سورة العصر
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي
خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
قال أهل التراث بأن العصر هو العشي أي الذي قبل المغرب، ويسمى وقت
الأصيل، وبعضهم قال هو الدهر، وقيل إن العصر هو الليلة. ([1])
والذي
يبدو جلياً من السورة أن العصر هو لحظة الساعة، فهو إما أنه يتحدث عن حال الناس في
ذلك اليوم، فهم يعتصرون من شدة أهوال يوم القيامة،
أو أن المقصد هو وقت العصر، وهو قرب المغيب، فكما
أن الساعة تبدأ بالفجر، كما بينا في سورة الفجر، كذلك يتجمع الناس في المحشر قرب
العصر، وهناك يحاسبون، ومعظمهم يخسرون إلا الذين آمنوا بيوم القيامة وعملوا
الصالحات فإن جزائهم الجنة.
وأرجح
المعنى الثاني، وهو وقت العصر، ذلك لأن العصر في
ذلك اليوم ليس كعصرنا، فهو ممتد وطويل، لأن الضوء الذي ينير الأرض في ذلك الوقت لا
يتحرك بسرعتنا هذه. وقد شرحنا في الآية الكريمة {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ
رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَٰبُ وَجِايءَ بِالنَّبِيِّنَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ
بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } ([2]) أن الأرض سوف تشرق بنور من شمس أخرى غير شمسنا
هذه، لأنها لا تستطيع اختراق الغبار والدخان في ذلك الزمن، وقد يكون الضوء من
العرش الذي سيكون فوقنا في تلك اللحظة.
{ وَتَرَى الْمَلَٰئِكَةَ حَافِّينَ
مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم
بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَٰلَمِينَ } ([3])
{ وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ
ثَمَٰنِيَةٌ } ([4])
وتحديد
وقت العصر بأنه لحظة المحشر والحساب، معقول جداً، لأنه بعد العصر يحل الظلام
الدامس من جديد، فبعد الفجر وليال عشر، الذي يهرب فيها الناس إلى المحشر، ثم يحل
الضوء في ذلك العصر، يستمر لفترة حتى ينقضي الحساب، ثم بعد العصر يحل المغيب،
ويبدأ الظلام من جديد، وقد شرحنا ذلك في تفسير الآية (وأشرقت الأرض) فيبحث الناس
عن أي مصدر للضوء؛ فيجد المؤمن الضوء يتبعه أو يسبقه، بينما أهل النفاق والكفر فلا
يجدون أي مصدر للضوء إلا البراكين أو البروق.
{ يَوْمَ تَرَى
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَٰتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَبِأَيْمَٰنِهِم بُشْرَىٰكُمُ الْيَوْمَ جَنَّٰتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [الحديد: 12].
وهذا
الظلام الدامس الذي يحل بالأرض، سينقشع بعد فترة من الزمن، وتصلح الحياة في الأرض،
التي ستنقسم إلى نصفين: نصف جنات والنصف الآخر نيران. وستصبح الأرض كبيرة بسبب ما
حدث لها من أهوال فتتسع وتكبر.
لقد
كان الضوء مفيداً للمؤمنين، فاستطاعوا الهرب من قيعان الأرض المنخفضة إلى مرتفعاتٍ
هي الجنان، بينما أهل الكفر فقد أحاطت بهم النيران من كل جانب، فصاروا في داخل نار
جهنم.
هذا
والله جل جلاله أعلم
علي
موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك