أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

ما المقام المحمود

 

 

ذهب أهل الرواية، في تفسيرهم لقوله تعالى {عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا }  [الإسراء: 79]. إلى عدة تفسيرات بناء على عدة روايات، فقالوا: إن المقام المحمود هو الشفاعة، وذهب بعضهم إلى أنه الجلوس على العرش. وهناك رواية أنه يجلسه بينه وبين جبريل، وفي رواية أنه يقوم على يمين الله - نستغفرك من هذا الغلو- لكن الروايات في معظمها اتفقت بأن المقام المحمود هو الشفاعة ([1])، ونتعجب ما علاقة المقام بالشفاعة من ناحية لغوية، فلو كان المقام المحمود هو الشفاعة لقال عسى أن يجعلك شفيعاً أو عبارة مثل هذه أكثر وضوحاً مما سبب كل هذا الخلاف، بل صاروا يقتتلون فيما بينهم بسبب اختلافهم حول معنى المقام المحمود.

أما المعاجم فإنها تشير إلى أن المقام هو الإقامة الدائمة في مكان معين، وهي عكس الظعن. والمقام هو الثواء الدائم في مكان معين، والمقام هو المجلس والمقام هو الموضع، وأقام بالموضع اتخذه وطناً ([2]).

ولو عدنا لنصوص القرآن الكريم لوجدنا أن المقام يعني المستقر، فقد وصفت الجنة بالمقام الأمين {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدخان: 51] والمقام الكريم،{وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الدخان : 26] لأن الإنسان يظل فيها، ويبقى دائماً، فهي وطنه ومستقره. عندما اشتد الحصار في غزوة الأحزاب، قال المنافقون للمؤمنين سكان يثرب {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ} [الأحزاب : 13] فأراد المنافقون طرد المسلمين من يثرب، لأنهم هم سبب المشاكل في نظرهم وأن قريش لم تكن لتأتي المدينة وتقاتل لولا وجود المسلمين في يثرب، وليس ما تقوله كتب التفسير من أنهم أرادوا القول أنهم راجعون من المعركة إلى المدينة، بل هم مع شدة الضغوط من قبل الجيوش من قبائل متعددة اخرجوا ما في أنفسهم من شر. فبقائهم بجوار الخندق في معركة الأحزاب لا يعتبر مقاماً حتى يقولوا لأنفسهم لا مقام لكم، بل هو سفر مؤقت، أو جلوس مؤقت.

كذلك قال الجني لسليمان بأنه قادر على إنجاز العمل قبل أن يقوم سليمان من مقامه {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} [النمل : 39] أي من مكانه الذي هو جالس فيه، وهذا يؤكد أن سليمان كان يجلس على كرسيه دائماً حماية له من خطر الشياطين الأعداء، وقد شرحنا ذلك في مفردة جسد.

وقد أراد قوم نوح إخراجه من البلد {يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي} [يونس: 71] ذلك أنه كان يقيم دائماً عندهم لا يسافر إلا خمسين عاماً، فقد خرج من البلدة ربما للتجارة أو للدعوة في سبيل الله.

ومقام إبراهيم هو المكان الذي استقر به ومات {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة : 125]ذلك أن اليهود والنصارى اعترضوا على قدسية الكعبة وأنها تخص إسماعيل دون إبراهيم وإسحق، فبين القرآن بأنها مقر ومقام أبيهم إبراهيم إلى أن مات فيها، وإليها كان يتجه في صلاته، فالنص الكريم يقول لهم اتجهوا بوجوهكم ناحية الكعبة فهي مقام إبراهيم إن كنتم تزعمون حبكم واتباعكم لإبراهيم عليه السلام، وقد نزلت نصوص مطولة في السورة نفسها توجههم ناحية الكعبة بدلاً من قبلتهم الشمالية، وقد قبل بعضهم بتلك القبلة الجديدة وحسن إيمانه ورفض البعض وقد بين القرآن أنها كبيرة في النفوس إلا على الذين هداهم الله. {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ}  [البقرة: 143].

فما المقام المحمود؟

سورة الإسراء([3]) هي آخر سورة نزلت في العهد المكي، فقد  كان الرسول يبحث عن حل لمشكلة الدعوة، بعد أن تجمدت الأمور في مكة، واستطاعت قريش أن تقف حائلاً دون انتشار الدعوة، وتصلب القرشيون، لهذا قال الرسول ﷺ في سورة الفرقان التي هي  قبل سورة الإسراء نزولاً؛ يشتكي حال قومه {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان : 30] وهذا النص لا يتحدث عن كلام للرسول في الدنيا بل ينقل ما سيقوله الرسول يوم القيامة من إهمال قريش للقرآن، ولكنه يوضح جلياً مدى بعد كفار قريش عن الدين وعدم اهتمامهم لسماع القرآن الكريم ومحاربتهم له.

ثم جاء الفرج، من عند المدينة المنورة، فقد بدأ الناس يقبلون على الدعوة الجديدة، واستطاع مصعب بن عمير ومن هم على شاكلته نشر الدعوة بين أهل المدينة، فرحب بها اليهود العرب والنصارى العرب، وحاربها بعضٌ من بني إسرائيل.

ثم شاء الله أن يسري بالرسول ﷺ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ([4])، فشاهد إقبال الناس على الدين الجديد وكثرة المصلين وخاصة قبائل الأوس والخزرج، وكانت تلك هي الآيات التي شاهدها بنفسه { سُبْحَٰنَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا الَّذِي بَٰرَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَٰتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }  [الإسراء: 1].. فقد سمع الله دعاء الرسول واستجاب له ووجه قلوب بعض قبائل المدينة ناحية الإسلام. ولعلنا نحتاج إلى تفكيك سورة الإسراء، حتى نعرف في الأخير معنى المقام.

فنظراً لتشوق الرسول إلى الخروج من مكة، فقد أمره الله بزيادة النشاط الدعوي بين الناس بالصلاة أي التواصل مع الناس وقراءة الفجر التي يجلس لها الناس خفية للسماع. أنظر النص التالي من سورة الإسراء:

{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا } [الإسراء: 78 - 82]

ثم أمره الله بأن يدعو أيضاً (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا) ولعل هذا الدعاء مقصود به تسميع قريش وتخويفهم لما ستؤول إليه الأمور من احتمالية تمكين الرسول ﷺ والمؤمنين بالقوة الكافية لردع شر كفار قريش، ثم أمره بأن يقول: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) وهو تحذير أشد ووعيد لقريش بأن أمرهم إلى بطلان وأمر الرسول ﷺ إلى عمران. فأي لفظة (قل) يقصد بها أن يوجه الرسول الكلام للناس، وليس المقصود بها الدعاء بحد ذاته، فقل يعني وجه الكلام للناس واسمعهم دعائك لتبين لهم أن نجاح الدعوة سيتم قريباً وسوف تندم قريش على حربها للدين الجديد.

والسورة نزلت بعد رجوع الرسول إلى مكة من الإسراء، وقد زادت مضايقتهم للرسول وقد وضحت السورة الكريمة سبب رغبة الرسول ﷺ في الرحيل، فقد بلغت المضايقات قمتها في تلك الفترة {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء : 76] على الرغم من أن هذا العدوان كان منذ بدايات الدعوة كما بينت سور: المزمل، والمدثر، والكوثر، وبقية السور، بل كادوا أن يفعلوا أمراً يجعل الرسول يخرج من المدينة لكن توقفوا عن ذلك، وهذا النص يؤكد أن الرسول هاجر في وضح النهار وهم فرحون بهجرته فهي رغبتهم وليس قتله.

وعلى الرغم من أن الرسول كان يرغب في الرحيل منذ مدة، إلا أن الله أخر هذا الرحيل لحكمة يعلمها جل جلاله، لعله لكي تسقط حجة كفار قريش، يوم القيامة، ثم لكي يظهر قوم آخرون يستجيبون للدعوة، وقد ظهرت بوادرها في المدينة.

بل تبين السورة الكريمة، أنه قبل الاستفزاز، حاولت قريش تقديم إغراءات قوية للرسول لكي ينصرف عن هذا الدين، أو يعدل فيه بما يناسبهم {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} [الإسراء: 73] فعندما فشلوا، زادوا في العداوة الشديدة حتى يخرج من مكة. ولم يكن لديهم رغبة في قتله وما حدثت تلك الرغبة إلا بعد الهجرة إلى المدينة وزيادة قوة المؤمنين {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْمَٰكِرِينَ }  [الأنفال: 30]، والخروج هنا يقصد الخروج إلى القتال.

يتضح من بعد كل هذا الشرح أن المقام المحمود هو يثرب، حيث صار الرسول يقيم إقامة دائمة، وحيث نال الحمد والشكر من الناس، الذين قدروه ورفعوه مكان علياً، تليق بمكانته.

وأنه لا يوجد يوم القيامة مقام خاص بالرسول ﷺ وحده، وأنه مع المقربين وهم مجموعة من الأنبياء والصديقين والصالحين، وأن الرسول سيدخل جنة علياً مثل بقية الأنبياء الكرام، ولا يصح لنا أن نقرر من هو أفضل ومن هو أقل، فهذا شأن الله {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285]

أما الذين يزعمون بأن المقام المحمود هو مكان في الجنة، أو في العرش أو هو الشفاعة، وأن الرسول ﷺ طلب من الناس أن يطلبوا من الله؛ لكي يحقق له ذلك المقام؛ فنقول لهم: إن دعائكم سوء أدب مع الله لا يليق بجلاله، ومن المستحيل أن يصدر عن الرسول ﷺ، لأن الله إذا وعد قضى ونفذ، لا مرد لكلامه، ولا يتراجع عن وعده، جل جلاله، وهذا الدعاء فيه تشكيك بصفات الله أو فيه شك في القلب. وكأن الرسول كان يشك في وعد الله فيطلب من الناس تذكير الله بذلك الوعد. نعوذ بالله من الحور بعد الكور.



([1])أنظر النصوص هنا: صحيح ابن خزيمة (1/ 220) شرح مشكل الآثار (3/ 52) الشريعة للآجري (4/ 1604) المعجم الكبير للطبراني (6/ 247) المعجم الكبير للطبراني (12/ 61) مسند ابن أبي شيبة (1/ 307) مسند أحمد ط الرسالة (25/ 60) السنة لأبي بكر بن الخلال (1/ 246) الكنى والأسماء للدولابي (3/ 1180) مسند أحمد ط الرسالة (21/ 188) مسند أحمد ط الرسالة (6/ 329) مسند أحمد ط الرسالة (16/ 155) موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ت حسين أسد (8/ 274)

([2])أنظر: لسان العرب (14/ 125). النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب (1/ 206) معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (3/ 331) المعجم الوسيط (2/ 768)

([3]) ذهب حذيفة وعائشة ومعاوية إلى أن الإسراء كان بالروح(النفس)، وهذا لا يقلل من قيمة الإسراء وهدفه وهو مشاهدة الرسول للآيات وفيها تسلية لنفسه من قسوة قريش معه ومع المؤمنين. أنظر: الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (20/ 293).

([4]) الذي اعتقده وفق نصوص القرآن الكريم، أن المسجد الأقصى هو مسجد قباء، وليس ما يسمى حالياً المسجد الأقصى في فلسطين، فلم يكن هناك مسجد قد بُني، بل كنائس ومعابد يهودية، بينما مسجد قباء هو أول مسجد بني في الإسلام، وهو قريب من المسجد النبوي، يبعد نصف ساعة مشياً. وهناك كان يجتمع من يدخل الإسلام، فيصلون وعند نزول سورة الإسراء يبدو أنه قد زاد عددهم، وهو المقصود بالآيات، فالإسراء بذاته آية وكذلك دخول الناس في الدين الجديد آية أخرى. والمدينة هي الأرض التي بارك الله حولها أي جعل الإسلام ينتشر في قلوب أهلها، لهذا قال المولى أنه السميع البصير، أي استجابة لدعوة الرسول بالهجرة، وبصير بقلوب الناس. ومعرفة المكان المناسب للدين الجديد.

ali
ali
تعليقات