أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار
مفردات

بعل في القرآن المكرم

بعل في القرآن المكرم بعل لغة: له ثلاثة أصول: الأول بمعنى الصاحب، ومنها البعال أي ملاعبة الرجل أهل...
تفسير

مفتاح سورة البقرة

مفتاح سورة البقرة   نبذة تاريخية مهمة: حتى نفهم سورة (البقرة) يجب أن ندرس عقائد اليهود التي ...

القدس في القرآن المنير

 



القدس في القرآن المنير

القدس لغة:

أصل واحد يدل على الطهر، فالأرض المقدسة هي المطهرة، والجنة هي حظيرة القدس لأنها مطهرة. ومعنى القدوس أي الطاهر، وقيل المبارك. وقيل المنزه عن العيوب. ومعنى نقدس لك أي نقدسك ونطهرك عما لا يليق بك، وقيل، بل نطهر أنفسنا لك.

والأرض المقدسة هي أرض بين الشام وفلسطين، ويزعمون أن الأرض المقدسة هي أريحا أو إيليا. وبيت المقدس هو المكان الذي يتطهر فيه الإنسان من الذنوب، ومثله الواد المقدس طوى.

وهناك الحديث القدسي فهو-حسب تفسيرهم- لفظ معجز بواسطة جبريل وقيل، بل يأتيه وحياً وهو نائم. فهو معجز في معناه دون لفظه.

والقَدّاس حجر يوضع في الحوض يصب عليه الماء لئلا يتكدر الماء. والقُداس عند النصارى، هو موعد التجمع للعبادة أو الاحتفال. والمقدس هو الحبر أو العالم. وروح القدس أي روح الطهر. ([1])

 

القدس في القرآن المنير:

نجد – كما هي العادة- أن المعاجم تتخبط عند محاولة سبر مفردات القرآن الكريم، فكل شيء تعجز عن فهمه من صفات الله، فتنسبه إلى العظمة والكبرياء وغيرها من المفاهيم، التي ورد جذر مخصص لها، تهرباً من المسؤولية في التعمق بدراسة حقيقة المفردات، وانشغالاً بقيل وقال.

ولنبدأ بأول نص:

{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}  [البقرة: 30].

ليؤكد أن التقديس يكون لغير الله وليس الله، فالملائكة لا تقدس الله، ولكن تقدس لله، أي تفعل فعل التقديس من أجل إرضاء الله وتلبية لأوامره عليهم. فلهذا نستبعد أي معنى ظنوه، مثل التعظيم أو التبجيل أو التطهير كما زعموا. وعندما نعرف معنى التقديس سندرك أن تقديس الله هو إلحاد في اسمائه دون أن ندري.

كما نجد أن التقديس غير التسبيح (نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) [البقرة: 30]. فالتسبيح هو ترديد الفعل أو الكلام-كما سنشرح لاحقاً- وهنا هو ترديد الكلام في صفات الله

ولم يذكر القرآن، اسم الله القدوس إلا مرتين:

{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَٰمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَٰنَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }  [الحشر: 23].

{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }  [الجمعة: 1].

ليتبين لنا أن القدوس بالتأكيد ليس: السلام، أو المؤمن، أو المهيمن، أو العزيز، أو الجبار، أو المتكبر، أو الملك، أو الحكيم.

ونلاحظ في هذه السورة ذكر انتصار الرسول على اليهود، بشكل إعجازي فكان النصر من الله، فالله من جعل هزيمتهم سهلة ﴿فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَيۡثُ لَمۡ يَحۡتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَۚ﴾ [الحشر: 2]

فيتبين أن المولى هو من حمى المسلمين من غدر يهود المدينة

 

أما في النص الثاني:

{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }  [الجمعة: 1].

فقد ورد في سورة الجمعة، والذي تحدث فيه عن اليهود بالمدينة وظلمهم، ﴿كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [الجمعة: 5] ونعتقد وفق ما تقوله البيانات التاريخية أن يوم الجمعة لم يكن القصد منه الصلاة الطقوسية، بل كان يقصد به أساساً الاجتماع لإدارة شؤون الدولة العامة، وخاصة الحروب والصدقات وإقامة العلاقات، فهو اجتماع يقررون فيه ما يجب فعله، تحت قيادة الرسول عليه السلام، فهو اجتماع لتقرير الحرب الدفاعية ضد عدوان الخصوم، وإن شمل الصلاة الطقوسية.

فما معنى القدوس؟

حاشا لله أن يكون معنى القدوس هو الطاهر، فهذه صفات الكائنات الحية، التي تتقذر وتتطهر، فلهذا يجب أن نستبعد هذا المعنى بكل قوة لما فيه من تطاول على أسماء الله.

ويمكن أن نتحسس الجذر قدس، من خلال روح القدس، فما يقوم به من أعمال هو سبب وصفه بروح القدس فما هي وظيفة الروح القدس؟

روح القدس قام بعملين: نزل الوحي على محمد، وحمايته من الناس وكذلك قام بتأييد عيسى، فماذا يعني (تأييد) في القرآن؟

التأييد في القرآن المنير:

هي لفظة جاءت من اليد -وربما يكون العكس- واليد تقوم بحماية صاحبها والدفاع عنه، فالتأييد اشتقت منها ولهذا نجد الآيات التي يذكر فيها تأييد الله لأحدهم يقصد بها حمايته ضد الأخطار.

فهذا النبي محمد أيده الله بجنود لم يرها الصحابة الكرام

{هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ }  [الأنفال: 62].

{وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}  [التوبة: 40].

وداود ذو الأيدي {دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ}  [ص: 17]. أي الذي له التأييد وهم ملائكة كانوا تحت أمرته وسماهم القرآن الطير وشرحنا ذلك في جذر الطير {وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ}  [سبأ: 10].

كما أيد المؤمنين من مهاجرين وأنصار بعد تشرذمهم وضعفهم، أيدهم بالقوة { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَءَاوَىٰكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ}  [الأنفال: 26].

كما حدث مع أتباع عيسى الذين أيدهم الله أي نصرهم على أعدائهم من أبناء عمومتهم {فَءَامَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَٰءِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَٰهِرِينَ }  [الصف: 14].

وهنا نصل إلى عيسى الذي أيده الله بروح القدس، ليس لكي ينزل عليه الوحي، ولكن لكي يحميه من شر اليهود والرومان.

{وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدْنَٰهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ }  [البقرة: 87].

{وَأَيَّدْنَٰهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}  [البقرة: 253].

{إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ}  [المائدة: 110].

وبهذا نستنتج أن أهم وظيفة لروح القدس هو حماية الرسول البشري، وهذا ما حدث لعيسى فلم يستطع أحدٌ مسه بسوء كذلك الرسول محمد لم يمسه أحدٌ بسوء {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}  [المائدة: 67].والناس هنا هم اليهود والنصارى الذين تفننوا في عمل الاغتيالات واعتادوها، ولهذا نجد النص التالي يبين حقيقتهم {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَٰقَ بَنِي إِسْرَٰءِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ }  [المائدة: 70].

وكما يحمي الروح القدس الرسل، فكذلك هو يحمي الكتب المقدسة عند نزولها، من تحريف الشياطين، فلهذا استحق لقب القدس عن جدارة.

وإذا صح أن القدس يعني الحماية كما نجزم، فبهذا نفهم ماذا يعني الأرض المقدسة، وهي تعني الأرض المحمية لهذا قال عنها القرآن أنها محرمة أي محمية أشد الحماية.

{ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}  [إبراهيم: 37].

{ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }  [النمل: 91].

{وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا ءَامِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَيْءٍ}  [القصص: 57].

{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}  [البقرة: 144].

 

الملائكة ضد السفك والذبح ومع التقديس

وعندما تحدثت الملائكة أنها تقدس لله جاء في سياق الذبح وسفك الدماء، فهذا ما يحدث بين البشر لكن الملائكة تقدس أي تقوم بالحماية والرعاية للبشر من سفك دماء بعضهم، فلا يعقل أن يحصل البشر على الحكم والخلافة وهم أي الملائكة من يتولى الحماية (التقديس) فهم في ظنهم أولى من البشر في حماية أنفسهم، لكن المولى أشار إلى أن البشرية دخلت في طور جديد مع صناعة آدم ذو العقل والحكمة.

لاحظ أنهم قالوا نقدس لك أي أنهم لا يقدسون أي شخص أي لا يحمون أي شخص، بل من أمر الله تقديسه أي حمايته ورعايته.{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}  [البقرة: 30]

وموسى عندما قال لقومه ادخلوا الأرض المقدسة {يَٰقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}  [المائدة: 21].وهي مكة نفسها، كتبها الله لهم فترة مؤقتة، وليس دائمة، لأنها أرض جدهم إبراهيم وإسماعيل وقد احتلها قوم جبابرة، فلا يصح أن يحكمها هؤلاء الجبابرة {قَالُوا يَٰمُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَٰخِلُونَ}  [المائدة: 22].

فأراد أن يحثهم موسى على فتحها، بأن وصفها بأنها أرض مقدسة، أي محمية من الله والملائكة، فلو دخلتم فيها بطريقة مفاجئة ﴿ٱدۡخُلُواْ عَلَيۡهِمُ ٱلۡبَابَ فَإِذَا دَخَلۡتُمُوهُ فَإِنَّكُمۡ غَٰلِبُونَۚ﴾ [المائدة: 23] أي ادخلوا عليهم كأنكم تجار أو زوار، ولهذا تحدث الغلبة لكم دون أن تحدث مقتلة. أو أدخلوا عليهم في غفلة منهم أو أدخلوا عليهم وهم خارجها. وحين تحتلونها وتقيمون العدل فيها بدلاً من هؤلاء الجبارين، حينها تنالون التقديس أي الحماية التي كتبها الله لهذه البلد.  

وقد استنكر الكفار نزول القرآن على الرسول وزعموا أنه يفتريه، أو أن الشياطين تبعث به أو تختلقه، فبين لهم المولى أن هذا القرآن نزل به روح القدس، أي تلك الروح الحامية والراعية، فهي تحمي النص من التحريف والتلاعب من قبل الشياطين { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ }  [النحل: 102].

ويبين في سورة القدر أن القرآن نزل تحت عناية شديدة وحراسة من الروح ومعه الملائكة، والروح هنا هو روح القدس، لأنه يحمي القرآن من عبث الشياطين.

﴿إِنَّاۤ أَنزَلۡنَٰهُ فِی ‌لَیۡلَةِ ‌ٱلۡقَدۡرِ ۝١ وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا لَیۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ ۝٢ لَیۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَیۡرࣱ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرࣲ ۝٣ تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰۤئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِیهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرࣲ ۝٤ سَلَٰمٌ هِیَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ﴾

كما أكد أن القرآن نزل وهو محمول على أيدي السفرة { بِأَيْدِي سَفَرَةٍ }  [عبس: 15]  والسفرة هم الملائكة، واستخدم اليد ليدل على حفظ وصيانة وحماية القرآن من عبث الشياطين أو اطلاعهم عليه.

 

أما قوله تعالى

{إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}  [طه: 12].

يخبر المولى موسى أنه في واد مقدس، أي تحت حماية ورعاية الله، فلا تخف ولا تخش. أما خلع النعلين، فلا اعتقد أنها الحذاء، بل شيء يتعلق بالحماية فأمره الله أن يطمئن ويخلع ذلك الشيء فهو في أمان وسلامة، لأنه بواد محمي. وتقول المعاجم أن نعل هو أي شيء يحمي ويحفظ ([2])

وعلى هذا المعنى فإن نعل هو شيء يشبه الدرع، كان يرتديه موسى خشية أن يكون عند النار قطاع طرقٍ، وموسى كان فارساً مقاتلاً تعلم فنون القتال عندما كان بمصر، فعلى هذا يكون النعل هو شيء من معدن يوضع في ذراع الإنسان لكي يحميه من ضربات السيوف.

ولهذا أخبره المولى أنه في الواد المقدس طوى، أي الوادي الذي به الحماية، فلا تخش من المجرمين، واخلع ما يثقل كاهلك حتى تستمع لكلامي ﴿قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّي ٱصۡطَفَيۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَٰلَٰتِي ‌وَبِكَلَٰمِي فَخُذۡ مَآ ءَاتَيۡتُكَ ﴾ [الأعراف: 144]

 

الأحاديث التي ذكر فيها التقديس:

ورد جذر القدس في عدة أحاديث، بعضها أدعية وتسابيح لا تخص موضوعنا وإنما استوقفني حديثان وأثر عن سلمان الفارسي، ففي الحديث الأول يقول الرسول:

«إِنَّهُ ‌لَا ‌قُدِّسَتْ ‌أُمَّةٌ لَا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ» ([3])

 وفي الحديث الثاني يقول الرسول:

«كَيْفَ تُقَدَّسُ أُمَّةٌ لَا ‌يُؤْخَذُ ‌لضعيفِها ‌مَنْ ‌قَوِيِّها؟» ([4])

وهذان الحديثان يؤكدان معنى التقديس وهو الحماية فمنع الظلم يؤدي إلى الحماية. وهو تأكيدٌ لعهد الله مع إبراهيم الذي جعل هذا البلد آمناً ورزقه الطيبات مقابل ألا يظلم أهله.

ﵟوَإِذِ ٱبۡتَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗاۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِيۖ قَالَ ‌لَا ‌يَنَالُ ‌عَهۡدِي ٱلظَّٰلِمِينَ ١٢٤ وَإِذۡ جَعَلۡنَا ٱلۡبَيۡتَ مَثَابَةٗ لِّلنَّاسِ وَأَمۡنٗا وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبۡرَٰهِـۧمَ مُصَلّٗىۖ وَعَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡعَٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ ١٢٥ وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَٰذَا بَلَدًا ءَامِنٗا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِيلٗا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥٓ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُﵞ [البقرة: 124-126]

والكفر هو منع انتشار الحق ومحاربة أهله ويستتبع ذلك الظلم الشديد حتماً.

أما الأثر الذي ورد، فهو عن سلمان الفارسي عندما أراد أبو الدرداء أن يحثه للانتقال من العراق إلى الشام وبين له أنها أرض مقدسة.

ويستحسن أن ننقل النص بكامله لطرافته:

«عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ: أَنْ هَلُمَّ إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: ‌إِنَّ ‌الأَرْضَ ‌لَا ‌تُقَدِّسُ ‌أَحَدًا، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الإِنْسَانَ عَمَلُهُ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ جُعِلْتَ طَبِيبًا ، فَإِنْ كُنْتَ تُبْرِئُ فَنَعِمَّا لَكَ، وَإِنْ كُنْتَ مُتَطَبِّبًا ، فَاحْذَرْ أَنْ تَقْتُلَ إِنْسَانًا فَتَدْخُلَ النَّارَ ، فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ ، إِذَا قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ ، ثُمَّ أَدْبَرَا عَنْهُ نَظَرَ إِلَيْهِمَا، وَقَالَ متطبب: والله ارْجِعَا إِلَيَّ أَعِيدَا عَلَيَّ قِصَّتَكُمَا» ([5])

 ليتبين لنا أن التقديس، لا يكون لأرض معينة إلا بالأعمال الصالحة، وأنه لا توجد أرض مقدسة، بل إنسان مقدس بعمله. ونسأل كيف يكون الإنسان مقدساً، هل يكون حوله هالة كما يعتقد المسيحيون؟ بالطبع لا، وإنما يصبح الإنسان في حماية الله ورعايته بعمله الصالح.

الحديث القدسي

أما الحديث القدسي، فقد سمي بذلك لأنه محمي من عبث الشياطين، مثله مثل القرآن فإذا تكلم به الرسول فهو وحي، لكنه يختلف عن القرآن بأنه ينزل في المنام كفكرة وليس كنص، فيترجمها الرسول بأسلوبه.

على عكس بقية قصص الرسول التي لا تخلو من طبيعته البشرية العادية، والتي جاء القرآن ليصحح له فيها، مثل:

{ يَٰأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَٰجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }  [التحريم: 1].

{ عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَٰذِبِينَ }  [التوبة: 43].

وقد يكون الحديث القدسي، هو القرآن نفسه فهو حديث كما ذكر القرآن { أَفَبِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ }  [الواقعة: 81]. وهو مقدس أي محمي.

الفرق بين جذري القدس والحفظ:

والحفظ يختلف عن التقديس أي الحماية، في أن الحفظ حياطة قوية ضابطة للشيء، فالحفظ منع الشيء من الضياع والتفلت، بينما التقديس هو منع الأشياء الخارجية من الضرر بمن نحميه. ([6])

وأخيراً نقول: إن فهم هذه المفردة وغيرها من المفردات الفهم الصحيح، يقشع الغيمة التي وضعها الأقدمون حول نصوص القرآن، عن غير قصد منهم أو عن انشغال بغير القرآن الكريم وهو قيل وقال وتقديمه على القرآن الكريم، أو لأن أدواتهم المعرفية ليست كقوتها لنا اليوم، فنحن نستخدم الحواسب وأدوات البحث التي مكنتنا من استجلاء معاني المفردات.

وهذه المفردة التي حرفت كثيراً، جعلت الأقدمين يقفون حائرين أمام نصوص كثيرة، فكأنها ألغاز، وهي اليوم بإذن الله واضحة صريحة، فالقدوس هو الحامي، والمقدس هو المحمي، والتقديس هو عمل الحماية، وكل هذا حدث لبعض المناطق والناس، وخاصة مكة التي لم ينقطع عنها التقديس (الحماية) منذ إعادة بناءها على يد إبراهيم. وبعد دعاء ربه، أما بقية المناطق مثل وادي طوى، فقد حدث له تقديس لفترة محدودة. كما لا يمكن أن يكون بيت المقدس بهذا الاسم، لأنه بيت حل فيه الخراب دائماً وتعرض للدمار، وهي مدينة غير آمنة فلم تكن مقدسة، وإنما البيت المقدس أي المحمي هو مكة كما يقول التاريخ فقد سلمت من كل غزو واعتداء.

والخلاصة فإن

التقديس ببساطة هو الحماية

والشيء المقدس هو المحمي

والقدوس هو الذي يحمي، فالله هو الذي يحمي

والملائكة تقدس لله أي تحمي بأمر الله

 

هذا والله أعلم

علي موسى الزهراني



([1]) «مقاييس اللغة» (5/ 63): «الغريبين في القرآن والحديث» (5/ 1510): «مجمع بحار الأنوار» (4/ 224): «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (4/ 1747):

([2]) «مقاييس اللغة» (5/ 445) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (4/ 2225)

([3]) «سنن ابن ماجه» (ص518 ت هادي)

([4]) «المعجم الكبير للطبراني» (11/ 118)

([5]) «موطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري» (2/ 519)

([6]) «مقاييس اللغة» (2/ 87) «المعجم الاشتقاقي المؤصل» (1/ 465)

ali
ali
تعليقات