أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

تفسير قوله تعالى لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً..

 


 تفسير قوله تعالى لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.. 

{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ ولَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَٰفًا كَثِيرًا} [النساء: 82].

تفسير أهل الرواية للنص الكريم:

اختلفوا في تفسير النص فقال بعضهم: أي تفاوتاً وتناقضاً كثيراً. وهذا يستلزم أن في القرآن الكريم قليل من الاختلاف – حاشاه- وذهب بعضهم إلى أن الاختلاف ليس في القرآن، بل في فهم القرآن، من عقول الناس وقلوبهم. ويرى مقاتل بأن الاختلاف مقصود به الكذب. ([1])

 تفسير النص من خلال القرآن الكريم:

معظم نصوص القرآن تتحدث عن الاختلاف بين أهل الكتاب، بسبب الأطماع وحب السلطة والجاه، ولم تتحدث عن الاختلاف بين المشركين ولا مرة واحدة – حسب علمي القليل في القرآن الكريم- لهذا فهذا النص وغيره من النصوص يتحدث عن اليهود خاصة، ويقول لهم لو كان القرآن من عند غير الله لوجدتموه يختلف ويناقض التوراة التي بين يديكم، لكنكم تجدون التطابق بين الكتابين إلا بعض الاختلاف بسبب تغير الأحوال والظروف فتغيرت فيها الأحكام الفقهية قليلاً جداً. وهي تشريعات قليلة سماها القرآن المنسية فهناك تشريعات منسوخة طبق الأصل من تشريعات التوراة والإنجيل وهناك تشريعات تم نسيانها لأنها كانت مؤقتة ونسبية. { مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}  [البقرة: 106].

والمشركون ليس لديهم كتاب لكي يحدث خلاف بينهم حول معانيه، فهم يعتمدون على العادات والتقاليد والتراث الشفهي وما يقرره أولي الأمر منهم، بينما اليهود والنصارى فلديهم مرجع واحد وهو كتاب واختلفوا فيه بسبب حب السلطة وفرض الهيمنة ولو على حساب الحقيقة.

والشواهد كثيرة على ذلك أنظر قوله تعالى:

{ وَ قَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَٰرَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَ قَالَتِ النَّصَٰرَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتَٰبَ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }  [البقرة: 113].

فالخلاف هنا خلاف فقهي، ونجد ذلك في تساهل ولين النصارى مقابل تشدد وغلو اليهود في المسائل الفقهية. وقد يكون الخلاف خلافاً عقائدياً وقد يكون خلافاً تاريخياً (معلومات تاريخية) ولكن الأكثر هو الخلاف الفقهي {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا قَتَلُوهُ وَ مَا صَلَبُوهُ وَ لَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ}  [النساء: 157].

وهنا آية أخرى تؤكد هذا الخلاف بين أهل الكتاب يهود ضد يهود ونصارى ضد نصارى ويهود ضد نصارى، ذلك أنهم لم يبحثوا عن الحق، بل بحثوا عن الانتصار لمذاهبهم. {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَٰبَ بِالْحَقِّ وإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَٰبِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة: 176]. { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [آل عمران: 55].

وقد كان من المفروض ألا يختلف أهل الكتاب، لأن الحق أمامهم، ولكن لحب السلطة والشهوات {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَٰمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَٰبَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِءَايَٰتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عمران: 19].

والاختلاف في حد ذاته ليس مشكلة، بل هو طبيعة البشر، لأسباب كثيرة، ولكن المشكلة والعقاب سيكون على الذين يعتدون على الآخرين ويفتنونهم في مذاهبهم بحجة أن الحق معهم وحدهم.

{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَٰبَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَٰبِ ومُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَ لَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا ءَاتَىٰكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَٰتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: 48].

{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَٰتٍ وَ ءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَٰتِ وَ أَيَّدْنَٰهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَٰتُ وَ لَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ ءَامَنَ وَ مِنْهُم مَّن كَفَرَ وَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَ لَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }  [البقرة: 253].

ولو تمعنا في هذه الآية على سبيل المثال ودرسنا ما قبلها لكي نفهم، لأي جماعة دينية موجهة؟ {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَ لَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}  [الأنعام: 164]. سنجد أنها ابتدأت بهذا النص الكريم ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ﴾ [الأنعام: 146] فالموعظة موجهة إلى يهود المدينة أو للذين آمنوا منهم ونافقوا أو للذين آمنوا منهم وفي قلوبهم زيغ، أو للذين آمنوا وهم أميون بدينهم القديم؛ فأهل المدينة كانوا قبائل عربية يهودية، تهودوا زمن سليمان وزمن السيطرة اليهودية على المنطقة، وهناك قبائل تزعم أنها إسرائيلية من نسل يعقوب، وهؤلاء كانوا في غاية البعد عن الدين الجديد.

{ وَ لَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَٰءِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَ رَزَقْنَٰهُم مِّنَ الطَّيِّبَٰتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ}[يونس: 93]

{وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَٰبَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ} [هود: 110].

{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَٰتُ}  [آل عمران: 105].

والصحيح أن الإسلام لم يأت لكي يحارب التوراة والإنجيل ويمنع تطبيقها على أصحابها، بل جاء يحث أهل الكتاب على تطبيق ملتهم، والتمسك الصحيح بالكتاب المنزل عليهم، لكنهم لم يكونوا يطبقون دينهم الحق، بل كانوا يمارسون كل مخالفة للكتاب، وكانوا في ريب من كتابهم، لأن تطبيقهم لشرائع التوراة والإنجيل هو عملياً تطبيق لشرائع القرآن الكريم، لأن المصدر واحد هو الله جل جلاله.

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَٰبِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَٰبِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ}  [آل عمران: 23].

﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٣) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ﴾ [المائدة: 43-44] 

﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 47] 

لكن الشك في كتابهم جعلهم لا يتمسكون به، بل يلقونه وراء ظهورهم

{ ذَٰلِكَ الْكِتَٰبُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }  [البقرة: 2].

{ وَ مَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْءَانُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَ لَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ الْكِتَٰبِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَٰلَمِينَ }  [يونس: 37].

{ وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَٰبَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَ لَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ }  [هود: 110].

وهذا الشك جعلهم ينبذون كتابهم وراء ظهورهم فلا يطبقونه، بل يطبقون التلمود المزيف

{وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَٰبَ كِتَٰبَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 101].

{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَٰقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187].

والنصان التاليان يبينان حقيقة الإنسان الضال عموماً، وأن سبب اختلاف الناس هو البغي أي البحث عن السلطة والمال بالظلم والفساد.

{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّنَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنذِرِينَ وَ أَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَٰبَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَٰتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَ اللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }  [البقرة: 213].

{ وَ مَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَٰحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }  [يونس: 19].

والخلاصة أن معظم السور المدنية إن لم يكن كلها موجهة إلى اليهود والقبائل العربية اليهودية والنصرانية، وأن شريعة الإسلام جاءت لتحيي شريعة اليهود والنصارى، فقد ماتت في قلوبهم وصاروا في ريب من كتبهم. لكن الشريعة الجديدة جاءت ببعض الأحكام الجديدة القليلة لهذا حدث اختلاف قليل وليس كثير بين القرآن الكريم والتوراة والإنجيل، فرغم حدوث تطور في المجتمعات لكنه ليس بذلك القدر الكبير، لهذا كانت شريعة الإسلام هي نفسها شريعة التوراة والإنجيل لأن كل الأديان مسلمة في الأخير.

هذا والله جل جلاله أعلم

علي موسى الزهراني



([1])أنظر:موسوعة التفسير المأثور (6/ 583):


ali
ali
تعليقات