أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

لماذا قال المولى إليه ترجعون ولم يقل إليه تذهبون


 

لماذا قال المولى إليه ترجعون ولم يقل إليه تذهبون؟

 

لماذا قال المولى إليه ترجعون ولم يقل إليه تذهبون، جل جلاله وتعالت أسماؤه

    كلما ذكرت القيامة يذكر معها الرجوع {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }  [البقرة: 28]  ولم يذكر الذهاب، أو الإياب، أو السفر أو غيرها من حركات البشر وطرق انتقالهم فلماذا؟

    لأننا ببساطة كنّا عنده جل جلاله في عالم آخر غير هذا العالم { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَٰفِلِينَ }  [الأعراف: 172].

وعندما ناقش إبراهيم عليه السلام قومه بين لهم أن ذلك أمر قديم تم نسيانه وأنه يندهش كيف ينسون هذا الاعتقاد وهو فطري في قلب الإنسان وعقله{ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَٰجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَىٰنِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْءًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ }  [الأنعام: 80].

وهذه الهداية للدين لا ينالها أي أحد إلا من تذكر ذلك اليوم، يوم الفطرة التي فطر الناس عليها { وَهَٰذَا صِرَٰطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ }  [الأنعام: 126].وقليل من الناس من يتذكر يوم الفطرة فتجد قلوبهم تنفطر لعبادة الله وشكره { اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ }  [الأعراف: 3].

والله جل جلاله يضرب الأمثلة للناس لعلهم يذكرون ما غرس فيهم من فطرة وهي معتقدات متجذرة في قلوبهم ساهم في كبتها الزمان والشيطان { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَٰحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَٰهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَٰتِ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}  [الأعراف: 57].

والكتب السماوية أساساً هي تذكير بذلك الماضي وذلك العالم لهذا وصفت تلك الكتب بالذكر لأنها تذكر الإنسان { أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }  [الأعراف: 63]. { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْءَانِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا }  [الإسراء: 41]. { وَقَالُوا يَٰأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ }  [الحجر: 6].

ويبدو أننا في ذلك العالم قد تعلمنا أمور كثيرة عن ربنا جل جلاله، فكنّا نعلم أنه الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، وأنه يدبر الأمر. { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }  [يونس: 3].

كذلك أوصانا جل جلاله في ذلك العالم القديم بوالدينا، أي أننا سنخرج إلى الدنيا بواسطة أبوين يعتنيان بنا في الصغر، فيجب الاعتناء بهما في كبرهما، وهي جزء من الفطرة يشعر بها الإنسان ولا يعرف سببها { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }  [العنكبوت: 8].

بل إن الله قد علمنا في ذلك العالم الوصايا العشر وهي الصراط المستقيم – كما سنرى في مقال آخر – ومنها الشرك وبر الوالدين وعدم قتل الأولاد:

{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْءًا وَبِالْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَٰدَكُم مِّنْ إِمْلَٰقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}  [الأنعام: 151-153].

ومن صفات هؤلاء الذين يتذكرون الذكاء والحكمة { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبَٰبِ }  [الرعد: 19].

والتذكر هنا لا يعني العلم بتفاصيل ما حدث وإنما بشعور غريب ومريح، عند عبادة الله وطاعته، ومعرفة الدين الحق، لأنه ينسجم مع تلك التعاليم القديمة؛ فالكلام عن الله جل جلاله يذهب الخوف ويأتي بالطمأنينة{ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }  [الرعد: 28].

ومن الأساس فإن بعث الرسل والكتب فضل من الله أي زيادة من عنده، وإلا فإن فطرتهم حجته عليهم؛ لكن الله تفضل عليهم وبعث الرسل لتذكير الناس بذلك اليوم، وما أملي فيه من عقائد { مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا }  [الإسراء: 15]. وسوف يتعذر الناس أنهم نسوا كلياّ ذلك اليوم بما فيه من تعليمات، فالله يرسل الرسل لكيلا يكون لهؤلاء حجة بعد ذلك، نعم كانت الفطرة كافية، ولكن إرسال الرسل حجة دامغة. { رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}  [النساء: 165].

بل يقولوها القرآن بشكل واضح أنه خلقنا من قبل، فلو كان يقصد الحياة الدنيا لقال خلقناه دون أن يقول من قبل، لكنه يبين أن شيء مهم جداً، أنه كما خلقنا من قبل ثم خلقنا من جديد في الحياة الدنيا فكذلك سيفعل في الآخرة فالأمر هين عنده جل جلاله ﴿أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ‌وَلَمْ ‌يَكُ شَيْئًا ﴾ [مريم: 66-67]

وسنجد في بحث المفردات، أن كلمة رجع تعني اتجه إلى نفس المكان الذي جاء منه، فالرجوع دائماً يعني السير إلى حيث كنّا. وهذا يستلزم أننا كنّا هناك منذ زمن بعيد ثم سنعود إلى هذا المكان؛ فإذا كنّا هناك فهذا يعني أننا فعلنا شيئاً أو تعلمنا هناك الدروس والتعاليم. وطبعاً هنا لا يقصد به الرجوع المكاني، فنحن نرجع إلى الله رجوعاً مادياً بالتوجه ناحية المحشر، ولكن المقصد هو الرجوع إلى الله وليس المحشر بحد ذاته، فنحن نلبي دعوته ونتجه إلى حيث يلتقينا وهو المحشر، كما التقانا سابقاً في مكان آخر، فنحن نرجع إلى الله وليس إلى مكان قديم محدد. 

والله عز وجل أعلم

علي موسى الزهراني

 

  






ali
ali
تعليقات