الفرق بين أحاط وحاق
حوط لغة:
الحائط هو كل ما يحاصر الشيء فيحكم
عليه الإغلاق، فيقال: حوط مزرعته، أي جعل حولها سوراً يحميها من الطامعين، وأحاط
به أي علمه، وأحاطت الخيل بفلان أي حاصرته. والحوط شيء مستدير تضعه المرأة في
جبينها للزينة. وحوط الأسير: أي حفظه وصانه ومنع هروبه.
ونلاحظ أن هناك فرقاً بين الحوط
واللبس، ذلك أن اللبس يغطي ما داخله بالكامل؛ فيحتويه، أما الإحاطة فهي مجرد خيط
على شكل دائري يحاصر الشيء مثل الحزام في البنطال، أما الثوب فكما شرحنا هو يغطي
كافة الجسم دون الإحاطة ودون اللبس، فهو مفتوح من أمامه. ([1]).
تتحدث النصوص الكريمة عن الحوط،
ومعظمها تتحدث عن أن الله يحيط إحاطة علمية، والمقصد أن علمه شامل كامل، حول أي
شيء وحول كل شيء، فهو يعلم مآلات الأمور جل جلاله (وَأَنَّ
اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)، على أن ذلك لا ينفي أنه قد يكون
معنى الإحاطة هو الإحاطة المادية، فلله القدرة والسلطة أي يحيط حسياً ويتمكن من أي
أحد (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ
يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ). وقد
ذكر المولى إحاطة الناس إحاطة علمية بشيء في مسألة جزئية (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ) أما العلم الشامل فلا يعرفونه.
كذلك أشارت النصوص إلى أن النار تحيط بالكفار، ولا يعني أنها تعذبهم في تلك اللحظة
ولكنها تحاصرهم لأن لديها المعرفة بما في صدور الناس؛ فتتبعهم وتحاصرهم والنار هي
جهنم ذاتها (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ
بِالْكَافِرِينَ)، وقد
ذكرت ذلك في كتابي (دار السلام) ويعود السبب إلى أن هؤلاء الناس قاموا بخطيئة في
الدنيا، وهي الذنوب الكبيرة (وَأَحَاطَتْ
بِهِ خَطِيئَتُهُ)
فليست الخطيئة هي التي تحيط به ولكن النار التي ستحيط به بسبب خطيئة في الدنيا قام
بها. كذلك سيحيط حراس النار بالكفار في نار جهنم (أَحَاطَ
بِهِمْ سُرَادِقُهَا)
{بَلَى
مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة : 81]
{وَلَا
يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة :
255]
{وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عِلْمًا} [الطلاق : 12]
{إِنْ
تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا
وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ
بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران : 120]
{يَسْتَخْفُونَ
مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ
يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}
[النساء : 108]
{بَلْ
كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ
تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [يونس : 39]
{وَإِلَى
مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ
إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ
بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} [هود
: 84]
{قَالَ
لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي
بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ
قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [يوسف : 66]
{وَقُلِ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ
إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا
وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ
الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف : 29]
{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ
كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} [الكهف : 42]
{يَسْتَعْجِلُونَكَ
بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}
[العنكبوت : 54]
حوق لغة:
يرى أهل اللغة أن الحوق هو ما استدار
بالكمرة، والحوق هو الجمع الكثير، وأحاق بهم أي أحاط بهم، وحاق البيت أي كنسه،
والحوق هو الكنس، وتحويق الرأس أي حلاقتها، والحواقة القماش، وأرض محوقة قليلة
النبت. وحوق عليه كلامه أي عوجه ([2]).
ونلاحظ أن أحاق ابن عم أحاط، لفظاً،
ولهذا فهذا اللفظ قريب في معناه لمعنى أحاط، وهو قريب أيضاً من كلمة مصدر حقق أي
الحق، فكأن الشيء قد تحقق فعلاً وصار واقعاً وهو إحاطة الشيء ووقوعه على أحدهم؛ فبعد
التأمل يبدو أن حاق من الحق، لأنه العذاب أحاط بالمجرمين وضيق الدائرة حتى وقع
عليهم وصار حاقاً أي حقاً وواقعاً.
الحوق
من خلال النصوص الكريمة:
من خلال النصوص
التي تتحدث عن أحاط وحاق، يتضح أن أحاط هي المرحلة الأولى، فإن جهنم تطارد الكفار،
وتلاحقهم فتحيط بهم أولاً ثم بعد ذلك تحيق بهم، فهذه النار تعقد حلقة دائرية حول
الكفار، هي الإحاطة، ثم تتقدم نحوهم في حصار مستمر فتتحول من حلقة دائرية إلى
دائرة كاملة؛ والكفار بداخلها، وهي الإحاقة؛ فالكفار يوم القيامة، ستبدو لهم النار
من بعيد ثم تتجه إليهم ثم تحاصرهم ثم تحيق بهم {وَبَدَا
لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِئُونَ} [الزمر : 48]
وهذا هو عذاب الآخرة وكذلك هو عذاب
الدنيا، حيث نجد كل أنواع العذاب الذي حل على الكفار كان محيقاً، أي حاصر الكفار
أولاً فكان محيطاً بهم ثم صار محيقاً بهم، بعد أن ألتفت الدائرة حول أعناقهم،
وديارهم. ذلك نراه في عذاب آل فرعون عندما حاصرتهم المياه ثم خنقتهم بعد ذلك وقضت
عليهم {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا
وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} [غافر : 45]
{وَلَقَدِ
اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا
كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام : 10]
{فَأَصَابَهُمْ
سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}
[النحل : 34]
{اسْتِكْبَارًا
فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا
بِأَهْلِهِ} [فاطر : 43]
{وَبَدَا
لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِئُونَ} [الجاثية : 33]
فحاق أي صار حقاً واقعاً ولأنه ذلك العذاب يتشكل في هيئة دائرة تضيق
عليهم فهي في مرحة الإحاطة ثم تزداد ضيقاً حتى تصبح في مرحلة الإحاقة أي صارت حقاً
قد تحقق. فالمياه
أحاطت بفرعون وجنوده ثم أحاقت بهم، كذلك قوم لوط أحاطت بهم الملائكة من كل جانب ثم
أحاقت بهم العذاب وهكذا بقية العذابات التي حلت بتلك الأقوام المغضوب عليها.
هذا والله جل جلاله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك