الفرق بين الجذور: جنب، فرق، قرب، عزل، في القرآن المكرم
الجنب في القرآن المكرم
الجنب لغة:
أصلان، أحدهما
الناحية والآخر البعد. أما الناحية فمثل قولهم: هذا من ذلك الجناب. وقعد فلان
جنبه، إذا اعتزل الناس. وحديث: عليكم بالجنبة فإنه عفاف. والجنب هو أن يشتد عطش
البعير يلتصق به جنبه. والمجنب هو الخير الكثير، كأنه يلتصق بجنب الإنسان. والمجنب
هو الترس لأنه يجنب صاحبه من الضرب.
أما الأصل الثاني -كما
يزعمون- هو البعد فمنه الجُنُب، الذي مارس الجنس، لأنه يبتعد عن الناس. وأجنب عنها
أي ابتعد ([1])
الجنب في القرآن:
الجنب ذُكر في
القرآن بمعنى واحد وهو الجانب، وليس له علاقة بالبعد، أو الابتعاد. وجانب الإنسان
هو جهة خصره
{ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ
الْمَضَاجِعِ } [2])
{قِيَٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ}([3])
{فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ}([4])
{دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} ([5])
ففي هذه الآيات
الجنب واضح، وهو ما كان على جانب الإنسان ويسمى الخصر، وما يعلوه وما ينزل عنه.
وقد يكون الجانب للجغرافيا والمكان، مثل:
{أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ}([6])
{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ
بِالْجَنبِ}([7])
{ وَنَٰدَيْنَٰهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ
الْأَيْمَنِ} ([8])
والإنسان إذا أراد
أن يراقب أحدهم فإنه لا يأتي خلفه أو أمامه، لأنه في الغالب سيرصده، ولكنه يأتيه
من جنبه لإهماله النظر في تلك الجهة، مثلما فعلت أخت موسى
{فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}([9])
وقد يكون المقصد جنب
البهائم التي نأكلها، فالأفضل أن يتم ذبحها إذا وجبت جنوبها أي سمنت أو كانت ذا سن
معينة.
{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا
مِنْهَا }([10])
جنب الله مثل حدود الله:
وكما أن المحرمات
محاطة بحدود، سميت حدود الله، كذلك وصفها القرآن بجنب الله فتلك المحرمات لها أجنب
لا يصح تعديها
ﵟوَٱتَّبِعُوٓاْ أَحۡسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلۡعَذَابُ بَغۡتَةٗ وَأَنتُمۡ
لَا تَشۡعُرُونَ ٥٥ أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّٰخِرِينَﵞ([11])
وعندما دعا إبراهيم
ربه ألا يقع في عبادة الأصنام هو وذريته، استخدم جذر الجنب، لأنه يعلم أنه لا يصح
أن يكون الإنسان ضعيفاً فيهرب ويبتعد من الأشياء الضارة، بل يجعلها بجانبه دون خوف
منها. وفيه دليل على قوتنا وعدم اكتراثنا بها وبتأثيرها علينا، كما أنها تدل على
كثرة وجودها في كل مكان، فلا يعقل الهرب منها إلا بالاعتزال بعيداً وهذا ليس مراد
الدين.
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ
اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ ءَامِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ }([12])
أما آيتي الجنب في قوله:
{ يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا
تَقْرَبُوا الصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ
وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي
سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ
جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ
تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ
وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا }([13])
{ يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوٰةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى
الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن
كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا
وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ
الْغَائِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا
صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ
اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ
وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ([14])
فتتحدث الآية
الأولى عن عدم الصلاة مع الناس، وقلنا إن الصلاة قد يتعني الطقوس وقد تعني الاتصال
بالناس، ومهما يكن معناها، فإننا في حالة السكر لا يصح أن نصلي لما قد نقوله من
أقوال أو نتصرف بأفعال ضارة، كذلك لا يصح الاتصال في حالة أن الناس يتجنبوننا
لرائحة فينا، أو نتجنبهم لرائحة فينا لا نريد أن يشمونها، فتنتقص مكانتنا عندهم،
أو لأن طبيعة عملنا ذا رائحة كريهة.
أما النار والجنة
يوم القيامة، فإن الكافر يتجنب الجنة، أي يسير بجوارها وتصبح على جانبه، دون أن
يدري، لأنه لا يعرف الطريق الصحيح إليها، أما المؤمن فكذلك ستقوم الملائكة وتدله
على الطريق الصحيح إلى الجنة، وسيُجنب النار، أي سيتصبح النار إلى جنبه.
{ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى }([15])
{ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى }([16])
الجنب عكس الوجه:
وقد شرحنا في بحث
سابق عن معنى وجه الله وقلنا هو كناية عن الاهتمام والرعاية، لأن الوجه فيه أهم
الحواس، ففيه البصر وفيه السمع وفيه التواصل بالكلام، لهذا عبر مجازياً، فالمقصود
بوجه الله هو عنايته ومزيد اهتمامه بنا.
أما جنب فعلى عكسه،
فإذا قال النص اجتنبوه فيقصد عدم الاهتمام به، فلا ينال نظراً ولا سمعاً، لأنه
بجانبنا وليس محل نظرنا. مثل قوله {
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَٰنِ أَعْرَضَ وَنَءَا بِجَانِبِهِ}([17]) فنحن مع النعيم
ننسى ونتكبر، ونعطي الآخرة جانبنا وليس وجهنا.
الاجتناب في القرآن المكرم:
ورد الاجتناب تسع
مرات في القرآن المكرم، ويقصد به معنى حسي مباشر وهو أن نجعل الشيء جانبنا، والذي
يعني عدم النظر والاكتراث به، وأننا لسنا في حاجة إليه، وإنما هو من صنع الشيطان
في عقولنا.
فالكبائر، ليست
حاجة فطرية في النفس والجسم، بل هي حاجة مصطنعة ملوثة، مثل الشذوذ أو ممارسة الجنس
مع متزوجة أو شرب الخمر، أو الميسر. أو قول الزور، أو البهتان، أو الغيبة، أو
النميمة، أو عبادة الطاغوت وهو شيطان يحثك على الطغيان والظلم. أو الظن السيء
بالناس وبالله، الذي مصدره الشيطان.
{ إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ
نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّءَاتِكُمْ}([18])
{يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا
إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَٰمُ رِجْسٌ مِّنْ
عَمَلِ الشَّيْطَٰنِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}([19])
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ
رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّٰغُوتَ}([20])
{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَٰئِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَٰحِشَ
وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}([21])
{ يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ
الظَّنِّ }([22])
{ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَٰئِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَٰحِشَ}([23])
{ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّٰغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا}([24])
{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَٰنِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ }([25])
الاجتناب مرجلة:
والاجتناب الذي
يعني وضع الشيء جانباً وليس الهروب منه، علامة على المرجلة والنضج، والانضباط
النفسي، أما ما يقصدونه بأن معنى الاجتناب هو الابتعاد والهرب من المغريات، فهو
دليل على الهزيمة النفسية والضعف وقلة الحيلة، التي لا تليق بالمؤمن الذي تكون
المغريات الوهمية بجواره ولا يلتفت إليها.
ماذا يعني اجتناب
الخمر:
جاء التحذير من
الخمر في ثلاث مواضع مشهورة عند الجمهور، وزعموا أنها تشريعات تدريجية، حتى وصل
إلى التحريم النهائي بآية الاجتناب، ولكن الشريعة ليس فيها تدريج الذي يعني النسخ(الحذف)،
فيزعمون أنه تأتي آية فتنسخ ما قبلها من حكم، وهذا قول عظيم وهو سوء تفسير وجهل
مطبق.
فالنصوص الثلاثة
تقدم ثلاث وسائل وحلول لكبح جماح حب الخمر، وتجفيف منابعه ولم تتحدث عن التدرج في
التحريم، وهذه الوسائل هي:
-
حصر وقت تعاطي المسكرات، وذلك بمنع تعاطيه
قبل الصلاة، فهي وسيلة لمحاصرة الخمر {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ
سُكَٰرَىٰ}([26])
-
التقليل من قيمته وفائدته سواء كانت
تجارية أو جسمية، فنعم له منافع، ولكن مضاره تفوق المنافع، وبهذا تسقط كرامة الخمر في نظر البشر
{قُلْ
فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}([27])
-
إظهار حقيقة الحاجة لتعاطي الخمر، وأنها
مجرد أوهام من صنع الشيطان الذي يوهمك أنك لا تستطيع الاستغناء عنه، مثل من يتوهم أنه
عاجز عن الإقلاع عن التدخين. {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ
وَالْأَزْلَٰمُ رِجْسٌ
مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَٰنِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }([28])
ولهذا لا نعتقد أن
الخمر محرم مثل القتل والزنا والإشراك، لكنه يبقى رذيلة لا تليق بالإنسان، فكل
الكائنات لا تملك عقل الإنسان؛ فيأتي المتعاطي بكل صفاقة، ويتنازل عن هذه الميزة
التي ميزه الله بها، فيجب على الدولة منع تعاطي الخمر، وإقناع الناس بوصايا رب
العالمين الكريم، الذي كرم بني آدم، تلك الوصايا التي تحذر من خبث ومكر الشيطان
الذي يريدك أن تكون مثل البهيمة، بل أقل منها.
ومن كان غير قادر
على ضبط نفسه عند التعاطي، فإن التحريم واقع عليه لا محالة، لأنه قد يعمل الموبقات
والكبائر الكبرى، فيقتل ويزني ويسرق ويشرك، أو يضرب زوجته وأولاده ويجعل حياتهم
قطعة من جحيم، أو يقود السيارة ويقتل الأبرياء.
ومن يستطيع أن يضبط
نفسه أمام هذا المارد الذي يأكل العقول؟!
القرب في القرآن المكرم
القرب لغة:
أصل صحيح وهو على خلاف البُعد. وفلان ذو قرابتي أي من يقرب مني
رحماً. وما قربت هذا الأمر أي ما تلبست به. والقربُ
هو ليلة وروود الإبل إلى الماء. والقارب هو الطالب للماء ليلاً. والقارب هو سفينة
صغيرة تكون مع السفن الكبيرة. وقرابين الملك هم وزراءه وجلساؤه. وأقربت الشاة أي
دنى نتاجها. وثوب مقارب أي غير جيد أو رخيص.
وتسمى الخاصرة بالقرب لقربها. والقراب هو بيت السيف ([29])
القرب في القرآن
القريب والقرب، عكس
البعد، هذا في الأسماء، ولكن في الأفعال فيعني الاتصال والمماسة، بحيث تتكون علاقة
بين طرفين، فالمولى لم يأمر آدم بعدم النزوح نحو الشجرة، وإنما أمره بعدم إحداث
علاقة مع تلك الشجرة، فالقرب المكاني لا قيمة له، ولكن القرب يعني المشاركة،
والاندماج، والاتصال، والمماسة؛ فما كان من آدم بعد أن أغواه الشيطان إلا أن قرب
الشجرة وذلك بالأكل منها وتذوقها. ولو
أراد المولى عدم القرب المكاني، لقال له ولا تقتربا من هذه الشجرة.
{وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ
الظَّٰلِمِينَ }([30])
أما مباشرة النساء عندما يكون الرجال عاكفون في مصليات البيت،
أي أنه يحذر بشدة من ملامسة النساء بالبشرة، في مكان
المصليات، لأنه مكان مطهر للعبادة، والملامسة بالبشرة تؤدي إلى الرغبة الجنسية،
وهو مناف تماماً للخشوع والخنوع لله، لهذا حذر الشارع من فعله. فكيف بمن يمارس
الجنس في المصليات فتلك جريمة عظيمة عند الله.
{وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ
عَٰكِفُونَ فِي الْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا}([31])
وعند المحيض لا يصح الاتصال والمماسة مع النساء، أما الاقتراب
الذي يقصده الناس وهو الاقتراب في المكان فهذا غير مقصود مطلقاً، وكان الرسول يقدر
نساءه ويقترب منهن في المحيض، فهن لسن جرِبات ويباشرهن أي تلمس بشرته بشرتهن.
{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ
وَلَا
تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ} ([32])
ولا يصح ملامسة الصلاة ونحن في حالة سكر، سواء كانت تلك الصلاة
طقوسية عبادية، أو كان اتصالاً مع الناس لما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة كالعدوان
والفرقة. أو يؤدي إلى الهذيان عند الاتصال بالله. هذا لو اعتبرنا أن الصلاة هنا
تعني الصلاة الطقوسية.
{
يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}([33])
ولا يصح ملامسة الفواحش، وهي ممارسة الجنس مع متزوجة أو مع شخص
من نفس الجنس، أو مع القريبات.
{وَلَا تَقْرَبُوا
الْفَوَٰحِشَ مَا
ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} ([34])
ولا يصح أن نلامس مال اليتيم إلا بما هو فيه نماء وتوفير لذلك
المال.
{ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ}([35])
ويوسف يرفض اتصال إخوته به إلا بعد أن يجلبوا أخاهم بنيامين.
{فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا
كَيْلَ لَكُمْ
عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ}([36])
ولا يصح ممارسة الزنى وهو ممارسة الجنس مع امرأة متزوجة لما في
ذلك من جريمة أسرية مدمرة.
{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا
}([37])
والقرب الذي حدث لموسى عند الوادي المقدس طوى هو التناجي يقول
المولى عن نوع ذلك القرب {وَقَرَّبْنَٰهُ نَجِيًّا}([38])
ونلاحظ في كل نصوص القرب، أن ذلك القرب في أساسه مقبول وفطري
وعادي، ولكن لسبب ما صار محرماً سواء تحريم وقتي أو ظرفي، فممارسة الجنس مباحة
بشكل عام، ولكن مع المتزوجات والقريبات وبالشذوذ؛ فهو الممنوع، وإدارة مال اليتيم
مباحة، بل واجبة، لكن العبث بذلك المال هو المحظور.
فإذا استخدم النص الجذر قرب، فإنه يتحدث عن شيء فطري مباح في
أساسه، لكنه يمنع لعلة فيه مؤقتة أو لعلة في الآخر. أما لو استخدم الجذر جنب فهو
يتحدث عن شيء غير فطري، من صنع الشيطان. فالرغبة بالخمر من صنع الشيطان والشغف
بالميسر من صنع الشيطان، بينما الجنس فهو فطري غريزي مستحب للتكاثر.
أما مشتقة
الاقتراب، فكلها تتحدث عن الاقتراب الزماني، وخاصة زمن القيامة والحساب، باستثناء
آية واحدة تتحدث عن الاقتراب المكاني {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب}([39])
{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ}([40])
{وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ}([41])
الفرق في القرآن
المكرم
الفرق لغة:
أصل صحيح يدل على
تمييز وتزييل بين شيئين. مثل فرق الشعر. والفِرقُ هو القطيع. والفريقة هي القطيع
من الغنم. وناقة مفرق أي فارقها ولدها. والفرقان كتاب الله لأنه فرق بين الحق
والباطل. والفرقان هو الصبح لأنه يفرق بين الليل والنهار. والأفرق هو الديك الذي
عرفه مفروق. والفارق من الناس: هو الذي يفرق بين الأمور ويفصلها. والمعنى المحوري
للفرق هو فصل بعض شيء من بعضه الآخر واصلاً إلى العمق. ([42])
الفرق في القرآن:
الفرق في القرآن
يأتي دائماً فكرياً معنوياً، أي هو يقصد الفراق المعنوي الفكري، ولا يقصد الفراق
الجغرافي، فذلك يسميه الاعتزال والعزلة، والابتعاد، والهجرة والسفر.
كذلك نبه القرآن
إلى استحلال أكل مال المخالف، {لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَٰلِ النَّاسِ} ([43]) فالنفس يسهل عليها تشريع ذلك، فبعد أن تحدث الفرقة الفكرية
يستحل أحد الفرق مال الفرق الأخرى، ولو كان القوم معتزلين أو منفصلين لما اسطاعوا
أكل مال بعضهم البعض.
وسمي كتاب موسى بالفرقان، ليس لأنه يفرق بين
الناس في المكان أو يفرق بين الأفكار في الجغرافيا، بل لأنه يميز بين الحق والباطل
فكرياً.
{ وَإِذْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَٰبَ وَالْفُرْقَانَ } ([44])
وعندما يتحدث
القرآن عن جماعات اليهود بين أنهم فرق، فالقوم لم يعتزلوا بعضهم ولم ينفصلوا أو
يهاجروا، بل هم يتعايشون في نفس المكان، وإن هاجرت عقولهم وانفصلت.
{أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ
وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ
مِّنْهُمْ}
([45])
{ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمْ} ([46])
{ أَوَكُلَّمَا عَٰهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ
مِّنْهُم
} ([47])
والسحر أو ما أنزل
على الملكين يستخدم للتفريق بين الزوجين، أي يجعل كلاهما لا يقبل
الآخر لكن لم يحدث الانفصال بعد أو لم يصلا إلى العزلة الكاملة أو الطلاق فكل ما
حدث هو عدم القبول والانسجام.
{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ
وَزَوْجِهِ} ([48])
ولو قصد القرآن
الاعتزال أو الهجرة أو الانفصال لاستخدم بدلاً من مفردة الزوجة، الطليقة مثلاً،
لكن أمراً كهذا لم يحدث بعد وإنما هو اعتزال نفسي عقلي.
والتفريق بين
الأنبياء {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}([49]) هو تفريق معنوي
فكري، وليس مكاني جغرافي فلا يصح أن تؤمن بأحدهم دون الآخر فكلهم مرسلون من الله
بنفس الرسالة. وهذا التوجيه الرباني موجه إلى الجماعات التي تتعصب لرسلٍ دون رسل.
وهناك فرقة من اليهود بالمدينة تبيح لنفسها
اختلاق النصوص ويستخدمون كل الطرق لكي يقنعوا العامة بصحة النص عن طريق لي ألسنتهم
أي قراءته كما تُقرأ التوراة ليظن السامع أنه منها. فليس كل اليهود كذلك، بل فرقة
منهم لها نهجها في استحلال الكذب
{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُنَ أَلْسِنَتَهُم
بِالْكِتَٰبِ} ([50])
ويأمر المولى من آمن من أهل المدينة بألا يتحولوا إلى فرق
متخاصمة كل فرقة لها فكر معين والذي يستتبعه خصام وقتال وحرب أهلية {وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} ([51]) { وَلَا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَٰتُ }([52])
وفي النص التالي:
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ
وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ
وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا }([53])
أي يريد هؤلاء التفريق النفسي والفكري بين الله وبعض الرسل،
بحجة أن هؤلاء الرسل ليسوا من عند الله وهم في اختلاف معه، وأن الله لم يرسلهم
أساساً. ويقصدون بذلك أن يستحلوا دماء أتباع هؤلاء الرسل. فالفراق هنا فكري معنوي
ولا يمكن أن يكون الفراق بين الله ورسله مكانياً.
وموسى يدعو الله أن يفترق فكرياً ونفسياً عن الفسقة من قومه،
ولا يقصد الاعتزال أو الهجرة، لكن حتى لا تقع عقوبة عليه بسبب فسق بعضهم، ولو قصد
الاعتزال والانفصال، لمزق المجتمع القبلي الإسرائيلي، ففي كل بيت مؤمن وكافر.
{ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا
نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ
بَيْنَنَا
وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَٰسِقِينَ }([54])
وعند ظهور أي مجدد في بني إسرائيل ينقسم القوم تجاه المجدد إلى
فريقين، فريق يريد قتل المجدد وفريق يتولى تكذيبه { لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَٰقَ بَنِي
إِسْرَٰءِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا
لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ } ([55])
ولأن الصراط المستقيم فكري نفسي، وليس مكاني جغرافي، فإن اتخاذ
سبل غير الصراط لا يعتبر هجرة او اعتزال، بل مجرد تفرق فالقوم بقوا مع بعضهم
وتفرقوا عند الصراط المستقيم فكرياً.
{وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسْتَقِيمًا
فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ
وَصَّىٰكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }([56])
وبناء مسجد ضرار قصد به المنافقون تفريق المؤمنين ليس التفريق
المكاني، فهم كلهم يسكنون المدينة، ولكن يقصدون التفريق الفكري والنفسي بين
المؤمنين.
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا
ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ
الْمُؤْمِنِينَ}([57])
وهكذا تستمر الآيات لتؤكد أن جذر فرق يقصد به الانفصال الفكري
والنفسي وليس الانفصال المادي المكاني.
حتى تفريق البحر
على يد موسى، {
وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ}([58]) هو تفريق يمكن أن
نسميه مجازاً تركيبي، فالمولى فرق البحر بواسطة هؤلاء الهاربون إلى صنفين، ويمكن
تخيل أنهما قطبين أحدهما موجب والثاني سالب، فهناك خلاف بين الطودين في التركيبة.
لاحظ أن البحر مازال متصلاً في أماكن أخرى ولم يفترق لكن الفراق حدث في تلك
الجزئية فقط. وهو يشبه فراق الناس عن بعضهم فهم يفترقون في فكرهم وأنفسهم ويظلون
يعيشون مع بعضهم.
العزل في القرآن
المكرم
العزل لغة:
العزل أصل صحيح يدل
على تنحية وإمالة كما يقول ابن فارس. وعزل الإنسان الشيء أي نحاه في جانب. وهو
بمعزل من أصحابه أي ناحية عنهم. ويعزل الرجل عند الجماع أي لم يرد الإنجاب.
والأعزل الذي لا سلاح معه. والمعزال الذي يسافر مع الناس ولا ينزل معهم
والأعزل من الدواب
الذي يميل بذنبه إلى أحد جنبيه. والعزلاء مصب لماء من الراوية في أسفلها. وعزله عن
العمل أي نحاه. ([59])
العزل في القرآن:
في القرآن لا يكون
العزل والاعتزال إلا بين الكائنات العاقلة وخاصة البشر، وهو أن تبتعد مكانياً عن
الأشخاص لسبب ما، ولا يكون الابتعاد كبيراً، بل في نفس القرية والمدينة، أو في نفس
الدار، ولكن كل يسكن في غرفة مستقلة.
مثل اعتزال النساء
في المحيض، أي عدم الاقتراب منهن والنوم بعيداً عنهن، حتى لا يحدث اتصال جنسي يؤذي
الطرفين {فَاعْتَزِلُوا
النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}([60])
وحينما تكون هناك
حروب بين طرفين، وفي النفس شكوك وارتياب، فيجب أن يكون هناك اعتزال بين الطرفين،
بل هذا هو الحاصل لا محالة، فإن الفريقين في حالة شك وخوف، والاقتراب بينهما يولد
مزيداً من الخوف والشك والأحداث، فالأفضل أن يتم الاعتزال، بل هذا ما يحصل غالباً.
{فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا
إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا } ([61])
{فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا
إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ} ([62])
وابن نوحٍ كان في
معزل، أي إما أنه اعتزل قومه أو اعتزل نوح، فسكن في مكان بجوار قرية نوح، فاعتزل
نوح أو اعتزل قوم نوح، وهذا يؤكد على حصول نفور بين الطرفين، لهذا نرجح أنه اعتزل
أباه.
{وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَٰبُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا} ([63])
وأصحاب الكهف لم
يهربوا بعيداً عن قريتهم، فالكهف كان بجوار القرية، لهذا استخدم القرآن مفردة
الاعتزال وليس الابتعاد أو الهجرة أو غيرها، من مفردات، ويؤكده القرآن، فعندما
أرادوا الطعام نصحوا أصحابهم بالتخفي. وهذا يؤكد قربهم من قريتهم. {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ
وَمَا
يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُا إِلَى الْكَهْفِ}([64])
ويبدو أن إبراهيم
عليه السلام في البداية اعتزل قومه ثم بعد ذلك هاجر بعيداً {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ
مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا}
([65])
فكان في البداية قد
اعتزل قومه، فوهب الله له الأولاد، ثم بعد ذلك هاجر {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ
مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} ([66]) لكي يؤسس دولة في
مكة {وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي} ([67]) فقد
سكن بعيداً عن قومه.
وعندما أراد القرآن
تبيان أن الشياطين لا تسمع الوحي، بين أنهم معزولون {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ}([68]) ليؤكد أن هناك بعد
مكاني بين حملة الوحي الملائكة، وبين الشياطين، فلا مجال للاستماع، ذلك لأنه يتم
طردهم من المكان، فهم ليسوا معتزلين بإرادتهم بل معزولين.
والرسول عليه
السلام، لأنه تزوج من أجل الرعاية والعناية ببعض النساء المؤمنات، فإنه عزلهن في
غرف مستقلة، ولم يتصل بالعشرة الزوجية، حتى أمره الله بما يرضيهن كلهن.
{ تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ
وَتُءْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ}([69])
وموسى طلب من قوم
فرعون الاعتزال، إذا لم يؤمنوا به { وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ }([70]) أي أن يسمحوا
لموسى وقومه بالسكن في حارة خاصة بهم { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ
أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ
قِبْلَةً}([71]) كما طالب بالهجرة ﴿فَأَرۡسِلۡ
مَعِيَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ﴾ ([72])
فنخلص من كل هذا
إلى أن الاعتزال، هو التباعد المكاني عن الآخرين، لوجود نفور أو عدم تفاهم بين
طرفين، لكنه لا يعني القطيعة الكلية ولا يعني الهجرة والارتحال.
خلاصة البحث:
كل مفردة في القرآن هي مثل اللبنة في البناء العظيم، قد صنعت
لكي تأخذ مكانها الفريد في ذلك البناء، فهي مميزة عن اللبنات الأخرى، وتتشابه معها
في بعض المفاهيم.
وفي هذه المجموعة، ونظراً لتشوه المعاني عند الناس، بسبب سوء
فهم أهل التراث لتلك المفردات، فقد بحثنا عن تشابه بين الاجتناب والابتعاد
والاعتزال والقرب، لنجد أن الاجتناب لا علاقة له مطلقاً بالبعد والقرب، فالاجتناب
هو وضع الشيء جانباً أي بمعنى إهماله، لأنه ليس فطري ولا أساسي في خلقة الإنسان.
كما وجدنا أن القرب لا يعني الاقتراب، بل يعني حدوث علاقة ما
بين شيئين، ولا تقرب لا تعني لا تذهب إلى الشيء، بل لا تُحدث علاقة معه.
كما لاحظنا أن هناك اختلاف بين لا تقرب وبين
اجتنب، لنجد أن المنهيات في لا تقرب فطرية طبيعية من خلقة
الإنسان، ولكنها مُنعت لفترة أو لظرف من الظروف، وبهذا يتبين لنا أن شجرة آدم كانت
نبتة حسنة في ذاتها وإنما مُنعت عنه لضررها عليه في تلك الفترة.
بينما نجد الاجتناب صناعة وهمية شيطانية ليس من أصل فطرة
الإنسان، وإنما من خدع الشيطان الذي يوهم الإنسان أنه في حاجة ملحة إليها، فلا
حاجة للعقل والجسم إلى الخمر أو الميسر أو غيرها من الأرجاس.
كما لاحظنا أن الاعتزال يكون بالمكان فقط، ويكون بين العقلاء،
وهو بسبب حدوث نفور أو مشكلة مؤقتة، ولا يكون بعيداً فهو ليس ابتعاد أو هجرة أو
سفر، بل هل أن تتباعد عمن تجاور.
كما لاحظنا أن جذر فرق، يقصد به الانفصال الفكري والنفسي بين
جماعتين، ولا يقصد به انفصال مكاني أو هجرة أو رحيل، ففي الغالب يتعايش الفرقاء في
نفس المكان. وقد يحدث تهجير وطرد للفرقة المستضعفة في زمن الظلم والاضطهاد.
هذا والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك