أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

معنى هلك في القرآن الكريم

 


معنى هلك في القرآن الكريم

هلك لغة:

الهلك يدل على كسر وسقوط، والمهلكة هي المفازة، وتهالك الرجل على الفراش أي سقط، والهلك الشيء الذي يهوى ويسقط، ويقال للميت هلك لأنه سقط، واهتلكت القطاة خشية البازي أي رمت بنفسها في المهالك هرباً من الصقر، وامرأة هلوك أي متغنجة متكسرة، والهلك هو المهوى بين الجبلين والهالكي هو الحداد، والهلك هو جيفة الشيء الهالك. ويرى صاحب المعجم الاشتقاقي أن الهلك هو فراغ جوف الشيء مما هو حقيقته وجوهره، كفراغ الأرض من خصوبتها، والجيفة من الروح والسحابة من المطر ([1])

معنى هلك في القرآن الكريم:

من خلال النصوص نلاحظ أن الهلاك نوع من الموت، ولكنه أسرع أنواع الموت، فالموت العادي يحضر {إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ} [البقرة: 133] ثم بعد ذلك يجيء {جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}  [الأنعام: 61]، ولكن الهلاك بلا أي مقدمات فهو يخطف الإنسان وينقله إلى عالم ما وراء البرزخ، فظن الناس الذين يقرأون القرآن أن الهلاك عيب وعار، وأنه لا يصيب إلا الكفار. ولكن الله عندما يصف الموت بالهلاك يقصد أمرين: أنهم تحت قبضته يبيدهم بكل سهولة. وثانيا أنه فعلا قد أماتهم كله بالهلاك أي في نفس اللحظة.

ولهذا أطلق على فناء الكفار بالهلاك. وهذا النص يؤكد معنى الهلاك بيقين فهو يصفه بأنه يأتي بغتة { قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَىٰكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّٰلِمُونَ }  [الأنعام:  47]. أما النص التالي فهو لا يتحدث عن مدة الهلاك بل يتحدث عن مدة تنفيذ البأس، فهو أيضاً سريع ويجيء فجأة ولا يحضر، { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَٰهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَٰتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ }  [الأعراف:  4].

وعندما شعر موسى برجفة الجبل الذي استقر عليه هو وقومه وخاف من الفناء والهلاك استخدم المصطلح المناسب فقال {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّٰيَ أَتُهْلِكُنَا}  [الأعراف:  155]، فهو يدرك أن القتل الجماعي لا يتم على مراحل بل يأتي بغتة لهذا هو هلاك.

ومن المنطقي أن يستخدم القرآن مصطلح الهلاك عند الموت الجماعي، ليس لأن الموت الجماعي مرتبط بالهلاك أو أن الهلاك يعني الموت الجماعي، ولكن لأن الموت الجماعي لا يحدث إلا إذا حدث هلاك لهم في نفس اللحظة أي ماتوا جميعاً في نفس اللحظة، حينها سيكون الحل الوحيد هو الهلاك وهو الموت المفاجئ السريع.

وقد استخدم الثموديون مصطلح الهلاك عند تخطيطهم لمقتل صالح وأهله {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ }  [النمل: 49] ذلك أن هؤلاء لا يريدون مواجهة صالح وقتله بالسيوف والخناجر، لهذا خططوا في قتله وقت البيات أي ليلاً، وهم لا يريدون قتل أهله، لكنهم مضطرون إلى ذلك، حتى لا يبقى أحدٌ يخبر وليه عن القتلة، فيبدو أن أهل صالح يقربون لهذا الولي.

وعندما ذهب بصر يعقوب، خشي عليه أهله أن يجن أو أن يموت فجأة فاستخدموا المصطلح المناسب وهو الهلاك { قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَٰلِكِينَ }  [يوسف:  85]. لكن يعقوب لم يهلك بل مات موتة طبيعية فقد حضره الموت {إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ}  [البقرة:  133] بينما الذي هلك هو يوسف فقد مات فجأة لعل عبء الملك قد هد جسمه {حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا}  [غافر:  34].

أما قوله تعالى: { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَٰلَةِ إِنِ امْرُؤٌا هَلَكَ}  [النساء:  176] ويقصد به الشخص الذي مات فجأة ولم يكتب وصية ولم يرتب أمور الورث قبل موته، فلو كان مريضاً وحضره الموت لكان باستطاعته كتابة وصية أو توزيع الورث وفق ما يراه، خاصة أنه بلا ورثة من صلبه، لكنه مات فجأة وبلا مقدمات ولم يكتب وصيته لهذا أمر الله بتقسيم ورث الكلالة وفق النظام القاسط العام الذي وضعه جل جلاله، وهو أفضل وسيلة لتوزيع الورث.

والهلاك لا يعني الفناء الأبدي، بل هو نوع من أنواع الموت فقط لا غير، يختلف في مدة الزمن فقط، والنص التالي يؤكد أن هناك عودة ورجوع إلى الله {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }  [القصص:  88]. وقد جاء في نص آخر يبين شكل هذا الهلاك وهو الصيحة ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ‌فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ [الزمر: 68] فيهلك كل من كان يعيش في ذلك الزمان عن بكرة أبيهم.

ومن خلال نصوص القرآن الكريم فيبدو أن القتل نوع من الهلاك، لأنه يأتي فجأة، فلا ينقضي وقت من الاعتداء حتى يموت المعتدى عليه. يقول المولى: {إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَٰدِ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}  [الأنفال:  42].   

وإذا كان الموت يصيب الأحياء فكذلك يصيب الجمادات {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ}  [البقرة:  164] وعلى نفس المنوال الهلاك، فإنه يصيب الأحياء والجمادات {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَٰنِيَهْ }  [الحاقة: 29]. فذلك الكافر يتبين له أن سلطته قد زالت فجأة. وأما الكافر الآخر { يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا }  [البلد: 6]. فهو يزعم أنه أفنى مالاً كثيراً ولعله يقصد به نفقاته على الفقراء رياءاً، أو يقصد التباهي بكثرة ماله وأنه يستهلك الكثير منه ولا يبالي.

 والله جل جلاله أعلم

علي موسى الزهراني


([1])الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1616) مقاييس اللغة (6/ 62) المعجم الاشتقاقي المؤصل (4/ 2314)

ali
ali
تعليقات