النبذ في القرآن الكريم
النبذ لغة:
النبذ أصل واحد يدل على
الطرح والإلقاء، ونبذت الشيء ألقيته من يدي، والنبيذ التمر يلقى في الآنية ويصب
عليه الماء، والصبي المنبوذ هو صبي تتركه أمه في الطريق، وفي رأسه نبذ من الشي أي
يسير، وانتبذ فلان أي ذهب ناحية. وكما يقول صاحب التاج فإن أصل النبذ طرح ما لا يعتد
به. والصواب عندي أنه طرح ما لا يرغب فيه وليس ما لا يعتد به، كما سنرى في نصوص
القرآن الكريم. ([1])
النبذ في القرآن الكريم:
النبذ هو قذف الأشياء ذات
الكتلة والتي لا تصلح للرمي أساساً، وفي معظم النصوص النبذ يتم فيها حذف إنسان إلى
مكان آخر، كنبذ فرعون {فَأَخَذْنَٰهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْنَٰهُمْ فِي الْيَمِّ
وَ هُوَ مُلِيمٌ} [الذاريات: 40]. أو نبذ ذي النون {فَنَبَذْنَٰهُ بِالْعَرَاءِ وهُوَ
سَقِيمٌ} [الصافات: 145].
وقد يتم نبذ كتاب والمقصود
إهماله وتركه، والمعنى هنا ليس معنوي، بل حسي، فأهل الكتاب وضعوا الكتاب المقدس في
الرفوف ونبذوه وراء ظهورهم حسياً، مما أدى إلى إهماله وتركه لأنهم أساسا لا
يريدونه. {نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَٰبَ كِتَٰبَ اللَّهِ
وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [البقرة: 101].
وقد تنبذ كتلة مادية مثلما
نبذ السامري أثراً من الرسول {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ
فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَ كَذَٰلِكَ
سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} [طه: 96].
ويختلف النبذ عن القذف في
أن الشيء المنبوذ لا يُرغب به، بل هناك رغبة بالتخلص منه، فأهل الكتاب لا
يرغبون بكتابهم فنبذوه وراء ظهورهم، وفرعون وجنوده غير مرغوب فيهم فنبذوا في اليم،
وذو النون لم يرغب به الحوت فنبذه في العراء {فَنَبَذْنَٰهُ بِالْعَرَاءِ وهُوَ سَقِيمٌ}
[الصافات: 145].
ومريم لم ترغب بحملها
بداية، خشية من قومها فحملته بعيداً {فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا}
[مريم: 22]. { فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ
يَٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا } [مريم: 23].
وبعض اليهود لا ميثاق لهم
وليس لديهم استعداد للالتزام بالمواثيق لكلفتها عليهم فتجدهم ينبذونها
{أَوَكُلَّمَا عَٰهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم} [البقرة:
100]، أي يتخلصون منه نبذاً. ولأن الكافر غير مرغوب فيه سينبذ في الحطمة {كَلَّا لَيُنبَذَنَّ
فِي الْحُطَمَةِ} [الهمزة: 4].
والسامري
لما قبض قبضة من أثر الرسول نبذها من يده ورماها في خليط الذهب والفضة، لأنه لاحظ
أنها مادة مؤذية له فنبذها. {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا}
[طه: 96].
والله أمر الرسول أن ينبذ
لمن حوله من الجماعات والقبائل ألا يخونوا العهد، وقد استخدم الجذر نبذ، لأن
الرسول لا يود أن يخاطبهم بهذه الطريقة ولا يريد أن يظهر شكه فيهم، لكيلا تسوء
العلاقة بينه وبينهم فكانت الرسالة التي يرسلها الرسول إليهم هي المنبوذة عنده. {وَإِمَّا
تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ إِنَّ
اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58].
لهذا نقول أن النبذ هو رمي
الكتل الكبيرة أو الأشياء المعنوية والتي لا يرغب بها الشخص، لهذا هي تختلف عن
القذف كما سوف نرى.
هذا والله جل جلاله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك