حجج التراثي على حقيقة عذاب القبر وتفنيد حججه

 



حجج التراثي على حقيقة عذاب القبر وتفنيد حججه

 

قلنا في مقال سابق أن عذاب القبر وارد من نصوص القرآن وإشارات الأحاديث، وقلنا بأنه ليس في القبر، بل بعد بعثرة القبر، عند العودة إلى الحياة عندما تقوم القيامة، وقبل حضور الساعة. وأن الإنسان حين يفيق من الموت يجد الملائكة أمامه وقد جهزت كفنه الذي يستر جسمه العاري، وعطرته بالعطور الطيبة وقابلته بوجه حسن، وزينت له قبره لأنه سيستقر فيه فترة من الزمن. وكان خروجه سهلاً لأن قبره مجرد تراب. وهذا على عكس الظالم الذي يتحجر قبره مما يجعل الملائكة تتدخل لكي تخرجه وتعطيه كفناً خشناً وتقابله بقبح وتهديد.

لكن أهل الرواية زعموا أن عذاب القبر للميت بعد موته مباشرة وبعد أن فقد كل إحساس وشعور، واستندوا إلى مرويات فسروها على فهمهم الضيق. بل جلبوا الآيات الكريمات التي تؤكد نظرتهم وسنناقش هنا تلك الآيات ونرد حجتهم الضعيفة.

 

الآية الأولى:

{ مِّمَّا خَطِيءَٰتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا }  [نوح: 25].

زعموا أن الآية تبين أن قوم نوح غرقوا وبعدها مباشرة ادخلوا ناراً، فلم تقل الآية ثم أدخلوا ناراً، بل حدث الأمر مباشرة ويرون أن النار هنا هي عذاب القبر.

الجواب:

الآية تتحدث عن قوم نوح وما تعرضوا له من عذاب قبل موتهم، فإن القوم تعرضوا أولاً للغرق، وساقتهم الأمواج التي كالجبال { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ}  [هود: 42]. إلى التنور الذي فار بجوارهم كما تقول الآيات {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ}  [المؤمنون: 27] فحدث الغرق والإحراق في نفس اللحظة، فلا علاقة للآية بعذاب القبر الذي عند أهل الرواية. أنظر كيف أن الآية وصفتها بأنها نار من النيران ولم تعرفها بآل التعريف، فلو قالت النار بدلاً من نار لقلنا ربما هي جهنم والجحيم.

 

الآية الثانية:

{ فَجَعَلْنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ }  [الحجر: 74].

يزعمون أنه من العبث أن يتم القضاء على قوم لوطٍ جميعاً، بعد أن جعل بلادهم عاليها سافلها، فمن المؤكد أنهم ماتوا جميعاً، فما الحاجة إلى رمي الحجارة عليهم بعد ذلك كما يزعم أحدهم؟ إلا إن كان المقصود أن رمي الحجارة المسومة سيكون في القبر وهذا يؤكد عذاب القبر.

الجواب:

حدث زلزال في قرية لوطٍ، فمات بعضهم وهرب آخرون كثر، وهذا أمر يدركه الملائكة الذين تولوا القضاء عليهم، فكانوا على استعداد لرمي الحجارة التي كانت مسومة أي لكل شخص فيهم حجر مسوم باسمه، كما تقول التفاسير، لهذا فمن لم يقتله الزلزال، قتلته الحجارة. وليس في الأمر عبثٌ ولا يعني عذاب القبر مطلقاً. ذلك أن الزلزال لن يستطيع إحصاء كل إنسان فيهم فمنهم من خرج ومنهم من هو في أطراف القرية.

 

الآية الثالثة:

{ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ }  [غافر: 46].

وهي من أكثر الآيات التي يعتمدون عليها وأصابت الناس في لبسٍ، فكيف يعرضون على النار قبل الساعة إلا إن كان هناك عذاب قبرٍ.

الجواب:

لا يفرق القوم بين القيامة والساعة، فالقيامة هي لحظة القيام من القبور، أما الساعة فهي لحظة الزلازل وما بعدها من هرب وحشر وحساب ثم دخول النار.

ولو افترضنا صحة كلامهم أنهم يعرضون عليها في قبورهم، فهذا ليس دليل على عذاب في القبر، فهم لا يرونها، بل هي التي تراهم فهم من يُعرض عليها. ثم إن هذا يدلل على أن النار لها عيون تخترق القبور، وهذا يعني أيضاً أن النار موجودة منذ القدم بجوار القبور.

وكل هذا باطل ولا دليل عليه، ويمكن فهم الآية ببساطة كما فتح الله لنا، فنقول: إن الأمر يحدث بعد الخروج من القبر لحظة القيامة وقبل الساعة، فيتم دفعهم لرؤية النار، فهي تراهم وهم يرونها، وهذا من ضمن ما وعد الله من عذاب في زمن القيامة بعد الخروج من القبور، فهو عذاب تخويف وتهديد، وقد أكدت آية أخرى ذلك { وَتَرَىٰهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَٰشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ الْخَٰسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ أَلَا إِنَّ الظَّٰلِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ }  [الشورى: 45]

فالآية تتحدث عن يوم القيامة وليس الساعة

 وفي آية أخرى

{ خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ }  [القلم: 43].

ذلك من هول منظرها.

وفي آية أخرى تؤكد معنى العرض الذي سيجبرون على رؤيته

{ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَٰفِرِينَ عَرْضًا }  [الكهف: 100].

{ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ }  [الشعراء: 91].

والذي يؤكد أن العرض المقصود به يوم القيامة وليس القبر قوله تعالى:

{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَٰذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }  [الأحقاف: 34].

{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ}  [الأحقاف: 20].

وقوله تعالى:

{ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَٰفِرِينَ عَرْضًا }  [الكهف: 100].

فالعرض كما تؤكد هذه الآيات يكون يومئذ أي يوم القيامة وليس في القبر. لاحظ أنهم هم من يُعرضون، يجبرون على رؤيتها ويعرضون عليها وليس يعرضون لها.

وهناك حالتان لرؤية النار يوم القيامة، أولها تلك التي تتدفق في الأرض تسابقهم نحو قعرها ومستقرها الأخير، فها هي اللابات تسير أمامهم وتسبقهم وهم في حالة هلع وإسراع.

والحالة الثانية هي رؤية شخوص كبيرة وسيقان عظيمة تتفجر من الأرض إلى السماء فيراها الكفار فتخشع أبصارهم

ﵟيَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَﵞ [القلم: 42] ﵟخَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ ﵞ [القلم: 43] 

وعندما تقترب جهنم منهم التي هي الوعد الحق، فتشخص أبصارهم لرؤيتها ﵟوَٱقۡتَرَبَ ٱلۡوَعۡدُ ٱلۡحَقُّ فَإِذَا هِيَ ‌شَٰخِصَةٌ أَبۡصَٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَٰوَيۡلَنَا قَدۡ كُنَّا فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا بَلۡ كُنَّا ظَٰلِمِينَﵞ [الأنبياء: 97] ذلك أن المؤمنين لا يرون هذه الفظائع لأنهم وعدوا بالأمان والسلامة.

 

 الآية الرابعة

{ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَٰتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}  [البروج: 10].

زعموا أن هناك عذابين عذاب جهنم وهو يوم القيامة وعذاب الحريق وهو في القبر.

الجواب:

شرحنا بتفصيل هذه السورة البروج، وهو قصة الأخدود الذين زعموا أنها تعني رجال مؤمنين في نجران وقيل الشام وقيل العراق. وبينا أن الأخدود في جهنم وليس في الدنيا.

ولو تأمل الإخوة الكرام سيجدون أن الآية توعدت الكفرة بعذابين عذاب جهنم ثم عذاب الحريق فكيف يكون الحريق هو عذاب القبر والقبر يسبق القيامة والساعة؟ فهل جهنم تسبق القبر؟

الأمر ببساطة أن النار يوم القيامة مناطق وليست منطقة واحدة وهي السموم وجهنم والجحيم، وغيرها. فالنص يتوعد الذين يفتنون المؤمنين في دينهم بعذاب جهنم أولاً وهو مرحلة من مراحل العذاب ثم يليه عذاب أشد هو عذاب الحريق ولعله يكون في الجحيم وقد شرحنا ذلك في كتابنا دار السلام. فلا يوجد علاقة بين هذا النص الكريم، والزعم بعذاب القبر.

 

الآية الخامسة:

{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَٰئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَٰرَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ }  [الأنفال: 50].

يزعمون أن كل هذا سيحدث في القبر من ضرب في الوجه والدبر، وعذاب الحريق.

الجواب:

قد شرحنا مفصلاً أن التوفية لا يعني الإماتة في مقالات مطولة، وأن التوفية من الوفاء بالوعد الذي وعده الله للبشر بأن يحييهم مرة أخرى ثم يحاسبهم. ولو كان الذين كفروا أمواتاً فلماذا يضربون أدبارهم وكيف يصلون إليها وهم في استلقاء؟

وإنما الآية تتحدث بعد عودة الحياة للكفار مباشرة، حيث تتوفاهم الملائكة أي تلاقيهم لتحاسبهم، ثم تضرب وجوههم وأدبارهم لكي تجبرهم على الحركة ناحية المحشر أو تدفعهم إلى جهنم نفسها، لهذا قالوا لهم ذوقوا عذاب الحريق. فليس للأمر علاقة بالقبر.

 

الآية السادسة

{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ }  [التوبة: 101].

زعم القوم أن العذابين هما عذاب في الدنيا، ثم القبر، ثم عذاب الآخرة العظيم. وليس لديهم أي دليل على ذلك سوى الزعم.

الجواب:

لو بحث الناس في كتب التاريخ، سيجدون الجواب على هذا الوعيد الذي وعده الله المنافقين، وربما لم تسجله كتب التاريخ، ولكن الأمر بسيط وسهل الفهم، حل بالمنافقين عذابين لعلهما معارك أو مصيبتين من مصائب الدنيا، وعلى أهل التاريخ البحث عن ذلك، وهناك إشارات في التاريخ تشير إلى ذلك لعلي أجد وقتاً في البحث فيها.

 

الآية السابعة

{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّٰلِمُونَ فِي غَمَرَٰتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَٰئِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ ءَايَٰتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ }  [الأنعام: 93].

يزعمون أن غمرات الموت هي سكرات الموت، وأن الملائكة تبسط يدها للضرب.

الجواب:

شرحنا أن غمرات الموت ليست سكرة الموت، وأن الميت مغمور في الموت يفيق منه لحظة بعد لحظة، ثم ينظر فيجد أمامه رجالاً يمدون أيديهم له لكي يساعدوه في الخروج من قبره وليس لكي يضربونه كما يتصورون، أما عذاب الهون فقد شرحنا في مقال عذاب القبر، أن الميت المجرم يتعرض للإهانة والتخويف والتهديد بعد خروجه من القبر، حتى تحين الساعة. ومن أراد التفصيل فليذهب إلى الشروحات في هذا الموقع.

 

الآية الثامنة:

ﵟفَلَوۡلَآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلۡحُلۡقُومَ ٨٣ وَأَنتُمۡ حِينَئِذٖ تَنظُرُونَ ٨٤ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنكُمۡ وَلَٰكِن لَّا تُبۡصِرُونَ ٨٥ فَلَوۡلَآ إِن كُنتُمۡ غَيۡرَ مَدِينِينَ ٨٦ تَرۡجِعُونَهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٨٧ فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ ٨٨ فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ ٨٩ وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ ٩٠ فَسَلَٰمٞ لَّكَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ ٩١ وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ ٩٢ فَنُزُلٞ مِّنۡ حَمِيمٖ ٩٣ وَتَصۡلِيَةُ جَحِيمٍﵞ [الواقعة: 83-94] 

يزعمون أن المقصد هو النفس في القبر وأنها تتعرض للعذاب إن كانت كافرة أو النعيم إن كانت مؤمنة فروح وريحان وجنت نعيم.

الجواب:

يطول شرح الآيات الكريمات، واختصراً فهي تتحدث عما سيحدث يوم القيامة من تصنيف للناس ثلاث فئات فئة المقربين وفئة أصحاب اليمين وفئة أصحاب الشمال. ولا علاقة للنص بالموت وعذاب القبر.

 

الآية التاسعة:

{ وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَٰتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ }  [البقرة: 154].

زعموا أن هذا دليل واضح على نعيم القبر، فالميت ليس بميت حقاً، بل له إحساس وشعور يعذب أو ينعم.

ثم جلبوا أدلة تساندها وهي:

ﵟوَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ‌فَلَن ‌يُضِلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ ٤ سَيَهۡدِيهِمۡ وَيُصۡلِحُ بَالَهُمۡﵞ [محمد: 4-5] 

ﵟ‌وَلَا ‌تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ ١٦٩ فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ١٧٠ ۞ يَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَﵞ [آل عمران: 169-171] 

والآية

ﵟوَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوٓاْ أَوۡ مَاتُواْ ‌لَيَرۡزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزۡقًا حَسَنٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ ٥٨ لَيُدۡخِلَنَّهُم مُّدۡخَلٗا يَرۡضَوۡنَهُۥۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٞ ﵞ [الحج: 58-59] 

الجواب:

لو افترضنا أن الذي يقتل في سبيل الله ينعم في قبره، فهذا يعني أن بقية الموتى لا يحصلون على ذلك النعيم أو العذاب لأن الآية تحدثت وخصت القتلى في سبيل الله دون غيرهم، فلو كان الأمر عاماً شاملاً لأشارت الآيات أن كل ميت ليس بميت، بل يشعر ويحس، أليس كذلك؟ ولو أقرت بشعور الموتى فهي تتعارض مع آيات أخرى تؤكد أنهم لا يسمعون ولا يرون ولا يشعرون.

 ولو كان النص يقصد النعيم في القبر لقال أحياء في قبورهم، ولكن النص يقول أحياء عند ربهم. فما المقصود من هذا؟

المقصود أن من ترونه ميتاً، هو ليس كذلك عند الله، بل هو حي عنده، لكنه لم يقل هو حي في القبر. ولعل للمقتول في سبيل الله ميزة عن غيره من الناس وهو أنه سرعان ما يحيه الله تكريماً له، لما قام به من تضحية بنفسه من أجل الحق.

والآيات الأخرى التي استشهدوا بها من رزق وسبق، فهذا يوم القيامة، حيث ينالهم ما لا ينال الآخرين من رزق، ولهم سبق على الآخرين فالآخرون يلحقون بهم وهم يدخلون في الجنات المؤقتة حتى تحين الساعة فلهم كرامة عظيمة عند الله، وليس للأمر علاقة بالقبر، وإلا لقال يرزقون في قبورهم، ولكن قال عند ربهم.

وعند ربهم يعني ببساطة أنه لا زمن عند الله فالزمن بيده كله، فلا ماضي وحاضر ولا مستقبل عنده، كما تشعرون أنتم به، فلهذا هو يرى المقتول في سبيله كيف يحيى يوم القيامة وكيف يرزق، فالعند هنا ظرفية زمانية وليست مكان ما كالقبر أو غيره. أي الأمر ببساطة الله في تلك اللحظة التي يخاطب بها أهل المقتول في القرآن، يرى المقتول في سبيله يتنعم ويرزق بعد أن عاد إلى الحياة، لأن الزمن عند الله معدوم، ولكن البشر لا يشعرون بذلك لأنهم محاصرون في زمن اللحظة الحاضرة، لهذا لا يشعرون بالميت الذي عاد للحياة رغم وجوده وحركته من حولهم، ولكن في بعد زمني آخر.

 

الخلاصة:

تعجبت من تكفير القوم لمن لا يؤمن بعذاب القبر، بل حرصهم الشديد على ذلك، فكأن عذاب القبر أم العقيدة وأساس الدين، بينما هو قضية من القضايا الثانوية التي لولا بعض الأحاديث الأحادية الظنية لما عرف الناس بعذاب القبر.

والخطورة الثانية أن كثير من الناس يصابون باليأس والرعب الشديد والأمراض النفسية بسبب عذاب القبر أكثر من خوفهم من جهنم، حتى أن الناس صاروا مثل المرضى ولا يتمنون الموت، ولا يريدون لقاء الله، بسبب هذه الخزعبلات، والتي مصدرها إبليس. ورغم هذا التخويف الشديد فلم تثمر في تحسن أخلاق الناس وصلاحهم، بل أحدثت العكس بسبب اليأس.

والصواب أن عذاب القبر حادث فعلاً كما ذكرنا في مقال آخر، ولكنه ليس في القبر، بل بعد الخروج من القبر مباشرة، وسمي عذاب قبرٍ، لإن الإنسان لا يغادر قبره، بل يعيش فيه حتى يتم بعثه إلى المحشر. وأنه عذاب إهانة واحتقار وتهديد. سيظل يلازم الكافر حتى تحين لحظة الساعة، فالقيامة تقوم أولاً بقيام الناس من قبورهم، ثم يمضي وقت فتأتي الساعة وحينها يحدد مصير الناس إما جنة أو نار.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني

 

يمكنك مراجعة مقال عذاب القبر الحقيقي في هذا الرابط

https://quranazim.blogspot.com/2022/12/blog-post_21.html 

 

 


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -