أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

اللعن في القرآن الكريم ولماذا لُعن الشيطان إلى يوم الدين؟

 

 

اللعن في القرآن الكريم ولماذا لُعن الشيطان إلى يوم الدين؟

اللعن لغة:

ما تقوله المعاجم: اللعن أصل واحد يدل على الطرد والإبعاد من الخير، وجمعها لعان أو لعنات، واللعين الممسوخ، والرجل اللعين هو ما يسمى بخيال الماتة الذي يطرد الطيور، والرجل اللعين هو المنفي.  والملاعنة هي المباهلة، والملعنة هي قارعة الطريق "اتقوا الملاعن" ورجل لعنة أي يلعن الناس كثيراً أو يلعنه الناس. ولعين بني فلان أي الشخص الذي تتبرأ منه القبيلة لكيلا تتحمل وزر أفعاله، والتلعن افتعال اللعن أي عمل أشياء تسبب اللعن. واللعن هو الطرد والإبعاد من الله أما من الناس فالسب والدعاء. واللعن المسخ كما لعن أصحاب السبت. أما الثناء بقولهم: "أبيت اللعن" أي قمت بأفعال حميدة ولم تقم بأفعال قبيحة تسبب لعنك. وفلان يتلاعن علينا أي يفعل السوء وما يستوجب اللعن. والتلعين أي التعذيب وكذلك اللعن، واللعنة العذاب، والشجرة الملعونة هي الزقوم ملعون آكلها. ([1])

مرويات عن اللعن:

بسبب عدم فهم فئام من المسلمين للعلن وحقيقته ظنوا أنه دعاء بالطرد من الرحمة، واختلقوا عشرات الأحاديث في هذا الشأن مثل:

-       " لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ انْبيَائِهِمْ مَسَاجِدَ "

-       " لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُتَوَشِّمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ"

-       " لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ "

-       " لَعَنَ اللَّهِ السَّارِقُ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ"

-       " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ"

-       أما شارب الخمر فقد منع لعنه: " لاَ تَلْعَنُوهُ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ"

-       " لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ"

-       وهناك من وسم حماره في وجهه فلعنه الرسول: " لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ "

-       والملائكة تلعن الزوجة، تمتنع عن زوجها.

-       وهناك أحاديث في لعن شخص بعينه (المعين) " لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فُلَانًا، وَمَا وُلِدَ مِنْ صُلْبِهِ " وفي رواية :"وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ، لَقَدْ لَعَنَ اللَّهُ الْحَكَمَ وَمَا وَلَدَ، عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ". ولا ندري ما ذنب أولاده؟

-       وفي رواية هي في منتهى الوقاحة مع الرسول ومع الله، حيث يزعمون أن الرسول يندم على لعنه، ويشترط على الله ألا يستجيب للعنه، بل يبدله أجراً " أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّى "قُلْتُ:" اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ، فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا "

-       وهناك حديث يحذر بشدة من اللعن لأنه قد يرتد على صاحبه: "رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ، فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلاً، وَإِلاَّ رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا"

 

تحليل الروايات:

من الواضح الأثر السياسي لهذه المرويات، فقد انقسم المسلمون طائفتين طائفة مع شيعة علي، والأخرى مع الأمويين، فاخترع العلويون أحاديث في اللعن وشرعيته، بل اختلقوا روايات في لعن أشخاص من بني أمية، وقد ذهبت للمواقع الشيعية فوجدتهم حريصون أشد الحرص على إباحة اللعن؛ فظهر بالمقابل فريق الأمويين الذي يشنع على اللعن ويحرمه ويتوعد اللعان بأن ترتد اللعنة عليه.

وبين هؤلاء وهؤلاء ظهر فريق متشدد، ذو نفس تكفيري إجرامي يميل إلى لعن كل من هب ودب، وهو فريق يركز غلوه على الأفراد وليس الساسة، فلعن النامصة ولعن آكل الربا ولعن الزوجة المتمنعة ولعن السارق والمتشبهين والمتشبهات، ولعن اليهود ولعن من وسم حماره في الوجه إلخ...والعجيب أنهم استثنوا شارب الخمر، فلعل شرب الخمر كان آفة منتشرة بين هؤلاء المختلقين للرواية أو أن مختلق الرواية التي تستثني شارب الخمر، كان مدمناً للكأس.

وكل هذه الأحاديث لا تسوى شروى نقير، فالله حدد من لعنه وقد ذكرتها في قائمة في هذا المقال. والحقيقة كما سنبين، أن اللعن فعل وليس كلام، أي هو اهمال وترك وعدم رعاية وعناية كما سنوضح بعد قليل. ولو لعن الله كل هؤلاء الأصناف من البشر كما تقول المرويات، لتم لعن ثلاثة أرباع البشر.

لكن استوقفني حديث: " ‌لعن ‌الله ‌من ‌لعن ‌والديه " ([2])  فإذا فسرنا اللعن هنا كما تبين لنا من خلال القرآن الكريم وهو الإهمال والترك وعدم الاتصال بالوالدين، فإن الحديث منطقي ومعقول، فبر الوالدين جاء بعد عدم الشرك مباشرة { أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْءًا وَبِالْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا }  [الأنعام: 151] فقد أمرنا ليس برد الجميل معهم فقط، بل الإحسان إليهم أي تقديم أقصى ما نستطيعه معهم؛ فإن من يهمل والديه حتماً يستحق الإهمال من الله له.

اللعن في القرآن الكريم:

لم توفق معاجم اللغة في فهم معنى اللعن، فظنوا أنه الطرد والإبعاد، وهو ليس كذلك فقد ورد معنى الطرد والإبعاد في القرآن فورد بمفردة: طرد، وأخرج، ونفى، وأبعد. ولو كان يقصد به الطرد لاستخدم هذه المفردة ففيها غننٌ وكفاية.

فأول آية تصادفنا في القرآن في البقرة { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ }  [البقرة: 88]. فاللعن كما هو واضح هنا يتعلق بالإيمان، بل يمنع الإيمان، الذي هو هداية، فاللعن هو إيقاف الهداية، ولا يمكن للهداية أن تتوقف إلا بتوقف الاتصال بين الله جل جلاله وبين الناس.

فمن النص السابق (قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ) يتبين لنا المعنى بجلاء، فهؤلاء اليهود يزعمون أن قلوبهم مغلقة عن سماع هذا الدين الجديد، فهي محكمة الأغلاق لا يمكن لمحمد النجاح معهم، فرد عليهم القرآن الكريم، بل إنكم لُعنتم من الله أي أوقف الله الصلاة معكم فلا هداية تأتيكم من قبله جل جلاله، ولن يسمح لكم بالتواصل معه جل جلاله، فلا دعاء ولا تسبيح يصله من قبلكم، فقنوات الاتصال مقطوعة.

واللعن لا يعني عدم السماع المحسوس والنظر المحسوس، فالمولى جل جلاله يسمع كل شيء ويرى كل شيء، لكن المقصود باللعن عدم الاستجابة للسماع وعدم النظر برأفة، وهذا يؤكده النص التالي: { لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا }  [النساء: 118] فهذا الشيطان قد لعنه الله أعظم لعنة ومع هذا ينقل كلامه فقد سمعه جل جلاله، وليس في هذا النص بل في عشرات النصوص الأخرى التي تنقل كلامه. 

 

اللعن ليس الإبعاد

واللعن ليس الإبعاد يقيناً، فقد ذكر ذلك في نص صريح { وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَٰمَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }  [هود: 60]. فذكر أنهم ملعونون في الدنيا والآخرة ثم بين أن البعد قد نالهم، ولو كان اللعن هو البعد لما كررهما في نفس النص؛ فهذا حشو، وحاشاه القرآن أن يكون فيه حشو.  

وقد ذكر القرآن البعد مع الأقوام وليس مع الأمم فالأمم تتعرض للفناء وإنما الأقوام يتعرضون للبعد، والأمم -كما سنشرح في القاموس- هم كيان الدول التي تزول كحتمية ذكرها القرآن، لكن الأقوام يظلون على قيد الحياة. وهنا يبين النص الكريم أن البقية الباقية من هؤلاء القوم تشردوا ولم يعودوا يعيشون في نفس المكان.

وهذا ما حدث لقوم نوح { وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّٰلِمِينَ }  [هود: 44]. وهو دعاء نوح ألا يبقي الله أحداً من قومه الكفار في تلك البلاد { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَٰفِرِينَ دَيَّارًا }  [نوح: 26] وهو ما حدث لقوم عاد فقد تركوا ديارهم { أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }  [هود: 60].وهاجروا إلى ديار جديدة فظهرت عاد الثانية، فقد كانت عاد الأولى قوماً لهود { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَىٰ }  [النجم: 50] فقد أهلك أمة عاد، ولكن قوم عادٍ هاجروا وظهرت عاد الثانية، في مكان آخر.

كذلك هاجر البقية الباقية من قوم مدين وقوم ثمود { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ }  [هود: 95]. أما قوم لوط فلم يذكر عليهم الإبعاد، لأنه تم فناؤهم بشكل كامل، ولم يبق منهم بقية.

وقد ذكر القرآن أقواماً آخرين – بعد نوحٍ تم إجلاء من تبقى منهم من ديارهم بعد دمارها أو مقتل معظمهم بالصيحة مثلاً، فقال: { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَٰهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ }  [المؤمنون: 44].

بل جعل المولى هذا الأمر قانوناً وحراماً، فلا يمكن للبقية الباقية من أهل القرية أن يرجعوا إلى قريتهم ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: 95] فلا يقصد النص هنا الموت، بل يقصد المنع لبقية الأحياء، كما ذكر ذلك (الحرام) على اليهود، وإن حددها بأربعين سنة { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً  }  [المائدة: 26]. وهذا يقين لأنه لا حرام على الميت؛ فقد مات، بل هو يتحدث عن الأحياء الذين هربوا من ديارهم فلن يرجعوا إليها.

وبمنتهى البساطة لا يمكن أن يقصد المولى فناء الأقوام كلهم، وإلا لانقرضت البشرية لأنه قال إن هناك حتمية في القضاء على الأمم ولم يقل إن هناك حتمية في القضاء على الأقوام، ولو حدث ذلك لما بقي بشر إلى اليوم.

وهذا يؤكده القرآن الكريم:

{ وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَٰمَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَٰبِ مَسْطُورًا }  [الإسراء: 58].

{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ }  [الأعراف: 34].

        كما وردت مشتقة "مبعدون" في الآية الكريمة { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ }  [الأنبياء: 101]. ويقصد بها أن الذين تم استقبالهم يوم القيامة استقبالاً كريماً، سيتم إبعادهم عن موقع النار، فيسلكون طرقاً آمنة حتى يصلوا إلى الجنة، لأن النار تسير وتتنقل حتى تستقر في مكان مناسب لها فهي اللابات البركانية الزاحفة، وهي ستحيط بالكفار، ولكن المؤمنين سيتم إبعادهم وفي نص آخر يتم زحزحتهم.

 

هل يمكن الطرد من رحمة الله؟

من أغرب العبارات الضعيفة هو الزعم أن هناك مكان اسمه الرحمة يتم طرد الملعونين منه، فالرحمة حسب زعمهم هي من قريبات الشفقة، فكيف يتم الطرد من شيء لا محسوس ولا مكاني؟ كأن أقول طردتك من حبي، طردتك من احترامي أو غضبي أو غيرها من المشاعر.

فالقرآن الكريم لم يذكر الطرد إلا من المكان، فكأن هؤلاء القوم الذين زعموا أن اللعن هو الطرد وهو الإبعاد من رحمة الله، من الموالي الذين لا يعرفون العربية، ولم يدرسوا القرآن جيداً. وحتى الرحمة مما أصيبت في مقتل، فلا تعني ما يسمى بالشفقة والرأفة، بل هي إزالة الضرر كما بينا في القاموس.

أنظر قوله تعالى:

{ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }  [البقرة: 157].

فالآية موجهة إلى من أصابته مصيبة وصبر وسلّم، كما تقول الآية التي قبلها، فحينها يصلي الله عليهم أي يسمع لهم ويرشدهم ويهديهم، ثم بعد ذلك يرحمهم أي يزيل الضرر عنهم الذي أصابهم.

ولو تأملنا جيداً، نجد كثيراً من الجماعات ممن يصابون بالمصائب، نجدهم قد تعرضوا للرحمة وزالت عنهم المصيبة، فلا يُعدم أن يكون فيهم من هو ملعون. أنظر على سبيل المثال نزول المطر في المنطقة الجافة، كيف أنه رحمة من الله، رغم أن هناك في تلك المنطقة من هو ملعون ولكن الرحمة شملته، لأن اللعن ببساطة ليس الطرد من الرحمة { وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ }  [يونس: 21] وقد شملت الرحمة هذا المعلون الذي بينهم، ليس لأجله بل لأجل بقية الناس، لكنه لا يُعدم العقوبة بطريقة أخرى.

 

اللعن ليس المسخ أو الطمس:

يقول عز من قال: { يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَٰبَ ءَامِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَٰبَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا }  [النساء: 47].

فظن بعض المفسرين أن اللعن هو المسخ ([3]) كالذي حدث لأصحاب السبت، والصحيح أنه ليس كذلك، فاللعن هو عدم الصلاة بين الله والبشر، فأصحاب السبت بسبب كفرهم توقف الله عن هدايتهم والوحي لهم، فزادوا في الضلال فعملوا حيلتهم المعروفة فمسخهم الله بسبب فعلتهم وليس بسبب اللعن، فاللعن قد سبقه ثم تلاه المسخ بعد تحايلهم الشنيع. ولو كان اللعن يعني المسخ لوجدت مليارات من البشر قد مسخوا.

 

اللعن يعني عدم الهداية:

وقد ذكر النص الكريم بعض الملعونين، ومن هؤلاء الكافرين والظالمين والفاسقين، وفي هذه النصوص يبين ناتج من نواتج اللعن وهو عدم الهداية، لأن الصلاة التي يصليها المولى عليهم مقطوعة.

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَٰفِرِينَ }  [المائدة: 67]. { فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَٰفِرِينَ }  [البقرة: 89].

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّٰلِمِينَ }  [المائدة: 51]. { أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّٰلِمِينَ }  [الأعراف: 44].

{ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَٰسِقِينَ }  [المائدة: 108].  { كَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }  [يونس: 33].

{ فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا }  [الأنعام: 125].

فإذا لعن الله قوماً فقد أغلق باب الهداية عنهم وهي ما نسميها الصلاة، فيصابون بالعمى والصمم { أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَٰرَهُمْ }  [محمد: 23].

وغرض الصلاة الواضح هو الهداية { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَٰئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَٰتِ إِلَى النُّورِ }  [الأحزاب: 43] بل هو الصلاة ذاتها بقضها وقضيضها، أقصد صلاة الله علينا. وعكسها هو اللعنة التي تعني الإهمال والترك وعدم السماع والاتصال وعدم الهداية. فالله جل جلاله في كل النصوص يذكر أنه اتصل بنبي أو إنسان أو حتى حشرات كالنحل لكي يدلهم ويرشدهم، فصلاة الله علينا إرشاد وهداية وصلاتنا إليه هو طلب الهداية والشكر والتسبيح.

 

وجه الله جل جلاله وعلاقته باللعن

شرحنا في مفردة وجه في القرآن، أنه يقصد بها السمع والنظر والكلام، وأن الناس يطلبون وجه الله أي يطلبون سمعه ونظره وكلامه، أي اهتمامه بهم وعنايته وهدايته، وأن الناس يسلمون وجوههم لله، أي يسلمون عقولهم وقلوبهم لله، وذلك بجعل حواسهم: السمع والنظر والكلام، لله وفي رضاه.

فإذا تعرض الإنسان إلى لعنة الله، فهذا يعني ببساطة أن الله أشاح بوجهه جل جلاله عنه، فلم يعد ينظر إليه ولا يسمع له ولا يصلي عليه للهداية، لقد قطع الاتصال معه بسبب سوء فعله وجرمه.

 

اللعنة يوم القيامة:

ستستمر اللعنة على بعض الأقوام والأفراد حتى يوم القيامة، بل ستكون أكثر وضوحاً يوم القيامة وقبل الحساب؛ فعندما يقوم الناس المصابين باللعنة، من قبورهم، يجدون نفوراً ممن حولهم وعدم اهتمام بهم، كذلك الملائكة لا تكترث بهم، كذلك المولى لا يسمع لهم ولا يهديهم { أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَٰئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ }  [آل عمران: 87].

فهذا النص يؤكد ذلك، لأن كل الناس سيرفضون التواصل معهم وهذا لا نجده في الدنيا، فكثير ممن لعنهم الله يتواصل معهم، بعض البشر. وكذلك قوله تعالى: {وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَٰمَةِ }  [هود: 60].وقد نندهش ما سبب نفور الناس من الملعونين يوم القيامة؟ (ما قبل الساعة) ذلك أنهم لا يعرفون بعضهم البعض، بل زالت منهم الصفة الاجتماعية فالعشار عطلت، فكيف ينفر الناس من الملعونين يوم القيامة؟

 يبدو أن الملعونين لهم صفات جسمانية قبيحة { وَأَتْبَعْنَٰهُمْ فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَٰمَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ }  [القصص: 42]. وحتى لو كانت قباحتهم نفسية وليست جسمانية فقد لاحظها الناس ونفروا منهم، ولكن الأقرب للمنطق هو أن لهم صفات جسمانية قبيحة تنفر الناس منهم، فلا يقتربون منهم، فلعل أشكالهم مخيفة مثل أشكال أصحاب الكهف { لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا }  [الكهف: 18]. 

وهناك نصوص أخرى تؤكد اللعن على الظالمين يوم القيامة منها:

﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ [المطففين: 15] 

{ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمْ فِي الْءَاخِرَةِ وَ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ وَ لَا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }  [آل عمران: 77]

 

الفرق بين اللعنة والغضب

الغضب مشاعر يستتبعها تأديب أو انتقام، أما اللعنة فموقف يستتبعه إهمال وترك، فلا تحل بالإنسان المصائب من عند الله، ولكن يتم تركه وعدم الانصات له أو النظر إليه ولا هدايته، فيُترك للطبيعة والظروف تفعل به فعلها، بإذن من الله أذن بذلك. ولكن أي مصيبة سببها الإنسان نفسه، فلا يوجد عفو، فالله جل جلاله يوقف عنّا كثير من المصائب عفواً منه وكفارة، دون أن ندري أو نعلم بذلك، وقد يأذن بها لكي يؤدبنا ويعيد إلينا وعينا بعد ضلال؛ فإن تم لعننا فقد قُطع الاتصال مع الله.

أما الغضب فسيتبعه فعلٌ، وهو على مقدار الذنب، وقد يكون هذا الفعل هو اللعن نفسه، أي بعدما غضب علينا لعننا أي أهملنا بالكلية – نعوذ بالله من اللعنة- وهذا هو ما ورد في القرآن الكريم، غضبٌ ثم لعن؛ ولكن أحياناً يتم اللعن ثم بعده الغضب وذلك ببساطة، لأن اللعن يعني الترك والإهمال وعدم الهداية، مما يؤدي إلى استحواذ الشيطان علينا، فيؤدي إلى أن نقوم بأعمال مجرمة تستوجب الغضب.

 

هل يمكن الغفران للملعون؟

يبدو كذلك فهناك نصوص تشي بذلك، فمن ذلك قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ }  [البقرة: 88]. وقال { وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا }  [النساء: 46]. فهناك القليل منهم يبحث عن الهداية ورضى الله حتى يقبله الله من جديد ويزيل اللعنة عنه.

ويؤكد ذلك أيضاً لعنة إبليس نفسه، فقد حدد المولى لعنته أنها ستستمر إلى يوم الدين، وهذا يشير إلى أن لعنة الآخرين قد تكون أقل في المدة، لأن بعض الأقوام سيستمر لعنهم إلى يوم القيامة أي قبل ظهور الساعة بقليل { يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّٰلِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }  [غافر: 52].

وقد ذكر النص لعنة بعض الأقوام حتى يوم القيامة { وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَٰمَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }  [هود: 60] وهذا يعني أنه لم يغفر لهم ولم يتم إزالة اللعنة عنهم، لجرم اقترفوه كبير.  

والذي يشير إلى أن اللعنة قد تزول، أننا نجد أن هناك لعن كبير وآخر صغير { رَبَّنَا ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا }  [الأحزاب: 68] فإذا قلنا أن اللعن هو نقيض الصلاة بين الله والبشر، فإن هؤلاء القوم يطلبون من الله أن يلعن من أغواهم لعناً كبيراً، فربما قصدوا شدة اللعن وأنه محكم إغلاقه أشد الإحكام، وعليه فإن هناك لعن صغيراً يمكن أن يزول، لو بذل الإنسان جهده في الاستغفار والخضوع لربه من جديد.

ومن الواضح أن مطلب هؤلاء القوم -في النص السابق- أن يستمر عذاب هؤلاء الذين أغووهم مدة طويلة جداً، لأنهم طلبوا لعن الله لهم أي عدم الصلاة بهم ومنها عدم سماعهم أو النظر إليهم، بقوة وشدة، بحيث تطول مدة إقامتهم في النار.

والذي يؤكد أن اللعن يزول بعد مدة، قول الله تعالى: { وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ }  [الحجر: 35] فهذا يؤكد أن لها مدد معينة فلو كانت اللعنة أبدية لما قال له ذلك من الأساس. وهذا يستلزم أن اللعن يمكن الرجوع عنه، بالمثابرة بالطاعات والاستغفار والتوبة إلا من ختم الله على قلبه كلياً، ولم يرد الله أن يخلصه فجرمه كان عظيماً.

 

توقف اللعنات مؤقتاً يوم الحساب، حتى لعنة الشيطان

إذا كان المولى لا يكلم بعض الناس يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم { وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ }  [آل عمران: 77].فكيف سيحاسبهم ويحاكمهم؟

ببساطة لأن هذا التصرف يحدث يوم القيامة وليس يوم الحساب، فوقت الحساب تتوقف للعنات مؤقتاً، فيسمعهم الله ويكلمهم وينظر إليهم { وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَٰحِدِ الْقَهَّارِ }  [إبراهيم: 48]. { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ }  [الزمر: 31]. { رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَٰهُمْ كَمَا غَوَيْنَا }  [القصص: 63].

ومن هؤلاء الذين ستتوقف اللعنة عنهم مؤقتاً، إبليس { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ }  [ص: 78] أي يوم الحساب، حتى تُسمع حججه ومبرراته، فإن انتهى الحساب عادت اللعنة عليه وقد كررها في آية أخرى فقال له: { وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ }  [الحجر: 35]

أما قوله عليك لعنتي، فذلك لأن كثير من الناس والجن يستمعون إلى الشيطان ويتبعون توجيهاته وينظرون له بعين الإعجاب والعبودية، فهناك اتصال دائم بينه وبينهم، فلا لعنة بين الشيطان وبين كثير من البشر والجن، لكن الله لعنه إلى يوم الدين، كذلك بالطبع الملائكة.

 بعد الحساب ودخول النار، لا يكلمهم الله من جديد، ولا ينظر إليهم ولا يسمع لهم. { قَالَ اخْسَءُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ }  [المؤمنون: 108]. ولهذا نجد بعضهم، لا يكلمون الله لعلمهم أنه لا يسمع لهم، فيكلمون مالك خازن النار { وَنَادَوْا يَٰمَٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّٰكِثُونَ }  [الزخرف: 77].

على أن بعضهم سيحاول الكلام مع الله جل جلاله

{ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَٰلِمُونَ }  [المؤمنون: 107].

{ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ }  [غافر: 11].

وبالتأكيد أن هذا النداء والدعاء لا يستجاب له؛ لأنهم في لعنة فلا يسمعهم الله ولا يكلمهم. وفي النار سوف يتلاعن الكفار، أي ينفرون من بعضهم ويقابلون بعضهم بالكره والقسوة والصدود، خاصة وأن موارد النار قليلة، وأن مزيد من السكان فيها يعني مزيد من الشح، إنهم أقرب للوحوش في الغابة من الطبيعة البشرية.

{ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَىٰهُمْ لِأُولَىٰهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَءَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ }  [الأعراف: 38].

فيبدو أن المقصود بالأخت هو أن أمة الجن ذات علاقة بأمة الإنس، وفلكل أمة في زمن من الأزمة أمة تقابلها من النوع الآخر، ويبدو أن الأمتين ساهمتا في غواية بعضهما، وإن كنّا بينا سابقاً – في كتاب دار السلام- أن أكثر أهل النار من الجن، بسبب رغبتهم في السيطرة على الإنسان وغوايته.

الشجرة الملعونة

وقد ذكر المولى في القرآن أن هناك شجرة ملعونة { وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ }  [الإسراء: 60] ولا نريد الخوض في تفاصيلها فلذلك بحث مستقل، ولكن نقول هنا: أن اللعنة لهذه الشجرة قد يعني الدعاء عليها باللعن، فهناك شجرة يكرهها الناس أو بعضهم، فيلعنونها إما بالقول (الدعاء) أو بالفعل فينفرون منها ولا يعتنون بها، بل ربما يجتثونها.

 ومن المحتمل أنها الشجرة التي أكل منها آدم أو شجرة الزقوم وبعضهم قال بني أمية وهذا تفسير غير معقول ولا يليق بإنسان عاقل، كذلك لا يعقل أن تكون الشجرة هي بني إسرائيل، ففيهم الأنبياء والصالحون، مثل بني أمية.

لكن من المؤكد أن هذا اللعن ليس من قبل المولى جل جلاله، فالله لا يخلق عديم الإرادة ثم يلعنه. بل لعن من قبل البشر غالباً، وكما ذكرنا قد يكون لعن بالدعاء أو لعن بالأفعال.

 

اللعن اللفظي

على أننا لا ننفي بالكلية، أن هناك لعن لفظي أي هو دعاء يدعو به بعض البشر على بعضهم البعض؛ فيطلبون من الله أن يلعن فلان وعلان، أي يطلبون من الله ألا يتصل مع هذا الإنسان، لما فعله بهم من سوء، ومن هؤلاء عيسى وداود { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَٰءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ }  [المائدة: 78].

كذلك هناك نص آخر { فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَٰذِبِينَ }  [آل عمران: 61] وهي قصة الابتهال مع بعض من كان يجادل الرسول أي ندعو الله أن لا يتصل مع من يكذب.

أما هذا النص الكريم { وَنَادَىٰ أَصْحَٰبُ الْجَنَّةِ أَصْحَٰبَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّٰلِمِينَ }  [الأعراف: 44] فيبين أن أحد الملائكة يقرر ويوضح لهؤلاء الناس سواء من كان في جنة الأعراف أو خارجها، أن الله قد لعن الظالمين، فلا مجال لهم في دخول الجنة في الأعراف، فسيظلون خارجها يذوقون الجوع والعطش حتى يأتي وقت حسابهم، فلا يعقل أن يكون هذا الملاك يدعو الله باللعنة على الظالمين وقد تقرر ذلك منذ كانوا في الدنيا؛ بل هو يبين للناس ذلك القانون فلا مجال لمساعدة هؤلاء الظلمة. كذلك يبين هذا الملاك أنكم يا ظلمة محرومون من الرعاية والاهتمام والسماع والنظر الكلام، فلا تتعبوا أنفسكم.

أما النص التالي { أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّٰعِنُونَ }  [البقرة: 159] فلا يشير إلى الدعاء، وإنما الاحتمال الأكبر أن الملائكة تلعنهم أي ترفض الاتصال بهم كذلك بعض البشر يرفضون الاتصال بهم، فاللاعنون هم من يرفضون الاستماع والمساعدة.

واللعنة يوم القيامة ظاهرة جلية وهي الشقاء الشديد والجوع والعطش والتعرض للدواب المؤذية حتى يأتي الحساب ثم يدخلون النار، وهذا لا يحصل لو كان هناك بشر يساعدونهم، فلا مساعدة ولا كلام وهداية فهم لوحدهم يشقون قبل حدوث زلازل الساعة.

{ وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَٰمَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ }  [هود: 99]

{ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ }  [هود: 106].

{ لَا يَصْلَىٰهَا إِلَّا الْأَشْقَى }  [الليل: 15].

 

مسببات اللعن في القرآن الكريم

ولأن اللعن أعظم مصيبة ينالها الإنسان؛ فإن أسبابها ذنوب عظيمة ومنها:

-       الكفر بالحق ومحاربته والصد عنه {فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَٰفِرِينَ} [البقرة: 89].

-       كتمان الحق: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَٰتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَٰبِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّٰعِنُونَ }  [البقرة: 159].

-       تحريف معاني النصوص والعصيان ولي اللسان وطعن في الدين {مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}  [النساء: 46].

-       رمي المحصنات الغافلات: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَٰتِ الْغَٰفِلَٰتِ الْمُؤْمِنَٰتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْءَاخِرَةِ } [النور: 23].

-       التطاول على نساء النبي بالهمز واللمز والكلام القبيح ويمكن قراءة سورة الأحزاب من الآية 50 إلى الآية 61 ففيها الدليل. { مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا }  [الأحزاب: 61].

-       سوء الظن بالله يؤدي إلى اللعن {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ }  [الفتح: 6].

-       قتل المسالم البريء فإنه يؤدي إلى اللعن في الدنيا والآخرة {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ }  [النساء: 93].

-       نقض المواثيق، ومن أسباب اللعن وقسوة القلب {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَٰقَهُمْ لَعَنَّٰهُمْ }  [المائدة: 13].

-       الكفر وهو مقاومة دين الله بكافة الوسائل { وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا }  [النساء: 46].

-       الكذب خاصة في الملة والعقيدة {فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَٰذِبِينَ}  [آل عمران: 61].

 

الخلاصة:

اللعن ليس الإبعاد أو الطرد، اللعن هو عكس الصلاة التي يصليها الله علينا، فيرشدنا ويرعانا ويهدينا، ولا يمكن أن يصاب الإنسان باللعن لذنوب صغيرة مثل تحسين وجه النساء أو السرقة أو خلافها من الذنوب التي زعمتها المرويات المنسوبة إلى الرسول الكريم كذباً، فاللعن يتم بعد عمل شنيع وغالبه متعلق بالكذب خاصة في الدين، وكذلك قتل النفس ونقض المواثيق.

والإنسان بنفسه بصيرة، فيدرك مدى شناعة فعله، ويدرك أنه يستحق اللعن بسبب ذلك العمل، لكن لو تعرض الإنسان للعن الله فبعد حين، سيظن أن كل عمله حسن وجيد، فلا تأتيه الهداية والإرشاد، فيسير في طريق الغي حتى النهاية.



([1])الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (6/ 2196): مقاييس اللغة (5/ 252): الغريبين في القرآن والحديث (5/ 1691): مجمع بحار الأنوار (4/ 489): تاج العروس من جواهر القاموس (36/ 118): المعجم الاشتقاقي المؤصل (4/ 1981):

([2])صحيح الأدب المفرد (ص38):

([3])تاج العروس من جواهر القاموس (36/ 119):

ali
ali
تعليقات