الجسم والجسد والبدن
الجسم لغة:
الجسم: جماعة البدن من
الناس والإبل والدواب إلخ. والجسمان: جماعة الجسم. ورجل جسماني: ضخم الجثة.
والأجسم: الأضخم([1])
الجسد لغة:
الجسد هو الدم إذا يبس،
والجسد هو الزعفران، والجسد هو الجثة، والجسد هو الشيطان، ويطلقون مجازاً على الجن
والملائكة جسد، ولكن الإنسان يطلقون عليهم جسد حقيقة. والمجسد هو الذي يلي الجسد
من الثياب، وثوب مجسد أي مصبوغ بالزعفران، والثوب المجسد هو الأحمر، والجاسد من
اشتد ويبس([2])
البدن لغة:
جسم الإنسان، ورجل بدن أي
مسن، والبدن الدرع الصغيرة ولهذا بعضهم فسر وننجيك ببدنك أي بدرعك، والبدن هو جسم
الإنسان بدون أطرافه كما يقول ابن فارس. ورجل بدين أي عظيم الجسم. والبدن هو الوعل
المسن. وبدن الرجل: أي ضخم وسمن. والبدنة هي البقرة التي تنحر كشعيرة. ([3])
الجسم والجسد والبدن في
القرآن الكريم:
لم ترد مفردة جسم
إلا مرتين مرة في وصف شكل طالوت { وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ} [البقرة: 247]. ومرة في وصف شكل المنافقين {وَإِذَا
رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون: 4]. وهذا يعني أن هذه المفردة
مختصة بالإنسان فقط، خاصة وأن الملائكة والجن لا يمكن رؤيتهم، بمادتهم المتكونة
إلا في لحظة تحولهم إلى شكل من الأشكال، لكن هذا لا يمنع أننا يمكن أن نطلق على
هيكل الحيوان بالجسم، فلا يوجد ما يمنع ذلك في القرآن الكريم، خاصة وأننا نعلم أن
تكوينه مشابه لتكوين الإنسان حد التطابق فهو يتكون من أعصاب وشحوم وأجهزة وأطراف
وشعر وأظفار.
أما البدن فقد ذكرت مرتين مرة في حق
بعض البهائم واعتبارها من شعائر الله {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَٰئِرِ
اللَّهِ} [الحج: 36]، ويبدو أنهم احتاروا قليلاً في تعريف البدن فقال عبد الله بن
عمر: «لا نعلم البدن إلا من الإبل والبقر» ووافقه عطاء. واعتبر الحسن البصري البدن
هو البقر فقط، بينما رأى آخرون أن البدن هو الإبل فقط. ([4])
وذكرت مفردة بدن مرة ثانية
في حق فرعون بعد مماته {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ
ءَايَةً} [يونس: 92]. وكعادتهم عجزوا عن فهم النص فاخترعوا إضافات له، مثل زعمهم
قراءة ابن مسعود (فاليوم ننحيك بندآئك) ([5])
وتقول الروايات أن اليهود خافوا أن فرعون لم يغرق، فأخرجه الله لهم غريقاً لكي
يطمئنوا.
وتفسيرهم أن الله أنجاه
بجثته لكي يراها الناس، وتقول المرويات أنه ظهر لهم أحمراً قصيراً كأنه ثور، وننجيك
أي نجعلك على أرض مرتفعة كي يراك الناس. ([6])
والصحيح عندي أنها نقل الشيء من مكان
الخطر إلى مكان السلامة كما سوف نرى في القاموس.
ويبدو أن البدن من البهائم
هي تلك الحيوانات ذات الحجم الكبير المنتفخة مثل البقر والإبل، أو التي يقومون
بتغذيتها من البقر والإبل لكي تظهر سمينة بدينة، فقد أباح الله الأضحية بها. أما
فرعون فقد خلص الله بدنه قبل أن يفنى أما لماذا استخدم مصطلح بدن وليس جسم، لأنه
كان منتفخاً مثل الثور كما تقول المرويات بالأعلى، وهذا ظاهر في الجثث قبل تحللها.
أما من زعم أن البدن هو
الجسم بدون أطرافه ومن تلك الأطراف الرأس، فهذا غير ممكن فكيف لهم أن يتعرفوا على
فرعون بدون رأسه. ولن يبقى شيء من ملابسه وقد انفصلت أطرافه.
وبهذا نصل إلى نتيجة إلى أن
البدن هو الجسم المنتفخ، نتيجة التغذية أو نتيجة الطبيعة مثل البقر والإبل، أو نتيجة
الموت، مثل جثة فرعون، فالبقر يطلق عليه بدن أو بدنة لأنها منتفخة، والجثة يطلق
عليها بدن لانتفاخها، وإذا انتفخ الإنسان لكثرة الأكل فيطلق عليه بدين.
فما الجسد؟
وردت مفردة جسد أربعة مرات،
وكلها تشير بشكل جلي إلى مكون الملائكة، فهي تتكون من الجسد دون غيرها من
الكائنات، يقول المولى: {وَ مَا جَعَلْنَٰهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ
الطَّعَامَ وَ مَا كَانُوا خَٰلِدِينَ}
[الأنبياء: 8]. فالنص هنا يقول إن الرسل البشر ليسوا من جسد، بل من جسم،
فلو كانوا من جسد لما احتاجوا إلى أكل الطعام مثل بقية الناس، وكانوا خالدين مثل
الملائكة.
فمن الكائن الذي لا يأكل؟
إنهم الملائكة! مثل ملائكة
إبراهيم {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} [الذاريات: 27] فهم في
غير حاجة إلى أكل مثل الناس ومثل الجن ومثل الحيوانات.
ويؤكد النص التالي تلك
الحقيقة، لقد صنع السامري عجلاً جسداً أي متكون من جسد، أو به عنصر جسد {وَاتَّخَذَ
قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ} [الأعراف:
148].
فمن أين حصل السامري على هذا مادة الجسد؟
لقد حصل عليها من بقايا
الرسول الذي نزل على موسى، فكان يراقبهما، ثم لما ذهب الرسول بقيت آثار مادته
الجسدية على الأرض؛ قبضها السامري بيده ثم نبذها في خليط العجل المصنوع من الذهب
والفضة { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ
أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَ كَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } [طه: 96].
ولاحظ عزيزي القارئ أن النص
الكريم استخدم الجذر نبذ وقد درسنا هذا الجذر في قاموس القرآن الكريم فوجدناه يعني
طرح الشيء ورميه للتخلص منه لأنه غير مرغوب فيه، فهذه المادة كانت مؤذية للسامري
لهذا سارع في نبذها في النار كي لا تتأذى يده كثيراً، ولهذا تعرض لخطر شديد وصار
يقول: لا مساس. لأن تلك المادة ربما أكلت يده أو حتى بقية جسمه.
وهنا نتساءل ما سبب قيامه
بهذا الفعل هل كان يظن أن موسى ساحر ويستطيع أن يفعل مثله من عجائب وغرائب لو تحصل
على هذه المادة، فقد كان اليهود الذين معه لا يؤمنون -كثير منهم- بأنه نبي، بل
يظنون أنه ساحر صاحب قدرات أو كانوا يشكون في ذلك كثيراً كما تقول نصوص كثيرة.
وهذه المادة العجيبة هي
التي جعلت للعجل خواراً، أي يصدر صوت خوار كما تقول المعاجم وهناك معنى آخر للخور
وهو الضعف واللين والسهولة، وجمل خوار أي رقيق وناقة خوارة أي سبطة اللحم ([7]) فقد يكون لهذا العجل
المصنوع صوت يصدره إذا كان مجوفاً كما تزعم الروايات، وقد يكون في ملمسه لين وسهولة
مما يجعله يشبه الجسم الحيواني؛ أي أن ذلك الجسد صار له خوار، ولم يعد جسداً
خالصاً؛ فكأن العجل حقيقي، وهذا ما أبهر اليهود وصدقوا به، وهذا الذي أرجحه بشكل
كبير؛ لأن مادة الجسد الغريبة التي قبضها السامري تؤثر في شكل الجسم وعلى ملمسه وهذا
ما يريد أن يقوله النص، أي النص يقول أن العجل له ملمس خارجي قريب من الطبيعة الحيوانية،
خاصة وأننا نعلم أن الذهب والفضة طريان لينان، فإذا أضيفت لهما مادة الجسد صارت
تلك الخلطة قريبة من ملمس الجلد اللين.
على أن هذه المادة الخطيرة
جداً على الجسم البشري سببت للسامري ما يشبه السرطان، فصار يقول لا مساس. حتى
مماته كما ذكر القرآن {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ
لَا مِسَاسَ وَ إِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ وَ انظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ
الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي
الْيَمِّ نَسْفًا} [طه: 97].
ولخطورة المادة المصنعة قام
موسى بحرقها أولاً ثم نسفها بإلقائها في الماء، فلم تعد الحلي صالحة للاستخدام ولم
يعد ممكناً إذابتها والاستفادة من الذهب والفضة اللتان فيها.
فإذا درسنا النص الثالث من
مفردة جسد يتبين لنا أن مادة الجسد ليست دائماً ضارة، فقد تكون سبباً في العلاج من
الجراثيم، وهذا ما حدث مع سليمان عليه السلام، فقد تعرض سليمان للفتنة.
تفسير أهل التراث للنص الكريم: { وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَٰنَ
وَ أَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ } [ص: 34].
حار
أهل التراث في تفسير هذا النص الكريم ومن أقوالهم ([8]) :
-
قعد الشيطان على كرسي
سليمان فصار سليمان لا يأكل ولا يشرب ولا يفعل أي شيء. وهنا أتساءل لو صحت هذه الرواية
هل صار سليمان بفعل الجسدية مثل الملائكة لا يحتاج إلى أكل وشرب؟
- منع الشيطان سليمان أن يقرب نساؤه.
- كان عقاباً لسليمان لأنه وعد أن يطوف تلك الليلة على كل نساءه فينجب منهم ثلاث مئة فارس ولم يقل إن شاء الله، فلم ينجب إلا طفلاً مريضاً.
-
قصة خاتمه الذي وقع في يد
الشيطان، بسبب إهماله لشؤون الناس.
-
ألقى المولى على كرسي
سليمان جسداً هو رجل من الجن يقال له صخر، ويزعمون أن إبليس جده. وجلس على الكرسي
أربعين يوماً، وكان يظهر على شكل سليمان نفسه.
- في
رواية أن الجسد هو الشيطان (آصر) الذي استولى على ملك سليمان.
والحقيقة أن هذه التفسيرات وإن
كانت متناقضة، لكنها محاولة جديرة بالنظر، فسليمان كما يقول النص تعرض للفتنة
والفتنة هي اختبار وقد يكون اختبار مؤلم، والروايات -في مجملها - تشير إلى أن هناك
ضرر تعرض له سليمان وبعضها يشير إلى أنه مرض، وبعد تعرضه لهذه الفتنة ألقى الله
على كرسيه جسداً، ثم بعد ذلك أناب وأناب يعني عاد إلى الله بعد انشغال ونسيان، لقد
أشغله المرض عن المواظبة على ذكر الله وشكره، ولكن بعد الفتنة وبعد إلقاء الجسد
على كرسيه ذهب عنه المرض فأناب إلى ربه أي عاد.
وأرجح أن الذي أصاب سليمان
مرض أقعده، وكان نتيجة فيروسات وجراثيم، وهو رجل مهم فهو قائد الدولة الأوحد، والدولة
في حاجة إليه، فألقى الله -أي وضع برفق- على كرسيه جسداً، ونحن نعلم أن الملائكة
تتكون من جسد، فإما أن المولى ألقى على كرسيه ملكاً يحرسه من الجن والجراثيم
والفيروسات، أو أنه ألقى على كرسيه مادة الجسد نفسها التي صنع منها الملائكة
الكرام، فصار كرسيه محمياً لا يستطيع أحد قربه من الجراثيم والجن، لكني أرجح أنه
ألقى ملاك متجسداً يجعل لكرسيه حماية شديدة له فلا يمرض بعد ذلك أبداً، فالملاك
قادر على التحكم بذلك الجسد، بحيث يؤذي الشياطين والجراثيم، دون أن يؤذي سليمان
عليه السلام.
ولهذا نجد أن سليمان لما
مات لم يتحلل جسمه وبقي كما هو وظلت الجن في خدمته {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ
الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ
مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: 14]. فالدابة أكلت شيئاً
كان سليمان مستنداً عليه أو كان كرسيه مستند عليه، فخر فعرفت الجن أنه ميت. وقد
يقول قائل لماذا لم تتعرض تلك الدابة للقتل بواسطة ذلك الجسد، فنقول إن الدابة لم
تقرب الكرسي وكانت بعيدة عنه وأنها أكلت شيئاً كان الكرسي مستند عليه أو كان
سليمان مستند عليه وتقول المرويات إن المنسأة هي العكازة.
وهناك رواية عند الطبري
مفادها أن كرسي سليمان كان محمياً من الشياطين؛ فلا يستطيعون الاقتراب منه وإلا احترقوا.
([9]) وهذا يؤكد عدة أمور: أن
الجن لم يخلقوا من الجسد، بل كما ذكر القرآن من النار، وأن هذا الجسد يضرهم
ويؤذيهم ولهذا كان حماية من الله لسليمان، فقد تم وضع الجسد أو الملاك الجسد على
الكرسي بحيث لا يضر سليمان، بل يحميه من شر الجراثيم وشر الشياطين.
والخلاصة أننا نجزم أن
الجسد هو المادة التي خلق منها الملائكة، تجعلهم في غنى عن الأكل والشرب، وتجعلهم
في خلود، ولأنهم من مادة الجسد فيستطيعون التجسد على أي شكل يريدونه فقد يتجسدون
على شكل بشر مثل ضيف إبراهيم، أو يتجسدون على هيئة تنانين مرعبة كما في سورة الفيل،
وبواسطة هذا العنصر فلديهم القدرة على التخفي عن الأعين إن شاءوا.
أما الجن فقد خلقوا من نار ولديهم تلك القدرة على التخفي، أو هي من طبيعتهم أو هو بسبب محدودية القدرة البصرية عند الإنسان، أما الإنسان والحيوان فقد خلقوا من مادة كثيفة هي الطين (جسم) فتجعلهم مرئيين.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
([2])الصحاح تاج
اللغة وصحاح العربية (2/ 456):مقاييس اللغة (1/ 457):الغريبين في القرآن والحديث
(1/ 341):تاج العروس من جواهر القاموس (7/ 499): المعجم الاشتقاقي المؤصل (1/ 313)
([3])الصحاح تاج
اللغة وصحاح العربية (5/ 2077): مقاييس اللغة (1/ 211): تاج العروس من جواهر
القاموس (34/ 235): المعجم الاشتقاقي المؤصل (1/ 92):
([6])موسوعة
التفسير المأثور (11/ 145): موسوعة التفسير المأثور (11/ 146): موسوعة التفسير
المأثور (11/ 147):
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك