هشام بن
عروة بن الزبير وأحاديثه العجيبة
هشام
بن عروة بن الزبير، عمه عبد الله بن الزبير الذي هُزم من قبل الأمويين وقُتل في
مكة. لهذا نجد لهذا الشخص مرويات يمجد فيها عمه عبدالله، في أحاديث نبوية وردت في الكتب
الصحيحة كما يسمونها، مثل حديث تحنيك عبدالله بن الزبير من قبل الرسول عليه
السلام، تقول عائشة: "فإن أول شيء دخل بطنه لريق رسول الله" ثم قالت
أسماء:" ثم مسحه وصلى عليه وسماه عبدالله، ثم جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمان،
ليبايع رسول الله، وأمره بذلك الزبير، فتبسم رسول الله حين رآه مقبلاً إليه ثم
بايعه" وفي رواية أخرى أنه تفل في فيه، وكان حسب أمه أسماء أول مولود يولد في
الإسلام ([1]).
ومن
اختلاقات هشام العجيبة، زعم أن جده الزبير كان يملك عنزة (وهي أطول من العصا وأقصر
من الرمح) فطلبها منه الرسول فأعطاه ثم طلبها منه أبو بكر فأعطاه، ثم عمر ثم عثمان
ثم آل علي ثم عادت إلى عبدالله بن الزبير ([2]) وهذا فيه شرك ووثنية وتصنيم، وهو كذب
وافتراء على رسولنا الكريم وبقية الخلفاء، من أجل تمجيد جده الزبير وعمه عبدالله،
أو الزعم أن الشرعية انتقلت إلى عبدالله بن الزبير بانتقال
تلك العنزة، وهذه العنزة كما تقول مروياته، استخدمها جده الزبير في قتل أحد
المشركين من قريش، ولو كان هذا السبب، فهناك ألوف من الأسلحة التي ساهمت في قتل
المشركين فلماذا هذه العنزة دون غيرها من العنزات؟
ومن مرويات هشام في جده الزبير، أنه
كان مقاتلاً عظيماً يوم الخندق، وأن الرسول أمره بأن يتوجه إلى بني قريظة، بل قال
له الرسول بسبب استجابته وشجاعته:" فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي "([3])
ومن
مروياته أيضاً يمدح فيها جده الزبير وأباه عروة، أنه تعرض جسمه للضرب بالسيوف في
ثلاث مواضع، وإحدى الإصابات صارت كالحفرة في جسمه، ثم أن عبد الملك بن مروان بعد
قتله لعبد الله بن الزبير رد السيف إلى آل زبير وقد كان محلى بالفضة، كذلك سيف أبوه
عروة محلى بالفضة. ([4])
وقد زعم هشام بن عروة أن عمه عبد الله
بن الزبير هو أول من كسا الكعبة بالديباج، ويبدو أن صاحب عمدة القارئ قد شك في
كلامه، وتذكر الروايات أن آخرين هم من فعل ذلك مثل المهدي والمأمون وهارون الرشيد
وبعضهم زعم أن الأول هو عبدالمطلب بن عبد مناف ([5]) ولو صح اعتراض صاحب عمدة القارئ؛ فهذا
يعني أن هذه الرواية مختلقة على هشام بن عروة ومنسوبة إليه زوراً، لأن هذا يعني أن
الكسوة بالديباج لم تظهر إلا بعد وفاة هشام بن عروة أو في أواخر حياته ولن يستطيع
اختلاق مثل هذه القصص على الأحياء فهم يعرفون حداثة هذه الكسوة.
ومن مروياته التي يمجد فيها عمه عبد الله
بن الزبير والتي تشير إلى كرمه الشديد، وإلى بره بزوجات الرسول وخاصة خالته عائشة،
فزعم أن عبد الله بن الزبير بعث بغرارتين فيها مئة ألف فقامت بتوزيعها من ساعتها ([6])
ولأن
هشام عاصر فترة العباسيين؛ فصار يختلق الأحاديث التي تمجد في جدهم العباس وعبد الله
بن العباس، من أجل قبولهم له ومدهم له بالمال، فذهب إلى الخليفة المنصور العباسي
يطلب منه مئة ألف؛ فتكاثرها المنصور، وأعطاه عشرة آلاف، فاختلق هشام حديث من ساعته
ثم نزل يقبل يد المنصور. ([7])
وقد صنع لهم الأحاديث في تمجيد جدهم العباس، لكي ينال رضاهم، فمن ذلك زعمه
أن الرسول بين أن كل الناس يصابون باللدد - وهو مرض - إلا الرسول عليه السلام وعمه
العباس، لما له من بركة ومكانة ويروى على لسان عائشة: " لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ
تَعْظِيمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَمَّهُ الْعَبَّاسَ أَمْرًا عَجَبًا " [8]) وحتى يقنع أهل السلطة زعم أن الرسول
أقطع الزبير (عديله) أرضاً من عقار بني النضير([9]) دون سائر الناس، فقط للقرابة وبهذا
يحث أهل السلطة في زمنه بالعطاء مثل أعطيات الرسول للزبير، بما أنه حفيد الزبير.
ويريد أن يمجد هشام بن عروة أمه أسماء
وخالته عائشة فيزعم أن التيمم نزل حكمه بسببهن، فقد أضاعت إحداهن قلادة وبحث القوم
عن القلادة خارج المدينة فلم يجدوا ماء للوضوء؛ ولم يصلوا فأنزل الله آية التيمم ([10]) ونجزم بأن حادثة الإفك المتهمة فيها
أمنا عائشة باطلة ومكذوبة، كما تشير آيات سورة النور.
من اختلاقات هشام بن عروة زعمه أن
الرسول يتحدث عن تجربته في الوحي وكيف يأتيه، فيخبر أنها مثل صلصلة الجرس، وزعم
أنها أشد شيء عليه ([11]) وهذا اختلاق شخص جاهل بالقرآن الكريم،
ربما ظنوا أنهم بهذا يفسرون قوله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا
ثَقِيلًا } [المزمل: 5]. وقد اختلقوا روايات أخرى تشي بأن الوحي
ثقيل جداً يكاد يفصم الأجسام، بينما الآية السابقة تشير إلى ثقل القرآن على الكفار،
لأنه يصادم دين آبائهم، وثقل القرآن على الرسول، لأنه سيواجه بحملة شرسة في تشويه
السمعة، فهو ساحر ومجنون ومسحور وكذاب، رغبة في تحطيمه. عموما الوحي نسمة عليلة
وروحانية عظيمة جليلة تنعش قلب الرسول ولا تفصمه ولا تكاد تحطم عظامه كما يزعمون.
ومن اختلاقات هشام بن عروة زعمه أن
أمنا سودة أرادت قضاء حاجتها فترصد لها عمر بن الخطاب وعرفها فهددها فرجعت إلى بيت
الرسول تشكو ([12]) وهذا فيه تطاول على أمنا سودة واتهام
لرسولنا أنه لا يغار مثل غيرة عمر بن الخطاب، لكن الوحي كان أكثر رحمة، فأباح
للنساء بقضاء حاجتهن ولم يطاوع عمر هذه المرة كما في المرات الأخريات.
ويبدو أن هشام بن عروة مصاب بداء
الغيرة المجنون، فينسب إلى جده الزبير غيرة زائدة، تفوق غيرة الرسول الطاهر، فيزعم أن الرسول شاهد أسماء زوجة
الزبير تحمل وزراً فوق رأسها، لكي تزرع ما فيه من حبوب في أرض لزوجها الزبير، فطلب
منها الرسول أن تصعد على الخيل خلفه، فخشيت من الزبير، وحدثت بذلك زوجها الزبير
الذي قال: " وَاللهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى عَلَى رَأْسِكِ أَشَدُّ مِنْ
رُكُوبِكِ مَعَهُ" ([13]) ورغم أن رد الزبير مضحك، فقد كان من
المفروض أن الرسول يأمرها بإلقاء ذلك الوزر على ظهر الحصان فيحمله الرسول دون أن
يعرضها للحرج والشبهة. ومن الواضح أن هشام بن عروة يعاني من مرض الغيرة والشك،
وإلا لما صب تفكيره على هذه النواحي، فظن أنه من الأفضل أن يختلق هذه الطبيعة في
جده الزبير.
ومن مروياته المضحكة المبكية، زعمه أن
حسان بن ثابت كان يجالس أمنا عائشة رضي الله عنها، فذهب هشام إليها لكي يسب حسان،
لأنه منافق في نظره، فقالت دعه فقد كان ينافح عن الرسول، ويشتم قريشاً، وتقول
الرواية إن الرسول اعترض على ذلك لأن سب قريش يعني بالضرورة سب الرسول، لأنهم قومه
فقال له حسان: "لأسُلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين" ([14]) وكأن الرسول لا يهمه إلا نفسه ألا
تُسب، وكأن الرسول يرتضي مثل هذه الذنوب التي تولد الضغائن والأحقاد بين القبائل،
وهي التي سببت في تفكك الدولة الأموية لأن الدولة تركت القبائل تشتم بعضها وتُستقطب
في قطبين هما قحطان وعدنان الذي دمر الأمويين وأزال دولتهم في أقل من مئة سنة.
وطبعا هذه الرواية تريد الطعن في أمنا عائشة وأنها تستقبل الرجال في بيتها، وخاصة
أن حسان هذا اشتهر فيمن رماها بالإفك كما تزعم الروايات الكاذبة، فلا حسان فعل ذلك
ولا يوجد إفك على أمنا الجليلة، لكن عقولهم تقبل المتناقضات.
من حقارات هشام بن عروة - إن صحت نسبة
الروايات إليه - أنه ينقل خصوصيات الرسول داخل بيته من خلال نسبتها زوراً إلى أمنا
عائشة، وهي كثيرة فمن ذلك، زعم أن الرسول يضرب يده بالجدار لكي يتيمم بعد ممارسة
الجنس مع زوجاته إذا لم يجد ماء([15])
ومن
مروياته عن خصوصيات الرسول أن عائشة قالت: "كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى
الله عليه وسلم من إناء واحد، نغترف منه جميعًا" ([16])
وحديث
أن عائشة كانت ترجل رأس النبي وهي حائض ([17]) وحتى لو كانت هذه الروايات تقصد دفع اعتقاد
يهود المدينة بنجاسة النساء وقت المحيض نجاسة كاملة، فإن تخصيص أمنا الكريمة عائشة
بمثل هذه الأحاديث فيه ما فيه من تطاول ووقاحة.
وهو من زعم مع قليل من الرواة، أن
رسولنا الكريم، أهمل مسلم أعمى البصر، من أجل أن يتفرغ لرجالات الكفر الكبار من
قريش، فأنزل الله سورة عبس ينتقد فيها الرسول على سلوكه ([18]) وهذا أمر شنيع، ونرى أن القصة ليست في
أعمى بصر، بل بصيرة، وأنه أكثر على الرسول في الاعتراضات والأسئلة والتشكك، فعبس
الرسول في وجهه، فنبهه المولى إلى أنه قد يكون خلف ذلك التشكيك رغبة ملحة في
الإيمان.
ولا يصح في ذات الله أن يصف ابن أم مكتوم
بالعاهة التي فيه، وقد كان يكفي أن يذكر اسمه كما ذكر اسم زيد على سبيل المثال. لكن
الرجل أعمى بصيرة، وقد يكون الرسول برئ من هذا كله، وقد يكون أحد دعاة المسلمين
الكبار هو من وقع في هذا مع ذلك الأعمى البصيرة.
ومن مرويات هشام بن عروة العجيبة أن
الرسول دعا على عتيبة بن أبي لهب، لأنه طلق بنت الرسول ثم شق ثوب الرسول في
العراك، فدعا عليه: " أَمَا إِنِّي أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْكَ
كَلْبَهُ " فلما ذهب للتجارة قضم الأسد رأسه في أثناء الرحلة ([19])
وقد رفض كبار المحدثين أحاديث هشام بن
عروة عندما انتقل إلى العراق، ومنهم مالك وزعموا أنه يدلس مثل يعقوب بن شيبة الذي
رأى أنه انبسط في الرواية عن أبيه، وقد ذكره الحافظ في طبقات المدلسين كذلك القطان
([20])
ولا نعلم صحة هذه المرويات التي نُسبت
إلى هشام بن عروة، فقد تكون مكذوبة عليه وقد يكون بريئاً منها ولن نعلم بهذا الأمر
إلا يوم الدين، أو ربما يتفرغ الناس لمزيد من البحث والتمحيص واستخراج الحقائق
الغائبة، ولكن في كل حال، فإن مختلق الرواية سواء كان هشام أو غيره، لم يوفق في
هذه الأكاذيب، فإنه اختلق بهتان عظيم وتطاول على نبينا الكريم، وبهت أمنا عائشة
وأسماء، فنسأل الله أن يغفر له إن لم يقصد ذلك رغم أن دعاءنا لن ينفعه في شيء قد
جفت الأقلام وطويت الصحف، وكل سيشاهد أعماله يوم القيامة ويحاسب وحده.
والله أعلم
علي موسى الزهراني
هل لديك نظرة أخرى
أطرحها هنا كي نستفيد من علمك