الموت، الأموات، الموتى، سكرات الموت، غمرات الموت
الموت
لغة:
أصل
واحد كما يقول ابن فارس، فالموت ضد الحياة، والمائت هو من أوشك على الموت، والميتة
ما لم يتم جز عنقه من البهائم، ويقولون ما أموته ويقصدون ما أموت قلبه، والموات هي
الأرض التي لا يملكها آدمي ويقال أيضاً الموتان ويقصدون الأرض غير المستخدمة
والمزروعة. والموت أصله ذهاب القوة عند ابن فارس واعتمد على حديث الرسول حول شجرة
الثوم بقوله:"فإن كنتم ولا بد آكليها فأميتوها طبخاً". والمستميت للأمر
المسترسل له، والموتة شبه الجنون، والميتة حالة من حالتي الموت مثل ميتة جاهلية،
والنوم شيء من الموت لقول الرسول: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما
أماتنا" لأن النوم يزول فيه الشعور والإحساس.
أنظر:
الصحاح
تاج اللغة وصحاح العربية (1/ 266):
مقاييس
اللغة (5/ 283):
مجمع
بحار الأنوار (4/ 625):
المعجم
الاشتقاقي المؤصل (4/ 2021)
الموت
في القرآن الكريم:
في
القرآن الموت هو الهمود وعدم الحركة، وعدم الشعور والإحساس، ويطلق على الكائن الحي
ومعنوياً على الجماد، فالأرض الميتة هي التي لا نبات فيها {فَأَحْيَا بِهِ
الْأَرْضَ بَعْدَ} [البقرة : 164] وذكر أن الميت لا يشعر {أَمْوَاتٌ غَيْرُ
أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل : 21].
الفرق
بين الأموات والموتى:
نلاحظ
أن هناك فرق بين الأموات والموتى كما سنوضح فيما يلي:
أن
لفظة أموات تأتي دائماً ضد الأحياء، بينما لا نجد ذلك في لفظة الموتى، {أَمْوَاتًا
بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران : 169] كما ارتبط الأمر بالشعور {أَمْوَاتٌ غَيْرُ
أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل : 21] فكلنا يعلم أن
الحي يشعر ويتحرك على عكس الميت فلا يشعر ولا يتحرك. فالفارق بين أموات وأحياء هو
الشعور، وذكر الأموات مع الأحياء والشعور يتكرر دائماً {وَمَا يَسْتَوِي
الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ}
[فاطر : 22] رغم أن مقصد الآية الحياة المعنوية إلا أنه ذكر الأموات ضد الأحياء
وأن الأموات لا يسمعون، كضرب المثل ومقارنة بين موت القلب الإيماني وموت
الإنسان.
ويتحدث
النص الكريم التالي عن حياتنا الأولى قبل ظهورنا في الأرض ثم موتنا، فلم يقل كنتم
موتى بل قال كنتم أمواتاً { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ كُنتُمْ أَمْوَٰتًا
فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ
ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [البقرة: 28]. وذلك لسبب
بسيط أننا لم نُقبر بعد فلهذا نحن مجرد أموات لا نشعر ولا نحس أي سبقتها حياة غير
معروف شكلها حيث تلقينا تعليمات من الله مباشرة كما يسمونه في عالم الذر، ولم نقبر
وإلا اعتبرنا موتى لا أموات.
وعندما
يتحدث القرآن عن قدرة الله العظيمة لم يقل الله يحيى الأموات، بل قال يحيى الموتى
الذين شبعوا موتاً وقُبروا في الأرض، فتكون حياتهم شبه مستحيلة خاصة بعد تحلل
العظام. {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ
عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة : 40] {فَاللَّهُ هُوَ
الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
[الشورى : 9]
وتعجب
كفار قريش من زعم الرسول أن الله قادر على إحياء الموتى ولهذا قالوا: {قَالَ مَن
يُحْيِ الْعِظَٰمَ وَ هِيَ رَمِيمٌ } [يس:
78].. ولهذا استخدم المولى مصطلح الموتى هنا لأنهم ماتوا منذ مدة، ولم يستخدم
مصطلح أموات. { أَلَيْسَ ذَٰلِكَ
بِقَٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْۦِيَ الْمَوْتَىٰ } [القيامة: 40].
وعندما
تحدث القرآن عن المقاتلين في سبيل الله وقتلوا، ذكر أنهم يشعرون ويرزقون عند الله
فلهذا هم ليسوا أموات لأنهم يشعرون ويرزقون، حتى لو كانوا موتى وتم قبرهم، فهم
ليسوا أموات. {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا
بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران : 169]
لكن
المقاتلين في سبيل سيتحولون إلى أموات أيضاً بعد حين مثلهم مثل بقية الناس فلا
يستطيعون الشعور ونيل الرزق
{أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا
يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل : 21] وهذا يعني أن كل الموتى هم أموات
في الحقيقة لأنهم لا يشعرون إلا المقاتلين في سبيله ولفترة محدودة. {فَإِنَّكَ لَا
تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [الروم : 52]{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل : 80]
{ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر : 22] ونتعجب هنا كيف
للمسلمين وهم يقرأون هذه الآيات ويذهبون إلى القبور، يتوسلون ويتبركون ويدعون من
تحللت عظامهم.
ويبين النص التالي أن الموتى في القبور ماتوا منذ
زمن طويل، فهذا أحدهم يتعجب كيف أنه بعد أن مات، سيخرج من قبره، فيتعجب كيف سيخرج
حياً {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ
حَيًّا} [مريم : 66] وهذا يعني أنه تم قبره، ولو مات حديثا أو حالياً لقال إذا ما
أموت ولم يقل إذا ما مت لأنه يعلم أنه لن يقبر إلا بعد مدة معقولة من موته. والنص
التالي يؤكد المعنى {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس : 21]
فالنص يقول أن الله جل جلاله أماته أي جعله من الأموات، ثم بعد ذلك أقبره وهذا
يعني أن الأموات ليسوا في القبور، بل يجب أن يمضي الوقت ثم يقبرون فيتحولون إلى
موتى.
تأكيدات
عيسى وإبراهيم
ونلاحظ
أن عيسى عليه السلام لم يستخدم مفردة الأموات، بل قال أحيى الموتى {وَأُحْيِي
الْمَوْتَى} [آل عمران : 49] وهذا ما فعله فعلاً فقد ذهب إلى قبر صديقه العازر
ودعا فقام العازر من قبره وعاش فترة وأنجب([1]). وهناك رواية تقول إن عيسى أحيى سام بن نوح([2]) بعد أن طلب الناس منه ذلك، وفي رواية أخرى أنه أحيى حام بن نوح([3]) ونعلم أن الخبر غريب ويصعب تصديقه ولكن يؤكد أن من ألف هذا الخبر
يدرك أن عيسى لديه قدرة عجيبة في إحياء الموتى وليس الأموات أي من ماتوا وقبروا.
ولو
كان عيسى يحيي الأموات الذين ماتوا ولم يقبروا لما كانت معجزة كبيرة وكانت محل شك
فقد يكون الميت في غيبوبة ولم يمت، وأفاق صدفة لكن إحياء شخص دفن في قبره فهي
العجيبة. والذي يؤكد أن الموتى مقبورين أن عيسى كان يخرجهم من قبورهم أحياء، ولو
كان معنى موتى من مات حديثاً ولم يقبر لما قال القرآن تخرج الموتى، بل قال فقط
تحيي الموتى. { وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي} [المائدة : 110]
أما
إبراهيم عليه السلام لم يطلب من الله أن يريه كيف يحي الأموات الذين ماتوا قبل
قليل بل يريد أن يرى كيف يحيى الموتى، خاصة موتى يوم القيامة حيث يقوم مليارات
البشر في نفس اللحظة {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى } [البقرة : 260]
وإبراهيم
قد علم يقيناً أن الله قادر على أن يحيي الأموات، وقد ذكرت قصته مع النمرود في نفس
السورة وقبلها بآيتين فقط { إِذْ قَالَ إِبْرَٰهِمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِ وَ
يُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِ وَ أُمِيتُ}
[البقرة: 258].فلو كان إبراهيم في شك لما جادل النمرود، وإنما إبراهيم
يتعجب من القدرة الإلهية العجيبة يوم القيامة عندما يعيد الحياة إلى كل البشرية في
نفس اللحظة، بدعوة منه، هذا إن لم يكن كل الكائنات في نفس اللحظة وهذا شيء عجيب
وعظيم.
سكرات
الموت:
السكر
هو ما قبل فقدان الشعور، كالغيبوبة أو الموت أو النوم، فالسكرة هي مرحلة سابقة ففي
السكر تضعف الحواس وتكاد تنعدم { لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَٰرُنَا} [الحجر: 15]. ويصف القرآن الكفار بأنهم في سكرة
يعمهون أي لا يبصرون تقريباً { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ
يَعْمَهُونَ } [الحجر: 72]. ومن أهوال يوم
القيامة يقترب الناس من فقدان الإحساس فتراهم سكرى لكنهم لم يصلوا إلى درجة الموت
أو النوم أو الغيبوبة {وَتَرَى النَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَ مَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَ
لَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }
[الحج: 2].
ونلاحظ أن النص الوحيد الذي ذكر سكرة الموت هو {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19]. وهذا يعني أن الموت تسبقه سكرة، ونلاحظ أنها تجيء بنفسها، ومن المرجح أنها تجيء لتخفف من ألم المحتضر، فهذه هي سكرة الموت، وهذا فيما يبدو غرضها، وهي سريعة في حضورها فهي تجيء ولا تأتي ولو كانت تأتي لطال ألم الإنسان، وبعد السكرة يجيء الموت أيضاً مسرعاً.
كما أنها سكرة واحدة وليست سكرات، فلو كانت سكرات لزاد عذاب الإنسان فتأتي السكرة تخفف عنه ثم يستعيد وعيه ثم تأتي سكرة ثانية وثالثة وهذا أمر شاق وإنما هي سكرة واحدة وليس ما تقوله الأحاديث المزيفة.
غمرات
الموت:
الغمر
في اللغة، هو أصل واحد يدل على تغطية وستر مع بعض الشدة، فالغمر هو الماء الكثير
لأنه يغمر ما تحته، وفرس غمر لأنه كثير الجري، لأنه يسرع بعيداً فلا يُرى فكأنه
غمر نفسه بعيداً، وغمر الرداء يعني كثير. وغمره الماء أي غطاه وعلاه، وحفر الخندق
حتى أغمر بطنه أي وارى التراب بطنه، وغمرات الحرب، شدائدها.
مقاييس
اللغة (4/ 392):
المعجم
الاشتقاقي المؤصل (3/ 1608):
فما
غمرات الموت؟
نلاحظ أن غمرات الموت وردت مرة واحدة فقط { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّٰلِمُونَ فِي غَمَرَٰتِ
الْمَوْتِ وَ الْمَلَٰئِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ
الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ}
[الأنعام: 93] فالحقيقة أن لكل إنسان غمرة واحدة مغمور فيها، وأن كان استخدام
الجمع في غمرات الموت، يقصد به الحديث عن كل البشر، فهم في غمرة أو بالأصح غمرات
كل شخص له غمرته الخاصة.
والنص
الكريم يتحدث ببساطة عن موتى مغمورين في الموت، جاءت الملائكة لتساعدهم في الخروج
من قبورهم ليوم الحساب، وكلمة تتوفى لا يعني تميت أو تقتل كما سنشرح في مفردة
توفى، بل تعني من التوفية والموافاة أي اللقاء الموعود، فالله لا يخلف وعده
فيوفيهم عند خروجهم من القبور، فهي بعد أن تبعثر القبور وتكلمهم بالتهديد أو
بالسلام إذا كانوا مؤمنين، يتعجب الكفار {قَالُوا يَٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا}
[يس: 52].فهم لا يعرفون من هؤلاء الأشخاص، الذين يتوعدونهم ويهددونهم.
والملائكة
تريد إيقاظهم بالكلام معهم؛ فالصوت هو الذي يوقظ وليس الضوء، فبعد أن تبعثر الملائكة
القبور وتكشف أجسامهم تصرخ فيهم بالخروج، خروج أنفسهم أي خروجهم بأجسامهم، ونلاحظ
ذلك في أصحاب الكهف، فقد أصم المولى آذانهم { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ ءَاذَانِهِمْ فِي
الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا } [الكهف: 11].
فلو سمعوا الأصوات لاستيقظوا مبكراً.
بل
إن كل البشر والكائنات سيستيقظون بالصيحة أو الصرخة فالذي يوقظ الناس هو الصوت {
وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَٰوَٰتِ وَ مَن فِي الْأَرْضِ
إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ
يَنظُرُونَ } [الزمر: 68]. وقال: {
إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَٰحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ
لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [يس: 53]. فالصيحة
التي ستنفخ في الصور، ستكون بداية الاستيقاظ ثم يليها صوت الملاك الذي تكفل بكل
إنسان يصيح في الميت حتى يخرج من غمرات الموت إلى الحياة، لأنه بعد الصيحة الكبرى
ينتقل بعضهم من الموت إلى غمرات الموت، ثم يقوم الملك الخاص بهم بعمل اللازم.
والله
تعالى جل جلاله أعلم
علي
موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك