحروف المسندية اليمنية، حتى أن بيزنطة لم تكن
راضية عنه، رغم دعمها له. أما قصة مهاجمته للكعبة فهي محض افتراء، وقد انضمت له
قبائل يمنية شهيرة مثل أشعر ويافع، الذين حاربوا كندة وبكيل وانتصروا عليهم بداية،
ثم جاء سيف بن ذي يزن بمعونة من الفرس، وانتصر على إبرهة وجيوشه، والمرجح أن سيف
لم يحتل كل منطقة اليمن وظلوا في مناطق يحكمونها، واستمرت الحرب دائرة كما ذكر
القرآن (ظهر الفساد في البر والبحر). لكن يبدو أن بعض الأشاعرة كانوا قد هاجروا
إلى الحبشة أو وجدوا الحياة فيها أفضل، ثم لما ظهر الإسلام انضموا إلى الإسلام
الذي دافع عن المستضعفين.
يقول
الباحث مرقطن حول الصراع اليهودي المسيحي: "وفي هذه الفترة ازداد الرسل
المبشرون المسيحيون في الجزيرة العربية والذين كانت تدعمهم مملكة بيزنطة، وبدعم
مباشر من مملكة أكسوم، ازاد النفوذ المسيحي في اليمن ويبدو أنه لهذا السبب بدأت
الحكومة الحميرية تتعامل بشدة مع المسيحيين وبدأت تضطهدهم بسبب ارتباطاتهم
السياسية الخارجية. ولدينا معلومات من المصادر المسيحية عن القديس المسمى أزقير
والذي كان يعمل على بناء كنيسة في نجران في أواسط القرن الخامس الميلادي. وتم
تسليمه إلى أي التجار الحميريين في عهد الملك شرحبين يكف (حكم نحو 468-480) وقدموه
للمحاكمة أمام الملك في العاصمة الحميرية ظفار، ووفقا للمصادر المسيحية، فقد شارك
حاخامات يهود في المحاكمة، وحكم على أزقير بالموت إلى جانب 33 من المسيحيين" ([6])
والخلاصة
أنه سواء كان أبو شمر ابن إبرهة الحبشي المشهور أو ابن لإبرهة آخر فإن كلاهما كان
من ملوك اليمن. وهذا يعني أن أبا موسى له شأن عظيم في الجاهلية ولأسرته، وأنه كان
يصاهر الملوك، والروايات تقول إن أبا موسى الأشعري صاهر الكبار كالعباس [7]) وزيد
بن الخطاب وقيس بن الوليد بن المغيرة والملك أبو شمر بن أبرهة ([8]).
وقد تزوج أبو موسى الأشعري من أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب وأنجبت
موسى ([9])
فإذا صحت هذه المرويات فهي تبطل المرويات التي تزعم أن أصله وضيع. وقد تكون كل
المرويات مختلقة من الطرفين: أصدقاءه وأعداءه.
ويبدو
أن بلال حفيد أبي موسى الأشعري قد ورث عروق إفريقية من أجداده فقد شتمه أحدهم فقال
له: "ليريبني بياض راحتيك ورواح قدميك وانتشار منخريك وجعودة شعرك" ([10])
فهل ورث هذه الصفات الأفريقية من جده أبي موسى أم من جهة جداته؟ وقد كان كاتب أبي
بردة بن أبي موسى الأشعري هو سعيد بن جبير، حبشياً، فهل كان الأمر صدفة أو لاحتراف
سعيد في عمله أم عصيبة من أبي بردة لعرق الحبشة.
وقد
عُير أبو موسى الأشعري بأنه كان يعمل في الحياكة، ومرة في بالحجامة فقد عمل أبو موسى الحجامة للرسول، فجاء الفرزدق
يعير حفيده بلال بن أبي بردة على هذا الصنيع تلميحاً، فغضب بلال ثم بين أنه لم
يعمل الحجامة قبل تلك المرة ولا بعدها وإنما هي مرة واحدة للرسول، فرفض الفرزدق
ذلك وبين أنه يستحيل على أبي موسى أن يجرب على رسول الله الحجامة وهو لا يتقنها ([11])
وهذا الخبر قد يكون ملفقاً على أبي موسى وأنه لم يكن حجاماً، ولكنه انتشر تعييراً
لأبي بردة وبلال، لكنه يشير إلى الحاجة الملحة لبلال وأبوه أبو بردة إلى اختلاق
روايات ترد على تلك الروايات التي تقلل من شأن أبي موسى.
وتزعم
المرويات أن علي بن أبي طالب نبز أبا موسى الأشعري بابن الحائك ([12])،
هذا يدلل على وضاعة منشأه، والمقصود بابن الحائك أي ابن الخياط، وقد يعني الوضاعة
أو أنه ابن عبدٍ سابق، فقد أطلقها الحجاج على عبدالرحمن بن الأشعث([13])،
وقد أطلقها عليه يقصد التقليل من شأنه، وربما لأن في بعض قبائل اليمن صناعة متطورة
على عكس قبائل الشمال التي امتهنت الرعي والقتال. وابن الأشعث والأشعري كانا
يمنيان، لكن ابن الأشعث كان من قبيلة مقاتلة وعظيمة هي كندة وكان لها صولات وجولات
وهم أعراب اليمن. كذلك أطلق أحدهم على ابن جريج (بابن الحائك)
([14])
وقد كان عبداً رومياً، ثم أعتق؛ فالمرجح أن الأشاعرة قبيلة كانت تأكل من صنع يدها،
وليست من أهل الغزو والتجارة، وهذا عند العرب إهانة.
وقد
هجا الشاعر عقيبة الأسدي القاضي أبي بردة بن أبي موسى الأشعري بشعر جاء فيه:
"وأنت امرؤ في الأشعريين مقابلٌ" ولا ندري هل يقصد تعيير أبا بردة وأنه
ذو نسب ضعيف في الأشعريين، أم تعيير كل الأشعريين في أصلهم. فذهب يحتكم إلى معاوية.
فرد
عليه ثم معاوية أن هذا الشاعر لم يسلم منه معاوية نفسه، فهجاه بشعر منه
"وتأميراً على الناس العبيد" ([15])
فهل يقصد ذلك الشاعر تأمير أبا بردة ومن هو على
شاكلته ممن هو من أصل وضيع؟ يبدو كذلك للعداوة بين الاثنين. وفي النهاية طلب
معاوية الدعاء على ذلك الشاعر فقط.
وعندما
حاول ابن عباس ثني علي بن أبي طالب عن استخدام أبي موسى الأشعري في التحكيم
واستبداله بالأحنف بن قيس، قال عن الأحنف: "وهو قرن لعمرو" ([16])
فهل يقصد هنا الندية في الذكاء والدهاء، أم يقصد الندية في النسب والمكانة
الاجتماعية. ومن المرجح أنه يقصد الندية في النسب والمكانة لأنهم نظروا له أنه
صانع وعامل، وربما لشكله الجسماني الذي فيه عرق حبشي.
وقد
عير الناس بلال الأشعري بجده أبا موسى الأشعري، فرد عليهم وقال: " والله ما
رضى من الأصهار إِلَّا بالعباس ابن عَبْد المطلب، وزيد بْن الخطاب، وقيس بْن
الوليد بْن المغيرة، وأبرهة ابن الصباح، ولقد اختلفت العرب في حكم فما رضيت بحكم
غيره " ([17])
فمن خلال رده يبدو أنهم عيروه بأصله المتواضع. وهناك حديث رواه بلال حفيد أبي موسى
يبين كراهيته للموالي والنبط فيقول الرسول برواية بلال: " من إكفاء الدين
تفصح النبط واتخاذهم القصور في الأمصار" ([18])
وهذا يدلل على أن نسبهم العربي صحيح أو أنه
يريد التطهر من أي صلة له بنسب غير عربي.
وقصص محاسبة عمر بن الخطاب لبعض الصحابة وتهديدهم بالضرب والإهانة عندما يأتون بروايات أحادية، كانت موجهة إلى الصحابة ذوي المستوى الاجتماعي الضعيف، مثل أبي هريرة الذي نشك في أصوله الحبشية، وابن مسعود وأبي ذر، ثم صاحبنا أبو موسى الأشعري، الذي هدده بالعقاب لولا تدخل أحد الصحابة بتصديقه([19]) وهذا يؤكد أن أبا موسى لم يكن ذا نسب كبير يمنع عمر من إهانته. هذا لو صحت هذه القصص حتماً.
ولهذا
نرجح أن الأشاعرة قبيلة عربية أصيلة، مثل بقية القبائل العربية، وأنه قد يكون أبو
موسى الأشعري عاملاً أو صانعاً، أو من الطبقة المتوسطة، أو له أصول أفريقية. فجاء
الإسلام فكرم هؤلاء الناس ورفع مكانتهم فلا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى وإن
أكرمنا عند الله أتقانا، لهذا وجدنا أمثال هؤلاء يرتفعون عالياً، وقد تحول هؤلاء
من عمال وطبقة متوسطة إلى مجاهدين مقاتلين حافظين للقرآن الكريم. ونرجح أن هؤلاء
من الطبقة المتوسطة مثل أبي موسى، وقد جاء عمر بن الخطاب وأعطاهم فرصة للتمكين،
اقتداء بطريقة الرسول عليه السلام، فقد كان عامل الرسول على زبيد وعدن والساحل
اليمني، واستعمله عمر على الكوفة والبصرة ([20])
وقال أبو موسى الأشعري لأهل البصرة عندما صار والياً
عليهم: "إن أمير المؤمنين عمر بعثني إليكم أعلمكم كتاب ربكم وسنة نبيكم وأنظف
لكم" ([21])
فيبدو أن ثقة عمر به كانت كبيرة، بل وصفه بالكبير ([22])
وحتى الطبقة التي دونه مثل عمار بن ياسر وعبدالله بن مسعود ([23])
وسلمان
الفارسي وصهيب الرومي وسالم الفارسي، قد كانت علاقتهم بعمر جيدة خاصة عبد الله بن
مسعود مما يعني سماحه لتلك الطبقة بإظهار كفاءتها. وحتى لو رفض البعض هذه المرويات
فإنه من المؤكد أن عمر كان نصيراً لهذه الطبقة.
ومن
الواضح أن سبب تمكين أبا موسى هو علمه، ولعله كان على المسيحية كما تشير الروايات
في عمله وصلته المصاهرة مع إبرهة الحبشي الكندي الذي كان نصرانياً. فقد برز عن
أقرانه بعمله فكان مناسباً لتولي الوظائف الحكومية التي تحتاج إلى كتاب مهرة.
وهناك
مرويات تشير إلى أن أبا موسى كان حليفا أبو أحيحة سعيد بن العاص الأموي، ومرويات
أخرى تقول إنه كان حليفاً لآل عتبة بن ربيعة بن عبد شمس الأموي ([24])
وهذه المرويات تريد أن تضفي المكانة على آل أبي موسى الأشعري، وتريد أن تؤكد على
متانة العلاقة بين تلك الأسرة وبين الأمويين منذ ما قبل الإسلام، بيد أن هناك من
الرواة من يكذب هذه التحالفات ويؤكد أن أبا موسى لم يكن حليفاً لأحدٍ من قريش ([25])
وهذا الادعاء بتلك الأحلاف قد يبدو معقولاً، فقد أرادت ذرية أبي موسى إضفاء العمق
التاريخي على علاقتهم بالأمويين المعاصرين لهم، وأنها ضاربة في عمق التاريخ.
مكانة
أبو موسى الأشعري الدينية وعلاقته بالقراء
تبدأ
قصة أبو موسى حسب المرويات أنه أسلم بمكة قبل الهجرة ثم عاد إلى بلاده في اليمن،
وأسلم على يده بعض الأشاعرة، وسافر معه خمسون رجلاً ([26]).
وهذا يعني تحول عدد كبير من الأشاعرة إلى الإسلام. ثم هاجر إلى الحبشة ولا نعرف
سبب تلك الهجرة، فهل كانوا مضطهدين في بلادهم رغم أنه لم يأت خبر بهذا الشأن. لكن
الراوي يقول إن السفينة ساقتهم سوقاً إلى الحبشة دون رغبة منهم.
لكن
الحروب التي بين النصارى واليهود في اليمن ربما تفسر لنا سبب الهجرة وخاصة أن
الأشاعرة ويافع هزموا على يد سيف بن ذي يزن اليهودي الذي لقي الدعم الفارسي. فقد
يكون سبب الهجرة هو الاضطهاد الذي تعرض له هؤلاء في اليمن؛ فهاجر بعضهم إلى
الحبشة. لكن المرويات تريد أن تضفي المكانة على أبي موسى والأشاعرة بزعم أنهم أول
من هاجر هجرتين.
وقصة
أن أبا موسى هاجر إلى الحبشة ليست واردة عند كل المؤرخين القدماء، فموسى بن عقبة
ومحمد بن إسحاق وأبو معشر، لم يذكروا في تواريخهم عن هجرة أبي موسى إلى الحبشة،
ويروي ابن عساكر أن أبا موسى الأشعري خرج هارباً من اليمن مع عشرة من الأشاعرة،
بسبب دماً أصابه. وصادف حضوره إلى مكة مع حضور جعفر الطيار من الحبشة فظنوا أنه
كان معه. ([27])
كما
أن هذا الخبر قد يشي بأن أبا موسى الأشعري كان على النصرانية في البداية، لأنه كان
في صف القبائل النصرانية التي كانت تحارب القبائل اليهودية باليمن، وكانت أشعر
ويافع في صف النصرانية ضد القبائل التي تهودت واستعانت بالفرس، ولهذا قد يفسر لنا
سبب معرفة أبو موسى بقراءة القرآن فيبدو أنه كان متعلماً وكان يجيد القراءة
بالتلحين كطريقة النصارى، لهذا اشتهر بالقراءة الحسنة، كما أن الرسول استخدمه في الولاية
على بعض مناطق اليمن، لأنه مثلهم نصراني ويعرف شريعتهم وأمره الرسول بتطبيقها
عليهم كما وجه القرآن الكريم { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ
اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ
الْفَٰسِقُونَ } [المائدة: 47] لكنه حتماً ترك المسيحية واتجه بكامل قلبه إلى
الإسلام وهناك أخبار أخرى قد تشي بأصوله الكتابية فقد استعمل في أعماله كاتباً نصرانياً ([28])
وقد غضب منه عمر بن الخطاب بسبب ذلك([29])
كما تزوج من يهودية ([30])
وأنجب منها أبا بردة والذي أنجب الحفيد بلال القاضي المشهور.
ويزعمون
أن أبا موسى أوتي مزماراً من مزامير آل داود كما يقول الرسول عليه السلام ([31]) وهذا
يشي بمعرفة أبو موسى بتراتيل داود. وهذا التمييز دائماً نجده في الشخصيات الغامضة
مثل أبو موسى وعبد الله بن مسعود وسالم الفارسي، ناهيك عن مواهبه في القضاء فهو
عليم مثل علي بن أبي طالب وعمر وابن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت.
أما
علي وعمر فقد توليا قضاء الدولة كلها فهما كانا الحاكمين، وأما أبي بن كعب وزيد بن
ثابت فهما أنصاريان وقد أدخلا في الأمر عنوة، فلم تأت الأخبار بتوليهما القضاء.
كذلك ابن مسعود، أما أبو موسى فمن الممكن أنه كان قاضياً لأنه تولى منصب أعلى منه
وهو حكم البصرة والكوفة ومناطق أخرى. كذلك ورث أبناءه هذه الوظيفة. وقد تكون رواية
أنه من أفضل القضاة مختلقة، لأنه قضى في خلاف علي ومعاوية بعزلهما، فتم رفع شأنه
لكي يُقبل منه ذلك الحكم في عزلهما، عند النواصب على الأقل.
يبدو
أن ولاية الأشعري كانت عادلة ومقبولة عند الناس، فقد ثبته عمر على ولاية البصرة
أربع سنوات وهذا يؤكد ثقة عمر به ([32])
وهناك خبر أن أبا موسى الأشعري كان يدعو لعمر بن الخطاب ويترك أبا بكر، فعاتبه عمر([33])
وحتى لو لم يصح الخبر فهذا يؤكد على قوة العلاقة بين الاثنين عند مختلق الرواية.
وهناك رواية أن أبا موسى جامل أبناء عمر بن الخطاب وقدم لهما مال الخراج، لكي
يتاجرا به فيأخذا الأرباح لهما فغضب عمر منهما وبعد تدخل الصحابة في أمرهما قرر
عمر تقديم نصف الأرباح لخزينة الدولة([34])
وزعمت المرويات أن القضاة أربعة هم عمر وعلي
وزيد وأبي موسى الأشعري، أما الفتيا فكانت في ستة من ضمنهم أبي موسى([35])
وهذا يشير إلى مكانة هذا الرجل الدينية.
وله
مشاركات جهادية، فقد شارك أبو موسى في معركة حنين ثم أوطاس بقيادة أخوه أبو عامر
الأشعري، ثم شارك في الفتح الإسلامي ومنها غزوة ذات الرقاع التي تشققت أظافرهم
فيها فلفوها بالخرق([36]) وقد
نُسب إليه فتح الأهواز ([37])هناك
روايات تشير إلى مساهمة أبو موسى في الفتوحات مثل فتح نصيبين والجزيرة وكان في عون
عياض بن غنم([38])
كما
ارتبط اسمه بجماعة القراء، وهم خليط من الأفراد لا يجمعهم قبيل معين، اشتهروا
بالقتال وبقراءة القرآن، ولهذا ظنوا أنفسهم أعلى من بقية الناس، خاصة من الصحابة
الذين بالمدينة، لا يقاتلون مثلهم، وقد صاروا مثلهم يعرفون القرآن والدين، خاصة
بعد أن انتشرت نسخ بين أيديهم بعد أن وزعه عثمان على الأمصار. لكني أرجح أنهم الخاملين
الذين يتكلمون أكثر مما يفعلون، منذ أيام الرسول عليه السلام ﴿سَيَقُولُ
الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا
نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ
تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ
تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الفتح: 15] وأنهم
فضلوا البقاء في الكوفة والبصرة دون الذهاب للجهاد وفتح البلدان مثل بقية
المجاهدين وأنهم أقرب للنفاق منهم للصدق والإخلاص وقد وصفتهم عائشة بعد مقتلهم
عثمان بالعبيد، فيبدو أنهم يتخلقون بأخلاق العبيد.
ولعلهم
شعروا بالظلم؛ فإنهم مجاهدون ولا ينالون من الأعطيات مثل أهل المدينة، فقد طلب سعد
بن أبي وقاص ألفا درهم لكل شخص فيهم فرفض عمر بن الخطاب، وقيل، بل الذي طلب لهم
ذلك هو أبو موسى الأشعري ([39]) وهو المرجح؛ لأن أبا موسى من نفس النسيج فهو من
القراء المجاهدين وإن كان يبدو أنه كبيرهم ومعلمهم. لكن الأمر العجيب أنهم ظلوا في
مدن العراق ولم يشاركوا في الفتوحات وأنهم استقروا في الكوفة، وهذا يشي أنهم ملوا
القتال أو لم يشاركوا بفعالية، وأنهم من بقايا المنافقين الذين يسلقون بألسنتهم
الحاكم كما كانوا يفعلون في زمن الرسول ([40])
ونلاحظ
قوة علاقة أبي موسى الأشعري بالقراء، وأنهم طردوا عامل عثمان بن عفان على الكوفة وأقاموا
بدلاً منه أبا موسى الأشعري ([41]) وأقرهم
عثمان على ذلك ([42]) فهذا
يدلل على بأسهم وعصيانهم وعلى قوة علاقتهم بأبي موسى الأشعري ويبدو أنه كان يقرهم
على ذلك وكان يرى عملهم صائباً، أو كان يحاول تهدئتهم بالموافقة على هذا الفعل،
ولكن المؤكد أنهم كانوا يوقرونه ويقدمونه. وهناك رواية تزعم أن سبب عزل عثمان لأبي
موسى الأشعري هو لكي يوظف قريبه عبد الله بن عامر بدلاً منه وقدم له ابن عامر
ثلاثين ألف درهم، ولكن رفض أخذها ([43])
ومن الواضح أن أهل العراق قد أحبوا أبا موسى الأشعري فناشد شاعرهم، عثمان بن عفان
كي يعيد أبا موسى إلى منصبه فقال([44]) :
تصَدّقْ
علينا اِبْنَ عَفّانَ واحتْسَبْ ... وأَمَّرْ علينا الأَشْعرِيَّ لياليا
والقراء
كانوا يوقرون عمر بن الخطاب أكثر من بقية الصحابة، وصاروا على نهجه الشديد، فقد
كان صارماً مع نفسه ومع أسرته، حريصاً وورعاً أشد الورع، رضي الله عنه وأرضاه.
وطبعاً لم يتخذ هؤلاء القراء طريقة عمر بن الخطاب إلا بشكل حرفي خال من الروح
وبعيد عن قيم الإسلام الأساسية. وربما سبب التوقير هو كونهم عبيد أو من طبقة دونية،
فحررهم عمر وعلمهم القرآن لكي يكونوا عوناً في الجيوش هذا لو صح ما نقل عن عائشة
رضي الله عنها. التي وصفتهم بالعبيد وغوغاء الأمصار وأهل المياه ([45]).
وقد يكون احتفاؤهم بعمر نكاية بعثمان، ومن باب التقليل من شأنه إذا ما قورن بعمر
من أجل إزالة الشرعية عنه.
وهذه
الفئة القرآنية نهضت على يد عمر فهو الذي رفعها ووقرها بعد أن كانت قليلة الشأن
بين القبائل، وقد كان عمر ضد وجهاء القبائل وكبرائها، وفي صف المستضعفين والعبيد
والقبائل ذات الشأن القليل. ومن هؤلاء أبو موسى الأِشعري، الذي تذكر المرويات
علاقته الجيدة بعمر، وأنه بعد مقتل عثمان اقترح على الناس عزل علي ومعاوية وتولية
عبدالله بن عمر الذي كان يسير على سيرة أبيه عمر.
ومن
الملاحظ أن القراء الذين تحول بعضهم إلى خوارج، ينتسبون إلى قبائل متعددة فهم لا
ينتمون إلى هذه الفرقة بالعصبية القبلية، بل بالولاء العاطفي الديني الذي وحد
هؤلاء المختلفين، وإن كان يبدو أن أكثرهم يمانية. ويبدو أنهم يمثلون شباب تلك
القبائل الذين تحرروا من سطوة القبيلة وسلطتها فشكلوا طائفة طوباوية تحلم
بالمساواة الكاملة. ومن رؤسائهم إبان خروجهم على علي بن أبي طالب: عبدالله بن وهب
ويزيد بن الحصين، وحرقوص بن زهير، وشريح بن أبي أوفى ([46])
فهم من قبائل شتى، ويوحدهم التطرف والغلو
الديني. كما امتازوا بشدة غلوهم في التمسك بالدين أو انقلاب الأولويات لديهم
واختلاط المفاهيم. وكان من الواضح أن الخوارج لم يعودوا يقتنعون بقائد قرشي لكي
يحكمهم ويريدون أن يحكمهم شخص من غير قريش، وكأنه تمرد وعصيان فلا يرون مسلماً إلا
أنفسهم، فقد ردوا على علي بن أبي طالب: "فإنك لم تغضب لربك، ولكن غضبت لنفسك،
فان شهدت على نفسك أنك كفرت فيما كان من تحكيمك الحكمين، واستأنفت التوبة والايمان
نظرنا فيما سألتنا من الرجوع إليك، وان تكن الأخرى، فإننا ننابذك على سواء، أَنَّ
اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ" ([47])
ويبدو أن فئة القراء انقسموا قسمين قسم يدعو للسلام وعلى رأسهم أبو موسى الأشعري
وعبدالله بن عمر، وقسم ينادي إلى مزيد من التشدد والاقتتال وهم ما يسمون بالخوارج.
وفي
كل الأحوال نلاحظ أن هناك تحقيراً للقراء في المرويات واتهام لهم في أخلاقهم
ودينهم ونسبة ذلك إلى الرسول عليه السلام. وقد وعظ أبو موسى الأشعري القراء وكان
عددهم زهاء الثلاثمائة رجلٍ، وقال لهم: "..فلا يطولن عليكم الأمد فتقسو
قلوبكم كما قست قلوب أهل الكتاب" ([48])
وهذا يؤكد مكانة أبي موسى عندهم فهو الذي علمهم القرآن، كذلك يؤكد شعوره بتغير
أنفسهم وميلهم للتشدد والتكفير والغلو. كما يشير أن غلوهم جاء من أثر قديم هو غلو
أهل االكتاب اليهود والنصارى. فمن المؤكد أن أصولهم كتابية سواء كانت يهودية أو
نصرانية، لأن في تلك الأديان الغلو الشديد الذي انتقل مع انتقال أصحابه إلى
الإسلام.
وهناك
أحاديث منسوبة إلى الرسول عليه السلام يقول فيها: "َ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ
رِجَالٌ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ لَا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ، هُمْ شَرُّ
الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، وَقَالَ يَتَعَجَّلونَهُ وَلَا يَتأَجَّلونَهُ" ([49])
أي هم يسارعون في فرض الفهم السطحي الضيق للنص، وليس الفهم الشمولي للنص الذي
ينطلق من مفاهيم الإسلام السمح الرحيم. ومن الواضح أن القراء ارتبطوا بالثورة ضد
الدولة واستمروا على هذا الحال، فكلما خرجت ثورة أيدوها، بل قد يكونون سبباً في
ظهورها، فهذا الشعبي يثني على قومٍ من القراء انظموا إلى ثورة المختار الثقفي،
فقال لابن الاشتر يقنعه بشرعية الثورة: "إنهم قراء وأمراء ووجوه الناس" ([50]).
علاقة
علي بأبي موسى:
-
هناك مرويات تؤكد أن أبا موسى كان مع عثمان وضد مقتله فقال: "لَوْ كَانَ قَتْلُ
عُثْمَانَ هُدًى، لَاحْتَلَبَتْ بِهِ الْأُمَّةُ لَبَنًا، وَلَكِنَّهُ كَانَ
ضُلَّالًا، فَاحْتَلَبَتْ بِهِ الْأُمَّةُ دَمًا"([51])
فإذا صح كلامه فهذا يعني تراجعه عن مناصرة علي بن أبي طالب بعد أن بحث عن الحقيقة،
أو شعوره أن فريق علي بن أبي طالب سيهزم والنصر لمعاوية، أو أن معاوية أغراه
بالمال. فموقفه من النزاع بين علي ومعاوية نتوقف عنه لأننا نضع أقدامنا في مزرعة
ألغام، فربما تكون الروايات مختلقة من خصومه وخصوم ذريته، ولكن من الواضح أن هناك
علاقة جيدة ربطت الأسرة الأموية والأسرة الأشعرية جعلتهم يستخدمونهم في القضاء إلا
في عهد عمر بن عبد العزيز. وتقول كتب التاريخ أن هناك علاقة حلف قديمة قبل الإسلام
بين أبي موسى الأشعري وبين سعيد بن العاص الأموي، فمن المحتمل أن هذه العلاقات
القديمة قد خبئت قليلاً ثم عادت من جديد بعد موت عمر بن الخطاب، وقد أوردنا من
يشكك في تلك العلاقة القديمة بالأعلى.
لكن
موقفه عجيب من عثمان بن عفان، خاصة وأن القتلة كانوا من هؤلاء القراء أو من ضمن
الفريق الذي ساهم في قتله، ومعهم بعض سكان المدينة ممن لم يعجبهم توزيع الأموال، فكان
يفترض أن يكون ضد عثمان، فهل كان ضد عثمان ثم تراجع؟ أم أنه كان من القراء الذين
ينادون إلى الحل السلمي وعدم سفك الدماء من أجل التغيير؟ لكن عندما قامت الفتنة
خطب أبو موسى الأشعري بالناس فروى عن الرسول الكريم: "إنها فتنة عمياء
صمّاء" فاستنكر عمار بن ياسر عليه هذه الرواية وقال: أنتَ سمعتَ رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن هذه فتنة عمياء صمّاء" ([52])
وتخبرنا المصادر أن عمر بن الخطاب ولى أبا موسى الأشعري على البصرة، ثم عزله
عثمان، ثم عينه على الكوفة بضغط من القراء، ثم عزله علي بن أبي طالب عن الكوفة ثم
دخل في التحكيم.
وعندما حاول ابن عباس ثني علي بن أبي طالب عن
استخدام أبي موسى الأشعري في التحكيم واستبداله بالأحنف بن قيس، قال عن
الأحنف:"وهو قرن لعمرو" ([53])
فلا ندري هل يقصد بأنه أقل منه في المكانة
والنسب، أم يقصد أقل من الأحنف في الذكاء والحكمة. لكن علي أجبر على استخدام رجل
يماني بدلاً من تميمي لأن القراء هم من طلب ذلك خاصة الأشعث بن قيس الكندي اليماني،
وقالوا لعلي: "لا حتى يكون منا رجل ودعوا إلى أبي موسى الأشعري"([54])
يبدو
أنه من خلال الحوار بين عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري، أن الحزب الشامي كان
يعتقد أن علي بن أبي طالب هو قاتل عثمان، ويتبين أنه من خلال الحوار أن أبا موسى
كان مقتنعاً بصحة هذا الكلام، لهذا قال له بعد نهاية الكلام، أنه يجب عزل الاثنين
وتولية عبد الله بن عمر بن الخطاب، بحجة أن أهل الشام يكرهون علي وأهل العراق
يكرهون معاوية ([55])
ولو كان أبو موسى مقتنعاً ببراءة علي التامة لأسكت عمرو بن العاص ومنعه من هذا
الافتراء. ولم تنته الأمور عند هذا الحد - لو صدقنا المرويات - فقد هاجم أهل
الكوفة بيت أبي موسى الأشعري، ولولا الأشتر لقتلوه فهرب إلى مكة.
وصار
أبو موسى منبوذاً من الناس، فهذا أبوذر الغفاري - الشخصية الغامضة - يرفض السلام
على أبي موسى بسبب أن أهل السلطة استعانوا به في إدارة الدولة ([56]).
وهو أمر منبوذ عند أبي ذر وجمع من الدراويش. وقد وصفه حذيفة بن اليمان بأنه منافق ([57]) كذلك صده عمار بن
ياسر ([58])
وبين لأبي موسى الأشعري عندما حاول التلطف له أن الرسول: " يلعنك يوم
الجمل" ([59])
كذلك قال له الأشتر: "أخرج الله
نفسك، فإنك من المنافقين قديماً"([60])
والأشتر من قبيلة كبيرة هي مذحج اليمنية وكان من كبار مناصري علي بن أبي طالب.
وهناك
روايات متعارضة بشأن علاقة معاوية بأبي موسى الأشعري، فإحدى الروايات تزعم أن أبا
موسى ذهب إلى معاوية لكي ينال منصباً، لكن معاوية قال بعد خروج أبو موسى "قدم
الشيخ لأوليه، ولا والله لا أوليه"([61])
بينما الرواية الثانية ومصدرها ابنه أبو برده الذي زار معاوية في مرضه فقال لابنه
يزيد: إن وليت من أمر الناس شيئاً فاستوص بهذا، فإن أباه كان لي خليلاً"([62])
وهناك روايات تقول إنه قد بايعه بالخلافة، ثم ناوله معاوية أعطيات خمس سنوات كان
قد منعها عنه سابقاً ([63])
وقد أدت هذه العلاقة الجيدة إلى تطور العلاقة بين أبي بردة بن أبي موسى وبين
معاوية ثم يزيد([64]) بل
وصاه معاوية بأبي بردة ([65])
ولعل الروايات المتناقضة تؤكد الصراع الذي حدث بعد تغير موقف أبو موسى من آل علي
ووقوفه في صف معاوية، فاختلق الأعداء روايات تؤكد النفور بين الاثنين، ورد عليهم
محبوه بروايات معاكسة.
موقف
الشيعة تجاه الأشعري منطقي، فهم يرونه خان وغدر بعلي وانضم إلى عدوه معاوية وتزعم
المرويات أن أبا موسى حرض عمار بن ياسر على ترك علي أو الحياد، كذلك فعل عمار العكس
وحث أبا موسى على نصرة علي ([66])
وهناك حديث منسوب إلى الصادق إمام الشيعة عندما سألوه عن موعد ظهور المهدي فقال:
"عند هدم مدينة الاشعري" وبعض الشيعة لا يعترف بصحة الحديث، ولكن ما
يهمنا هو أنه حديث تم اختلاقه للنيل من الأشعري، فإذا كان يقصد به الأشعري أبو
موسى فهذا يبين مدى كراهية الشيعة له، ولا يعقل أن يكون أشعري آخر لأنه لم يشتهر
إلا هو وأحد أحفاده المتأخرين جداً وهو علي الأشعري مؤسس الأشعرية لكن الأخير ظهر
بعد وفاة الصادق بأكثر من مئة سنة.
مرويات
الأشاعرة عن أنفسهم:
تكثر
المرويات التي تمجد الأشاعرة، لكن كثير منها أحادي أي لم يروها إلا شخص من نفس
القبيلة. ومن ذلك حديث يظهر أبو موسى الأشعري بطلاً مغواراً، لكن راوية الحديث
أشعري وهو الضحاك بن عبدالرحمن الأشعري فقد أمر الرسول أبا عامر الأشعري في معركة
حنين، ملاحقة الفلول الهاربة، فلحقهم ولكن أدركه ابن دريد وقتله لكن أبا موسى
انتقم فلحقه وقتله ([67]) .
ونحن إن كنّا لا نستبعد مثل هذه القصص، وهذه البطولات، ولكن أن تكون الرواية
مصدرها أشعري من نفس القبيلة؛ فهذا يقوي في الاعتقاد باختلاقها.
ويبدو
أن هناك رواية أخرى اختلقها عبد الله بن براد الأشعري، ورواها عن بريد الأشعري
حفيد أبي موسى الأشعري، تختلف في التفاصيل اختلافاً كلياً فتزعم أن الذي أصاب أبا
عامر الأشعري هو أعرابي بسهم وهرب وأن أبا موسى طارده لينتقم له فلحقه وقتله، ثم
لما عاد إلى الرسول استغفر لأبي عامر ثم طلب منه أبو موسى أن يستغفر له فقال
الرسول: " اللهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ،
وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا "([68]).
ويتبين هنا أن هؤلاء الرواة يختلقون القصص التي تمجد في أجدادهم، أو أبناء
عشائرهم، ثم ينسون ما قالوه سابقاً، فيأتون بالقصة بتفاصيل مخالفة، تظهر أفكهم([69])
وهناك شخص اسمه عياض الأشعري زعم أنه سمع الرسول
يفسر قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}
[سورة المائدة: 54] فقال في تفسيرها: "هُمْ قومُ هذا، يعنى أبا موسى"
وهذا تفسير باطل بكل تأكيد، ولكن العصبية أعمت المختلق للرواية
([70])
وهناك
رواية مصدرها أحفاد أبي موسى، أن أبا موسى قال: "مَا يَسُرُّنِي أَنْ
أَشْرَبَ نَبِيذَ الْجَرِّ وَلِي خَرَاجُ السَّوَادِ سَنَتَيْنِ" ([71])
ومقصد الرواية المختلقة تمجيد جدهم أبي موسى وأنه لم يشرب الخمر قط بعد دخوله
الإسلام. وتستمر المرويات التي تمجد شأنهم، مثل بقية القبائل التي تختلق روايات
على لسان الرسول عليه السلام، تمجيداً لهم ومن ذلك زعمهم أن الرسول قال:
"يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا أَقْوَامٌ هُمْ أَرَقُّ قُلُوبًا لِلْإِسْلَامِ
مِنْكُمْ "([72])
وتزعم نفس الرواية أنهم أول من أحدث المصافحة في الإسلام.
وهناك
راو آخر أشعري زعم أن الرسول قال عنهم: "هُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ "
وحاول معاوية أن يصحح له فقال: "إِنَّمَا قَالَ: هُمْ مِنِّي وَإِلَيَّ"
([73]) لكنه
أصر على قوله، ومن المؤكد أن معاوية لم يصحح لهم ولم يسمع منه هذه الادعاءات التي
كانت - لو قيلت - لتثير حفيظة بقية القبائل التي تستشعر الغيرة والأنفة والغضب من
تمييز قبائل على أخرى.
ومن
مروياتهم، يزعم أبو برده عن أبيه أبو موسى الأشعري، أن الرسول أعطاهم في الأعطيات،
بعد أن حلف بداية ألا يعطيهم ([74])
ومقصد الراوي أبو برده هو أن ينال الأعطيات من حكام عصره لأنه أشعري وقد خص الرسول
الأشاعرة بالأعطيات.
أولاد
وأحفاد أبي موسى الأشعري:
كثر
الأولاد والأحفاد الذين أولدهم أبو موسى الأشعري، ونأتي على أشهرهم:
أبو
بردة الأشعري:
أبو
بردة بن أبي موسى الأشعري تولى القضاء بدلاً من القاضي شريح، وطلب الإعفاء وتولية
أخيه مكانه. وفي رواية أخرى أن الحجاج عزله وجعل أخاه مكانه ولا نعلم سبب عزله هل
لفساده، أم لأن سعيد بن جبير كان كاتب أبي بردة في القضاء، وسعيد ممن خرج على
الدولة مع ثورة عبدالرحمن بن الأشعث([75])
فلعل الحجاج غضب على أبي بردة.
روى عن أبيه وعن علي بن أبي طالب وعائشة
وأسماء وعبد الله بن سلام وحذيفة بن اليمان ومحمد بن مسلمة وأبو هريرة وعبدالله بن
عمرو بن العاص وعبدالله بن عمر بن الخطاب والبراء بن عازب ومعاوية بن أبي سفيان.
ومن المحتمل أنه شخص صالح في نفسه وأن مروياته منسوبة إليه كذباً، لكن سنورد
بعضها:
-
يمجد أبي برده أباه بحديث يزعم فيه أنه جاءه عبد الله ابن عمر وقال له أنه كان بين
أبي موسى وبين عمر إخاء وود ([76]) وهو أمر وارد، ولكن لو فعلها ابن عمر لكان عليه
أن يزور المئات من الناس لأن أباه عمر كانت علاقات ود ومحبة مع كثير من خلقه. لكن
الراوي يقصد تمجيد أبا موسى وحده، عموما الرواية تشي بأن مختلق الرواية يقصد أن
يؤكد قوة العلاقة بين عمر بن الخطاب وجماعة القراء.
- ولأبي
بردة رواية تمجد والده وفيها أن ثلاثة أشعريين قدموا على الرسول يطلبون العمل فرفض
الرسول واختار ثالثهم وهو أبو موسى الأشعري ([77]).
- وتصل
الإساءة إلى أمنا عائشة رضي الله عنها، فيختلق أبي بردة ([78]) قصة أن الصحابة اختلفوا في مسألة الغسل، فقال
بعضهم إذا التقى الختانان فوجب الغسل وقال بعضهم، بل يجب نزول المني. فذهب أبو
موسى يستشير أمنا عائشة في الأمر، فأخبرته أنه إذا مس الختان الختان
([79])
. وكأنهم انتظروا موت الرسول حتى يسألوا زوجته
وكأنه لا يوجد إلا تلك الزوجة وكأن الأمر فيه إشكال عظيم يحتاج إلى عقل الفراهيدي
لكي يحلها. ولا ندري ما سبب الزج بأبي موسى في هذه الرواية فإن كان يُقصد فقط
الإساءة إلى أمنا عائشة فكان من الممكن وضع أي اسم، إلا إن كان المقصد أن أبا موسى
حريص على العلم أشد الحرص، وأن الزج باسم أمنا عائشة كان مجرد صدفة.
-
ومن الأحاديث العجيبة المنسوبة إلى أبي موسى وابنه أبي برده بما يشبه الفتوى فقد روى
أبو موسى عن الرسول "لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَلا مُؤْمِنٌ
بِسِحْرٍ، ولا قاطع " ([80])
وهذا مستحيل فجميعنا يؤمن بقوة السحر وأثره، ولو قال المختلق أن من يستعين بالساحر
لن يدخل الجنة فقد نقبل بذلك على مضض، وحتى هذا الأمر غير معقول فقد نستعين
بالسحرة لرد حق لنا، رغم أن السحر لا يرد ولا يصد وكلها أكاذيب سحرة. كذلك شارب
الخمر، أما قاطع الطريق فهو مفسد في الأرض يستحق الدرك الأسفل من النار.
- من
أحاديث أبي بردة الزعم أن الرسول يخاف بعض الأقوام ويدعو عليهم بدعاء غريب هو:
"اللَّهُمَّ إنا نَجعلُكَ في نُحورِهم، ونعوذُ بِكَ مِنْ شُرورِهِمْ"
([81])
نعوذ بالله من هذا الكلام، فوالله لم يقله الرسول عليه السلام، فكيف نجعل الله جل
جلاله ومن نحن حتى نجعل، ثم أين نجعله؟! في نحورهم وكأنه رمح أو سهم، نعوذ بالله
من هذا الضلال. ثم يزعم الراوي عن الرسول أنه يخاف، وهذا قبح فالقرآن يبين أن
المرسلين لا يخافون ولا يجوز عليهم الخوف هم يحاولون تخويفه {وَيُخَوِّفُونَكَ
بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ } [الزمر: 36] لكنهم يفشلون.
-
وقد تعجب عمر بن عبد العزيز من أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عندما اختلق حديثاً
فقال له: "آلله لسمعت أبا موسى يحدث به عن النبي " ([82])
و يبدو أن مرويات أبا موسى لقيت معارضة، ويزعمون أن عمر بن الخطاب قد عارضها ثم
برر له أنه الأمر جد الجد فهو حديث الرسول ([83]).
وأرجح أنه لم تكن هناك معارضة من عمر الأول ولا الثاني، ولكن هذا من اختلاق الرواة
لكي يؤكدوا أن تلك الروايات مفحوصة من عمر بن الخطاب وعمر بن عبدالعزيز، وأنها
صارت مقبولة بقبولهما لها، وربما نقبل اعتراض عمر بن عبدالعزيز لأنه كان لا يثق
كثيراً في الرواة.
-
ومن مرويات أبو بردة العجيبة عن أبيه، أنه يزعم أن الله جل جلاله يتجلى للناس
ضاحكاً ثم يقول: " أَبْشِرُوا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ إِنَّهُ لَيْسَ
مِنْكُمْ أَحَدٌ، إِلَّا جَعَلْتُ مَكَانَهُ فِي النَّارِ يَهُودِيًّا أَوْ
نَصْرَانِيًّا "([84])
وهذا عبث بتعاليم الإسلام عظيم.
- وهناك
رواية تثني على أبي موسى الأشعري من طرف ابنه أبا بردة، مثل حديث أن أبا موسى
ومعاذ بن جبل يشفع لهما الرسول يوم القيامة ([85])
ونلاحظ تواجد أبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل دائماً خاصة في الأحاديث يصنعها أبي
بردة ابن أبي موسى الأشعري مثل الحديث السابق وحديث آخر، حيث أرسلهما الرسول إلى
اليمن وقال لهما: "بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا
تُعَسِّرُوا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا" ([86])
. ومعاذ بن جبل يعشق سفك الدماء، فقصته عندما
ذهب إلى اليمن وزار أبو موسى الأشعري فوجد عنده يهودي أسلم ثم ارتد فقال: "
لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ قَضَاءُ اللهِ وَرَسُولِهِ " ([87])فقتل
بعد إصرار معاذ رغم أن الرسول قال له" "يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا،
وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا"([88])
والقصة يقصد بها تمجيد معاذ وأنه لا يخاف في
الله لومة ولائم. وربما يُقصد بها الثناء على أبي موسى لأنه كان رفيقاً متريثاً
وليس كمعاذ.
-
ومن أحاديث أبي بردة أنه يمجد في الشخصية الغامضة (محمد بن مسلمة) بواسطة الشخصية
الغامضة الأخرى وهو حذيفة بن اليمان، فيقول حذيفة عن محمد بن مسلمة "إني
لأعرفُ رجلاً لا تَضُرُّه الفتنُ شيئاً"([89])
وطبعاً لم يقل أبو بردة هذا الكلام وإنما صانع الرواية استعان به في سلسلة الرواية
كي يُقبل منه.
بريد
حفيد أبي موسى الأشعري:
- ثم
يتطاول بريد حفيد أبا موسى الأشعري على عمر بن الخطاب، باختلاق حوار بين عمر
وصحابية مهاجرة إلى الحبشة هي أسماء بنت عميس الخثعمية؛ فيقول لها عمر: هذه
الحبشية([90])
هذه البحرية. تقليلاً من شأنها، ثم يتفاخر عليها فيقول: سبقناكم بالهجرة. فترد
عليه أنه كذب وتذهب للرسول تشتكيه فيثني عليها وأنها تفضله بهجرتين وله هجرة
واحدة، ثم يأتي أبو موسى يطير فرحاً بهذه الحديث ويذهب إليها مراراً لكي يسمع منها
ذلك الرد الذي قاله الرسول، لأنهم اعتبروا أبو موسى من مهاجري الحبشة رغم أنه كان
بعيداً جدا عن اضطهاد قريش يسكن أطراف اليمن. ([91])
- ولبريد
حفيد الأشعري رواية أخرى، تزعم أن الرسول غضب من أعرابي، ثم أقبل على أبي موسى
وبلال الحبشي: "إِنَّ هَذَا قَدْ رَدَّ الْبُشْرَى، فَاقْبَلَا
أَنْتُمَا. فَقَالَا: قَبِلْنَا، يَا
رَسُولَ اللهِ ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ
قَالَ: «اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا،
وَأَبْشِرَا» فَأَخَذَا الْقَدَحَ، فَفَعَلَا مَا أَمَرَهُمَا بِهِ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَادَتْهُمَا أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ
السِّتْرِ: أَفْضِلَا لِأُمِّكُمَا مِمَّا فِي إِنَائِكُمَا فَأَفْضَلَا لَهَا
مِنْهُ طَائِفَةً" ([92])
والحديث ضعيف بل موضوع، فهو لا يليق بالسلوك الآدمي، ولو كان في تلك البقايا فائدة
لما ترك الصحابة قطرة واحدة منذ ظهور الرسول عليه السلام وحتى مماته، والعجيب أن
أم سلمة تطالب بنصيبها في تلك الفضلة، رغم أنها زوجة الرسول ويترك الرسول عندها
البقايا كل يوم يكون فيه عندها. ولكن القوم استمرأوا الكذب، واختلاق مثل هذه القصص
قصدهم فيه تمجيد أجدادهم ورفع سهمهم، وأن أصولهم عظيمة ومباركة، لكن العجيب أنهم
قرنوا بين أبي موسى الأشعري وبلال الحبشي مما يشي بحقيقة كون أبي موسى من طبقة
العمال أو به عروق حبشية كما ذكرنا سابقاً.
-
ويستمر بريد حفيد أبي موسى الأشعري في اختلاق البطولات والمواهب، فيروي عن الرسول:
" إِنِّي لَأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ
حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ،
بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا
بِالنَّهَارِ، وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ إِذَا لَقِيَ الْخَيْلَ - أَوْ قَالَ الْعَدُوَّ
- قَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ " ولعل
المقصود الثناء على قراءة الأشعريين بجمال صوتهم وحسن قراءتهم". ([93])
- كذلك
يضيف بريد الأشعري عن جده أبي موسى أن الرسول قال فيهم: "إِنَّ
الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ
عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ،
ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ، بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ
مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ" ([94])
إنك لتشعر بالأسف لضياع وقت الأمة في مثل هذه الروايات التي جمعوها والتي لا تقدم
ولا تأخر إلا في التفاخر بين الشعوب والقبائل بالزيف والكذب.
- ثم
يختلق بريد حفيد أبا موسى الأشعري، رواية أخرى في مكانة جده، وأن الرسول قسم له من
الغنائم، في يوم خيبر رغم أنه لم يحضر تلك المعركة، لأنه ركب سفينة فألقت به إلى
الحبشة فقابل جعفر بين أبي طالب فاعتبر من ضمن المهاجرين، ورغم اعتراض بعض
المهاجرين الأقدم منه والذين لم ينالوا نصيبهم ([95])
ونتساءل، هل هناك غرض آخر من وراء هذه المرويات غير تمجيد جدهم أبي موسى؟ هل يريد
هؤلاء الأحفاد نصيباً من الأعطيات من الدولة الأموية والعباسية؟ فقد كانت الدولتان
تعطيان لمن له سابقة أو شرف قديم في أسرته، فقد يكون هذا هو السبب في اختراع تلك
الروايات، كحجة يطالبون بها أعطيات تليق بنسبهم، وقد رأينا أبا بردة ابن أبي موسى
الأشعري يزور عمر بن عبدالعزيز في مجلسه.
بلال
بين أبي بردة الأشعري:
وقد
استطاعت ذرية أبو موسى الأشعري فرض نفسها، فقد استمرت في تولية القضاء والإمارة،
فهذا بلال بن أبي بردة يجلس بجوار الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك. ([96])
ثم تولى القضاء والإمارة. وقد اعتبر
المؤرخون أن بلال الأشعري هو أول من أظهر الجور من القضاة وأعلن ذلك صراحة ([97])
وحاول
بلال بن أبي بردة الأشعري التزلف إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز؛ وهو يريد استمرار
خلافة القضاء في أسرته مثل جده وأبيه، لكن عمر كان محنكاً فأرسل له جاسوساً عند
المسجد حيث استقر، فقال: "ما تقولان إن كلَّمتُ أميرَ المؤمنين فولَّاكما
العراق؛ ما تجعلان في؟ فبدأ الرجل ببلال، فقال: أُعطيك مئة ألف درهم. ثمَّ أتى
أخاه فقال له مثلَ ذلك، فأخبرَ الرجلُ عمر؛ فقال لهما: الحقا بمصرِكما. وكتبَ إلى
عبد الحميد: لا تُولِّ بلالًا بُليل الشَّر، ولا أحدًا من ولد أبي موسى شيئًا. إذْ
سبكنا بلالًا فوجدناه خبثًا كلَّه" ([98])
وفي
رواية أخرى، أنه عندما ذهب بلال الأشعري إلى عمر بن عبد العزيز لكي ينال الإمارة
أو القضاء لاحظ عمر مدى نفاقه بكثرة التزامه بالمسجد يصلي ويقرأ، ثم أرسل إلى أهل
العراق يقول لهم: " يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ إِنَّ صَاحِبَكُمْ أَعْطَى مَقُولا
وَلَمْ يُعْطِ مَعْقُولا زَادَتْ بَلاغَتُهُ وَنَقَصَتْ زَهَادَتُهُ " ([99])ويبدو
أن محاولة عمر بن عبدالعزيز إصلاح شؤون البلاد لم تستمر فما أن مات حتى تمكن بلال
من الحصول على القضاء.
وكان
فاسداً في القضاء، فقد قام رجل فارسي يسمى أبا عون وهو من رواة الحديث، بالزواج مع
عربية يقلد في ذلك محمد بن سيرين معلمه الذي حرص على الزواج من عربية لكي يتخلص من
ماضي العبودية، ولكن القاضي بلال الأشعري، وقف في وجهه بتحريض من قتادة وهو راو
للأحاديث أيضاً، فأجبره على تطليق زوجته ([100])
بعد جلده على عكس ابن سيرين الذي تُرك ولم يجبر على الطلاق.
ونلاحظ هنا أن هذه الأخبار ومحاولة العرب
الاستعلاء على الفرس قد جعلهم يحقدون على العرب فاختلقوا القصص التي تقلل من شأنهم
وشأن قبائلهم. في حركة سميت بالشعوبية. وفي رواية أن بلال الأشعري فرق بين رجل
وزوجته فقالت المرأة: "يا آل أبي موسى إنما خلقكم الله للتفريق بين
المسلمين" ([101])
تقصد ما فعله جده أبو موسى الأشعري في التحكيم
ومن
سيئات بلال أنه ذات مرة جاء شخص ليشتكي عاملاً لبلال في (الطف) فبدلاً من أن يتحسس
الأمر، شكك في نزاهة وأصل المشتكي وأمر بالبحث عن أصله وفصله، ثم لما عرف أصله
قال: "لا يسعى على الناس إلا رجل مغمور"([102])
وقال
عنه مالك بن دينار: "يا لك من أمة هلكت ضياعاً، ولى أمرك بلال"([103])
وكان بلال يترك الناس عرضة للشمس ينتظرون خروجه فهو أمير البصرة وقاضيها. وقد تأفف
الناس من هذا الحال، وأنكر بن صفوان هذا صراحة، فسجنه ثم دارت الأيام فقضي على
خالد القسري الذي كان يحمي بلال الأشعري، وتظلم بن صفوان عند الأمير الجديد وهو
يوسف بن عمر الثقفي قريب الحجاج الثقفي ([104])
فسُجن بلال الأشعري وقُتل في السجن في قصة عجيبة.
ويبدو
أن بلال كان يستخدم الاختلافات العقائدية للنيل من خصومه، فهذا محمد بن واسع زاهد
يرفض التقرب من رجال السلطة، ويعير مالك بن دينار الذي قبل المال من الدولة، فيقول
له معاتباً: " أقبلت جوائزهم" ([105])
وقد دعاه بلال للطعام عنده فيرفض محمد بن واسع، فيغضب منه بلال، وذات مرة يستدعيه
لكي يحاكمه في شأن عقيدة القضاء والقدر، فيرد عليه ابن واسع: ": أَيُّهَا
الْأَمِيرُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلّ لَا يَسْأَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
عِبَادَهُ عَنْ قَضَاءِهِ وَقَدَرِهِ، إنما يسأل عَنْ أَعْمَالِهِمْ"([106])
ولا ندري سبب ترصد بلال لابن واسع هل هي شخصنة؟ أم لأنه كان من ضمن الجهمية؟ لكن
الحملة في تلك الفترة كانت موجودة فهذا خالد القسري الذي عين بلال على القضاء
والإمارة بالكوفة، يقتل أشهر الجهمين الذي يقول بخلق القرآن وهو الجعد بن درهم،
الذي سكن بالأحياء المسيحية بدمشق ثم تتلمذ على يد وهب بن منه، ثم صار معلماً
للأمير الأموي مروان بن محمد.
وقد
زعم خالد أنه قتل الجعد بسبب آراءه الدينية وتم طرد تلميذه الجهم بن صفوان إلى
ترمذ في خراسان وهناك نشر مذهبه. ولا ندري هل كان محمد بن واسع ممن تأثر بهؤلاء
الجهمية خاصة فأن مروياته قليلة جداً، وهذا نهج القدريين، وقد سكن محمد بن واسع
الكوفة كذلك استقر الجعد وجهم فيها. وربما لم يعاقبه لأنه لم يكن جهمياً خالصاً،
ولأنه عربي أصيل من قبائل الأزد القوية. على عكس الجهم والجعد كانا عبدين من
الفرس. وهذه الحملات ضد الجهمية والقدرية، يبدو أنها بتحريض من رجال الدين
التراثيين، الذين تأثروا بمناهج أهل الرواية اليهود كوهب بن منبه وأبي بن كعب
وغيرهم من النقالة المشبهة. وعلى عكسهم نجد جماعة يهودية يميلون إلى العقل ونفي
التشبيه وهم قلة. وقد كان بلال بن أبي بردة يرسل الجواسيس إلى المساجد ليتابع
حلقات المذاكرة وما يدور فيها ([107])
للقبض على أهل المذاهب المخالفة. ونلاحظ أن شكوك بلال في محلها وأن تلك الجماعات
الدينية ما هي إلا غطاء فكري لجماعات سياسية تريد اسقاط الدولة الأموية، وفعلا
سقطت بعد عقد أو عقدين.
ومن
الأخبار العجيبة، زعموا أن بلال بن أبي بردة كان قد مرض فوصفوا له أن يغطس في سمن،
ففعل ثم أمر ببيع ذلك السمن وصار سكان البصرة يمتنعون عن شراء السمن بالمدينة بسبب
فعلة بلال. ولربما أنهم اختلقوا عليه تلك الأخبار لما كان بينهم وبينه من إحن، فقد
كان قاضيا قاسياً أو شديداً مثلما فعل مع صفوان بن سليم الضرير([108])
ونجد
بلال بن أبي بردة يروي حديثاً عن ظهور الدجال، وأنه يجيء من الشرق وطبعا يقصد من
جهة إيران لأنه كان يسكن الكوفة، وربما كان لديه علم بتحركات ومعارضة الناس هناك
للدولة الأموية فقد انتشرت الحركة السرية العباسية، فجاء بمثل هذا الحديث والذي
تحقق فعلاً فقد خرج الناس من شرق الكوفة أي إيران ودمروا الدولة الأموية ([109])
وقد
تعجب حماد الراوية من بلال بن أبي بردة الأشعري، عندما زعم له أن الحطيئة مدح جده
أبي موسى فقال: "وَيحك يمدح الحطئية أَبَا مُوسَى لَا أعلم بِهِ وَأَنا أروى
شعر الحطيئة، وَلَكِن دعها تذْهب فِي النَّاس " وهذا يؤكد لنا حاجة بلال إلى
مثل هذه المرويات باختلاقها حتى يزين ماضي أجداده أمام الدولة الأموية ([110])
وأمام جمهور الناس.
أشاعرة
آخرون من ذرية أبي موسى:
- منهم
عبدالله بن ابي بردة بن أبي موسى الأشعري، أدرك بعض الصحابة ولم نجد له رواية([111])
-
ومنهم سعيد بن أبي بردة ([112])
(ت 138 هـ) أحد رواة الحديث النبوي، له روايات عن أبيه وعن أنس بن مالك وثقه ابن
حنبل ويحيى بن معين والنسائي والرازي وابن حبان. وفد مع أبيه على عمر بن عبدالعزيز
ولم يوله أي منصب.
- كذلك
تولى القضاء على الكوفة أبو بكر بن أبي موسى الأشعري بدلاً عن أخيه أبي بردة في
زمن الحجاج بن يوسف([113])
-
وقد تولى إمارة البصرة، سليمان بن أبي موسى الأشعري، في زمن عبدالملك بن مروان ([114])
-
ومنهم محمد بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري كان أمير البصرة ([115])
-
ومنهم مرداس بن محمد أحد أحفاد أبو موسى الأشعري، كان محدثاً مشهوراً نقل عنه
الكثيرون مثل مالك بن أنس وشريك القاضي ولكن الدارقطني لينه ([116])
-
ومنهم براد بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري من رواة الحديث الثقات ([117])
-
ومنهم عبدالله بن براد بن يوسف الأشعري وكذلك أخوه محمد بن براد وهما من رواة
الحديث ([118])
ومن
أشهر الأشاعرة، أبو الحسن علي بن إسماعيل من ذرية
بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وهو المشهور في كتب العقائد عندما ترك
الاعتزال واخترع الأشعرية، التي هي محاولة عقلنة التسنن ودعمه بالأدلة العقلية،
فنتج عن ذلك مذهب الأشعرية العقائدي الذي انتشر في بقاع كثيرة([119])
وكما وقف أبو موسى الأشعري موقف الحياد من الصراع بين علي ومعاوية، كذلك فعل حفيده
علي الأشعري، الذي ترك الاعتزال، ولم يعد إلى التسنن السلفي كاملاً بل فضل أن
يخترع له مذهباً وسطاً يعتمد على الاستعانة بالبراهين العقلية، لكي يثبت عقائده
خاصة فيما يتعلق بالذات الإلهية. وقد استطاع مذهبه أن يكتسح العالم الإسلامي لفترة
طويلة بعد مناصرة الملوك لمذهبه. وكما قام الشافعي بالبرهنة العقلية عبر تأكيد
حجية السنة كذلك فعل الأشعري بالبرهنة عن عقائد السنة دفاعاً ضد المعتزلة. وقد
تبنى الأشعرية كل من: الحنفية والشافعية والمالكية.
ونظن
أن الرجل رجع عن الاعتزال بعد انحساره وضعفه، فقد قام الخليفة المتوكل ت 247هـ
بمحاصرة المذهب وطرد أتباعه وتمكين أهل الرواية، فكان يزداد ضعف المذهب الاعتزالي،
ويتم التمكين لأهل الرواية، فارتد الأشعري وصار بين بين، لكنه خدم عقيدة أهل
الرواية بوضع فلسفة لها تواجه قدرة المعتزلة الفلسفية، وقد زعم أهل الاعتزال أن
الأشعري ترك الاعتزال حباً في الدنيا والمناصب، وليس اقتناعاً ببطلانه.
الخلاصة:
إنه
تاريخ أقرب لحكاوي القهاوي منه إلى علم يوثق به، وإن الحقيقة ضاعت بين الخصوم، فلا
ندري هل أبو موسى من أصل عربي قح، أم اختلط به دم حبشي.
وهل هرب أبو موسى من اليمن أم هاجر إلى الحبشة؟
ولا ندري هل كان ضد عثمان أم كان معه؟
ولا نعلم هل تقرب من معاوية أم معاوية من
طلب وده؟
ولا نعلم قصة التحكيم على حقيقتها؟
والحقيقة
التي قد نصل إليها، أن الدولة توسعت بشكل كبير جداً دون أن تضبط قوانينها، نعم قدم
عمر بن الخطاب عشرات القوانين الضابطة، ولكن يبدو أنه حدث تراخي ممن جاء بعده، لكبر
سن عثمان فلم يكن بحيوية الشباب، أو أن توزيع المغانم كان مختلف عليه منذ القدم
منذ أيام الرسول عليه السلام وأن عمر استطاع أن يكبح جماح الجميع، أهل الحل والعقد
والجمهور الذين تظلموا، وهم ليسوا كل الجمهور، بل بعضهم ممن أراد أن يكون عالة على
الدولة يطلب الغنائم والأرزاق دون أن يشارك في القتال والعمل.
الخلاصة والحكمة:
ونستخلص
من كل هذا، أن هذا التاريخ هو لهو الحديث الذي حذرنا منه القرآن، وأنه كذبة ولعبة وتفاهة، وأن من
يتخذه بجدية هو يلعب بالنار، وأنه يبحث عن شرعية لضلاله، وأن من يؤكد رواية أو قصة
فيها تطاول على صحابي كريم، هو بهتان عظيم، فإذا كان الناس يكذبون علينا اليوم رغم
توفر وسائل الإعلام والاتصال، ونحن شهود أحياء، فما بالك بذلك الزمن الغابر في
القدم، والذي لا يوجد به أخبار إلا من شخص واحد، فالروايات أحادية هذا من جهة، ومن
جهة أخرى هي روايات كيدية، فقد رواها الخصوم، أو اختلاقها الأحبة والأقارب، فكيف
لنا أن نتخذ مواقف ضد أحدٍ مع كل هذا الضباب.
وفي
نفس الوقت، لا يصح لنا أن نحاسب الناس بناء على مواقفهم من الصحابة، طالما أن ذلك
الصحابي كان مشوهاً عندهم، بلا أخلاق، خاصة وأننا نعتقد أن كثير منهم شخصيات وهمية،
ولا يعقل أن نعادي من حولنا لأنه يظن في شخصية وهمية أنه كذا وكذا، إلا إن كان في
هذا طعن واضح في تلامذة الرسول بالإجمال، وأن الرسول تعرض للغفلة والخداع، وأن كل
من حوله منافقون متآمرون، فهذا فيه طعن في ذكاء الرسول وحكمته وطعن في الدين دون
أن يدري بذلك من يرى هذا.
هذا
والله أعلم
علي
موسى الزهراني
([4])يقول البحاث محمد
مقرطن "وقد امتاز القرنين الخامس والسادس الميلاديين من تاريخ الدولة
الحميرية بالصراع بين اليهودية والمسيحية. كان هذا الصراع في الأساس قد بدأ ما بين
الممالك اليمنية أي مملكة سبأ ومملكة حمير ومملكة أكسوم منذ القرون الميلادية
الأولى، ولكنه ابتداء من القرن الثالث قد ازداد احتداما، وتحول هذا الصراع ما بين
مملكة أكسوم المسيحية في الحبشة ومملكة حمير إلى حالة حرب مستمرة في تهامة وقد نجح
الأحباش في احتلال مدينة ظفار عسكرياً لفترة قصيرة قبل احتلالهم لليمن. لغات الخطاب الديني وأسئلة التلقي المعرفي، بحث
حول عبادة الإله رحمنان / الرحمن في اليمن قبل الإسلام لمحمد مرقطن" ص 44
([6])لغات الخطاب الديني وأسئلة التلقي
المعرفي، بحث حول عبادة الإله رحمنان / الرحمن في اليمن قبل الإسلام لمحمد
مرقطن ص 45
([23]) كان أبو موسى الأشعري يظن أن عبدالله بن مسعود
كان عبداً عند الرسول عليه السلام . تاريخ دمشق لابن عساكر (33/ 84) وكان ابن
مسعود صاحب السواك والوساد والنعلين والسواد، ولم يكن له ضرع ولا زرع يحمل نعلي
الرسول إذا جلس، ويتقدمه العصا . تاريخ دمشق لابن عساكر (33/ 85) تاريخ
دمشق لابن عساكر (33/ 89)
([40]){ أَشِحَّةً
عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ
أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ
الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَٰئِكَ
لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَٰلَهُمْ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ
يَسِيرًا } [الأحزاب: 19].
([69])من ذلك
قتادة راوي الأحاديث الشهير، الذي حث على عدم تكرار الحديث في المجلس حتى لا يذهب
نوره كما يزعم ولكن الحقيقة حتى لا يعيد الحديث بطريقة مختلفة؛ فيتبين كذبه. أنظر:
موسوعة أقوال الإمام أحمد بن حنبل في رجال الحديث وعلله (3/ 171)
([78])هذه القصة مروية من
عدة طرق وليس من أبي بردة وحده، ونرجح أن مختلقها كُثر، أو أنه واحد وضح سلسلة
روايات حتى يتم لها القبول.
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك