تفسير سورة البروج، وأين يقع الأخدود؟
1 - والسماء ذات
البروج
يقسم المولى جل جلاله قسم تهديد ووعيد،
بالسماء ذات البروج، أي أن تلك السماء ذات البروج التي ترونها، سوف يتم زوالها.
هذا لو كان يقصد بالبروج ما نسميه نحن بالأبراج السماوية، مثل برج الجدي والثور
والجوزاء والأسد...إلخ. فإذا كان يقصد تلك الأبراج وهو المرجح عندي، فإن السورة
تقسم بها أي بدمارها أو بتحول الأرض عنها، فتصبح غير مرئية للناس، أو أن الدخان
يعم السماء فلا يمكن رؤية هذه البروج. وهذا طبعاً يوم القيامة في لحظة الساعة
بالتحديد من يوم القيامة. ([1])
2 - واليوم الموعود
ثم يقسم بعد ذلك باليوم الموعود، أي يقسم
أنه متحقق لا محالة، فبعد القسم بوقت الساعة ولحظة حدوثها مثل الزلازل والبراكين
وغياب النجوم، فإنه بعد ذلك يأتي اليوم الموعود، وهو يوم طويل، هو يوم الحساب
والتوفية وقد ورد حديث يؤكد هذا التفسير([2])
وقد يكون هذا اليوم هو يوم القيامة لحظة الخروج وقد يكون يوم اللقاء بربنا،
وهو الأرجح، نعم فإن كل تلك الأيام وعود من الله؛ فالإحياء وعد والقيام والبعث
وعد، والحساب وعد ودخول الجنة أو النار وعد؛ ولكن المقصد هنا هو يوم الحساب أو يوم
العذاب، لأنه أقسم قبلها بالسماء ذات البروج وهذا يحدث فقط عند لحظة الساعة،
ويليها الحساب؛ فالناس يقومون لفترة ثم تحدث الساعة وتتفجر الأرض والسماء، ثم يساق
الناس إلى المحشر ثم يحاسبون، وهو اليوم الموعود { هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ
الْحِسَابِ } [ص: 53]. وطبعاً يقسم المولى
بيوم الحساب الموعود، لأنه يوم شديد آخر على الناس مثل لحظة الساعة.
3 - وشاهد ومشهود
ومن ضمن تلك اللحظات، لحظة حضور الشاهد،
الذي يشهد ضدنا، حتى الأشلاء من أجسامنا تشهد علينا {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ
شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} [فصلت : 21] فالجلد هنا شاهد وليس شهيد لأنه لا يرى، ولكنه
يدرك بأن صاحبه قد فعل كذا وكذا، فيشهد ضده، كذلك اليد والأرجل. { يَوْمَ تَشْهَدُ
عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
} [النور: 24]. أما المشهود فهو كتاب
أعمالنا، الذي نشاهده بأم أعيننا، وفيه أعمالنا مرئية ومسموعة. {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ
النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} [الزلزلة : 6]
والشاهد هنا والمشهود هما أقوى الأدلة التي
تؤكد للناس ما فعلوه، أي أن الأشلاء من أجسامنا ومقاطع الفيديو التي تم تسجيلها هي
أكثر ما قد يقنع ويسكت الإنسان؛ فلا يستطيع بعدها الإنكار، وحينها يتأكد تماماً
أنه فعل ذلك ويتذكر كل ما قام بعمله.
4 - قتل أصحاب الأخدود
في هذا النص ثلاث مصطلحات يجب تفكيكها لكي نفهم الجملة جيداً:
قُتل:
وردت هذه المفردة في عدة نصوص: {قُتِلَ
الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}([3])
أو قوله: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} ([4]) { فَقُتِلَ
كَيْفَ قَدَّرَ }([5]) وقد فسرها الأقدمون بأنها تعني: لُعن أو طرد أو
ذُل([6])
وهذا يؤكد أنه لو كان أصحاب الأخدود هم المظلومين لما قال فيهم لعن أو طرد أو ذل،
فمن الواضح أنه يقصد جماعة ظالمة وليست مظلومة، فلم تأت مفردة قُتل إلا
لتتحدث عن الظالمين.
ولو افترضنا أن أصحاب الأخدود هم
المظلومين، فما فائدة هذه العبارة، فمن المؤكد أن من يوضع في أتون النار، سيموت
بعد دقائق معدودة، فلا يقدم لنا النص إي إضافة، بل هو يشتت المعنى، فاستخدام مفردة
قُتل قد تعني قتلوا بالسيف أو بالحجارة، أو نحوهما. بينما قصة أهل الرواية تزعم
أنهم قتلوا بالنار. فكان أولى أن يقول النص أحرق أصحاب الأخدود، وحتى هذه العبارة
لا تقدم الكثير فمن المعروف أن من يجلس على النار سيحرق.
وأرجح جزماً، أن هذا المكان أي الأخدود، الذي
سيحدث فيه القتل، هو نار جهنم، فهؤلاء الكفار سيعذبون حتى القتل، لهذا
استخدم المفردة قُتل. ويؤكد هذا آيات أخرى مثل قوله تعالى { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا
اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ
إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } [غافر:
11]. فالمجرم هناك ليس بميت ولا حي، ولكنه
مقتول ﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ
فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ [طه: 74] لهذا استخدم لفظة قُتل، ليؤكد أنهم سيقتلون هناك
في ذلك المكان، لأنهم قعود على النار الموقدة. وقد بين المولى في نصوص أخرى أنه قد
يكون الإنسان مقتول، ولكنه حي. { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَٰتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
} [آل عمران: 169].
وهذا القتل الذي سيحدث في جهنم لن يشمل من
ذكروا في سورة البروج فقط، بل ذكر أن الإنسان من ضمن المقتولين، وطبعاً لا يقصد كل
إنسان، ولكن يقصد أشخاص معينين ممن بلغ جورهم وظلمهم وإجرامهم سدرة المنتهى، وفي
الغالب يرد لفظ الإنسان ويقصد به كبار كفار قريش. كذلك الخراصون توعدهم الله
بالقتل، وقيل الخراصون هم الكذابون، واستبعد ذلك ولعلنا نشرح معناها في مقام آخر.
وتجدر الإشارة أن هذا القتل الذي سيحصل
لهم، لا يعني موتهم، بل سيعودون للحياة الكاملة من جديد عندما تبدل جلودهم. {
كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا
الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا } [النساء: 56]. ويتعالجون من حروقهم لفترة، ثم
تعود الكرة والطواف حول أجزاء جهنم { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
حَمِيمٍ ءَانٍ } [الرحمن: 44].
أصحاب:
الأصحاب دائما تطلق في القرآن للبشر الذين
يسكنون مكان معين، فأصحاب الرس هم سكان تلك المنطقة، وأصحاب الأيكة هم من سكن
الأيكة، كذلك أصحاب النار {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ}([7])
أما الذي يصحبك من البشر فيطلق عليه القرآن الصاحب وليس الأصحاب.
ولهذا فإن أصحاب الأخدود، هم قوم مستقرون
في ذلك المكان يعيشون فيه دائماً، فلو كان أصحاب الأخدود هم المؤمنون الذين عذبوا
حتى الموت في ذلك الأخدود، فهم ليسوا أصحابه حتماً؛ لأنهم لم يمكثوا فيه مدة طويلة
بالسنوات، حتى ويصفوا بالصحبة، فبالتأكيد أن المعنى هم أصحاب الأخدود الذي
بجهنم، حيث هم أصحاب له، ماكثون فيه طويلاً {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ
عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} ([8]) { مَّٰكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا } [الكهف: 3].فحتماً أصحاب الأخدود، ليسوا في
الأرض، فمن المستحيل أنهم قعدوا على النار بضع ساعات ناهيك عن السنوات والقرون.
الأخدود:
زعم أهل الرواية، أن الأخدود مكان بنجران،
لكن غيرهم زعم أن الأخدود بالعراق، وقيل هو بالشام، ولم نجد أحداً من أهل الآثار
قد حدد مكانه بالضبط، قديماً وحديثاً، ولكي يحل الرازي هذا الإشكال قال:"
إِنْ قِيلَ: تَعَارُضُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ يَدُلُّ عَلَى كَذِبِهَا، قُلْنَا:
لَا تَعَارُضَ فَقِيلَ: إِنَّ هَذَا كَانَ فِي ثَلَاثِ طَوَائِفَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
مَرَّةً بِالْيَمَنِ، وَمَرَّةً بِالْعِرَاقِ، وَمَرَّةً بِالشَّامِ، وَلَفْظُ
الْأُخْدُودِ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا إِلَّا أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْجَمْعُ
وَهُوَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ، وَقَالَ الْقَفَّالُ: ذَكَرُوا فِي قِصَّةِ
أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةً وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَا
يَصِحُّ إِلَّا أَنَّهَا مُتَّفِقَةٌ فِي أَنَّهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
خَالَفُوا قَوْمَهُمْ أَوْ مَلِكًا كَافِرًا كَانَ حَاكِمًا عَلَيْهِمْ
فَأَلْقَاهُمْ فِي أُخْدُودٍ وَحَفَرَ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: وَأَظُنُّ أَنَّ
تِلْكَ الْوَاقِعَةَ كَانَتْ مَشْهُورَةً عِنْدَ قُرَيْشٍ فَذَكَرَ اللَّهُ
تَعَالَى ذَلِكَ"([9])
الجواب على كلامه: أنه لا نجد أثراً
للأخدود، وكذلك لا يتطابق نص السورة مع هذا التصور الذي ذكره الرازي، وتضارب
الروايات يؤكد بطلانها وضعفها، والسورة الكريمة تؤكد أن هؤلاء الكفار لازالوا
يفتنون المؤمنين حتى نزول السورة، وتنصحهم بالكف عن ذلك، بينما مرويات القوم تقول
إنها حادثة قديمة منذ عشرات السنين على الأقل.
والرواية ضعيفة، لأنها تزعم أن هذا الملك
أحمق، بدلاً من قتلهم بكل سهولة بالسيف، أو كويهم مباشرة، أو إغراقهم، أو ألقائهم
من أعلى الجبل، نجده يكلف نفسه والدولة ميزانية هائلة لحفر الأخدود، ثم جلب الحطب
الثمين، ثم وظف العمال والجنود، ثم ألقى الناس فيه، لمجرد اختلاف العقيدة رغم أنهم
مسالمون كما تشير السورة، ولم يكن لهم دخل بأمور السياسة { وَمَا نَقَمُوا
مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [البروج: 8].
سقر والأخدود شيء
واحد:
حسب المعاجم فإن سقر تعني الإحراق والتلويح
بالنار، وسقرته الشمس أي لوحته، أو أذابته وأصابه منها سقور. وسقرات الشمس حرورها.
وسميت النار بسقر لأنها تذيب الأجسام والأرواح، والساقور حديدة تُحمى ويكوى بها
الحمار. ([10])
ونجد أن مكان الأخدود في موقع آخر وهو نار
جهنم بالتحديد في سقر، أنظر النصوص الكريمة: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ}([11])
السلوك لا يكون إلا في وجود حاجبين عن اليمين وعن الشمال مثلما سلك موسى يده في
جيبه حيث هناك حاجبين يغطيان يديه، فقال النص:{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ
مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا } [طه : 53] وقال:{ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ
كُلٍّ زَوْجَيْنِ} [المؤمنون : 27] فهم يسلكون طريقاً في جهنم فيه سواتر، وهو
للناظر من بعيد يُرى كأنه أخدود، وهو أخدود بالفعل، لأن تحته نار تشتعل وقد
حدد المولى عرضها أو ارتفاعها بسبعين ذراعاً {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا
سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة : 32] أي أن عرض هذا الأخدود وفق
المقاييس الإسلامية للذراع هو 35 متراً تقريباً - هذا لو افترضنا أنه يتحدث عن عرض
هذا الأخدود وأن السلسلة تعني الأخدود.
كما أنني أرجح أن المقصود هو الارتفاع وليس
العرض، فهذا أخدود عظيم جداً، ارتفاعه فقط 35 متراً تقريباً، ولهذا احتمالية الهرب
منه مستحيلة فالنص الكريم يحذر هؤلاء من العبث ويقدم لهم صورة مرعبة لحال ذلك
اليوم، لعلهم يتراجعون عن تلك الفتنة التي يحدثونها في المؤمنين {وَمَا هِيَ
إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر: 31]
ويمكن رؤية المشهد بوضوح بالحديث عن أحد
المجرمين، حيث بين المولى حاله يوم القيامة، {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} [المدثر: 17]
فهو هناك في سقر (الأخدود) حيث تشرح سورة المدثر حاله، فهو عندما يسلك سقر يحاول
الهرب بالصعود، ولكن في النهاية سيُرهق، ثم سيصلى تلك النار. {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ
(26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ
لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: 26 - 30]. ولهذا نفهم قوله
تعالى: {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ} [البروج : 6] إذ أن محاولاتهم الهرب من ذلك
الأخدود بالتسلق والصعود، ترهقهم أشد الإرهاق حتى يعجزون عن الحركة تماماً؛ فيظلون
فيها قعوداً بدون أن يتدخل أحدٌ من الملائكة في إقعادهم بالقوة.
وهم يحاولون الهروب قبل دخول سقر، ولكن
الملائكة تسحبهم على وجوههم لكي يستقروا في ذلك الأخدود، {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ
فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ
ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر: 47، 48]
ثم
يتساءل المؤمنون الذين تعرضوا للتعذيب والفتنة، عمن قام بتعذيبهم. {إِلَّا
أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ
(41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)
وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر:
39 - 47] فالمؤمنون يسأل بعضهم البعض عن حال فرعون وستالين وهتلر وأبي لهب وهامان،
أين هم الآن؟ لكن لا جواب، لأن بينهم وبين النار مسافات. ثم تسأل الملائكة هؤلاء
المجرمين ما سبب دخولكم سقر.
5 - النار ذات الوقود
هذه النار
ذات وقود وليست حطباً يشتعل لمدة قصيرة وينطفئ، لهذا سيكون عذاب أصحاب الأخدود
لفترة طويلة جداً، بل هم من سيكون وقودها مع الحجارة. { قُوا أَنفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَٰئِكَةٌ
غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا
يُؤْمَرُونَ }[التحريم: 6].
6 - إذ هم عليها قعود
7 - وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود
وهذا
النص يؤكد أن هؤلاء المؤمنين لم يكونوا في الأخدود الأرضي كما تزعم الروايات، فلو
كانوا في الأخدود وماتوا من ساعتهم، لقال النص وهم على ما فعلوا بالمؤمنين،
لكنه عوضاً عن ذلك استخدم الفعل المضارع وهو يؤكد على أنهم مستمرون في عملهم
حتى بعد نزول السورة، فلا زالوا يفتنون المؤمنين بعد تحولهم إلى الدين الجديد.
ونقول إن هؤلاء المؤمنين هم جماعة من أهل المدينة من يهودها تعرضوا للفتنة من قبل
أسيادهم ورؤسائهم، فجاء النص ليهددهم ويتوعدهم.
وقد
يظن البعض أن الفتنة كانت من قبل قريش، ضد المؤمنين منهم، لكن قريش دولة شبه
علمانية لا تكترث للدين كثيراً، فهم تجار براجماتيون، لا توجد عندهم نصوص تكفيرية
اقصائية، وإنما هذه الآفات موجودة عند يهود المدينة، حيث تزخر ديانتهم الملوثة
بنصوص تكفيرية، تبيح لهم قتل المرتد الذي تحول إلى الإسلام.
8 - وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز
الحميد
9 - الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد
10 - إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب
الحريق
وهذا
النص يؤكد أيضاً أن الأخدود بعد يوم القيامة، حيث يتعرض هؤلاء اليهود الذين فتنوا
المؤمنين لعذاب الحريق. أنظر هذا النص الكريم الذي يؤكد أنهم في أخدود له جدار مرتفع،
كلما حاولوا الهرب أعيدوا فيها. {
كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَ
ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ }
[الحج: 22].
وقد حدد المولى عدد حراس هذا الأخدود وهو تسعة عشر ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ
(٢٦) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (٢٧) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ
لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾ [المدثر: 26-30] وقد يبدو العدد قليلاً، لكننا لا نعرف قدرات تلك
الملائكة الغلاظ، فالواحد منهم يتحكم بمسافات شاسعة جداً، قد تكون آلاف الكيلو
مترات.
نكتفي بهذا الجزء من السورة الكريمة، وبقية النصوص
سنشرحها في سور أخرى، لأنها نصوص عادية معروفة عند الناس، وليس بها إشكالية مثل موضوع
الأخدود وحقيقته.
([1]) يرى القفال أنه يحتمل أن
يكون تبطل بروج السماء بانشقاقها. تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير
(31/ 106)
([2]) هناك رواية عن أبي هريرة
تقول إن الرسول فسر اليوم الموعود بيوم القيامة. تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو
التفسير الكبير (31/ 106)
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك