تفسير
قوله{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَىٰنَا
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}
[التوبة: 51].
لو رجعنا إلى كتب التراث تجد أنها اتجهت بالنص بعيداً للخوض في عقائد
القدر والقضاء، بينما النص الكريم يتحدث عن شيء آخر كلياً، فهو يتحدث عن حوار بين
المؤمنين والكفار، حيث ظن الكفار أن الرسول سيهزم من قوة عظمى ولعلها قوة الروم أو
الفرس، والأرجح الروم لقربهم وتمكنهم من قبائل عربية نصرانية، فهناك تآمر عظيم ضد
القوة الجديدة.
فمن ذلك:
{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ
قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَٰنًا وَقَالُوا حَسْبُنَا
اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } [آل عمران:
173].
{ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ
مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ
فَءَاوَىٰكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَٰتِ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [الأنفال: 26].
فالرعب قديم في المنطقة وقبل ظهور المسلمين، والتحزب ضد
المسلمين قديم وهناك سورة تحكي عن ذلك التحزب سميت بالأحزاب.
وسورة التوبة هي آخر ما نزل من القرآن كما يبدو عندي، لهذا فإن الظاهر
أن هناك حوار دائر بين المؤمنين والمنافقين الذين يريدون تخويف المؤمنين من شر
الروم وتآمرهم واستعدادهم لغزو الحجاز كما تقول المرويات، فبادرهم الرسول بالغزو
وحدث صدام أول في مؤتة ثم في تبوك، فلم ينتظرهم حتى يغزون دولة الإسلام بل حاربهم
في عقر دارهم.
وكان من ضمن رد الرسول والمؤمنين على المنافقين هذه الآية الكريمة (قُل
لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا) فبدلاً من اعتبارها تبشير من
الله بالنصر، جعلوها – أهل التراث - كتب الله علينا، فهم لا يفرقونا بين لنا
وعلينا، فلنا تعني المكسب وعلينا تعني الخسارة فكل شيء ورد بعده على فهو خسارة أو
عبء مثل الصيام فقد كتب علينا ومثل الصلاة فقد كتبت علينا ففيها عبء، أما لو قال
لنا بدلاً من علينا فهو مكسب وغنيمة، فهنا الله يبين لنا أنه معنا وسننتصر حتماً،
يكفي أن نقاتل من أجل تعاليم الله لكي ننتصر وهي نشر الخير والمحبة والألفة
والتعاون بين الناس، حينها سننتصر. أما طريق الشيطان فهو الاعتداء والظلم ومنع
الحرية الدينية فهذا طريق الشيطان الطاغوت الذي يجعل أصحابه يطغون على الناس.
وتؤكد السورة نفسها في آيات تاليات أن ما كتبه الله لهم إلا كل خير فقد
كتب لهم عمل صالح ينفعهم في الدنيا قبل الآخرة. ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ
وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا
يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا
يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا
إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا
يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا
كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 120-121]
لكن
السؤال ماذا كتب الله لهم؟ ماذا كتب الله للمقاتلين في سبيله؟
ببساطة كتب الله انتصار المؤمنين الحتمي { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ
أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [المجادلة: 21]. فهو قانون كوني عام، وليس في
الأمر قدر وقضاء، بل هو حتمية قانونية لا محيد عنها. وهذا القانون مكتوب في الزبور
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ
بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء:
105] وقبله حث موسى قومه على اتباعه في القتال من أجل الله لكي تكتب لهم الأرض
المقدسة ﴿يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ
وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 21].
أنظر
لكلام السلف:
موسوعة
التفسير المأثور (10/ 442):
والله جل جلاله هو الأعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك