أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

الأسوة والقدوة في القرآن الكريم

 




 الأسوة والقدوة في القرآن الكريم

 

معنى الأسوة

الأسو لغة:

الآسية هو الدعامة والسارية، تصلح السقف وتقيمه. والآسية أيضاً ما أسس من بنيان فأحكم أصله من سارية وغيرها. والأسو هو الدواء. وأسوت الجرح أي داويته وأصلحته. ويأسو الجُرح: يساعد على نتوءِ اللحم فيه والتئامه. والأسوة من التسوية أي يصبح المقتدي في مستوى المقتدى به. وآسِ بين الناس. أي سو بينهم وأعدل. ([1])

 

رأي أهل التراث في أسوة:

يرى عبد الله بن عمر أن أسوة الرسول هي جوعه. ويرى إسماعيل السدي أن تفسير الأسوة هو مواساة عند القتال.  ويرى مقاتل بن سليمان أن أسوة يعني قدوة لأن الرسول آساكم بنفسه في مواطن الحرب والشدة. كذلك عمر بن الخطاب اعتبر الأسوة يعني القدوة ([2]) . وهذه المنقولات لا نعتقد بصحتها فالصحابة الكرام المقربين من الرسول، يعلمون جيداً معنى أسوة وإنما القوم لكي يقووا رأيهم نسبوه لهؤلاء الأفاضل.

أسوة في القرآن الكريم:

لم ترد كلمة أسوة إلا في ثلاث مواضع، واحدة في رسولنا في سورة الأحزاب واثنتان في إبراهيم وأصحابه في نفس سورة الممتحنة في الآيتين الرابعة والسادسة.

فما الذي فعله إبراهيم ومحمد حتى كانا أسوة حسنة للناس؟

لنفترض أن الأسوة من المساواة كما تقول القواميس، فهل يأمرنا الله أن نكون سواسية مع هؤلاء العظام؟

وهناك معن آخر للأسوة تذكره المعاجم وهو العلاج والمداواة، وهذا يعني أن هناك علاج حسن وعلاج ضار، لأن النص قال أسوة حسنة. وهذا غير معقول فالدواء دائماً يكون حسناً وإلا لما وصف بأنه دواء. ثم كيف يكون الرسول دواء حسناً؟!

لكنني أرجح معن آخر لم تذكره المعاجم وهو أن الأسوة من السيئة، أي من عمل السيئات التي تضر الآخرين. مثل السوءة التي بدت لآدم وحواء، فهي أيضاً من السيئة التي تسوء الناس أو تسوء صاحبها.

فما هي تلك السيئات التي اختصت بهذا المصطلح (الأسوة)؟

ببساطة الأسوة هي العداوة والبغضاء مع الأقارب، وهي دائماً سيئة ومنكرة عند الناس، ولكن عندما تكون الأسوة أي العداوة والقطيعة والبغضاء مع أقارب مجرمين فهي أسوة حسنة.

وهذا ما فعله محمد فقد هاجر وترك قومه، بل قاتلهم في عشرات المعارك. ولم يأبه للحمية الجاهلية ولم يأبه للقرابة طالما أنها تبيح الظلم والعدوان على الضعفاء من العشائر الأخرى المستضعفة.

والنص الذي ورد فيه الأسوة بالرسول هي سورة الأحزاب، وهي معركة هائلة وعظيمة، تجمعت فيها قبائل عظيمة ضد الرسول وعلى رأسهم قريش. ومن المؤكد أن تلك المعركة لم تظهر فجأة، بل كان لها مقدمات، وأن الرسول استمر في الغزو وبث السرايا، لكي يردع ظلم قريش واليهود والقبائل الكبيرة الظالمة، ولكي يسمح للدعوة التوحيدية بالانتشار، وإعطاء الفرصة لكي يسمعها الناس، وهذا ما لا يريده كفار قريش واليهود، فجمعوا جمعهم ونالوا هزيمتهم.

وإبراهيم وأصحابه، صرحوا لقومهم بالعداوة في سورة الممتحنة، وهي نفس السورة التي ذكر فيها إبراهيم كأسوة حسنة. {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَٰهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَٰؤُا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَٰوَةُ وَالْبَغْضَاءُ}  [الممتحنة: 4].بل إن إبراهيم تبرأ من أبيه صراحة.  ﵟوَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةٖ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥٓ أَنَّهُۥ ‌عَدُوّٞ ‌لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ [التوبة: 114]   

والعصبية الظالمة التي تعني المحاباة مع الأقارب الظلمة، قد ورد التحذير منها في عشرات الآيات، خاصة المدنية منها، لتعصب القبائل هناك لبعضها البعض، حتى وإن اختلف مذهبها ودينها.

فهناك من تحول للإسلام لكنه لم يفعْله في قلبه تماماً وبقي يحن لأخيه الذي بقي على يهوديته، فتقول الروايات إن أشهرهم هو عبد الله بن أبي بن سلول، الذي تعصب لقرابته من قبائل اليهود الأخرى أبناء عمومته وقال ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لِإِخۡوَٰنِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَئِنۡ أُخۡرِجۡتُمۡ لَنَخۡرُجَنَّ مَعَكُمۡ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمۡ أَحَدًا أَبَدٗا وَإِن قُوتِلۡتُمۡ لَنَنصُرَنَّكُمۡ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ﴾ [الحشر: 11] فقد زعم مناصرتهم حمية جاهلية منه لقرابته اليهود، ولكن لم يصنع شيئاً عندما بدأ التهجير.

وقد ظلت هذه المشكلة تواجه الرسول الكريم فترة طويلة، بل نجدها تستمر مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعاً. وهي مشكلة متأصلة في النفس البشرية، وهي التعصب للقرابة، حتى لو كانوا ظالمين، خاصة في المجتمعات القبلية التي تستفحل بها هذه الظاهرة. فكيف إذا كانت تلك القبائل قد تهودت أو تأثرت باليهودية الشديدة العنصرية.

لقد قالها القرآن صريحة لهم في نفس السورة: إن القرابة لن تنفعهم يوم القيامة

ﵟلَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ ﵞ [الممتحنة: 3]

وقد بين القرآن الكريم أن تلك العداوة بين الأقارب ليست الحالة الطبيعية، فيجب أن تكون العلاقة مودة وليست بغضاء.

ﵟعَسَى ٱللَّهُ أَن يَجۡعَلَ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَ ٱلَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةٗۚ ﵞ [الممتحنة: 7]

ثم يضع شروطاً للسلام مع الأقارب وهو عدم العداوة والبغض

ﵟ لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَﵞ [الممتحنة: 8]

ويضع شروطاً للحرب والعداوة لأن الأسوة مع الأقارب جريمة عظيمة إلا في هذه الحالة

ﵟإِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَﵞ [الممتحنة: 9]

ولو كانت الآيات السابقات تتحدث عن قبائل بعيدة النسب، لما احتاج أن يذكرهم ويحرضهم ضد هؤلاء المعتدين، لأن المترددين حينها لن يترددوا لعدم وجود قرابة، وإنما التردد هنا بسبب القرابة التي تجعلهم يسكتون أو تجعلهم يأخذون وضع المتفرج (المحايد) فيظلم قرابتهم المسلمين الآخرين وهم يتفرجون ويسكتون، بل تأخذهم العصبية بالزعم أنهم سينصرون قومهم على المسلمين كما فعل المنافق عبد الله بن أبي بن سلول.

وكما نكث بوعده مع إخوته اليهود، فلم ينصرهم عندما حاصرهم الرسول وطردهم، كذلك قام بتحريض إخوته من المؤمنين ([3]) الذين صدقوا في إيمانهم بالهروب من المعارك خاصة في معركة الأحزاب وقال لهم ﵟ قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِينَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَآئِلِينَ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ هَلُمَّ إِلَيۡنَاۖ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلۡبَأۡسَ إِلَّا قَلِيلًاﵞ [الأحزاب: 18] 

هذا باختصار شديد معنى الأسوة وهي عمل الإساءة مع الأقارب، فإن كانت بظلم وعدوان فهي جريمة، وإن كانت لرد الأقارب وردعهم، فهي أسوة حسنة. ولو كان معنى الأسوة هو القدوة لقال النص لقد كان رسول الله أسوة حسنة ولم يقل لقد كان لكم في رسول الله وكذلك مع إبراهيم عليه السلام.

أنظر الآيات الكريمات:

﴿لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَفۡصِلُ بَيۡنَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ٣ قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ ٤ رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ﴾ [الممتحنة: 3-5]

{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْءَاخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }  [الممتحنة: 6].

﴿قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِينَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَآئِلِينَ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ هَلُمَّ إِلَيۡنَاۖ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلۡبَأۡسَ إِلَّا قَلِيلًا ١٨ أَشِحَّةً عَلَيۡكُمۡۖ فَإِذَا جَآءَ ٱلۡخَوۡفُ رَأَيۡتَهُمۡ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ تَدُورُ أَعۡيُنُهُمۡ كَٱلَّذِي يُغۡشَىٰ عَلَيۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلۡخَوۡفُ سَلَقُوكُم بِأَلۡسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلۡخَيۡرِۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَمۡ يُؤۡمِنُواْ فَأَحۡبَطَ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا ١٩ يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا ٢٠ لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ ‌أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ٢١ وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّآ إِيمَٰنٗا وَتَسۡلِيمٗا﴾ [الأحزاب: 18-22]

 

معنى القدوة

القدو لغة:

القدةُ ما تسننت به واقتديت به. قال الجوهري القدوة: الأسوة. وفلان قدوة يقتدى به. وتقدت به دابته: لزمت سنن الطريق. وطعام قدي أي طيب الطعم والريح. وما أقداه أي ما أطيبه. وأقدى المسك فاحت رائحته. وأقدى الرجل أي أسن وبلغ الموت. وأقدى أي استقام في طريق الدين. والقدو أصل البناء الذي يتشعب منه. والاقتداء يعني القُرب أو القدوم من السفر. والقدو الأصل الذي يتشعب منه. والقدوة بالفتح يعني التقدم. وقَدَى يَقْدِى: أَسْرَعَ. وقَدَا الفرس: أَسرع ([4])  

القدو عند أهل التراث:

زعم أهل الرواية أن المقصد: يا محمد اقتد بسنة هؤلاء الأنبياء. كما يقول مقاتل بن سليمان. ويرى عبد الرحمن بن زيد أن الله يأمر الرسول باتباع الأنبياء السابقين، ويتجنب هؤلاء. ولم يوضح لنا فيما يتبع الرسول الأنبياء السابقين، ولم يوضح من هؤلاء الذين قصدهم، ومن المؤكد أنه يظن أن المقصد هو قريش بينما سيتبين لنا أن المقصد هو أهل الكتاب. وهناك رواية عن ابن عباس أن المقصد هو تقليد الرسول للنبي داود في سجدة سجدها. ([5])

 

القدو في القرآن الكريم:

لم يرد جذر قدو إلا مرتين: مرة أمر الله للرسول بأن يقتدي بهداية السابقين من الأنبياء، ومرة زعم الكفار أنهم على آثار آبائهم مقتدون.

{ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَىٰهُمُ اقْتَدِهْ}  [الأنعام: 90].

{إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَٰرِهِم مُّقْتَدُونَ}  [الزخرف: 23].

فالاشتقاق (قدوة) لم يرد في القرآن الكريم، وإنما وجد في الكتب والمعاجم، لكن هل نفهم من خلال هذين النصين أن قدوة يعني الرائد أو النموذج؟

لو كان (اقتده) يعني تقليد الرموز واتباعهم لقال فبهم اقتده، لكنه عوضاً عن ذلك قال بهداهم اقتده. ولكي نفهم (معنى اقتده) وجب علينا أن نفهم معنى الهداية، فالهداية ليس التشبع بالروحانية والنور، كما سنشرح عن هذه المفردة في مقال مستقل، بل هي عكس الضلالة، والضلالة هي السير في طريق خاطئ، فيكون عكسها هو السير في طريق صائب مستقيم، فالهداية هي تعليم الإنسان المعرفة التي تجعله يتخذ الطريق الصائب. وقد يهتدي الإنسان إلى الطريق الصائب ويرفض أن يسلكه، أو قد يسلكه ثم ينتكس، فلا يعني الهداية الخلاص النهائي والفوز النهائي، وإنما هو البداية.

ولو بحثنا في الآيتين اللتين ذكر فيهما جذر قدو، سنجد أنهما تتحدثان عن الشرك والتوحيد، فبعد أن ذكر المولى أنبياء بني إسرائيل وبين أنهم سلكوا طريق التوحيد، أمر الرسول أن يقتدي بهداهم (وليس بهم) وهذا يعني أنه يأمره أن يسلك نفس الطريق الذي سلكوه، لكنه أضاف لها الجذر قدو. وتبين لنا من خلال المعاجم أن من ضمن معاني القدو هو الإسراع ومنها أسرع الخيل. وهو إسراع موجه ومقصود ومعلوم وليس عبثي وبلا معنى.

فالقرآن يحث محمداً أن يسير على درب الأنبياء السابقين، ولكن بسرعة وعجلة، وعدم تردد، ولا يكترث لأهل الكتاب في زمنه الذي بدأ ينشر الدعوة بينهم، فزعموا أن لديهم مستند على ظلمهم وشركهم من أفعال الأنبياء، فبين له القرآن أن الأنبياء لم يكونوا أبداً مشركين ولا ظالمين. فسر يا محمد مسرعاً على طريقهم، ولا تكترث لأحبار اليهود والنصارى.

أنظر الآيات بتعمن:

 ﵟٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ ٨٢ وَتِلۡكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيۡنَٰهَآ إِبۡرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦۚ نَرۡفَعُ دَرَجَٰتٖ مَّن نَّشَآءُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٞ ٨٣ وَوَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ كُلًّا هَدَيۡنَاۚ وَنُوحًا هَدَيۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِۦ دَاوُۥدَ وَسُلَيۡمَٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَٰرُونَۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٨٤ وَزَكَرِيَّا وَيَحۡيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلۡيَاسَۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ٨٥ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَٱلۡيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطٗاۚ وَكُلّٗا فَضَّلۡنَا عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ ٨٦ وَمِنۡ ءَابَآئِهِمۡ وَذُرِّيَّٰتِهِمۡ وَإِخۡوَٰنِهِمۡۖ وَٱجۡتَبَيۡنَٰهُمۡ وَهَدَيۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٨٧ ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهۡدِي بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَلَوۡ أَشۡرَكُواْ لَحَبِطَ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٨٨ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَۚ فَإِن يَكۡفُرۡ بِهَا هَٰٓؤُلَآءِ فَقَدۡ وَكَّلۡنَا بِهَا قَوۡمٗا لَّيۡسُواْ بِهَا بِكَٰفِرِينَ ٨٩ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ‌ٱقۡتَدِهۡۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًاۖ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰلَمِينَﵞ [الأنعام: 82-90] 

 

أي أن الأنبياء السابقين هداهم الله أي دلهم إلى الطريق الصحيح، لهذا فبهداهم اقتده، أي سر بسرعة وجد إلى نفس الطريق الذي دللناهم عليه. والهداية المقصودة التي حصل عليها الأنبياء السابقون هو عدم الشرك فهذا إبراهيم يبين لهم أن الله هداه للتوحيد ولا يخاف من تلك الأصنام التي يعبدونها ﵟ قَالَ أَتُحَٰٓجُّوٓنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنِۚ وَلَآ أَخَافُ مَا تُشۡرِكُونَ بِهِۦٓﵞ [الأنعام: 80].

ويبقى السؤال لماذا قال الله للرسول اقتد بهدى الأنبياء السابقين؟

الجواب: إن هذا النص ليس موجهاً إلى قريش المشركة، بل موجه إلى أهل الكتاب الذين مزجوا الشرك بدينهم وأشهر مثالين عبادتهم للمسيح وعزير، فبين القرآن للرسول ولهم أن عدم الشرك هو سيرة الأنبياء الذين يزعمون اتباعهم. فالرسول سيواجه هؤلاء أهل الكتاب الذين أصاب دينهم الشرك، بهذه الحجة وهي أنه – أي محمد- يتبع الأنبياء الذين تعتبرونهم هداة لكم.

ولنا أن نقول إن اقتدي من القيادة، أي قد نفسك يا محمد وقد من تبعك إلى نفس الطريق الذي سار فيه من سبقك من الأنبياء فهم ليسوا ظلمة ولا مشركين كما يزعم أهل الكتاب الذين يزعمون اتباعهم.

أما النص الثاني الذي ذكر فيه كفار قريش وإصرارهم على الهرولة على طريق آبائهم

فقد بين أنهم يقصدون الشرك

ﵟوَجَعَلُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمۡ عِبَٰدُ ٱلرَّحۡمَٰنِ إِنَٰثًاۚ أَشَهِدُواْ خَلۡقَهُمۡۚ سَتُكۡتَبُ شَهَٰدَتُهُمۡ وَيُسۡـَٔلُونَ ١٩ وَقَالُواْ لَوۡ شَآءَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَا عَبَدۡنَٰهُمۗ مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ ٢٠ أَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ كِتَٰبٗا مِّن قَبۡلِهِۦ فَهُم بِهِۦ مُسۡتَمۡسِكُونَ ٢١ بَلۡ قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهۡتَدُونَﵞ [الزخرف: 19-22] 

ﵟوَكَذَٰلِكَ مَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّقۡتَدُونَ ٢٣ ۞ قَٰلَ أَوَلَوۡ جِئۡتُكُم بِأَهۡدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمۡ عَلَيۡهِ ءَابَآءَكُمۡۖ قَالُوٓاْ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ ﵞ [الزخرف: 23-24] 

أي نحن سنسير بسرعة على نفس الطريق الذي سلكوه سابقاً (آثارهم) والسرعة هنا تشير إلى الهمة والرغبة والإيمان التام بما نقدم عليه، فليس هناك تردد، فكفار قريش يريدون أن يحبطوا معنويات الرسول بتأكيدهم له أنهم مصرون على اتباع أجدادهم { وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ }  [الواقعة: 46]. وقد أفلح القوم في ذلك، فبعد 13 سنة هاجر الرسول وأدرك إصرارهم على الشرك وهجر القرآن الكريم.  

ولم نجد في القرآن الكريم مفردة تغني عن معنى الذي يدور في ذهن الناس حول الأسوة والقدوة، فلا وجود لهذا المفهوم في القرآن الكريم، نعم نجد مفهوم عبرة {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ}  [يوسف: 111] والذي يعني الاتعاظ والانتباه من أحداث قصصهم فلا نقع في نفس الأخطاء، لكن مفهوم القدوة والأسوة فلا وجود له في القرآن الكريم.

وهناك مفهوم (الاتباع) فقد حثنا المصحف على اتباع الرسول واتباع القرآن الكريم، وهناك مفهوم الطاعة أيضاً وهو طاعة الله والرسول وأولي الأمر. ونلاحظ أنه عند استخدامه هذين المصطلحين ذكر الرسول ولم يذكر النبي، فعندما يأمرهم (محمد) بأمر فهو هنا رسول يجب اتباعه ويجب طاعته، ولكن عندما يفعل الفعل ولم يأمرهم به ولا يحثهم عليه فهو هنا يتصرف كإنسان له خصوصيته فيشتهي من الطعام ما يريد كخصوصية له، أو الملبس أو طريقة الكلام أو التصرف مع الآخرين فكلها تصرفات خاصة بشخصيته.

لماذا نقول بوجود خصوصية في تصرفاته؟

لنؤكد أن مفهومي القدوة والأسوة الخياليين لا وجود لهما، وأن أقرب كلمة وردت تشير إلى هذا هو المثل وهو يعني التطابق، أو مفهوم الشبه والذي يعني التطابق غير التام، بل قليل من الصفات والأفعال فقط.

ونخلص إلى أنه لو قال القرآن امتثلوا بالرسول لكان علينا أن نفعل مثله تماماً في كل صغيرة وكبيرة حد التطابق. لكنه قال لنا اطيعوا الرسول وهي طاعة يقوم بها الصحابة فقط، لأن الطاعة تكون للقائد الحي. كذلك ذكر الاتباع وهو شامل لكل زمان، فنحن نتبع الرسول وجوباً، أي نسير على نفس سيره الذي سار فيه، وهو نفس سير بقية الرسل، فلا يقصد به كل التفاصيل، بل يقصد به أصول الطريق المستقيم، وقد ذكرنا أهم شيء في ذلك الطريق وهو عدم الشرك وعدم الظلم، وما يلحقهما من أفعال واعتقادات.

الخلاصة:

إن مفهوما (قدوة وأسوة) اللذان زعمهما أهل اللغة والتراث، لا وجود لهما في القرآن بالمعنى الذي يقصده الجمهور، وأن أسوة يعني من الإساءة مع الأقربين، فإذا كانت الإساءة معهم بقصد ردعهم عن الظلم، فتلك إساءة حسنة ويسميها القرآن أسوة حسنة، لأن السيئة مع الأقربين جريمة دائماً إلا في حالة ردعهم عن ظلمهم أو شركهم.

أما القدوة فلا وجود لها في القرآن، إلا بمعنى الإسراع نحو جهة معينة لهدف معين، ومنها جاءت لفظة القائد الذي يسير نحو هدف وخطة وليس عشوائياً، ومن عرف هدفه وطريقه فقد سار مسرعاً.

وأن القرآن اجترح مصطلح الاتباع، وأمرنا فقط باتباع الرسول، أي نسير خلفه في ذلك الطريق المستقيم، كما سار هو خلف الرسل الذين سبقوه. وهو محدد بإطارين هما: عدم الظلم وعدم الشرك، أما بقية تفاصيل الطريق فهذا شأن يخصنا حسب ظروفنا وشخصيتنا.

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني

 



([1]) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (2/ 939):

([2]) أنظر هذه الصفحة ما بعدها «موسوعة التفسير المأثور» (17/ 711):

([3])«موسوعة التفسير المأثور» (17/ 700):

([4]) «تاج العروس من جواهر القاموس» (39/ 276): «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (4/ 1741):

([5]) «موسوعة التفسير المأثور» (8/ 472):

ali
ali
تعليقات