أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

الإبعاد في القرآن الكريم

 


الإبعاد في القرآن الكريم

 

البعد لغة:

بناء على المعاجم، فإن البعد أصلان، أولهما: خلاف القرب والمعنى الآخر معاكس قبل. وقالوا: البعد هو الهلاك، وفلان بعُد أي صار بعيداً أو تباعد. واستبعد أي عده بعيداً، والأبعد هو الخائن. والأبعد هو الزاني. ورأيته بعيدات بين. أي رأيته بعد فراق. وهذا أمر بعيد أي لا يقع مثله. وقال مهاجرو الحبشة: جئنا إلى أرض البعداء. أي جئنا إلى قوم لا قرابة بيننا وبينهم. ([1])

 

البعد والإبعاد في القرآن الكريم:

بعد في القرآن:

تأتي مفردة (بعد) لتتحدث عن فترة زمنية بين فعلين، مثل قوله تعالى { فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً }  [محمد: 4] فهناك فترة شد الوثاق، ثم تليها فترة زمنية ثم يليها المنّ أو الفداء. أو قوله تعالى { الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ }  [البقرة: 27] فهم أولاً تعهدوا بالالتزام ثم جاءت فترة ثم نقضوا التعهد. وهكذا بقية الآيات الكريمات التي فيها مفردة بعد فهي تتحدث عن فاصل زمني بين فعلين.

بعيد في القرآن:

أما (بعيد) ففي الغالب يقصد به المسافة الجغرافية بين شيئين، كما في قوله تعالى:

 { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ }  [هود: 89].

{ إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا }  [الفرقان: 12].

{ وَأَنَّىٰ لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }  [سبأ: 52].

{ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ }  [ق: 31].

واشتق من هذا البعد الجغرافي، البعد الإيماني عن الحق { أُولَٰئِكَ فِي ضَلَٰلٍ بَعِيدٍ }  [إبراهيم: 3]  أو البعد بين الأنفس أي الجفاء بين الجماعات { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَٰبِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }  [البقرة: 176]. أو بعد الأوهام { وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }  [سبأ: 53].

وفي نصوص أخرى استخدم مفردة بعيد ليقصد بها المسافة الزمنية وليست الجغرافية:

{ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ }  [الأنبياء: 109].

{ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ }  [النمل: 22].

{ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا }  [المعارج: 6].

 

البعد كفعل:

وقد تستخدم هذه المفردة كفعل مثل بعُد أو باعد أو أبعد. مثل قوله تعالى { وَلَٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ}  [التوبة: 42] لأن الخروج للقتال إلى تبوك مشقة هائلة، فهي بعيدة عما كانوا عليه من راحة، فهناك مسافة هائلة بين تلك الراحة وتلك المشقة، لهذا بعُدت عليهم الشقة.

أما النص الكريم { فَقَالُوا رَبَّنَا بَٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا }  [سبأ: 19] فالمرجح أن المقصود بالتباعد المكاني أي أجعل سفرنا بعيداً عن سفر الآخرين، وربما كان السبب هو الحسد والطمع. ولعلنا ندرس هذا النص جيداً في مقال آخر.

الإبعاد في القرآن الكريم:

وقد ذُكر الإبعاد في بعض الأقوام المعذبة، بل هو سنة كونية، فكل قوم يكفرون بالله يتعرضون للفناء والبقية الباقية للإبعاد. 

{ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَٰهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 44]. هذا ما ذكرته النصوص باستثناء قوم لوط فقد تم القضاء عليهم عن بكرة أبيهم.

وقد جعلها المولى محرمة على من بقي من تلك الأقوام على قيد الحياة وعلى أولادهم ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: 95] وهو مثل التحريم الذي حصل لبني إسرائيل لكنه حدد بمدة زمنية وهي أربعين سنة { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً  }  [المائدة: 26].

وقد ذكر القرآن الكريم الإبعاد لبعض الأقوام، مثل قوم عاد { أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }  [هود: 60] ويبدو أن هؤلاء (عاد أولى) وهناك عاد ثانية لهذا بين أن هود ينتسب إليهم { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَىٰ }  [النجم: 50] فظهرت عاد الثانية، ربما هم أجيال تالية منهم، سكنت في مكان جديد وكونت دولة جديدة.

وهو ما حدث مع قوم نوح { وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّٰلِمِينَ }  [هود: 44]. فقد تشرد البقية الباقية من قوم نوح في خارج الأرض السياسية التي كانوا يحكمونها ولم يبق في المكان إلا ذرية نوح.

وهو شرحنا سابقاً أن (قيل) في هذا النص قد يكون من دعاء نوح  { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَٰفِرِينَ دَيَّارًا }  [نوح: 26] فهو يدعو ألا يبقي أحداً من الكافرين في تلك الديار. وقد يكون كلام أحد الملائكة الكبار الذين ينفذون أمر الله فقولهم ينفذ بتوجيه من الله.

ونلاحظ أن إبعاد أهل مدين وثمود ذكر في نص واحد { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ }  [هود: 95] فقد تكون مدين سكنت بعد ثمود، فلهذا تم إبعاد البقية منهم من نفس المكان الذي أبعدت منه ثمود. وقد يكون المقصد أن الإبعاد حدث في نفس المدة الزمنية. وقد يكون المقصد أنهم أبعدوا إلى المكان نفسه. وقد ذُكرت ثمود لوحدها في نص آخر { أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ }  [هود: 68]

وقد يكون المقصد هو طريقة الإبعاد هو بالصيحة فيقول في ثمود: ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ﴾ [هود: 67]  وفي مدين قال جل جلاله: ﴿ وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [هود: 94] فتلك الصيحة لم تقتل كل الناس، بل كثير منهم.

وقد شرحنا سابقاً، أنه لا يتم القضاء على كل سكان القرية، وإلا لفني البشر، فقد توعد الله كل قرية بالهلاك:

{ وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَٰمَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَٰبِ مَسْطُورًا }  [الإسراء: 58].

{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ }  [الأعراف: 34].

فالفناء لا يتم لكل سكان القرية والمدينة، بل لكثير منهم والبقية تتشرد، ولكن الأمم تفنى بالكامل، ولا يقصد بالأمم إلا النظام السياسي القائم، الذي يندرج تحته جماعة بشرية منتظمة لها إمام ومأمومين ولها نظام سياسي، فالفناء يحدث لهذا النظام بعد زوال عناصره وتتفرق البقية الباقية من الجماهير (الأقوام).ونلاحظ أن الإبعاد من المركز الحضري يتبعه ذل وهوان وجوع وخوف؛ فلهذا كان الإبعاد شديداً على من بقي منهم.

مبعدون:

        كما وردت مشتقة "مبعدون" في الآية الكريمة { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ }  [الأنبياء: 101] وهؤلاء فئة المقربين مثل الأنبياء والرسل والصالحون، فهؤلاء يسيرون سريعاً نحو الجنة بينما النار تطارد البشر بعد المحشر وتلاحقهم، لكن هؤلاء الصالحون، بينهم وبينها مسافات فهم عنها مبعدون، فلا يرونها ولا تراهم.

وقد استخدم جذر الابعاد، لأنهم يساقون سوقاً نحو الجنة فهم لا يسيرون بإرادتهم كما يبدو { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَٰلِدِينَ }  [الزمر: 73]

 

الفرق بين الإبعاد والطرد والنفي والإخراج:

يختلف الإبعاد عن الطرد في أن الطرد كما شرحنا هو للمسافة القصيرة جداً كالطرد من المنزل أو الشارع وخلافه. وهو كما شرحنا سابقاً ليس اللعن، لأن اللعن ليس الطرد ولا الإبعاد، بل هو التجاهل وعدم السماع والنظر برحمة.

أما النفي فهو إبعاد لأفراد خارج كيان الدولة، أما الإخراج فيقصد به معنيين إما خروج للقتال أو هرب، وقد يحدث رجوع بعد الخروج، خاصة لو كان الخروج للقتال، وحتى الهرب قد يكون مؤقتاً إلى زوال الخطر، فالإبعاد يعني الخروج بلا عودة نهائياً، وأن بينهم وبين قريتهم مسافات عظيمة.

أما الرجم والقذف والنبذ والرمي فهي وسائل وطرق الحذف، فالرجم يكون بالحجارة، والقذف يتحدث عن المقذوف وسرعته، والرمي يبين دقة الحذف، والنبذ يبين كراهية المحذوف، فلا علاقة لها بالإبعاد والإخراج والطرد والنفي إلا من ناحية الوسيلة والطريقة.

 هذا والله جل جلاله أعلم

 علي موسى الزهراني 

 

 

 

 

 

 

 

 



([1]) مقاييس اللغة (1/ 268):الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (2/ 448):الغريبين في القرآن والحديث (1/ 193):مجمع بحار الأنوار (1/ 190): 

 

 

ali
ali
تعليقات